كتـــــاب
كيف ترد على الافتراءات الموجهة ضد الإسلام ؟
ادعـاء أن مصدر القرآن بشرى ، وليس وحياً إلهياً
من الثابت تاريخياً أن محمداً صلي الله علية وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، والقرآن كتاب على أعلى مستوى من البيان الأدبى ، وهو مختلف – تماماً – عما كان يعرفه العرب من شعر ونثر . القرآن معجزة لغوية وأدبية جديدة بالكامل وليس لها سوابق مشابهة، وكونه يأتى على يد إنسان أمى دليل على أنه ليس من عمله ، وإنما هو وحى منزل .
يحتوى القرآن على نظام تشريعى متكامل يشمل العقيدة والشعائر والأخلاق ، والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويهدف إلى إحداث توازن بين المادة والروح فى حياة الفرد ، وإلى إقامة علاقة مستقرة بين الفرد والمجتمع . ومثل هذا النظام التشريعى المتكامل والمتميز لا يمكن أن يصدر من إنسان فى بيئة عربية كالبيئة التى كان يعيش فيها محمد صلي الله علية وسلم .
يمتلئ القرآن بالإشارات إلى حقائق علمية لم يتوصل إليها العلم إلا فى العصر الحديث ، ويستحيل وجودها تماماً فى البيئة البدوية التى نشأ فيها محمد صلي الله علية وسلم ، ومن أمثلة ذلك : الإشارة إلى تطور الجنين فى بطن أمه ، وبصمة الأصابع فى الإنسان ، والإشارة إلى حركات الأفلاك ، وأصل نشأة الكون ، والتفاعل المستمر بين الكائنات ، وحركة الشمس والقمر والرياح والأمطار والنبات .
يقول الله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ? ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ? ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ) (سورة المؤمنين، آيات 12- 14).
ويقول سبحانه : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى) (سورة الرعد، الآية 2) وأيضاً (لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (سورة يس ، الآية 40). وكذلك قوله تعالى : (أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ) (سورة الأنبياء ، الآية 30).
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ) (سورة الزمر ، الآية 21) . وقوله تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) (سورة الحجر ، الآية 22). وقوله تعالى : (مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ? بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ) (سورة الرحمن ، الآية 19- 20). وقوله تعالى : (وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (سورة الحديد ، الآية 25).
لقد جاء القرآن مكملاً للكتب السماوية السابقة (التوراة والإنجيل) ومصححاً لما حدث لها من تحريف ، وإذن فهناك عناصر متشابهة بين القرآن وهذه الكتب ، ولكن القرآن يزيد عليها فى أشياء كثيرة ، من ذلك مثلاً ما أورده عن ولادة مريم وكفالة زكريا لها ، وكذلك نظام المواريث الذى جاء بصورة متكاملة لا يكاد يوجد مثلها حتى الآن . وبالنسبة لتصحيح التحريفات ، فإن تصور القرآن لله تصور واضح يعقله الناس جميعاً ، ويقوم على تنزيه الله عن صفات البشر (بينما ترد فى التوراة عبارات لا تليق بالذات الإلهية كمصارعة الله لإسرائيل ، وغلبته على يديه ! وتحتوى المسيحية على التثليث وبنوة عيسى لله تعالى ).
وقد عرض القرآن الكريم لقصص الأنبياء السابقين ، وأحوال الأمم التى أرسلوا إليها ، والمصير الذى واجههم . وفى هذا الصدد يقرر الإسلام الكثير من المبادئ الأخلاقية ، والقوانين الاجتماعية التى ثبتت صحتها ، ومازالت صالحة حتى اليوم , من ذلك مثلاً أن تغيير المجتمع إنما يكون برغبة داخلية من أبنائه ، ثم تأتى بعد ذلك الظروف الخارجية التى تساعد على ذلك (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (سورة الرعد ، الآية 11).
وقد اشتمل القرآن كذلك على الإخبار ببعض الحوادث المستقبلية التى تحققت فيما بعد ، من مثل (غُلِبَتِ الرُّومُ ? فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ? فِي بِضْعِ سِنِينَ) (الروم ، آيات 2- 3). تحقق ذلك بالفعل . ومن مثل الإخبار بموت أبى لهب ، والوليد بن المغيرة كافرين ، وقد حدث بالفعل : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ? مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ? سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ) (سورة المسد ، آيات 1- 3). (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ? وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ) (سورة المدثر ، الآية 26- 27).
ثم إنه على الرغم من ضخامة حجم القرآن الكريم ، وطول الفترة الزمنية التى أنزل فيها على محمد صلي الله علية وسلم (ثلاثة وعشرين عاماً) فإن دراسته بعناية تثبت عدم التناقض بين جزئياته ، كما تؤكد الدقة البالغة فى اختيار ألفاظه وعباراته مما يدل بوضوح على أنه فوق طاقة البشر .
والقرآن نفسه يتحدى العرب – وكانوا متفوقين فى البلاغة – أن يأتوا بمثله ، أو بمثل عشر سور منه ، أو حتى بسورة واحدة منه ، وكانت النتيجة أن أحداً لم يستطع الإتيان بعمل مشابه للقرآن الكريم منذ نزل وحتى اليوم ، وذلك على الرغم من وجود المعارضين الذين كانوا يسعدهم الإتيان بهذا الشبيه . ويعتبر استمرار التحدى بهذا الشكل من أهم البراهين على أن القرآن كتاب إلهى ، وليس من صنع البشر .
وتشير المصادر التاريخية الموثوق فيها أن محمد صلي الله علية وسلم كانت تعتريه حالة خاصة جداً عند نزول الوحى عليه ، إلى درجة أنه كان يتصبب عرقاً ، ويشاهدها كل أصحابه ، ثم بعد ذلك يهدأ تماماً ، ويبدأ فى إملاء ما نزل عليه من القرآن على بعض أصحابه ، الذين عرفوا باسم " كتاب الوحى " وبلغ عددهم تسعة وعشرين . ومن الواضح أن القرآن متميز فى نظمه وأسلوبه عن حديث محمد صلي الله علية وسلم الذى كان يصدر منه شخصياً ، وكان يمنع أصحابه من كتابته حتى لا يختلط حديثه بالقرآن الذى هو كلام الله تعالى .
إن من أعظم ما اشتمل عليه القرآن تخليص الوحدة الإلهية من مظاهر الشرك والوثنية ، واعتبار الأنبياء كلهم حلقات فى سلسلة واحدة جاءت لهداية البشرية كلها (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (سورة الشورى ، الآية 13). والتأكيد أخيراً على وحدة الإنسانية وكرامة كل إنسان على ظهر الأرض ، مع رفض كل صور التمييز القائم على اللون ، والأصل ، والوضع الاجتماعى .. الخ . وفى كل هذا دلالة على أن القرآن كتاب إلهى أسمى من أن يؤلفه بشر ، وأعظم من أن تنتجه بيئة .
الادعاء بعدم جمع القرآن فى حياة الرسول صلي الله علية وسلم ،
وأن الصحابة هم الذين تدخلوا فى كتابته وترتيبه ،
وأن عثمان بن عفان أحرق النسخ المخالفة.
الرد
الثابت تاريخياً أن القرآن كله كان محفوظاً عن ظهر قلب من عدد كبير من الصحابة فى عهد الرسول صلي الله علية وسلم ، وأنه راجعه معهم قبل وفاته ، وبعد أن راجعه على جبريل ، عليه السلام ، كاملاً مرتباً فى شهر رمضان الأخير مرتين .
أما كتابته ، فقد كان الرسول صلي الله علية وسلم يملى على بعض أصحابه المعروفين باسم " كُتّاب الوحى " ما ينزل عليه عقب نزوله مباشرة . وكانوا يكتبون حينئذ على أى شئ يجدونه ميسوراً لهم (مثل قطع الجلد ، أو سعف النخل ، أو عظام الإبل).
وبعد وفاة الرسول صلي الله علية وسلم بعام، قتل سبعون من حفظة القرآن فى معركة اليمامة، ونتيجة لذلك عهد الخليفة أبوبكر إلى زيد بن ثابت بتكوين لجنة مهمتها جمع وثائق القرآن التى كان موجودة لدى كتاب الوحى . ومما اشترطه زيد بن ثابت عدم قبول أى آية إلا إذا شهد شخصان على أنها مكتوبة بإملاء الرسول صلي الله علية وسلم نفسه .
تجمعت هذه الوثائق كاملة عند أبى بكر ، الذى سلمها عند وفاته إلى عمر بن الخطاب ، وظلت عنده حتى سلمها إلى ابنته حفصة ، أم المؤمنين ، عند وفاته ، لأنها كانت ملمة بالقراءة والكتابة .
وفى خلافة عثمان بن عفان ، كثر دخول غير العرب فى الإسلام ، وترتب على ذلك الاختلاف فى نطق القرآن ، فأمر عثمان بن عفان بتشكيل لجنة من زيد بن ثابت نفسه ، لكتابة مصحف اعتماداً على النسخة التى كانت لدى السيدة حفصة . ونسخت اللجنة خمس نسخ أرسلت إلى مكة ، والمدينة ، والبصرة ، والكوفة ، ودمشق . وفى نفس الوقت راجعت اللجنة عملها على ما يحفظه الحفاظ من القرآن الكريم بنفس نطقه فى عهد الرسول صلي الله علية وسلم . وهذا هو المصحف المتداول بين المسلمين حتى وقتنا الحاضر ، ولدى جميع الفرق الإسلامية بدون استثناء .
ومن الثابت أن المسلمين قد حرصوا أشد الحرص على عدم تغيير أى كلمة أو حتى حرف أو حتى حركة حرف فى مصحف عثمان . ويلاحظ أنه عندما تقوم بعض الجهات المعادية للإسلام بطبع مصحف يحتوى على أدنى تحريف يهب المسلمون جميعاً لوقفه والتنبيه إلى خطورته .
يعتمد بعض الباحثين الغربيين على أن الصحابى عبدالله بن مسعود اعترض على إحراق مصحفه الخاص به . والواقع أن ابن مسعود هو الذى أحرق نسخته الخاصة بنفسه ، وانضم إلى إجماع المسلمين على مصحف عثمان ، الذى تلقته الأمة الإسلامية كلها منذ ذلك الوقت وحتى الآن بالرضا والقبول الكاملين .
الادعـاء بـأن الرسول صلي الله علية وسلم كـان يغير خططـه حسـب الظـروف التـى يوجـد فيهـا ، فقدم الإسلام فى مكة على أنه دين عربى ،
ثم لما انتصر فى المدينة جعله عالمياً
الرد
الإسلام منذ نشأته الأولى يقرر فى صراحة ووضوح أنه دين عالمى ، جاء للناس جميعاً ، وأن محمداً صلي الله علية وسلم جاء بشيراً ونذيراً إلى العالمين .
وفى اللحظة التى أمر فيها محمد صلي الله علية وسلم بإعلان دعوته على الناس فى مكة ، صعد إلى ربوة عالية وخطب فيهم قائلاً : " إنى رسول الله إليكم خاصة ، وإلى الناس كافة ".
والمتتبع لآيات القرآن يستطيع أن يتبين أن القرآن موجه للبشرية كلها . وهذه الصفة العالمية واضحة فى الآيات العديدة التى نزلت فى مكة ، قبل الهجرة إلى المدينة ، ومنها فى سورة الفرقان التى نزلت بمكة (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (سورة الفرقان ، الآية 1) ، وفى سورة الأنبياء المكية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) سورة الأنبياء ، الآية 107).
وفى سورة إبراهيم المكية (هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ) (سورة إبراهيم ، الآية 52).
ويكفى أن السورة التى يفتتح بها المصحف ، وهى سورة الفاتحة ، تبدأ بقوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ) ، وهى السورة التى نزلت فى مكة قبل الهجرة ، وقبل أن يكون للمسلمين دولة فى المدينة .
ومما سبق يتضح أن تغيير الخطط ينبغى أن يفهم فى إطار التدرج فى التشريع. فقد كان من الطبيعى جداً أن يتصرف الرسول صلي الله علية وسلم فى العهد المكى ، وتحت ضغط المشركين ، بصورة تختلف عن العهد المدنى الذى تكونت فيه للمسلمين عناصر الدولة الجديدة . وحتى فى بداية هذه الدولة الصغيرة ، بعث الرسول صلي الله علية وسلم برسائل إلى ملوك ورؤساء العالم حينئذ لدعوتهم إلى الدخول فى الإسلام باعتباره الدين الذى جاء للبشرية كلها .
الادعاء بأن محمداً صلي الله علية وسلم كان رجلاً شهوانياً
والدليل كثرة عدد زوجاته
الرد
هذه الدعوى ينقضها الرجوع إلى التاريخ الموثق لحياة الرسول صلي الله علية وسلم قبل البعثة وبعدها . أما الدليل فسوف نرد عليه بالتفصيل .
عاش محمد صلي الله علية وسلم طفولته وشبابه فى مكة ، ومن المعروف عنه فى تلك الفترة عدة خصال كان أهمها " الصدق " و " الأمانة " و " الاستقامة " ، فى الوقت الذى كان أمثاله من شباب مكة يقبلون على الملذات الحسية التى كانت شائعة لديهم ، ومنها شرب الخمر ، والنساء ، ولعب القمار . والثابت عنه أنه لم يقرب أى واحدة هذه الآفات .
وعندما بلغ سن الخامسة والعشرين تزوج من السيدة خديجة وكان عمرها حينئذ أربعين سنة ، تزوجت قبله مرتين ، وقد أنجب منها معظم بناته وأبنائه ، وعاش معها وحدها حتى توفيت فحزن عليها كثيراً . وظل لفترة بدون زواج ، حتى عرض عليه أن يتزوج بأخرى ، فاعتذر بحاجة بناته الصغيرات إلى الرعاية ، فاقترح عليه أن يتزوج سودة بن زمعة ، أرملة أحد صحابته ، ولم يعرف عنها أنها كانت ذات جمال .
وبعد أن استقر محمد صلي الله علية وسلم فى المدينة ، وابتداء من سن (الرابعة والخمسين) بدأت مرحلة تعدد زوجاته لأسباب معروفة تماماً ، وهى كلها بعيدة عن الجانب الجسدى أو الشهوانى المزعوم ، فبعضها يرجع إلى عوامل سياسية اجتماعية إنسانية (كانت ومازالت عادة معترفاً بها فى البيئات البدوية التى يسودها النظام القبلى) ومن أمثلة هذه الزيجات زواجه من السيدة عائشة ابنة صاحبه الأقرب أبى بكر الصديق صلي الله علية وسلم ، والسيدة حفصة ابنة صاحبه الثانىعمر بن الخطاب صلي الله علية وسلم ، وواحدة من اليهود (السيدة صفية) وواحدة قبطية (السيدة مارية) من مصر ، وقد أسلمتا بعد زواجه منهما . وكان لهذا الزواج آثار حميدة فى تأليف القلوب ، وتوطيد العلاقات مع أسرهن وقبائلهن .
ومن العوامل التشريعية وراء بعض زيجات الرسول صلي الله علية وسلم زواجه من زينب بنت جحش ، التى كانت متزوجة من متبناه زيد بن حارثة (وكانت عادة العرب تقضى بعدم زواج والد المتبنى من زوجته بعد تطليقها) فجاء الأمر القرآنى للرسول صلي الله علية وسلم بالزواج من زينب لإبطال هذه العادة . يقول الله تعالى (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (سورة الأحزاب ، الآية 37).
وأخيراً يأتى العامل الإنسانى ، ويتمثل فى زواج الرسول صلي الله علية وسلم من بعض النساء اللاتى مات أو قتل أزواجهن ، ولم يكن لهن عائل . ومن المعروف أنه فى البيئة البدوية يكون من الصعب جداً حياة امرأة بمفردها دون عائل يرعاها . ومن الثابت أن بعض هؤلاء النساء كانت مسنة ، وغير مرغوب فى جمالها على الإطلاق ، مما يؤكد أن العامل الإنسانى كان وراء زواج الرسول صلي الله علية وسلم منهن .
وهكذا يتبين أن هناك عدة مراحل فى حياة الرسول . أولها مرحلة ما قبل الزواج (حتى 25 سنة) وقد كان فيها مثال الشاب المستقيم الملتزم والمبتعد تماماً عن كل الشهوات الحسية . ثم مرحلة الزوجة الواحدة التى استمرت مع خديجة (قرابة 25 سنة) ، ثم مع سودة بنت زمعة 4 سنوات ، وأخيراً تأتى المرحلة الثالثة (54 حتى 63) لتشهد هذا التعدد الذى اتضحت أسبابه السياسية، والتشريعية، والإنسانية.
يضاف إلى ذلك أن حياة الرسول فى بيته معروفة تماماً ، وقد كشفت عنها زوجاته فى أدق تفاصيلها . وهى كلها تثبت أنه كان كثير العبادة ، يطيل التهجد بالليل، وطوال النهار مهتماً بتبليغ الوحى ، وتصريف أمور المسلمين ، ومتابعة إنشاء الدولة الجديدة . ولا يخفى أن مثل هذه الاهتمامات لا تتفق مع إنسان شهوانى كما ادعى عليه ! !
ادعاء أن المصدر الثانى للإسلام (السنة النبوية)
مشكوك فيه لأن به كثيراً من الأحاديث
المكذوبة والموضوعة
الـرد
مهمة الرسول صلي الله علية وسلم تتمثل أولاً : فى تبليغ القرآن بكل دقة وأمانة ، تحقيقاً لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) (سورة المائدة ، الآية 67) . وثانياً : فى بيان وشرح القرآن . يقول الله تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (سورة النحل ، الآية 44) وهذا يعنى أن السنة هى بالفعل المصدر الثانى للإسلام . ومما هو ثابت تاريخياً أن أصحاب الرسول صلي الله علية وسلم كانوا يحفظون عنه كل أقواله وأفعاله وتقريراته ، وعندما حاول بعضهم تدوينها كتابة فى حياته منعهم من ذلك فى أول الأمر حتى لا تختلط بنص القرآن الكريم .
ونتيجة لذلك ، فقد التزم المسلمون من بعده بعدم كتابة السنة ، حتى بدأ أعداء الإسلام يكيدون له بوضع وتزييف أحاديث ينسبونها إليه ، وهنا وجه الخليفة الأموى عمر بن عبدالعزيز (ت 101 ه) أنظار علماء المسلمين لكى يجمعوا السنة النبوية الصحيحة . فاتجهوا بكل إخلاص إلى جمع السنة النبوية من كل شخص يحفظ شيئاً منها . وقد كان للإمام مالك دور هام فى هذا الصدد عندما ألف كتاب " الموطأ " وهو مجموعة أحاديث مرتبة فقهياً .
ثم تلت ذلك عملية فحص دقيق لأحوال هؤلاء الأشخاص ، وكذلك التدقيق الشديد فيما ينسبونه إلى الرسول صلي الله علية وسلم متتبعين بكل تفصيل الطرق التى أخذوا عنها . وفى هذا الصدد أنشأ علماء المسلمين علمين من أهم العلوم التى تحفظ السنة النبوية من التزييف والتحريف ، وهما : (علم الجرح والتعديل) الذى يبحث فيه عن أحوال الرواة ، وأمانتهم وعدالتهم ، وضبطهم ، أو ما يناقض ذلك من الكذب أو النسيان والغفلة . و(علم مصطلح الحديث) الذى يحدد وصفاً دقيقاً لدرجة كل حديث من حيث الصحة والحسن والضعف والتزييف والوضع ..الخ.
وجاء القرن الثالث الهجرى فشهد أكبر حركة علمية فى تأليف الموسوعات التى تحتوى على سنة الرسول صلي الله علية وسلم الصحيحة ، ومن أشهر من قام بهذا العمل البخارى (ت 256 ه) ومسلم (ت 261 ه) وقد جمع كل منهما ما صح لديه فقط من أحاديث الرسول صلي الله علية وسلم من بين عشرات الآلاف من الأحاديث التى كانت موجودة حينئذ. يضاف إلى ذلك ما قام به كل من ابن حنبل (ت 241 ه) وابن ماجه (ت 273ه) وأبى داوود (ت 275ه) والترمذى (ت 279ه) والنسائى (ت 303ه).
وبهذا العمل الكبير الذى لا يكاد يوجد له نظير فى أى ثقافة أخرى غير الثقافة الإسلامية ، أصبح مستقراً لدى المسلمين مدونة للسنة النبوية قام على أساسها " علم الفقه " الذى يبحث فى الأحكام التفصيلية للفرد والمجتمع .
ومما ينبغى الإشارة إليه ما قام به بعض علماء المسلمين من تأليف كتب خاصة بالأحاديث الموضوعة أو المكذوبة ، حتى يتنبه لها المسلمون . وهكذا فليس عيباً أن يقال : هذا حديث ضعيف أو موضوع ، وإنما العيب أن نعرف ذلك ونعمل به . ويعترف المسلمون جميعاً بأنه متى ثبتت لديهم صحة حديث أصبح من الضرورى العمل بمضمونه ، تبعاً لقوله تعالى (َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (سورة الحشر ، الآية 7).
الادعاء بعدم الأخذ بالأحاديث النبوية ،
ما دامت تتعارض فيما بينها
الـرد
السنة النبوية تبين القرآن الكريم ، وتفسر معانيه ، والرسول صلي الله علية وسلم هو خير من فهم الإسلام ، وأيضاً خير من بينه للناس . وهنا قاعدة أساسية تقرر أن السنة الصحيحة لا تتعارض أبداً مع القرآن .
لم يثبت أبداً أن الأحاديث الصحيحة تتعارض فيما بينها . وإذا حدث تعارض فإنه يرجع إلى :
1- أنه يكون أحياناً بين حديث صحيح وآخر غير صحيح فيعمل بالصحيح دون غير الصحيح .
2- أو أنه يكون بين حديثين نسخ ثانيهما حكم الأول ، مثل قول الرسول صلي الله علية وسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها" (رواه مسلم) وكذلك عدم الوضوء مما مسته النار بعد الأمر به (رواه مسلم) .
وأحياناً يكون التعارض ظاهرياً ، لكنه عند البحث والتدقيق فى معنى الحديثين، والوقوف على ظروف كل منهما يزول هذا التعارض .
وقد قام علماء المسلمين ببيان هذه الحالات بالتفصيل فى مؤلفات عديدة ، ومن ذلك كتاب الرسالة للإمام الشافعى (ت 204 ه) وكتاب " تأويل مشكل الحديث " لابن قتيبة (ت 267 ه) .
الادعـاء بأن الإسلام انتشر بالسيف ،
وسبقته دائماً الجيوش المنتصرة
الـرد
القرآن يقرر بكل صراحة أنه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) و (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (سورة الكهف ، الآية 29) و (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ? لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ) سورة الغاشية ، آيات 21، 22) (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ) (سورة الشورى ، الآية 48) (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة النحل 125)
وبالنسبة للتطبيق العملى لهذا المنهج ، يلاحظ أن المسلمين قد التزموا به إلى أبعد حد ممكن . ومن الأدلة على ذلك ما يلى :
- فى بداية نشأة الإسلام ، آمن بمحمد صلي الله علية وسلم عدد من الفقراء والضعفاء . وقد اقترفت ضدهم شتى أنواع التعذيب الجسدى ليرجعوا عنه ، ولكنهم تمسكوا به، واضطر بعضهم إلى الهجرة بدينه إلى الحبشة أولاً ، ثم إلى المدينة بعد ذلك . فأين السيف فى هذه المرحلة ؟ !
- من بين المسلمين الأوائل عدد من الشخصيات الكبيرة والقوية التى لم يكن يتصور أن يجبرها أحد على الدخول فى الإسلام (من أمثال : أبى بكر ، وعمر بن الخطاب ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقاص ، وحمزة ، ومصعب ، وعبدالرحمن بن عوف) رضوان الله عليهم .
عندما انتقل المسلمون إلى المدينة وجدوا البيئة المناسبة لتكوين دولة ما لبثت أن تعرضت لاعتداءات من الخارج والداخل مما اضطر المسلمين للدفاع عن أنفسهم ، فشرع لهم القتال لرد الظلم عنهم . تقول الآية (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (سورة الحج ، الآية 39).
وحين خرج المسلمون من الجزيرة العربية ليبلغوا الإسلام إلى الشعوب المجاورة وجدوها تعانى من اضطهاد قوى كبرى ، فكان عليهم أن يدخلوا مع هذه القوى فى حروب . أما عندما كانوا ينتصرون فإنهم كانوا يطبقون منهج الإسلام فى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . ولم يحدث أنهم أجبروا أحد على الدخول فى الإسلام . والدليل على ذلك أن بعض أقباط مصر ظلوا على دينهم حتى اليوم ، ولم يجبرهم المسلمون ذات يوم على تركه . وكذلك عاش اليهود فى المجتمعات الإسلامية دون أن يجبرهم أحد على اعتناق الإسلام .
وبعد هذا فإن البلاد التى لم تدخلها جيوش المسلمين – ومع ذلك دخلت فى الإسلام – كثيرة جداً ، كما فى جنوب آسيا وشرق ووسط أفريقيا (أندونسيا مثلاً 180 مليون مسلم رغم أنه لم يصل إليها أى جيش مسلم) .
ومما يدحض دعوى انتشار الإسلام بالسيف ، أن المسلمين قد مروا بعد انتصاراتهم بفترات ضعف ، ومع ذلك فقد استمر المسلمون على إسلامهم ، وفى هذا أكبر دليل على أنهم اعتنقوه وتمسكوا به بمحض اختيارهم .
وأخيراً فإن الإسلام مازال ينتشر حتى اليوم فى كل قارات العالم ، ومنها أوربا وأمريكا ، دون أن يكون هناك أى إجبار لانتشاره ، بل إن وسائل المسلمين فى الوقت الحاضر ضعيفة كما هو واضح .
الادعاء بأن الفتوحات الإسلامية ليست فى حقيقتها
إلا توسعات استعمارية ذات طابع اقتصادي
(للحصول على الغنائم وفرض الجزية)
الـرد
ينبغى التفريق الحاسم بين مبادئ الإسلام وبين تصرفات بعض المسلمين التى لا تتفق مع هذه المبادئ . فالإسلام يقرر بصراحة أنه دين رحمة جاء لهداية البشر جميعاً وإخراجهم من عبودية الأصنام والأشخاص إلى توحيد الله تعالى ، وهو لم يدع أتباعه – قط – إلى الحرب إلا إذا اضطروا إليها دفاعاً عن النفس .
الفتوحات الإسلامية لم تكن استعمارية لنهب خيرات الشعوب ، وإنما كانت لتبليغ الدعوة الإسلامية إلى هذه الشعوب . والحروب التى خاضها المسلمون كانت مع الجيوش التى كانت تعوق وصول الدعوة للناس .
الاستعمار الحديث له آثار سيئة على البلاد التى دخلها . أما فتوحات المسلمين فقد كانت تنقل البلاد من حالة التخلف إلى حالة من الازدهار والحضارة ، والدليل على ذلك ما حدث فى أسبانيا والبرتغال ، التى تحولت بعد الفتح الإسلامى إلى مركز حضارى مزدهر ، كانت له آثاره الإيجابية على أوربا كلها .
يشاع خطأ أن الجهاد الإسلامى يهدف إلى الحصول على الغنائم ، مع أن الإسلام يعد ذلك جريمة . فقد سئل الرسول صلي الله علية وسلم عن رجل يريد الجهاد ، وهو يبتغى عرضاً من الدنيا ، فقال : لا أجر له (ثلاث مرات) (سنن أبوداود) . وروى عن عمر بن عبدالعزيز (ت 101 ه) أنه قال : إن الله بعث محمداً هادياً ، ولم يبعثه جابياً .
أما بالنسبة إلى الجزية فهى عبارة عن ضريبة بسيطة جداً يدفعها غير المسلمين من أهل البلاد المفتوحة فى مقابل حمايتهم والدفاع عنهم ، لعدم اشتراكهم فى الجيش . وفى حالة اشتراك أحدهم تسقط عنه الجزية . ويلاحظ أن الجزية لم تكن مفروضة إلا على القادرين على القتال ، ويعفى منها: الشيوخ الكبار السن ، والنساء، والأطفال ، وعلماء الأديان الأخرى .
ومما يؤكد نزاهة المسلمين الأوائل أن كثيراً منهم كانوا أغنياء قبل دخولهم الإسلام ، ومع ذلك وبعد تحقق الفتوحات فى عهودهم ، فقد كانوا زاهدين فى الدنيا ، يعيشون حياة بسيطة للغاية ، أبعد ما تكون عن الترف ، أو الملذات المادية .
الادعـاء بـأن المسلمين كانـوا شعوبـاً لا تحتـرم الحضـارات القديمـة ، ومن ذلك إحراق مكتبة الإسكندرية
الـرد
ليس صحيحاً على الإطلاق أن المسلمين لم يحترموا الحضارات القديمة ، فقد ثبتت استفادتهم من كل العناصر الإيجابية فى هذه الحضارات . ومن ذلك ما قاموا به من حركة ترجمة واسعة للمؤلفات اليونانية ، والفارسية ، والهندية وغيرها ، إيماناً منهم بوحدة التراث الإنسانى . وقد ورد عن النبى صلي الله علية وسلم أنه قال : " الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها أخذها " (سنن الترمذى) ومن المأثور لدى المسلمين " اطلبوا العلم ولو فى الصين " أى ولو فى مكان بعيد للغاية ، ولدى قوم لا يدينون بالإسلام .
ويعبر الفيلسوف المسلم ابن رشد (ت 595 ه) عن الموقف الإسلامى إزاء الحضارات القديمة بقوله : " إن الشرع يوجب الإطلاع على كتب القدماء مادام الهدف الذى يقصدون إليه هو ذات المقصد الذى حثنا عليه الشرع . ننظر فى الذى قالوه فى ذلك ، وما أثبتوه فى كتبهم ، فما كان منها موافقاً للحق قبلناه منهم ، وسررنا به ، وشكرناهم عليه ، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه ، وعذرناهم".
ويلاحظ أن ادعاء إحراق المسلمين لمكتبة الإسكندرية لم يظهر إلا فى القرن الثالث عشر الميلادى ، فى جو الحروب الصليبية المعادية للإسلام والمسلمين ، وبالتالى فهى مجرد دعاية من دعايات الحرب المعنوية ، لأنه من الثابت تاريخياً أن هذه المكتبة أحرقت قبل الإسلام بقرون على أيدى الرومان .
ثم كيف يتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنة بإحراق مكتبة الإسكندرية وهو الذى حافظ على أديرة المسيحيين فى الشام وبيت المقدس . وكانت هذه الأديرة تمتلئ بالمؤلفات اليونانية المترجمة إلى السريانية . وهى التى استفاد منها المسلمون فى العصر العباسى وما بعده .
لقد بينت المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه فى كتابها (الله مختلف تماماً) أن العرب عندما دخلوا الإسكندرية عام 642م لم تكن هناك مكتبة فى الإسكندرية ، فقد تم إحراقها قبل ذلك بقرون ، كما بينت أن المكتبة القديمة الملحقة بالأكاديمية التى أسسها فى الإسكندرية الملك بطليموس الأول (سوتر) حوالى عام 300 ق.م قد أحرقت عام 47 ق.م عندما حاصر يوليوس قيصر المدينة . وقد أعادت كليوباترا تشييد المكتبة وزودتها بكتب من برجامون .
شهد القرن الثالث الميلادى بداية التدمير المنظم للمكتبة . فقد عطل القيصر كاراكالا الأكاديمية . وقام المتحمسون الدينيون بتدمير المكتبة عام 272 م بوصفها عملاً وثنياً . وفى عام 391م استصدر البطريك تيوفيلوس من القيصر تيودوسيوس إذناً بالموافقة على تدمير الأكاديمية الباقية ، وإحراق ما تبقى من المكتبة الملحقة بها، والتى كانت تحوى ثلاثمائة ألف لفافة من الكتب ، وذلك بهدف إقامة كنيسة ودير بدلاً منها . واستمر التدمير فى القرن الخامس عن طريق الإغارة على العلماء الوثنيين وعلى أماكن عبادتهم والقيام بتدمير مكتبتهم ، وبهذا يتضح أن المسلمين بريئون من كل ذلك تماماً .
وأخيراً كيف يقال أن المسلمين يعادون الكتب والمكتبات فى الوقت الذى مازالت مؤلفاتهم العلمية والأدبية ، فى صورة مخطوطات مكتوبة باليد ، تملأ مكتبات العالم حتى ذلك الوقت .
الادعاء بأن بعض الأديان تقرر
علاقـة الإنسـان الحميمـة بالله ،
بينما الإسلام يؤكد مذلة الإنسان (العبد) لله (الرب)
الـرد
لقد خلق الله الإنسان وجعله خليفة فى الأرض ، وسخر له الكون كله بسمائه وأرضه وما بينهما ، وطلب منه عمارة الأرض . وذلك يدل على أن الله أراد للإنسان أن يكون سيداً فى هذا الكون ، ولكنه فى الوقت نفسه مخلوق لله ، فلا يجوز له أن ينسى هذه الحقيقة . وبهذا المعنى فهو عبد لله . ولكن ليس معنى ذلك عبودية المذلة والاحتقار . فقد أعطى الله له الحرية كاملة لقبول طاعة الله أو عصيانه ، وللإيمان أو الكفر به : (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (سورة الكهف ، الآية 29) . والحرية على النقيض تماماً من العبودية . فالإنسان دائماً فى موقف الاختيار ولذلك فهو مسئول عما يفعل : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) (سورة فصلت ، الآية 46) .
لقد كرم الله الإنسان ، وفضله على كثير من خلقه – كما أخبر القرآن الكريم : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (سورة الإسراء ، الآية 7) . وهذه الكرامة التى منحها الله للإنسان مناقضة تماماً للمذلة والاحتقار .
وعندما خلق الله الإنسان نفخ فيه من روحه ، وأسجد له الملائكة : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (سورة الحجرة ، الآية 29) وفى هذه النفخة الروحية الإلهية تكمن العلاقة الحميمة بين الله والإنسان . فكل فرد من أفراد الإنسان يحمل فى داخله شيئاً من هذه النفخة الإلهية التى تشعر الإنسان بأن الله معه فى كل زمان وفى كل مكان : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) (سورة الحديد ، الآية 4).
يبين لنا القرآن الكريم أن الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ، وأنه قريب يجيب دعوة من يدعوه ، وأنه رحيم بعباده ، فهو أرحم الراحمين ، وقد وسعت رحمته كل شئ . يقول الرسول صلي الله علية وسلم : إن الله جعل الرحمة مائة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل فى الأرض جزءاً واحداً ، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق ، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ! (رواه مسلم).
وباستقراء صفات الله فى القرآن نجد أن صفات الرحمة تزيد عن (365) آية، فى حين أن صفات العذاب ترد فى (260) آية أى بفارق أكثر من مائة آية .
ولهذا كله دلالة عميقة على طبيعة الصلة الحميمة بين الله والإنسان ، فهى صلة القرب والرحمة والاستجابة . فالله أرحم بخلقه من الأم على ولدها . وهذا ما يشعر به كل مسلم فى أعماق نفسه .
الادعاء بأن الإسلام دين لا يسمح بإعمال العقل ،
وإنما يخضعه للنصوص الدينية
الـرد
لعل الإسلام هو الدين الوحيد الذى أعلى من شأن العقل الإنسانى ، ورفع من مكانته . فالعقل هو مناط التكليف والمسئولية وبه يعرف الإنسان خالقه ويدرك أسرار الخلق وعظمة الخالق . والقرآن فى خطابه للإنسان يخاطب عقله ، ويحثه على النظر فى الكون ، والتأمل فيه ، ودراسته من أجل خير البشرية وعمارة الأرض مادياً ومعنوياً . وليس فى الإسلام شئ يناقض العقل أو يصادم الفكر السليم أو يتعارض مع حقائق العلم .
لقد طلب الإسلام من الإنسان ضرورة استخدام عقله ، وعاب على الذين يعطلون قواهم الإدراكية وعلى رأسها العقل من أداء وظائفها . ولذلك يعتبر القرآن هؤلاء ، إناساً قد تخلو عن إنسانيتهم فيقول : (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ) (سورة الأعراف ، الآية 179) كما جعل القرآن عدم استخدام العقل ذنباً من الذنوب . ولذلك يقول عن الكفار يوم القيام : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (سورة الملك ، الآية 10).
يلفت الإسلام نظر الإنسان إلى أن الله قد سخر له هذا الكون كله ، وأن واجبه أن يستخدم عقله فى توظيف كل شئ من أجل خير الإنسان وعمارة الأرض : (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) سورة هود ، الآية 61) ، (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الجاثية، الآية 13).
فالكون كله إذن مجال للعقل الإنسانى يصول ويجول دون حجر على عقل أو مصادرة لفكر ، طالما كان ذلك من أجل خير الإنسان . فكل ما ينفع الناس يشجع الإسلام عليه .
النصوص الدينية فى الإسلام ملزمة للمسلم فيما يتصل بالأصول والتشريعات الدينية. ولكن المسلم له حرية الاجتهاد فى أمور الدنيا. وهذا ما أشار إليه النبى صلي الله علية وسلم فى قوله : " أنتم أعلم بأمور دنياكم " (رواه مسلم) . فمساحة حرية الفكر والبحث العلمى فى الإسلام مساحة واسعة ومكفولة للمسلم . فقد أمر الرسول صلي الله علية وسلم بأن يسأل ربه زيادة العلم (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) (سورة طه ، الآية 114) ، وأفاض القرآن فى مزايا العلم والعلماء (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ) (سورة المجادلة ، الآية 11) وبالتالى حذر من الجهل (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (سورة الزمر ، الآية 9).
وقد روى عن الرسول صلي الله علية وسلم أنه قال : " طلب العلم فريضة على كل مسلم" (سنن ابن ماجه) ، وقال : " من سلك طريقاً إلى العلم سلك الله به طريقاً إلى الجنة " (روه البخارى) وبين قيمته وأثره حتى بعد الموت فقال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " (رواه مسلم).
الادعـاء بـأن الإسـلام يدعـو أتباعـه
إلى التواكل وعدم الأخذ بالأسباب
الـرد
من يتأمل فى القرآن الكريم يتأكد عن يقين أن الإسلام دين يحث على العمل ويدفع الإنسان دفعاً إليه . فالعمل هو الحياة . وبدون العمل تتوقف الحياة . ومن هنا يربط القرآن فى كثير من آياته بين الإيمان والعمل الصالح ، الذى يشمل كل عمل يؤديه الإنسان دينياً كان هذا العمل أم دنيوياً طالما قصد به وجه الله ونفع الناس ودفع الأذى عنهم . والأمر بالعمل فى القرآن واضح لا غموض فيه : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (سورة التوبة ، الآية 105) بل إن القرآن يحث المسلمين على العمل حتى فى يوم الجمعة الذى يعد راحة لدى المسلمين . يقول تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ) (سورة الجمعة ، الآية 10).
ويحث النبى صلي الله علية وسلم على العمل حتى فى آخر لحظة فى حياة الإنسان ونهاية العالم . ومن هنا كان قوله : " إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة (أى شجيرة صغيرة) فإذا استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل " (مسند ابن حنبل).
وقد رفض النبى انقطاع بعض الناس للعبادة فى المسجد واعتمادهم على غيرهم فى الحصول على طعامهم وشرابهم . وامتدح من يعمل ويأكل من كسب يده ، وأثنى على اليد العاملة بأنها يد يحبها الله ورسوله .
كان النبى صلي الله علية وسلم ، وهو قدوة المسلمين جميعاً بنص القرآن يعمل ويخطط ، ويتدبر الأمور ، ويعد لكل شئ عدته ، ويأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله . والتوكل على الله لا يعنى ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب ، وإنما هو خطوة تالية بعد إعداد كل شئ . ومن شأن هذا التوكل أن يذكر الإنسان بالله الذى يزوده بطاقة روحية تجعله أكثر قدرة على التغلب على الصعاب ومواجهة المشكلات بعزيمة لا تلين . فالتوكل على الله إذن قوة إيجابية دافعة وليست سلبية أو تواكلاً .
أما التواكل فيعنى عدم الأخذ بالأسباب ، وعدم العمل اعتماداً على أن الله سيفعل كل شئ حسبما يريد . وهذا أمر مرفوض فى الإسلام . فالله لا يعين إنساناً لا يساعد نفسه، ولكنه دائماً مع من يعمل (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد ، الآية 11).
وقد طرد عمر بن الخطاب رضي الله عنة بعض المتواكلين المنقطعين للعبادة فى المسجد اعتماداً على أن غيرهم يرعاهم ويقوم بأمرهم وقال كلمته المشهورة : " إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة " واستشهد بحديث الرسول صلي الله علية وسلم الذى يقول : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير : تغدو خماصاً وتروح بطاناً " (رواه الترمذى) أى اعملوا واعتبروا بالطير التى تخرج فى الصباح سعياً وراء قوتها وبطونها خاوية ، وتعود آخر اليوم وقد امتلأت بطونها .
الادعاء بتدنى مكانة المرأة فى الإسلام
وهضم حقوقها
الـرد
عندما جاء الإسلام كانت الأوضاع التى تعيش المرأة فى ظلها سيئة للغاية ، فلم يكن لها حقوق تحترم أو رأى يسمع ، فانتشلها الإسلام من هذه الأوضاع السيئة ، وأعلى مكانتها ، ورفع عنها الكثير من الظلم الذى كانت تتعرض له ، وجعلها تشعر بكيانها كإنسان مثل الرجل سواء بسواء ، وضمن لها حقوقها المشروعة ، وأسقط عنها تهمة إغواء آدم فى الجنة بوصفها أصل الشر فى العالم . وبين أن الشيطان هو الذى أغوى آدم وحواء معاً كما يقول القرآن : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) (سورة البقرة ، الآية 36) .
يقرر الإسلام أن الناس جميعاً رجالاً ونساء قد خلقوا من نفس واحدة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) (سورة النساء ،الآية الأولى) . فالرجل والمرأة متساويان تماماً فى الاعتبار الإنسانى ، وليس لأى منهما ميزة على الآخر فى هذا الصدد . والكرامة التى منحها الله للإنسان فى قوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (سورة الإسراء ، الآية 70) هى كرامة للرجل والمرأة على السواء .
وعندما يتحدث القرآن الكريم عن الإنسان أو بنى آدم فإنه يقصد الرجل والمرأة معاً . أما إذا أراد أن يتحدث عن أى منهما وحده فإنه يستخدم مصطلح "الرجال" ومصطلح "النساء" .
وصف نبى الإسلام صلي الله علية وسلم العلاقة بين الرجل والمرأة بقوله : " النساء شقائق الرجال لهن مثل الذى عليهن بالمعروف " (سنن الترمذى). والوصف بكلمة شقائق يوضح لنا المساواة والندية . والرجال والنساء أمام الله سواء لا فرق بينهما إلا فى العمل الصالح الذى يقدمه كل منهما . كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل ، الآية 97) . والله سبحانه يستجيب لدعاء الرجل والمرأة على السواء : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ) (سورة آل عمران ، الآية 195) والتعبير القرآنى : " بعضكم مع بعض " يدل على أن كلاً منهما مكمل للآخر وأن الحياة لا يمكن أن تستقر دون مشاركتهما معاً.
دعا الإسلام المرأة إلى التعليم ، بل وفرضه عليها بقول الرسول صلي الله علية وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " (سنن ابن ماجه) كما كفل لها حق العمل ، ولا يوجد نص واحد فى الإسلام يحرمها منه . وقد عملت النساء المسلمات فى مختلف مجالات العمل .
ومما يدل على ذلك أن الإسلام حفظ للمرأة ذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها. ومما يلاحظ أن الإسلام لا يفرق بين أجر المرأة وأجر الرجل فى العمل .
فهل بعد هذا الموقف المبدئى للإسلام من المرأة من خلال النصوص القاطعة من مصدرى الإسلام : (القرآن والسنة) يستطيع إنسان منصف أن يتهم الإسلام باضطهاد المرأة وهضم حقوقها ؟ إن الأمر فى واقعه يشتمل على خلط ظالم بين الإسلام كدين له تعاليمه السمحة من ناحية وبين سلوك سئ لبعض المسلمين إزاء المرأة من ناحية أخرى . والحكم الموضوعى على الإسلام ومواقفه ينبغى أن يفرق بين الأمرين. فالوضع المتدنى للمرأة فى بعض المجتمعات الإسلامية لا يرجع إلى تعاليم الإسلام ، وإنما يرجع إلى تجاهلها ، أو الجهل بها .
الادعاء بأن المرأة فى الإسلام تابعة دائماً للرجل
الـرد
لقد أعطى الإسلام للمرأة استقلالها التام عن الرجل فى الناحية الاقتصادية . فلها مطلق الحرية فى التصرف فيما تملك بالبيع والشراء والهبة والاستثمار . . الخ دون إذن من الرجل ما دامت لها أهلية التصرف . وليس لزوجها ولا لغيره من أقاربها من الرجال أن يأخذ من مالها شيئاً إلا بإذنها .
لا يجوز للرجل – حتى ولو كان الأب – أن يجبر ابنته على الزواج من رجل لا توافق عليه . فالزواج لابد أن يكون بموافقتها وبرضاها . وقد جاءت فتاة إلى النبى صلي الله علية وسلم تشكو من أن أباها زوجها من ابن أخ له ليرفع بذلك من مكانته وهى له كارهة . فاستدعى النبى الأب ، وجعل للفتاة حرية الاختيار فى رفض هذا الزواج أو قبوله .
فقررت بمحض إرادتها قبول هذا الزواج وقالت : " يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبى ، ولكنى أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شئ "(سنن أبى داود) . أى ليس للآباء سلطة إكراه بناتهم على الزواج .
المرأة شريكة للرجل فى الأسرة وفى تربية الأطفال . ولا يعقل أن تستقيم حياة أسرة دون مشاركة إيجابية من الطرفين ، وإلا اختلت موازين الأسرة وانعكس أثر ذلك سلبياً على الأطفال . وقد حمل النبى صلي الله علية وسلم كلاً من الرجل والمرأة هذه المسئولية المشتركة عندما قال : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته . فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيت زوجها ، وهى مسئولة عن رعيتها " (رواه البخارى ومسلم وأبودواد والترمذى وابن حنبل) .
وإسناد المسئولية هنا للمرأة ينفى تماماً تهمة تبعية المرأة الدائمة للرجل ، فليست هناك مسئولية دون حرية . والحرية لا تتفق مع التبعية .
لا يجوز للرجل أن يمنع المرأة من حقوقها المشروعة فى الحياة ، ولا يجوز له أن يمنعها من التردد على المسجد للعبادة . وقد ورد عن النبى صلي الله علية وسلم فى ذلك قوله: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " (رواه مسلم). وإذا كان بعض المسلمين استناداً التقاليد بالية وأعراف باطلة لا يلتزم بهذه المواقف الإسلامية نحو المرأة فإن ذلك يعد جهلاً بالإسلام وأحكامه أو سوء فهم لتعاليمه الواضحة .
ومما يدل على عدم التبعية أن المرأة المسلمة إذا تزوجت تظل محتفظة باسمها بعد الزواج ، ولا تأخذ اسم زوجها ، كما يحدث فى الغرب .
الادعـاء بـأن الإسـلام يظلم المرأة
بإعطائها نصف ميراث الرجل
الـرد
هذه جزئية يساء فهمها . فنظام الميراث فى الإسلام نظام متكامل ينبغى أن ينظر إليه من جميع جوانبه . فالحالات التى تأخذ فيها المرأة نصف ميراث الرجل أربع حالات فقط ، بينما توجد (عشرون) حالة أخرى يكون وضع المرأة فيها كالتالى :
1- تساوى الرجل فى بعضها .
2- تأخذ أكثر من الرجل فى بعضها الآخر .
3- ترث هى أحياناً ولا يرث نظيرها من الرجال .
يرتبط نظام الميراث فى الإسلام بنظام الأسرة ككل . فالرجل هو المسئول الأول عن الإنفاق على زوجته وأولاده . وليس على المرأة المتزوجة ذلك . وإذن فأعباء الرجل تزيد عن أعباء المرأة .
إذا وجدت حالات خاصة تحتاج فيها المرأة إلى نصيب مالى إضافى ، فإن ذلك يمكن أن يتم فى حياة المورث عن طريق البيع أو الهبة .
وإحساساً بعدالة نظام الميراث الإسلامى ، يلجأ كثير من الأقباط فى مصر إلى الاحتكام إليه عن طريق دار الإفتاء المصرية لحل المنازعات والقضاء على أسباب الخلاف بين الورثة .
لماذا يجعل الإسلام شهادة امرأتين
مساوية لشهادة رجل واحد
الـرد
لا يعنى هذا الحكم الخاص فى حالة واحدة أن قيمة المرأة أقل من الرجل ، فالمقصود الأساسى هو التثبت فى الشهادة بدليل أن بعض الجرائم يشترط فيها الإسلام شهادة أربعة رجال . وهذا بالطبع للتثبت ، وليس لتدنى قيمة أى منهم . يقول الله تعالى : (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ) (سورة النساء ، الآية 15) ويقول : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) (سورة النور ، الآية 4) .
ولا يخفى على الكثير ما أقره العلم من أن المرأة فى أيام معينة من الشهر لا تكون فى حالتها الطبيعية نفسياً وذهنياً ، كما أن بعض الجرائم التى تحدث أمامها قد تصدمها بشاعتها فلا تستوعب كامل تفاصيلها ، فيحتاج الأمر إلى شهادة امرأة أخرى مساندة لها .
الادعاء بأن الإسلام لا يبيح للمرأة
تولى مناصب عليا فى الدولة
الـرد
الإسلام لا يمنع المرأة من تولى مناصب هامة فى الدولة مادامت مؤهلة لذلك . فلا يتضمن القرآن الكريم آية واحدة تحرم ذلك . بل إنه أشار إلى ملكة سبأ ، التى كانت تتولى أعلى منصب فى الدولة .
وبالنسبة للحديث الذى روى عن الرسول صلي الله علية وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " (رواه البخارى والترمذى والنسائى وابن حنبل) فإن له مناسبة خاصة . فعندما بلغ الرسول صلي الله علية وسلم أن الفرس ملكوا عليهم " بنت كسرى " قال هذا الحديث . ويبدو بوضوح أنه قيل فى إطار تقوية الروح المعنوية للمسلمين ، وكان يقصد به إناساً بعينهم .
ومن الثابت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنة أعطى ولاية الحسبة (وهى الإشراف على السوق التجارى فى المدينة) للشفاء بنت عبدالله المخزومية . ومن المعروف أن هذه الوظيفة من الوظائف الدينية والمدنية التى تتطلب الخبرة والصرامة .
وإذا كانت بعض المجتمعات الإسلامية تعامل المرأة بصورة أخرى ، فإن هذا يرجع إلى الأعراف والتقاليد السائدة فى تلك المجتمعات ، وليس إلى تعاليم الإسلام .
ومع التطور الذى بدأ يظهر فى البلاد الإسلامية ، فقد رأينا المرأة تتولى رئاسة مجلس الوزراء (كما فى باكستان وبنجلاديش وتركيا) وهى تتولى منذ فترة منصب الوزيرة والسفيرة (كما هو الحال فى مصر) .
الادعـاء بـأن الإسـلام يفرض علـى المرأة
الحجاب الذى يمنعها من التعليم والعمل
الـرد
كرم الإسلام الرجل والمرأة على السواء . ومن مظاهر تكريم المرأة أن تستر جسدها حتى لا تتعرض لإيذاء المرضى والشواذ من الرجال . ومع ذلك فإن الإسلام قد راعى فى الحجاب ألا يحجب ما يدل على شخصية المرأة ، وهو وجهها ، أو يعرقل حركتها (الكفان) . والحجاب لا يمنع المرأة المسلمة من أن تكون متأنقة مادام ذلك فى حدود الأدب وألا تكون مثاراً للفتنة .
والحجاب كما هو من الفضائل فى الإسلام ، فهو كذلك فى المسيحية . فالإنجيل يطلب من المرأة أن تغطى شعرها فى الصلاة (الإصحاح الحادى عشر من رسالة بولس إلى أهل كورنتوس) . والراهبات المسيحيات يرتدين الحجاب . وعندما يستقبل بابا الفاتيكان سيدة ، سواء كانت زوجة لرئيس دولة أو امرأة مشهورة ، فإنها لابد أن تغطى شعرها .
لكن ما ترتديه بعض المسلمات فى العصر الحاضر من ملابس تغطى وجهها وكفيها (النقاب) إنما يرجع إلى عادات وتقاليد خاصة فى بعض المجتمعات . والدليل على ذلك أن المرأة المسلمة عندما تحج يجب عليها أن تكشف وجهها عند الطواف بالكعبة .
أما أن الحجاب يمنع المرأة المسلمة من التعليم أو العمل فهذه دعوى غير صحيحة . والتجربة تثبت خطأها تماماً . فقد وصلت كثير من النساء المسلمات إلى أعلى مستويات التعليم والعلم وهن محجبات . كما بلغن مستوى البراعة فى مجالات العلم كالاشتراك فى أعمال التدريس والطب والتمريض والإدارة . . الخ دون أن يكون ملبسها عائقاً لها عن أداء العمل .
لادعاء بأن الزى الإسلامى للمرأة ( الحجاب )
لا يساعدها على الحياة العصرية المنتجة
الـرد
لا يوجد نص فى الإسلام يحدد ما هو الزى الإسلامى . وإنما الموجود فقط هو التوصية بعدم كشف جسد المرأة أمام الرجال الأجانب حتى لا يطمع فيها أحد . وبذلك فمن الممكن أن تكون هناك أشكال متعددة للحجاب الإسلامى . وهذا يتوقف على عادة كل مجتمع وطبيعة عمل المرأة فيه .
وما يبدو فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة من مظاهر الحجاب أمر لم يفرضه أحد على المرأة المسلمة . وإنما اختارته بمحض إرادتها . وهى تعمل به دون أن تشكو من عقباته . فلماذا لا يترك لها الحق فى ذلك ، كما يترك للمرأة الهندية التى ترتدى "السار" دون أن يعوقها عن العمل . والمرأة المصرية منذ آلاف السنين تعمل فى الحقل والمنزل بنفس زى الحجاب الحالى ، بل إنه تعمل أحياناً كثيرة بطاقة وإنتاجية أعلى من الرجل .
الادعاء بأن الإسلام يدعو الرجل إلى الزواج من أكثر
من امرأة واحدة ، وحتى أربع
الـرد
الأصل فى الإسلام أنه لا يدعو إلى التعدد حتى أنه لم يرد فى القرآن الكريم إلا نص واحد يبيح تعدد الزوجات ، وهذا النص متعلق باليتيمات اللاتى تربين فى كفالة الرجل ، فيحذره القرآن من ظلمهن إذا تزوج منهن . والأفضل له حينئذ أن يتزوج من غيرهن من يشاء حتى أربع ، لكن بشرط أن يحقق بينهن العدالة فإن لم يستطع فعليه الاكتفاء بواحدة . تقول الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) (النساء ، الآية 3)
وقد نبه القرآن الكريم فى موضع آخر إلى أن توافر العدالة التى هى شرط فى التعدد – من الأمور التى يستحيل تحقيقها . تقول الآية (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (سورة النساء ، الآية 129).
وهكذا نرى أن الأصل فى الإسلام هو الزواج بواحدة وأن التعدد إنما هو استثناء ، أراد به الإسلام أن يعالج حالات خاصة تتطلبها ظروف معينة . كما يحدث أحياناً فى حالة فقد أعداد كبيرة من الرجال فى الحروب ، أو ارتفاع نسبة العنوسة فى بعض المجتمعات .
وهناك بعض الحالات الإنسانية تتطلب قدراً من وفاء الزوج لزوجته ، فلا يطلقها إذا كانت عقيماً ، أو مريضة مرضاً مزمناً فيبقيها فى عصمته ورعايته – طالما رغبت فى ذلك – مع الزواج من أخرى .
ولا ينبغى أن يحتج الغربيون بعاداتهم على شريعة سماوية نزلت للناس جميعاً، وهى صالحة للتطبيق فى كل المجتمعات وليس فى مجتمع بعينه . كذلك فهى موجهة لكل الأزمان وليس لعصر بعينه . ومن المشاهد فى بعض المجتمعات الأفريقية والعربية أن ظاهرة تعدد الزوجات لا تمثل مشكلة مؤرقة ، بل إنها عادة معترف بها . ويبقى أن المهم هو عدم ظلم المرأة ، أو المساس بحقوقها . ومن أهم هذه الحقوق أن المرأة المسلمة إذا أراد زوجها أن يتزوج غيرها فلها أن تطلب منه الطلاق .
وأخيراً فإن رفض الغرب لتعدد الزوجات لم يمنع الرجل فى الغرب من اتخاذ عشيقة ، وأحياناً عشيقات ، إلى جانب زوجته ، يمارس معها العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج الشرعى ، وهذا يعد زنا محرماً فى كل الأديان .
الادعاء بأن الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة ، ولا يبيح للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم
الـرد
الإسلام دين يحترم كل الأديان السماوية السابقة ، ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية . وفى حالة زواج المسلم من يهودية أو مسيحية فإنه مأمور باحترام عقيدتها ، بل إنه لا يجوز له أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها ، وذهابها إلى المعبد أو الكنيسة . وفى هذا تقدير كامل من الإسلام لقيمة الأديان الأخرى .
أما إذا تزوج يهودى أو مسيحى من مسلمة ، فإن عنصر احترام عقيدة الزوجة يكون مفقوداً ، وبالتالى فمن الممكن جداً أن يسئ إليها ، أو يمنعها من ممارسة شعائرها ، أو يفرض على أبنائها منه ألا يعتنقوا دينها .
الادعـاء بـأن الزكـاة الإسلاميـة تجعـل
فرصة المسلم الغنى أفضل عند الله من الفقير ،
لأن ماله يساعده فى اكتساب ثواب أكبر
الـرد
المعيار الذى اعتمده الإسلام فى المفاضلة بين الناس بصفة عامة هو معيار العمل الصالح والتقوى ، كما جاء فى القرآن الكريم (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات ، آية 3) . والتقوى إخلاص العمل لله تعالى سواء صدر من غنى أو من فقير .
مع العلم بأنه فى الإسلام تقاس الأعمال بالنيات أساساً . كما تبرز النسبية فى كل الأمور . وفى هذا الصدد ، قد يكون تصدق الفقير بدرهم واحد أو حتى بتمرة منه معادلاً أو يزيد فى ثوابه عن تصدق غنى بملايين من ماله .
ومع ذلك ، فقد وسع الإسلام من مفهوم الصدقة ، حيث لم يقصرها على التبرع بالمال فقط ، وإنما جعل الكلمة الطيبة صدقة ، وإماطة الإذى عن الطريق صدقة ، ودعاء المسلم لأخيه الغائب صدقة ، وبر الوالدين صدقة ، وطلب العلم صدقة، ومجرد الخروج لطلب الرزق صدقة ، والزواج خوفاً من الوقوع فى المعصية صدقة . .
لادعـاء بـأن تحريم الإسـلام لحم الخنزير
غير مبرر لأنه مثل سائر الحيوانات
الـرد
حرم القرآن الكريم الخنزير على المسلمين فى عدة مواضع دون أن يذكر سبب هذا التحريم ، مثلما حرم على آدم الأكل من شجرة فى الجنة . وبذلك ينبغى أن ينظر إلى هذا التحريم على أنه نهى إلهى يجب على المسلم أن يلتزم به .
ويلاحظ أن الإسلام ليس هو أول الأديان التى تحرم الخنزير . فاليهودية تحرمه أيضاً كما ورد فى (العهد القديم) . وقد ثبت أن بولس هو الذى أباحه للمسيحيين ، مع أن شرائع العهد القديم ملزمة للنصارى .
ومن الغريب أن المسلم يقابل بالاستنكار عندما يمتنع عن تناول لحم الخنزير ، بينما لا يعيب أحد على أى يهودى فى أوربا وأمريكا يمتنع عن أكل لحم الخنزير .
لماذا يحرم الاسلام على الرجال لبس الذهب والحرير ؟
الـرد
الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع تسوده العدالة والمساواة ، وتشيع فيه روح التضامن والتآخى . ولا شك فى أن تميز بعض الأفراد وخاصة من الرجال ، بزى معين ، أو باستخدام ملبس فخم (مثل الحرير) ومعادن ثمينة (مثل الذهب) يحدث كسراً لقلوب الفقراء فضلاً عما يشعر به هؤلاء من استعلاء على الآخرين .
إن مراعاة مشاعر الفقراء أمر مطلوب . وظهور بعض الأفراد بمظهر مستفز يؤدى إلى تحريك الكراهية والنفور فى نفوس هؤلاء الفقراء . وله من الآثار الضارة فى استقرار المجتمع ما لا يخفى ومن هنا جاء تحريم لبس الذهب والحرير للرجال .
كذلك فإن لبسهما قد يؤدى إلى نوع من الليونة والتخنث يحاربهما الإسلام فى الرجال ، الذين ينبغى أن يكونوا على درجة من الخشونة تؤهلهم لمواجهة مصاعب الحياة وتحمل المسئولية .
الادعاء بأن الإسلام ضد حرية العقيدة ،
والدليل قتل المرتد
الـرد
هذه دعوى باطلة . فقد كفل الإسلام للإنسان حرية الاعتقاد . يقول القرآن بوضوح كامل (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (سورة البقرة ، الآية 256) . وإقراره حرية الاعتقاد تعنى الاعتراف بالتعددية الدينية . يقول القرآن (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (سورة الكافرون ، الآية 6) .
وفى إطار هذه التعددية يكفل الإسلام حرية المناقشات الدينية على أساس موضوعى بعيد عن المهاترات أو السخرية من عقائد الآخرين (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة النحل ، الآية 125) .
أما المرتد فهو يمثل حالة خاصة داخل المجتمع الإسلامى . فهو ليس ذا دين ، بل يتلاعب بالدين ، فيدخل اليوم ديناً ، ثم يهاجمه فى الغد . يقول القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) (سورة النساء ، الآية 137) .
ومع ذلك فإن نصوص القرآن كلها لا تحتوى على عقاب المرتد بالقتل . لكن جاء فى السنة النبوية " من بدل دينه فاقتلوه " (رواه البخارى) والظاهر أنه ورد بشأن الذى يهجر معسكر المسلمين إلى معسكر الأعداء وقت الحرب . وكل الأنظمة توجب إعدام الخونة فى وقت الحرب .
ومع ذلك يشترط فقهاء المسلمين لقتل المرتد أن " يعلن " ردته ، ويهاجم مبادئ الإسلام وتعاليمه الثابتة ، وبذلك يكون قد خرج على النظام العام للمجتمع ، وحينئذ يطلب منه الرجوع عن ذلك ثلاث مرات ، فإن أصر على إيذاء المجتمع بهذا الشكل فى عقيدته وشعائره أصبح يستحق هذا العقاب .
ويلاحظ أن جميع الأديان تحمى نفسها ممن يحاول تخريبها ، أو الإساءة علناً إلى معتقدات أتباعها . ومن المعروف أن قاعدة " الحرمان " معمول بها حتى اليوم فى الكنيسة المسيحية لمن ترى أنه خرج عن أصولها .
الادعـاء بـأن موقف المسلمين المعاصرين
من سلمان رشدى يعارض حرية التعبير
الـرد
لابد من التفرقة بين حرية التعبير وبين إساءة التعبير خاصة إذا تعلق الأمر بعقيدة دينية يعتنقها أكثر من مليار مسلم فى العالم . والذى حدث من "سلمان رشدى" يدخل تحت هذه الإساءة . وقد اتضح تماماً أنه يسعى من وراء ذلك للحصول على المال والشهرة . وأثبت نقاد الأدب أن روايته لا ترقى ، من الناحية الفنية الخالصة ، لمستوى الروايات الجيدة ، بل حتى المتوسطة .
ومع ذلك ، فلم تكن ردود فعل المسلمين واحدة . والذى أصدر فتوى بإهدار دمه هو الإمام الخومينى زعيم الشيعة فى إيران . أما أغلبية المسلمين من أهل السنة فقد اكتفوا بالاستياء والرفض الإعلامى . وقد التقى به وزير الأوقاف المصرى . وطلب منه تعديل موقفه الساخر من الإسلام ونبى الإسلام فلم يقبل ، وفضل الشهرة على الاستقامة .
ويلاحظ أن كثيراً من المستشرقين الذين درسوا الإسلام قد ذكروا فى مؤلفاتهم العلمية العديدة من الاتهامات والدعاوى ضد الإسلام ونبيه صلي الله علية وسلم ، ومع ذلك فإن المسلمين قد ترجموا هذه المؤلفات إلى لغاتهم ، ودرسوها ، وردوا عليها بالمنطق والإقناع . وهذا يدل على الموقف الموضوعى والمتسامح لدى غالبية المسلمين .
الادعاء بأن العقوبات الإسلامية
(مثل قطع يد السارق ورجم الزاني )
عنيفة ووحشية للغاية
الـرد
من المعروف أن العقوبات إنما توضع للخارجين على نظام المجتمع . ونظام المجتمع الإسلامى يكفل لأفراده المحافظة على الحقوق الأساسية التالية : (الدين والنفس والمال والعرض والعقل). ومن ثم فإن الاعتداء على أى منها فى فرد واحد يعتبر اعتداء على المجتمع كله ، وتهديداً لأمنه واستقراره . يقول الله تعالى (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (سورة المائدة ، الآية 32) .
ومع ذلك ، فإن الإسلام يوفر لأفراد المجتمع من الحقوق ما يكفيهم بحيث يصبح ارتكاب الجريمة فى حد ذاته هو الوحشية .
وعلى الرغم من أن العقوبات الإسلامية قد تبدو فى بعض الحالات عنيفة وقاسية إلا أنها لا تطبق بسرعة ، أو لمجرد الشبهة ، وإنما هى محكومة بعدد من الإجراءات الدقيقة التى ينبغى توافرها ، قبل إدانة المجرم ، مما يجعل تحقيقها قليلاً ، إن لم يكن نادراً . ويمكن القول بأنها وضعت للردع والتحذير وتخويف المسلم من أن هناك جرائم لا يرضى عنها الله تعالى ، الذى هو أرحم الراحمين بخلقه .
وقد كان لتحديد هذه العقوبات بهذه الصورة أثر بالغ فى تكوين ضمير جماعى لدى المسلمين عبر العصور وفى كل المجتمعات تقريباً . وهذا الضمير جعلهم يمتنعون عن ارتكاب الجرائم من منطلق دينى أكثر من خوفهم من تشريع مدنى .
الادعاء بأن الصوم الإسلامي يقلل
من حركة الإنتاج لدى الفرد والمجتمع
الـرد
الصوم هو العبادة الثانية فى الإسلام بعد الصلاة . وهو عبارة عن الامتناع عن الطعام والشراب والعلاقة الزوجية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس خلال شهر واحد فى العام ، هو شهر رمضان .
ومن حكمته أنه يعمل على تربية الإرادة الإنسانية بمعنى أن المسلم ، أثناء الصوم ، يمتنع عما هو حلال ومتاح بين يديه ، مراعاة لله تعالى ، وبالتالى فإنه يصبح قادراً على الامتناع عن المحرمات .
كذلك فإن الصوم يربى فى المسلم حاسة الضمير ، لأن الصوم عبادة لا تظهر على الأعضاء ، ولا يعرفها عن الصائم إلا الله وحده . وهذا معناه أنه لا يتظاهر بها أمام الآخرين .
وبناء على ما سبق يتضح أن الصوم يكون الإنسان القوى المتحكم فى شهواته، المخلص فى عمله . وقد ثبت أن المسلمين الأوائل قد حققوا فى شهر الصوم إنجازات كبرى ، لم يمنع منها أنهم كانوا صائمين .
أما ما يشاهد حالياً فى بعض المجتمعات الإسلامية من قلة الإنتاج خلال شهر رمضان ، فإنه يرجع إلى عوامل أخرى بعيدة تماماً عن الصوم ، فمن ذلك مثلاً سيطرة نمط الحياة الغربية على هذه المجتمعات ، والخضوع الكبير لتأثير أجهزة الإعلام المعاصرة (كالتلفزيون) الذى يستمر فى بث برامجه طوال الليل تقريباً .
الادعاء بأن الإسلام لا يتمشى تماماً مع الحضارة الحديثة ، والدليل على ذلك ما هو مشاهد من تخلف المسلمين
الـرد
تخلف المسلمين فى العصور الأخيرة لا يرجع أبداً إلى الإسلام ، بل أنه يرجع فى المقام الأول إلى البعد عن تعاليم الإسلام ، وأحياناً عدم فهمها فهماً صحيحاً . وهناك عوامل كثيرة وراء تخلف المسلمين لا يصعب على العاقل أن يحددها .
أما الحضارة الحديثة فلها إيجابيات وسلبيات . والإسلام برفض بصراحة كل سلبيات الحضارة الحديثة ، فهو ضد الانحلال الأخلاقى ، والتفكك الأسرى ، والبطالة ، والإدمان ، والتلوث ، وجنون التسلح . .
أما إيجابيات الحضارة الحديثة فإنه يدعو إليها بشدة منذ مئات السنين ، وأهمها طلب العلم ، وإتقان العمل ، وتنظيم الطاقات ، واحترام الوقت ، بل إنه يزيد عليها بإعداد الفرد ليكون مؤمناً بالله ، وعضوا صالحاً فى المجتمع .
إن مظاهر التخلف والتقدم فى العالم لا تتعلق بالمسيحية ولا بالإسلام فحسب . فاليابانيون من أكثر شعوب العالم تقدماً وهم يدينون بدين غير سماوى . والصينيون لا يدينون بأى دين . وإذن فالتقدم والتخلف يتعلقان بأسباب وظروف محددة .
مسألة أن الشعوب الإسلامية متفرقة ومتنازعة
مع أن الإسلام يدعو للوحدة
الـرد
صحيح أن الإسلام يدعو إلى الوحدة والتضامن ، يقول الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) (سورة آل عمران ، الآية 103) . وقد حقق المسلمون هذا المبدأ فى أحوال كثيرة . ولكن الفرقة بينهم جاءت من عوامل أخرى ، بعيدة تماماً عن الإسلام ، مثل التنازع الشخصى على السلطة ، وبقاء الاستعمار الغربى فى البلاد الإسلامية لفترات طويلة ، وقلة الوعى لدى الشعوب الإسلامية الذى نتج عن فترة الانغلاق الطويلة ، وعدم متابعة ما يجرى فى العالم من حولها .
ومما يلاحظ أنه مع زيادة نسبة التعليم لدى المسلمين ، وكثرة اتصالهم بالمجتمعات الأخرى ، ومعاناتهم من تعصب بعض هذه المجتمعات ، بدأ المسلمون فى تكوين بعض الروابط فيما بينهم ، ومن أهمها (منظمة المؤتمر الإسلامى).
وإذا كانت الفرقة تبدو بوضوح على المستوى السياسى بين الدول والحكومات الإسلامية ، فإنها تكاد تزول تماماً على مستوى المشاعر بين الشعوب الإسلامية . إن وقوع الأذى والظلم على أى مسلم يجعل المسلمين فى سائر أنحاء العالم يتعاطفون معه .
وهذا ما يؤكده قول الرسول صلي الله علية وسلم : "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (رواه مسلم وابن حنبل).
مقولة أن الجهاد الإسلامى يدفع
المسلمين إلى الاعتداء على الآخرين
الـرد
مما يؤسف له أن موضوع الجهاد الإسلامى مفهوم بصورة خاطئة تماماً لدى غير المسلمين . فالإسلام لم يدع أبداً إلى للحرب إلا للدفاع عن الحقوق ومواجهة الظلم والاعتداء . يقول الله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (سورة الحج ، الآية 39) . ويقول أيضاً فى تحريم الاعتداء على الآخرين (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ) (سورة البقرة ، الآية 190) .
بل إن الإسلام فى حالة رد العدوان يشترط المثلية فى الرد دون تجاوز ، ويدعو إلى التسامح ، يقول الله تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ) (سورة النحل ، الآية 126) .
وقد اعتمد خصوم الإسلام على بعض التجاوزات التى وقعت من بعض حكام المسلمين فى فترات تاريخية مختلفة واعتبروها للموقف الإسلامى من الحرب . وليس هذا انصافاً ، فنصوص القرآن والسنة الصحيحة تدعو إلى التعايش السلمى مع من يختلفون مع المسلمين فى عقيدتهم ، بل إنها تحثهم على معاملتهم والحوار معهم بالحسنى . ويظل السبب الرئيسى فى سوء فهم موضوع الجهاد هو عدم التمييز بين موقف الإسلام ذاته ، وبين تصرفات بعض المسلمين .
ولمزيد من التوضيح نقول أن الجهاد فى الإسلام له خمسة معان :
- بذل الجهد من أجل تأمين حياة الأسرة .
- السعى لإعالة أحد الأقارب العاجزين أو كبار السن .
- السفر فى طلب العلم إلى بلد آخر .
- الدفاع العسكرى عن الوطن ، ورد العدوان .
- الجهاد الأكبر وهو مجاهدة النفس ضد شهواتها ونوازعها الشريرة .
الزعم بأن الإسلام ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان ،
وأن الشـورى ليسـت ملزمـة للحاكـم .
مع اتهام موقف المسلمين من الرأى الآخر
الـرد
ليس صحيحاً على الإطلاق أن الإسلام ضد الديمقراطية . فقد سبق الأنظمة السياسية المعروفة حالياً ، ومنها الديمقراطية ، فى إتاحة المشاركة السياسية لكل أفراد الأمة ، ولم يضع عليها آية قيود تعطل فعاليتها . فقد أمر الله تعالى رسوله صلي الله علية وسلم فى القرآن الكريم بأن يشاور أصحابه فى أمورهم ، فقال (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (سورة آل عمران ، الآية 159) ، ووصف مجتمع المسلمين النموذجى بقوله (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (سورة الشورى ، الآية 38) .
وقد ثبت أن الرسول صلي الله علية وسلم كان أكثر الناس تشاوراً مع أصحابه ،وكذلك فعل الخلفاء الراشدون من بعده . وهناك وقائع تثبت معارضة بعض المسلمين للحكام دون أن يمسسهم أى أذى . فقد عارضت امرأة الخليفة الثانى عمر بن الخطاب فى مسألة ، نزل فيها على رأيها . وهو الذى كان يقول : " رحم الله امرءاً أهدى إلى عيوبى ".
وقد استخلص علماء الإسلام من هذا كله أن الشورى ملزمة للحاكم على الرأى الأرجح الذى يعتمده جمهور العلماء .
أما موقف علماء المسلمين من الرأى الآخر فتحكمه عدة مبادئ من أهمها : حسن الإصغاء إليه ، وعدم معاداة صاحبه أو إيذائه بالقول أو بالعمل ، والرد المقنع عليه بالحجة والبرهان ، وقد رسخت بينهم مقولات رائعة تعبر عن ذلك ، مثل " اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية " ، "رأيى صواب يحتمل الخطأ ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب ".
ومما يدل على اتساع صدر المسلمين للرأى الآخر ما يوجد فى الفقه الإسلامى، وأيضاً فى علوم أخرى كثيرة ، من اختلاف وجهات النظر ، وتعددها ، والانتصار لكل منها ، وتكوين مذاهب ومدارس مختلفة تتبعها وتروج لها .
كما أن الإسلام هو الدين الأكثر رعاية لحقوق الإنسان . ونصوصه الثابتة تؤكد ذلك تماماً . وكذلك ما ظهر من تطبيقات فى حياة المسلمين عبر العصور .
وإذا كانت فكرة حقوق الإنسان قد بدأت تجرى الآن على كل لسان فى العالم ، فلابد من متابعة نشأتها المحلية الأولى فى كل من إنجلترا (سنة 1688) ، وفى الولايات المتحدة الأمريكية (سنة 1776) وفى فرنسا (سنة 1789) – ولم يتم إقرارها على نطاق دولى إلا اعتباراً من (سنة 1948) فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، وفى (سنة 1950) فى المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان ، وفى (سنة 1966) فى الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وهى تتركز كلها حول مبدأين أساسيين هما : الحرية والمساواة ، بالإضافة إلى مجموعة من الحقوق التى تحفظ حياة الإنسان وكرامته داخل المجتمع .
وبأى نظرة سريعة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية ومن تربى بهديهما ، بتبين سبق الإسلام إلى تأكيد كل هذه الحقوق بل وأكثر منها . ويمكن الاكتفاء من ذلك بما يلى :
- إعلان تكريم الإنسان من حيث هو إنسان : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (سورة الإسراء ، الآية 70).
- تقرير حق المساواة بين البشر جميعاً دون التفرقة بين جنس ولون ووضع اجتماعى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) (سورة النساء ، الآية الأولى) .
- تقرير حق الحياة والسلامة الشخصية : (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (سورة المائدة ، الآية 32) .
ويقول الرسول صلي الله علية وسلم : " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مسلم " (رواه مسلم وسنن الترمذى) . وأيضاً " من قتل قتيلاً من أهل الذمة حرم الله عليه الجنة " (سنن النسائى ومسند ابن حنبل).
- التحرر من الرق والعبودية : روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنة قال : لعمرو بن العاص وابنه : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ وكتب منشوراً للناس يقول فيه : إنى لم أبعث عمالى – يعنى الولاة – ليضربوا جلودكم ولا ليأخذوا أموالكم . فمن فعل به ذلك فليرفعه إلى لأقتص له .
- الحرية الدينية : يقول الله تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (سورة البقرة ، الآية 256) . وأيضاً (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (سورة الكهف ، الآية 29) ، وأيضاً (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (سورة الكافرون (الآية 6).
مع ذلك ، فمن غير الإنصاف أن تحكم وثيقة حقوق الإنسان التى لم يتوصل إليها البشر إلا فى النصف الثانى من القرن العشرين على الإسلام كدين متكامل أنزله الله تعالى لهداية البشر فى كل زمان ومكان .
ويبقى دائماً أن العبرة إنما تكون بمدى تحقق مبادئ حقوق الإنسان فى الحياة العملية . وأن تكون عامة وشاملة للناس جميعاً . وليس أن تطبقها دولة متقدمة على رعاياها بينما تحرم منها بقية الشعوب الأخرى ، أو أن تلوم على تطبيقها الدول الصغرى بينما تنتهك هى نفسها تلك الحقوق .
وأخيراً فإن حقوق الإنسان فى الإسلام تتميز بأنها تمتزج كلها بدافع دينى عميق ، كما يراعى فى تطبيقها وجه الله تعالى ، فى حين تخلو حقوق الإنسان (المدنية) من هاتين الميزتين .
الادعاء بأن الإسلام يعادى الفنون
(الموسيقى والغناء والرقص والنحت والتصوير والتمثيل)
الـرد
الإسلام لا يعادى الفنون فى حد ذاتها ، كما أنه لا يعادى أبداً الفن الراقى الذى يسمو بمشاعر الإنسان ، ويهذب أحاسيسه . بل إنه يدعو إلى الفن الذى يحث على الفضيلة ويدين الرزيلة .
وقد شجع الرسول صلي الله علية وسلم الشعراء الذين وقفوا مع المثل العليا ، والمبادئ السامية . ومما هو معروف أن فن الشعر قد تطور لدى المسلمين تطوراً هائلاً ، وتعددت مجالاته وأشكاله .
ومن الثابت أن الرسول صلي الله علية وسلم كان يحب الصوت الحسن ويقدر تأثيره فى نفوس السامعين ، ومن ذلك اختياره لبلال صاحب الصوت الندى ، ليقوم بدور المؤذن للدعوة الإسلامية .
وقد أسئ فهم موقف الإسلام من الفنون اعتماداً على تحريم الصور والتماثيل حتى لا تختلط بالأصنام والمعبودات المصورة التى كان يتخذها المشركون آلهة لهم من دون الله .
وقد أدرك المسلمون فى شتى المجتمعات هذه الحكمة والتزموا بها ، دون أن يرفضوا الفنون تماماً . فقد ازدهر على أيديهم فن الرسم ، والمعمار ، والأرابيسك ، والمنمنات ، ومختلف أنواع التحف الفنية ، التى ماتزال اليوم موضع إعجاب فى شتى أنحاء العالم .
والخلاصة أن الإسلام إنما يرفض الفن الهابط الذى يسثير الغرائز ، ويحض على الرذيلة ، ويشجع الجريمة .
ادعاء أن الإسلام يدعو إلى التشدد والتطرف
وأن لفظ المسلم أصبح مرادفاً للإرهابي
الـرد
أما أن الإسلام يدعو إلى التشدد والتطرف فهذا ضد الحقيقة تماماً . والنصوص هنا أبلغ رد على ذلك . فالقرآن ينهى عن الغلو أى التشدد ، فى الدين ، فيقول (لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) (سورة النساء ، الآية 171) . ويصف المسلمين بقوله (كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (سورة البقرة ، الآية 143) ، ويأمر رسوله صلي الله علية وسلم ، المسلمين قائلاً (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا) (سورة هود ، الآية 112) .
والمتأمل فى أحكام الإسلام وتعاليمه يجدها أنها تتميز كلها باليسر والسماحة ، يقول الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ) سورة البقرة ، الآية 185).
ويبدو هذا بوضوح فى الشعائر التى يؤديها المسلم كالصلاة والصوم والزكاة والحج ، وما ينتج عنها من أخلاق التراحم ، والتصافى ، والتواصى بالحق والصبر ، والتعاون على البر والتقوى . يقول الله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) (سورة العنكبوت ، الآية 45) .
ويقول الرسول صلي الله علية وسلم : " الصيام جُنة (أى وقاية) ، فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إنى صائم مرتين " (رواه البخارى) . وقد عد رسول الله صلي الله علية وسلم من الصدقة : إماطة الأذى عن الطريق ، وتشميت العاطس أن نقول له : رحمك الله ، وإلقاء التحية ، وردها بأحسن منها . والملاحظ هنا أن تحية الإسلام المتداولة هى " السلام عليكم ".
وفى عهد الرسول صلي الله علية وسلم نفسه ، فهم بعض المسلمين الدين فهماً خاطئاً ، فحسبوه انقطاعاً كاملاً للعبادة ، وإرهاقاً للدين ، وانقطاعاً عن الدنيا وخيراتها . فبين لهم رسول الله صلي الله علية وسلم ، خطأهم فى ذلك ، وأن الدين الحق هو فى الاعتدال بين التعبد والإقبال على الدنيا ، ويظهر ذلك بوضوح من الحديث التالى :
جاء ثلاثة رهط (الرهط الجماعة من ثلاثة إلى تسعة) إلى بيوت أزواج النبى صلي الله علية وسلم يسألون عن عبادة النبى صلي الله علية وسلم فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها (أى اعتبروها قليلة) فقالوا : وأين نحن من النبى صلي الله علية وسلم ؟ ! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم :أما أنا فإنى أصلى الليل أبداً ، وقال آخر أن أصوم الدهر (أى كل أيام السنة) ولا أفطر، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً . فجاء رسول الله صلي الله علية وسلم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله انى لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكنى أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتى فليس منى (رواه البخارى ومسلم) .وهذا ما يقرره القرآن . حين يقول (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (سورة القصص ، الآية 77) .
والواقع أن الإسلام جاء ليقيم الاعتدال والوسطية بعد التطرف الدينى الذى وقع فيه اليهود ، حين خالفوا الفطرة بتحريم ما أحل الله لهم ، وبإقبالهم على الدنيا وأكل الأموال بالباطل ، وكذلك التطرف الذى وقع فيه النصارى حين خالفوا الفطرة بفرض رهبانهم التبتل على أنفسهم والانقطاع الكامل للعبادة ، يقول الله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (سورة الأعراف ، الآية 32) .
وهكذا يتضح أن التشدد أو التطرف لا يرجع إلى الدين ، بل على العكس ، إنما يرجع إلى التصور الخاطئ أو المنقوص للدين . وقد نبه الرسول صلي الله علية وسلم إلى أن المتشدد فى الدين قد ينسلخ منه تماماً نتيجة عدم الفهم الصحيح له :
عن أبى سعيد الخدرى قال : بينما النبى صلي الله علية وسلم يقسم الأموال جاء عبدالله بن ذى الخويصرة التميمى فقال : اعدل يا رسول الله فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ؟! قال عمر بن الخطاب : دعنى أضرب عنقه قال : دعه ، فإن له أصحاباً ، يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، وصيامه مع صيامه ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . (الحديث متفق عليه ، وهذا لفظ البخارى) . ومعنى هذا أنهم يتشددون فى أداء الشعائر ، ولكنهم لا يدركون مغزاها ، وفى مقدمة ذلك : حسن التعامل مع الناس.
أما تهمة الإرهاب التى تلصق حالياً بالمسلمين ، فإنها تعتمد على تصرفات قلة قليلة من الأفراد ، أو الجماعات التى تسعى إلى تحقيق مصالحها الشخصية بالتستر تحت قناع الدين – والدين منها برئ – حتى تحظى بتعاطف المسلمين البسطاء . ولم يعرف من تاريخ النبى صلي الله علية وسلم والخلفاء الراشدين والصحابة أن أحداً منهم قتل أى مسالم من أصحاب دين مخالف ، أو حمل أحداً على اعتناق الإسلام بحد السيف . ولم يعرف أيضاً من تاريخ النبى صلي الله علية وسلم وخلفائه أن أحداً منهم قتل مسلماً لمخالفته إياه فى الرأى أو مغايرته له فى المذهب . ويكفى أن نذكر هنا قول الله تعالى أن (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (سورة المائدة ، الآية 32) . ويقول الرسول صلي الله علية وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه" (سنن الترمذى وسنن ابن ماجه) . وفى حديث آخر : "من روع مؤمناً لم يؤمن الله روعته يوم القيامة " (سنن الترمذى ومسند ابن حنبل) وأيضاً: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " (رواه البخارى ومسلم) وقوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ • وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ) (سورة الأعراف ، آيات 55، 56) .
كذلك يدعو الإسلام إلى التعايش السلمى بين الشعوب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (سورة الحجرات ، الآية 13) . ويحث المسلمين على أن يعاملوا غير المسلمين بالبر والعدل (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) (سورة الممتحنة ، الآية 8).
والواقع أن الإرهاب فى الآونة الأخيرة يمثل ظاهرة عالمية أى أنها موجودة فى كل المجتمعات ، وداخل كل الأديان والمذاهب ، لكن أعداء الإسلام يحاولون قصرها على المسلمين وحدهم . وقد اندفع الإعلام الغربى فى هذا الصدد ، وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى ، وظهرت مقولة تدعى أن الإسلام هو العدو التالى بعد الشيوعية . وما أبعد هذا عن الحقيقة والواقع . فهناك أكثر من مليار مسلم مسالم يعيشون فى شتى أنحاء العالم ، وهم حريصون على الأمن والاستقرار ، بفضل ما يوجد فى تعاليم دينهم من المبادئ التى تدعو إلى السماحة والاعتدال .
|
ارجو ان يقتنع به اعداء الدين وان يفيدهم فى الوصول الى طريق الصواب وان يثبتنا على الحق