تقديم
هل يمكن أن يقدم الشاعر للقراء ديواناً يحتوى على عدد قليل من القصائد ؟
أنا أقول : أجل . وذلك أولاً حين تكون هذه القصائد نتاج فترة من العمر الأدبى، لها ظروفها الخاصة، وعلاماتها المميزة . وثانياً أن الديوان الشعرى لا يقاس بعدد قصائده ، وكمية أبياتها ، وإنما بقيمة كل منها من الناحية الفنية والشعورية. وكثيراً ما حاولت أن أبحث عن المناطق الشعرية فى القصيدة ذاتها ، وهى النظرية التى يمكن أن تصفى التراث الشعرى الذى ورثناه إلى أقل من الربع أو الخمس ، لكننى لم أجد الوقت الكافى لذلك . . وأخيراً فإن القراءة بعامة ، وقراءة الشعر على نحو خاص ، قد أصبحت نادرة فى عصرنا الذى تغلبت فيه ثقافة الصورة المتحركة على ثقافة الكلمة المكتوبة ، ولعلنى من أشد الناس حساسية لهذه الظاهرة ، لما ألمسه بنفسى بين شباب اليوم . من هنا كان الاختصار لازماً ، والكتاب القليل الصفحات أفضل من المجلد الضخم الذى لم يعد له مكان سوى على أرفف المكتبات المتربة ! فى هذا الديوان الصغير الحجم ، جمعت ست عشرة قصيدة ، منها اثنتان يمكن أن يطلق عليهما قصيدة النثر. وقد سبق نشرهما فى كبريات الصحف المصرية (الأهرام، والأخبار ، والجمهورية ، والوفد) وكان لكل منهما مناسبة سياسية وقومية . ولذلك فقد ألحقت بهما ترجمة بالإنجليزية والفرنسية ، نظراً لنوعية المخاطب بهما . . أما القصائد الأخرى فهى امتداد لتجربتى الشعرية التى استمرت على مدى أربعين سنة ، وتستند على خمسة دواوين شعرية ، سبق أن نشرتها مفردة على حسابى الخاص ، ثم تفضلت هيئة الكتاب المصرية بنشرها مجمعة فى سلسلة (مؤلفات حامد طاهر – الجزء الأول) الذى صدر فى القاهرة سنة2002 . وقد سألنى أحد الشباب : لماذا لم يكتب عنك النقاد كما كتبوا عن أمثالك ، ومنهم من هم أقل قيمة فنية منك ؟ وبالطبع آلمنى السؤال كثيراً، لكننى قلت له بكل صراحة : إن النقاد المصريين والعرب مصممون على موقفهم من ضرورة أن يطرق الأديب أبوابهم ، وينخرط فى مجالسهم ، ويستجديهم العطف عليه ، ولعله يريق ماء وجهه ليكتبوا عنه، وأنا فى المقابل مصمم على ألا أفعل شيئاً من ذلك ، إيماناً منى بأن الأدب ليس سلعة يروج لها الأديب ، وإنما هو حاجة يتطلبها المجتمع ، فإن شاء أقبل عليها ، وإن شاء تركها لصاحبها . أما أصدقائى ، عشاق الكلمة الجميلة والصادقة ، الذين يقرأون لى ، ويقدمون الدعم النفسى اللازم لاستمرارى ، فإننى أتوجه إليهم بكل شكرى وعرفانى . فلولاهم لما واصلت، ولكنت قد سكتّ منذ زمن طويل
قصيدة اللحظات النادرة
مدخـل فى العمر لحظة ، تظل دائماً بل مثيلْ تجىء فى الصبا ، وقد تجىء فى منتصف العمر ، وقد تجىء قبل ساعة الرحيلْ يكون فيها النور أقوى ، والنسيمْ أندى ، وصفحة المياه أنقى ، والنخيلْ مختلفاً عن ذلك النخيلْ تكون فيها الأمنياتْ دانيةً . . كأنها فاكهة الجنهْ يكون فيها الخطو أجنحهْ وهبّة الرياح . . أغنياتْ فى العمر لحظة . . تمر فجأةً ، ولا تطيلْ تنقلنا من واقع منكفئ بخيلْ لعالمٍ مزدهر جميلْ ساعتها ، نحسّ أننا نعيش خارج الزمنْ وأن كل ما مضى بنا من المحنْ ما كان يستحق دمعة نريقها ، ولا جنازة نقيمها ، ولا كفنْ ! فى العمر لحظةٌ . . غريبة عن الساعات والدقائقْ تُطلعنا على صفائنا ، قوتنا ، أحلامنا التى تؤول فى نهاية المدى . . إلى حقائقْ 1 في الغربة حين يطول فى جزائر النوى اغترابنا ونلتقى بسائر الأجناس واللغات والبشرْ ويصبح الإنسان مجبراً على تحية ، أو ابتسامهْ مكتئباً . . لكنه يغالب السآمهْ وكلما خطا . . تعثرتْ خطاه بالفخاخ ، والخنادقْ ولم يعدْ هناك مَنْ يصادقْ يعود نحو نفسه . . فى لحظةٍ ، صافيةٍ ، مهادنهْ ويستعيد أهله ، رفاقه . . وموطنهْ يسامح الذين آلموهْ يمدّ كفّه لمن تجنّبوهُ ، مقسماً إذا رجعْ أن يرتمى على صدورهم . . لكى يقبّلوهْ 2 في الحب حين يفيض القلب نحو مَنْ يحب بالمشاعرْ ويستحيل نبضُه إلى مطارق تزلزل الكيانْ يريد أن يبوح .. لا يسعفه اللسان ! حينئذٍ . . تجىء لحظة تهفو لها العينانْ فترسلان نظرة . . لا يستطيع رصدَها الزمان تناجيان . . وترغبان . . وتحلمان . . وعندما تقترب الشفاه . . تقطران كل ما لديهما . . من الحنين والحنان 3 فى التوبة حين يكون المرء قد قضى حياته . . معربداً وانتهك الأعرافَ ، لا يخاف وازعاً بيومه ، ولا غداً وغاب فى منعطفات الشر ، هائماً وقاصداً وصار كلما أتى خطيئةً سعى لغيرها ، وكلما انتهى ابتدا . . تجىء لحظة ، رهيفهْ يحسّ أن قلبه يدق فى خشوعْ وأن روحه تذوب مثلما الشموع ساعتها . . يُحس أن الله يستدعيهْ فيرتمى على التراب ساجداً . . وروعة النداء تحتويهْ ! ختام فى العمر لحظة . . تجىء مرة ولا تجئ مرتينْ متى ؟ وكيف ؟ ليس يعرف الجميع وقتها . . وأين ؟ لكنها حين تجىء . . تغمر المكانَ ومضةٌ هائلة ، كأنها انفجار شمسْ وتبتدى بها حياهْ جديدة ، على بساط أخضر جميلْ تنساب حوله المياه ويسمق النخيلْ !
قصيدة الأماكن
الأماكنْ
لك فى الصدر زوايا ، ومواطنْ
حينما يلمسها الخطو ،
تنادى ألف تذكار قديمْ
وترشّ الأفق بالضوء ،
الذى تصدح فيه الأغنياتْ
الأماكنْ
لحظات فى المكانْ
تتلاقى عندها الأرواح فى صمت جليلْ
تتناجى من وراء الغيب ،
لا يوقف نجواها . . جدارُ المستحيلْ
الأماكنْ
ليستْ الأرضَ التى نمشى عليها ،
لا . . ولا هذى التلالْ
ليست البحرّ الذى لا يتناهى ،
لا . . ولا تلك الصحارى اليابساتْ
إنها جزءٌ من القلب ،
وتاريخٌ من الروح ،
وأرضُ الذكرياتْ
الأماكنْ
كالمعادنْ
بعضها أهونُ من أن تتأنّى
فى حماهُ القدمانْ
بعضها يجتذب القلبَ ،
فتهوى لثراهُ الشفتانْ
الأماكنْ
دمَنٌ لا تتماسكْ
وقصوٌر خاوياتْ
تتعاوى الريحُ فيها ،
ويئز الصمتُ من كل الجهاتْ
غير أَنّا . . حينما نطرقُها ،
لا نتمنى أن نغادرْ
ويطيب الوقتُ فيها ، كلما طال ،
وترتاح الخواطرْ
الأماكنْ
التى كانت مساكنْ
صارت الآن . . مدافنْ
قصيدة سباعية الشعوب النافقة
1 الحرب
كرامة الحدود . .
أو مراسم الأدبْ
يخرقها الجيران فجأة ، فتنتصبْ
بلاغةُ الخطبْ
كالنار حين تشعل الحطب
فتلتهبْ
الحرب تلتهبْ
ويستحيل وجه الأرض ، كله غضبْ
لا وقت للرجوع ،
لا مكان للهربْ
الموت حاصدٌ ،
وساعة الخراب تنتحبْ
2 الهزيمة
الناس مرهقونْ
يدافعون الخوف ، والشجونْ
يغالبون ندرة الطعام ،
ينقلون ماء النهر فى الصحونْ
ويشعلون
فى الليل شمعة وحيدة ، ويذكرونْ
رفاق دربهم ،
وكيف أبعدوا ؟
وما الذى كان ، وما يكونْ ؟
وحينما يطول ظلهم على الجدار . .
يسألونْ :
إلى متى يحصرنا الطاعونْ ؟ !
إلى متى يحصرنا الطاعون ؟ !
3- السلام
بشائر السلام ترتمى على ذوائب الشجرْ
وأغنياته تشيع فى الرياح
إرادة الحياة تنتصرْ
وكل ما مضى من العذاب . . يندثرْ
أمام لحظة بديعة . . من الصباحْ
" اليوم يبدأ العملْ
والآن يبدأ الكفاحْ "
" فلتفرشوا الطريق بالأملْ
ولتزرعوا الورود فى البطاح "
4- الرخاء
ترتفع الرايات من جديدْ
وتزخر القصور بالإماء والعبيدْ
ويكثر الحرّاس حول ضيعة الأميرْ
ويستعين بالضرائب الوزيرْ
وبينما الجموع فى الحقول . . كادحهْ
وسحنة الوجوه من حرارة الأفران . . كالحهْ
تنام ثُلّةٌ على الحريرْ
وتستطيب عشّها الوثيرْ
وعندما تبلغها الشكاةُ . . تستدير
غاضبة من صخب الفقير
وآه . . من تبّرم الفقير ! !
5- الثورة
حين يفيض التنّورْ
تندفع الثورة معجزةٌ من غير نبى . .
لا يوقفها سورْ !
تجتثّ من الأرض جذور الشر ،
وتهوى بشياطين الإنسِ . .
إلى قاع مهجورْ
وعلى الأكتاف العريانةِ . .
تحمل كوكبةً منها . .
جاعتْ ، شقيتْ ، عريتْ ،
حتى تكسوَها ثوبَ العدل ،
وتحكمها فى النورْ!
6-
الاستبداد
ما أسرع أن يتخلّق من بين الكوكبة . .
زعيم محبوبْ
تعطيه الناسُ عواطفها ،
فيلاطفها ،
ويصير أميراً فى مُهج وقلوبْ
لكن ما أسرع أن تلتفّ نباتات الحاشية عليهِ ،
فتخلّصه من وسخ الطين ،
وتصنع منه رمزاً ،
كنزاً . . تخفيه عن بَصَر محبّيه ،
تجعله يحسب أن الناس به تحيا ،
وعلى كفّيه تتوبْ !
مَنْ يجرؤُ أن يعترض عليه ،
مَنْ يتخيل أن به نقصاً ،
أو فى عينيه شحوبْ !
7- الحرب . . من جديد
قَدَر مكتوبْ
وضحىّ وغروبْ
وتدقّ طبول الحرب على الأبواب ،
فتقلبُ . . هذا الهرم القلوبْ ! !
قصيدة اكتشاف مقبرة فرعونية
كانت الشمسُ تهبط بعد الزوالِ
وكاد المنقِّب يأمر عماله بالرحيلِ
وفى لحظة ، غرزت قدم فى الرمالْ
وكان صياح . . وكان انتشالْ
وجاء المنقِّب ينظرُ ،
شاهد ما خبّأته الدهور الطوالْ . .
وأقعى يلامس سوراً،
توثّق فى الأرض مثل الجبالْ
مكيناً يؤدى إلى غرفة الدفْن ،
جنداً مصورة بالنبالْ
توقف يضبط أنفاسه ،
تماسك حتى يرى ما يقالْ . .
ولكن زحف الجموع تعّدتهُ ،
أفرغت الكنز مما به من لآلْ !
أراد ليصرخ . . لم يستطعْ
كاد يبكى فلم يسعف الدمعُ ،
أهوى على الأرض ، مستسلماً للمآل . .
تحسّس مومياءه فى خشوعٍ،
وأغلق تابوتها . . فى جلالْ
قصيدة فى مكتب مكيف
تمكن فى المقعد المستدير
وجاء السكرتير بالشاى ،
واصطف تل الجرائد ،
ماذا بها اليوم ؟
لم يُلق إلا على خانة الحظ . . نظرهْ
· ·
وراح يحدق فى لوحة بالجدار ،
هدية بعض الزبائن ،
لامرأة كشفت ساقها فى الغدير ،
لتملأ جرّه !
· ·
وحين تعامد فى الساعة العقربان ،
أتى الوافدون الكبارُ
وأبرمت الصفقات الكبارُ
ودارت كؤوس المسرّه
· ·
وفى آخر اليوم ،
كان رصيد الملايين يملؤه بالفخار ،
وفوق الطوار ،
تكوّم شيخ ضرير ،
فحرك وجدانه بالمبّره
· ·
أراد ليعطيه بعض النقود ،
تحسّس جيبيْه ،
ما كان مالُ ُ !
تقدم سائقه ، بالقروش التى كان يملكها ،
للفقير الذى راح يدعو لأبنائه بالفلاح ،
وأن يحفظ الله ستره !
قصيدة الاحتراق الكامل
وضعتُ فى الحب آمالى وما اكتسبتْ
سنينُ عمرى ، وقلتُ الحب مرتَفَقى
مشيتُ فى الشمس ، لا ظلُ ُ سوى عرَقى
سهرت ليلى ، لاخل سوى أرَقى
وقال كل صديق : ماله شردتْ
به الخطى فى صحارى الوهم والقلق
حتى رأيتكَ فى أحلام قافلتى
نبعاً من الحسن والإبهار والألق
أطلقت كل غنائى ليت ترفق بى
وأسمعتك ابتهالاتى مدى رهقى
نظرتَ نحو هزالى دون مرحمة
وقلت : هذا محبُ ُ غير محترق
قصيدة شفتان
تتحدثان ،
فلا أكاد أميز الكلمات من صوت الكمان ،
وتضحكان بكل ما فى القلب من مرح ،
فيبتسم الزمان
ويرف نوار البنفسج فى تضاعيف المكان
وإذا هما تتهامسان . .
فالليل منسدل على سر مصان
لكنما . . قد تصمتان
فتفجران بأضلعى لهب الترقب ، والترصد ، والرهان
· ·
تفاحتان
وحشيتان
لم تقطفا من قبلُ ،
فى غصُن هنالك . . غير دانْ !
وأدور مقترباً ،
وليس لغايتى أبداً أمانْ
الريح أسرع من يدى ،
والغصن تمنعه يدان
فإلى متى تتمانعان ؟ !
وإلى متى تتماسكان ؟ !
· ·
شفتان ناضجتان ،
تمتلآن فاكهة ،
وتختزنان أحلى ما تعتقه الدنانْ !
وبدون فرشاة ،
تلاقت فيهما نسب الجمال العبقرى ،
وأبدعت . .
فى كل واحدة معان !
· ·
شفتان تقتحمان
بالقدَر الذى يهوى على قلب الشجاع،
فيستحيل إلى جبانْ !
وتخايلان
فيحسب الظمآن أن شرابه آتٍ ،
وأن الوقت حان . .
لكن بادرةً تلفهما ،
فتبتعدان خائفتين ،
ثم تلوّحان
تاركتيْن خلفهما وعوداً ،
ليس تصدق فى الزمان ،
ولا المكانْ
قصيدة متى يجىء الشعر
الشعر كالمطرْ
يجىء زَخّة خفيفة ،
وقد يجىء كالشلالْ
فيغمر السهول والتلالْ
وينبت الزهور فى ذوائب الجبالْ
· ·
الشعر كالقدرْ
لا يعرف الشاعر وقته ولا مكانهُ ،
ولا بأى ساعد يُنالْ . .
فقد يغيب ألف ليلةٍ ،
وقد يزور كل يومْ
لكنه حذِرْ
يعطيك ما تريد مرة ، وينتظرْ
كأنما يحب أن يراك تُعتَصرْ !
· ·
الشعر نفحة من السماءْ
ينالها من يتقن السهرْ
ومن يجيد رؤية الأصداءْ
ومن يسوق روحه وجسمه . . فداءْ
وقد تصيب راعياً يعيش فى العراءْ
كما تمسّ مَلِكاً ، يحط تاجه لها ،
ويستجيب للنداءْ !
· ·
الشعر كائن جميلْ
لكنه بخيلْ! !
قصيدة صرخات أطفال العراق
صرخات أطفال العراقْ
تدوى كما تدوى الصواريخ ،
التى ضلت مواقعها ،
وتدعو الخارجين من السباقْ
أن يرجعوا بالخيل ناحية الدخان ،
فليس كل سحابة سوداء صاعقة ،
وليس القادمون من الولايات البعيدة ،
صابرين على التلاق !
· ·
صرخات أطفال العراق
تدوى فتخرس كل صوت ،
كان يدعو للتعولم والعِناقْ
وتناشد المتناظرين
ليشهدوا أثر القنابل فى الزقاقْ
نثرت رؤس الجالسين على العشاء ،
وأحدثت فى الأرض دائرتين ،
حولهما احتراقْ
· ·
صرخات أطفال العراق
كانت هنا تدوى
وسوف تطير حاملةً
أنين الرافدين . . إلى الحجازْ
ومن المزارات الحزينة للحسيْن بكربلاء
إلى بلاط القدس . . يحدوها براق !
· ·
صرخات أطفال العراق
خرجت من الليل الذى يتوالد الإصرار فيه ،
من التوحد والإباءْ
رفضُُ ، وإنكار ، وبوح بالشهادة ، والفداءْ
الأرض غاضبة من الصَّلف الذى يمشى عليها ،
والسماءْ
تهتز فى جنباتها الدعواتُ من أجل العراقْ
من أجل كل صبية تحبو ،
وطفل ليس يشبعه العناق . .
· ·
صرخات أطفال العراق
تدعو جموع الجالسين على المقاهى ،
النائمين على الأسرّة ،
مدمنى الندوات . .
أن يتنبهوا
فاليوم أوله احتراقْ
وغداً لناظره . . انسحاقْ !
قصيدة مدينتان
الأولى تبتسم بوجهكْ
وتمد ذراعيها لكَ
وشوارعها تنداح أمامك ..
والناس ترحب بك
· ·
أما الثانية
فترمقك بنظرة شكّْ
وتكاد مبانيها تقذفك
ببعض حجارتها
وتقول معالمها :
ماذا ألقاك علينا ؟ !
· ·
الأولى تمنحك الفندق ، والمقهى ،
والشاطئ تغتسل لديهْ
وتذيب هموك فيهْ
أما الثانية
فتغلق كل نوافذها
وتعرقل خطوك حتى لا تعبرها ..
وإذا شدّتك .. فنحو مقابرها
كى تشهد خاتمة الدنيا ، ومصير الأحياءْ !
· ·
الأولى سيدة
تعرف كيف ترحب بالزوار
وتقدم أقداح الأنس إلى السمّار
تلقاك على باب حديقتها
فى يدها بعض الأزهار ،
وفى عينيها فرح بلقاءٍ ، ووعودْ ..
لكن الأخرى ..
شعثاء الشعر ، مجعّدة الكفين
تشير إليك بأن تمكث خلف الباب ،
ولا تدخلَ إلا عند الموعدْ
وإذا غادرت .. فلا تنظر خلفك !
· ·
ما أقسى أن تطردك المدن الصّماء !
مدن الوحشة والوحدة والبغضاء
تدخلها مضطرب الأعصابْ
تخرج منها مضطرب الأعصابْ
أما المدن الأخرى ..
فهى الأبقى فى القلب ،
نسائمها عطر .. وسحابْ !
وحديثك عنها عزف متصل
للنفس .. وللأحبابْ
قصيدة من القطـار
من القطارْ
تبدو نوافذ البيوت ضيقهْ
ومغلقه
وطالما سألتُ :
هل يبتسم الذين يسكنون خلفها ؟
وهل يطالعون مثلنا الجرائدْ
ويأكلون كيف : فوق الأرض يا ترى . .
أم الموائدْ ؟
وحينما ينغمسون فى الكرى
هل يا ترى يحلّقونْ
أم أنهم على جوانب الفراش يسقطون !
· ·
من القطارْ
الريف صفحة جميلة خضراءْ
تحدها على المدى . . السماء
لكنها خالية من الطيورْ
ولا يُرى الفلاح
مهندس الأرض الذى لوّنها ،
ومّدها بالخصب والنماءْ
وحين تلتقيه صدفةً ،
يبوح وجهه الحزينْ
بأنه مسكينْ !
كأنه لم يشهد اهتزازة النبات للندى
وبسمة النوّار فى الصباحْ
· ·
من القطارْ
وفوق شط النيل ،
ما يزال ذلك المغامر العجوزُ ،
يطرح الشباكْ
ويستردها بلا أسماكْ !
والقارب المنكسر المجدافْ
يرتجّ فوق الماء تارةً ،
وتارة ينداحْ . .
· ·
من القطارْ
ترتحل الأفكار عادة . . كما السحبْ
ولا تكاد فكرة تقرّ فى مدارْ
وحينما يغلبنى النّعاسْ
يرتفع الصراخ فى المحمول
ما أضيع الوقت الذى نقضيه . .
فى الرحيل !
قصيدة حكاية الحب والختام
ما الذى يجعل قلباً ، مستقيم النبضاتْ
يتلوى مثلما الفرخ الكسيحْ
حينما تأسره عينا فتاة
بخيوط من حرير النظرات ؟ !
· ·
كيف لا يقدر حتى أن يقاوم
وشوشات الريح ، أو همس النجوم ؟
كيف لا يخرج من هذا اللقاء
رافع الرأس ، سريع الخطواتْ
وبعيداً يغسل الكفين فى النهر ،
ويمضى . .
دون أن يسقط فى وادى الشتاتْ ؟ !
· ·
يقال إنه القدرْ
وقد يقال إنه المصيرْ
لكنما الليل الذى تضمنا عباءتُهْ
يلقى بنا فى غابة الأشواق ، والسهرْ
فلا نكاد تبصر القمر
وحينما يطرحنا الإرهاق تحت نخلة عجوزْ
نشكو إلى السماء حلمنا الجريح
ونستريحْ !
· ·
أى شمس تشرق الآن علينا
وتشيع الدفء فى القلب ، المعنّى . .
ها هى الجنة صارت من جديد . . فى يديْنا
وأرى وجهك فياضاً ،
وفى عينيك بستان ومغنى
ما الذى يتركنا . .
نتساقى لحظة الصفو . . معاً ؟
ما الذى يجعلنا . .
نعتلى السحْب ، وننسى الزمنا ؟ !
· ·
وفجأة تجىء لحظة كئيبة . .
كأنها الزلزالْ
فتختفى الشمس ، وتسكت الطيور
ولا يشع نورْ !
· ·
فما الذى فرقنا ؟
وما الذى أبعدنا ؟
نعود للشواطئ الفارغة القديمهْ
على صخورها حروفُنا
وفى رمالها آثارُ خطونا
لكنها خالية من الحياة
ساكنة . . كأنها العدمْ
تواصل شاعريْن
أرسل د. حامد طاهر قصيدة تحية إلى صديقه الشاعر الكبير
محمد الفيتورى قال فيها :
أيها الشاعر الكبير سلاما
فى زمان فقدتُ فيه السلاما
وتنسمتُ نفحة من ربى الشعر
تذيب الأسى ، وتمحو القتاما
فـأهلّـتْ علـىّ مندفـعات
بعضُ أشعارك التى تتسامى
صُغتَها من قوادم الفجر لحنا
ومن النار سُقتَ فيها الضراما
أى روح تبثّها فى كلام
لفظة منه تحرق الأصناما
وتهز الأمواج فى هدأة البحر،
وتُلقى عن الجبال الرغاما ؟؟
أنت أيقظت أمة من كراها
حين كانت إفريقيا أحلاما
وتمسكتَ بالعروبة حتى
ترفعَ الرأس، أو تُحدّ الحساما
ما الذى كان فى ضمير المقادير
لهذى البلاد كى تستضاما
أصبحت حفرةً وكانت سماء
أصبحت تابعاً وكانت إماما
غير أن الأيام لا تتوانى
أن تعيد الأقدار والأحجاما
وزمان تعيش فيه بحق
لن تكون النسور فيه حماما
وقد رد عليه الشاعر الكبير محمد الفيتورى قائلاً
:
يا أخا الشعر والهموم .. ولن يجرُؤ مثلى عليكَ أن يتسامى
ليست الشمسُ غير ما ترى
ولقد تؤثر بعضُ العيونِ أن تتعامى
ولقد تصعدُ الخطى حيث تهوى
ويدوس الظلامُ فيها الظلاما
ولقد تعبرُ السنون غيوما
فى مرايا الوجوهِ عاما فعاما
فلتكن أنت أو أنا أو كلانا
مثلما نحنُ .. عِزَّةً ومَقَاما
نتجلى صمتاً، ونبكى غناءً
ونغنى حزناً ، ونفنى غراما
قصيدة حصار كنيسة المهد
( قصيدة نثر )
بجوار كنيسة المهد يشعر العابرون أنهم يعودون ألفى سنة فى التاريخ وعندما يدخلون من الباب الخشبى تخفق قلوبهم بشدة لأنهم يجدون أنفسهم فى ذات المكان الذى شهد ميلاد طفل ولد من غير أب ، وراح يكلم الناس من المهد !
· ·
بجوار كنيسة المهد تعود السائحون أن يسيروا فى أمان وأن يشتروا التذكارات ويتبادلوا التحية ، والابتسامات أما أهل مدينة بيت لحم فإنهم ما زالوا يحكون لأبنائهم . . أن تلك الكنيسة المعتّقة قد استمرت خلال قرنين من الزمان لم يتصدع بها جدار ولم تتوقف فيها الأجراس عن الرنين ! وهكذا ظلت كنيسة " المسيحية الأولى " مفتوحة الأبواب دائماً لكل أتباع المسيح
· ·
بجوار كنيسة المهد وذات صباح محمل بالغبار . . اندفع طابور من الدبابات يظللها سرب من الطائرات
وفى لحظة واحدة . . انطلق الرصاص من البنادق والمدافع ، وإلى كل اتجاه . . سقط البعض قتلى ! وأسرع البعض جرحى ! واندفع إلى داخل الكنيسة عدد من الخائفين : مسلمين ، ومسيحيين !
· ·
بجوار كنيسة المهد وقف القائد ذو النجمة السداسية متردداً هل يأمر جنوده بالاقتحام ؟ أم ينتظر أوامر جديدة من رؤسائه ؟ وحين وجد نفسه عاجزاً عن التفكير راح يلقى على الكنيسة قنابل الدخان
ويتوعد جميع من بالداخل بالاستسلام . . أو النيران لكن هؤلاء لم يسمعوا شيئاً من ذلك
لأنهم كانوا قد دخلوا بالفعل . . فى ضيافة المسيح !
· ·
بجوار كنيسة المهد ماذا تفعل القوة العمياء أمام المعجزات ؟! استمر الحصار أربعين يوما لا يدخل ماء ، ولا طعام ولا تدخل أدوية ، ولا مصلون ! استمر الحصار أربعين يوما لا يخرج عجوز ولا مريض
ولا تخرج جثة لشهيد !
· ·
بجوار كنيسة المهد بدا الإعياء واضحاً على الجنود ولم يعودوا يتبادلون الأحاديث ! كانوا ينتظرون حلول الليل لكى يخفيهم عن عيون العالم التى راحت تحدق فيهم بالنهار ، وهم يوجهون مدافع الدبابات ، إلى المكان . . الذى ولد فيه المسيح ! ويقال إنهم كانوا يسمعون فى جوف الليل صوتاً يتجاوب فى الآفاق صداه : أحبوا أعداءكم باركوا لاعينيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ،
ويطردونكم !
· ·
بجوار كنيسة المهد دارت الكثير من المفاوضات وطرحت حلول ، وصرخت تهديدات ! وتحركت العديد من الآليات والمدرعات لكن لساناً واحداً ، لم يجرؤ أن يقول للجنود : اقتحموا هذا الباب الخشبى الصغير !
ماذا تفعل القوة العمياء أمام المعجزات ؟!
· ·
بجوار كنيسة المهد
فجأة . . وذات مساء ملبد بالغيوم
هدأ هدير الجيش الجرّار !
وخرج المحاصرون فى أمان
وعندما سُئل أحد الرهبان :
- كيف كنتم تنامون ؟
- كنا نقتسم المكان
- وماذا كنتم تأكلون ؟
- أوراق شجر الليمون !
(الترجمة الفرنسية )
Siège de la Basilique
de la Nativité
A côté de la Basilique de la Nativité
Les passants sentent
Qu’ils retournent à deux mille ans dans l’histoire !
Et quand ils entrent, ils passent par la porte en bois
Leurs coeurs battent fortement
Car ils se trouvent dans le même lieu
Qui avait vécu
La naissance d’un enfant né sans père
S'adressant aux gens depuis son berceau
· ·
A côté de la basilique de la Nativité
Les touristes marchent d'ordinaire en sécurité,
Achètent des souvenirs
Echangent les saluts
Et les sourires
Tandis que les citoyens, de la ville de Bethleem
Racontent encore à leurs enfants
Que cette ancienne église
Avait survécu pendant deux siècles
Aucun mur n’avait subi un dommage
Et les cloches n’arrêtent pas à sonner
C’est ainsi que la premier basilique du christianisme
Garde toujours ses portes ouvertes
Pour tous les partisans du christ
· ·
A côté de la basilique de la nativité
Par un matin poussiéreux
Un convoi de chars surgit
Appuyé d’un cortège d'avions
Et un seul coup
Les tirs de balles et d’artellerie sortent
Envers toutes les directions
Quelques personnes ont trouvé la mort
Et d’autre blessés basculent à l’intérieur de la basilique
Par peur:
Musulmans et chretiens
· ·
A côté de la basilique de la nativité
Le commandant à l'étoile hexagonale hésite
Doit-il ordoner ses soldats d'entrer ?
Ou attendre de nouveaux ordres de ses supérieurs?
Et quand il se trouve incapable de réfléchir
Il commence à lancer des bombes lacrymogènes
Menacer céux qui sont à l'intérieur
De capitulation ou d'incendie
Mais ils n’entendent rien
Car ils sont effectivement entrés
Dans l’hospitalité du christ.
· ·
A côté de la basilique de la Nativité
Que peut faire une force aveugle
devant les miracles?
Le siège a duré quarante jours
Sans eau, sans nourriture
Sans médicaments,
et sans fidèles pour prier
Le siège a duré quarante jours
Aucun vieux ou malade ne sort
Ni même le cadavre d’un martyre
· ·
A côté de la basilique de la Nativité
Les soldats ont l’air bien fatigués
Ils n’échangent meme pas les paroles
Ils attendent l’arrivée de la nuit
Pour se cacher des yeux du monde
Qui les regardent pendant la journée
Lorsqu’ils pointent les canons des chars
Vers le lieu de la naissance du christ
On dit qu’ils entendent au milieu de nuit
L'echo d’une voix dans les horizons :
Aimez vos ennemis
Bénissez ceux qui vous insultent
Ceux qui vous insultent
Soyez bons avec ceux qui vous haïssent
Et faites la prière
pour ceux qui vous font mal
Et vous chassent
· ·
A côté de la basilique de la Nativité
Une série de négociations a eu lieu
Des solutions ont été proposées
Des menaces ont été crieés
Et de nombreuses machines
et blindes ont été mobilisées
Mais aucune langue
N’a le courage de dire aux soldats
Entrez fortement
par cette petite porte en bois
Que peut faire une force aveugle devant les miracles?
· ·
A côté de la basilique de la Nativité
Soudain, par un soir nuageux
Le bruit de l’armée baisse
Et les assiègés sortent en sécurité
Un prêtre est interrogé:
- Comment avez vous dormis ?
- Nous nous partagions l’endroit
- Et que mangiez-vous?
- Les feuilles du citronnier.
·
·
قصيدة رسالةإلى الأم الأمريكية
(قصيدة نثر )
أيتها الأم الأمريكية
هل تشاهدين ما يحدث فى فلسطين ؟
إنهم يدوسون بالدبابات
فوق الأرض التى مشى عليها المسيح
ويسقطون أشجار الزيتون والنخيل
التى استظلت بها مريم العذراء
· · أيتها الأم الأمريكية
هل تشاهدين دموع الأم العربية
وهى تغسل وجه صغيرها ،
الذى اخترق صدرَه الرصاص ،
لأنه كان يجرى مع رفاقه فى الشارع
ويقذف بأحجار صغيرة فى الهواء ؟ !
أيتها الأم الأمريكية
هل تشعرين بالأمن على أولادك
حين يذهبون أو يعودون من المدرسة
وحين يخرجون إلى السينما
أو يصرون على شراء الآيس كريم ؟ !
إن الأم العربية . .
لم تعد تعرف أبداً هذا الشعور .
· ·
أيتها الأم الأمريكية
هل منعك أحد فى يوم من الأيام
من الدخول إلى الكنيسة ؟
إنهم فى فلسطين
يغلقون ببنادقهم أبواب الكنائس والمساجد ويمنعون الأم العربية من الصلاة !
· · أيتها الأم الأمريكية زوجك هو الذى يبيع لهم السلاح وابنك الأكبر لا يهتم بمصدر أموال والده أما ابنك الصغير فإنه يتساءل عندما يشاهد التليفزيون لماذا يحدث هذا فى فلسطين ؟
· · أيتها الأم الأمريكية أنتِ الأقدر على رؤية معالم الأفق وأنتِ وحدكِ التى يمكنك أن تعرفى بالفطرة الخيط الرفيع الفاصل ، بين البحر والشاطئ . . بين الليل والنهار . . بين عودة الابن عند حلول المساء ، أو عدم عودته إلى الأبد
( الترجمة الانجليزية )
A message to . .American Mother
Oh! The American mother
Do you see what happens in Palestine?
they tread down with their tanks.
over the holy land which Christ walked on
and fall down the olive trees and palms
with which Saint Maryam shaded.
· ·
Oh! The American mother
Do you see the tears of the Arab mother ?
When washing the face of the her little child,
Which the bullets pierce,
Because he was running with his follows in streets
Throwing little stones in the air !
· ·
Oh! The American mother
do you feel safe about your children?
when they go out and return from their school
when they out to movies
or insist on buying ice-cream !?
the Arab mother . .
does not know this feeling now
· ·
Oh! The American mother
does anybody prevent you on a day of the days
to enter the church ?
they in Palestine
close with their guns the gates of church’s and mosques
the prevent the American mother from praying
· ·
Oh! The American mother
your husband, he who sells the weapon to them
your elder son does not care about the source of the weather of his father
but your younger son is asking,
when he watched the TV
why does this happens in Palestine
· ·
Oh! The American mother
you are the one who is able
to see the features of the horizon
you are the only one who can know instinctively
the fine line which separates
between sea and shore,
between the son coming back at night
or his absence forever.
· ·
لوحة الغلاف :
من أعمال الفنان البريطانى فردريك ليجتون رسمها من خياله سنة 1860 للأميرة ناوسيكا ابنة ملك الفياكيين . وقد نشرت بمجلة آخر ساعة فى 2005 بتعليق واف من الأستاذة فاطمة على
.............
|