نبش الذاكرة
دكتور حامد طاهر
بئر الذاكرة
الذاكرة
هى تلك البئر المحفورة فى صحرائنا بعضنا يتركها بدون عناية ، فتتراكم الرمال حولها ، وتسقط فيها ، حتى تملأها ، فتختفى تماماً عن الأنظار والبعض يحاول ، من وقت لآخر ، أن يزيل عنها الرمال ، ويصل إلى مائها ، ليغسل فيها وجهه ، أو يبل منها ريقه . . ببعض القطرات
****
أموال الجمعية
اتفقنا - ونحن صبية أن نكوّن جمعية ، يقدم فيها كل منا ما يستطيع من مصروفه ، لكى نشترى هدية لمن يسقط منا مريضاً اختارونى أميناً للصندوق تجمع لدى حوالى 14 قرشاً لم يمرض أحد كما أن أحداً لم يسألنى عن المبلغ قط *****
رغبات مريض
عندما كنت أمرض وأنا صغير أجد الأسرة كلها تحوطنى بحنان شديد وكنت أنتهز الفرصة ، فى طلب أشياء لا تتصل بالمرض على الإطلاق كرة بنج مع مضرب خشبى ، أو علبة ألوان مائية ، أو سيارة بزمبلك كنت أشاهدها عند بائع الخردوات وكانوا يحضرون لى ما أطلب لكننى كنت أشعر فى النهاية ، أننى غير قادر على الاستمتاع بأىّ من تلك اللّعب
****
البسطرمة
كانت أسرتى ريفية لكننى ولدت فى القاهرة وقد جعلنى هذا الوضع أعيش تناقضاً حاداً فعادات الأسرة لم تتوافق تماماً مع سلوك أهل القاهرة لذلك كان علىّ أن أتبع فى المنزل نظاماً فى المعيشة يختلف كثيراً أو قليلاً عما أتعامل به مع زملائى القاهريين من ذلك مثلاً أن سندوتش البسطرمة الذى كنت أحب تناوله مع أصدقائى كان يعتبر فى منزلنا نوعاً من لحم الخنزير
****
أمسيات رمضان
كانت أجمل لحظات طفولتى هى تلك التى أقضيها بعد الإفطار . . فى رمضان بين مجموعة من الصبيان والبنات نتحدث معاً ونلعب معاً ويعبّر فيها كلُّ منا عن موهبته فى السمر ، والغناء ، وإلقاءالطرائف ثم نعود إلى بيوتنا على أمل اللقاء فى الليلة المقبلة
****
مباراة ثأرية
كنا نستبدل بلعب البلْى الزجاج نوى المشمش . . لأنه تقريباً بالمجان وذات يوم فى رمضان لعِبت معه - وكان أكبر منى سناً – فغلبته لكنه أصر أن نواصل اللعب ، لكى يعوض خسارته تحول اللعب إلى مباراة ثأرية، استمرت حتى دق مدفع الإفطار عدت إلى المنزل ، وفى جيبى أكثر من مائة وخمسين حبةً من نوى المشمش لكن أبى لطمنى على وجهى
****
الوجه المظلم للماضى
يقولون دائماً : إن الماضى جميل وليس هذا صحيحاً غلى الإطلاق فالماضى قد يحمل أياماً سوداء ، وليالى بدون نجوم من ذلك مثلاً ذلك العيد الذى لم تصنع فيه أسرتنا الكحك ، والعيد الآخر الذى لم أحصل فيه على حذاء جديد
****
حقيقة الربيع
لم يكن فى شارعنا شجرة واحدة لذلك كنت أحث أصدقائى الصغار لكى نخرج يوم شم النسيم ، إلى ضواحى " الدّراسة حيث الأشجار التى تحيط بـ "بلوكات النظام ، و "المطافى ومن بينها شجرة توت كان الجنود يسمحون لنا أن نأكل بعض ثمارها ، وهم فرحون بسعادتنا كان هذا هو الربيع
****
صاحب الكرة الشراب
الكرة الشراب كانت ساحرتنا فى الطفولة وكانت عنصراً أساسياً فى العديد من ألعابنا كرة القدم ، والسبع طوبات ، والتنطيق . . الخ وكان الذى يمتلك كرة جيدة الصنع يحق له أن يشارك فى كل المباريات حتى ولولم يكن . . لاعباً ماهراً **** .
سحر الشاشة
كان صديقى ثابت مهووساً بمشاهدة الأفلام الأجنبية وكان يدعونى إليها فى معظم الأحيان بجواره فى السينما . . كنت ألاحظه إذا بدأ الفيلم لا يتحدث ، ولا يتحرك ، وهو مستغرق تماماً فى الشاشة رويداً رويداً ، لم أعد ألاحظه وأخذتنى الشاشة بعيداً
****
رفض الهزيمة
كنا ونحن صغار نقسّم أنفسنا فى اللعب فرقاً متنافسة وكان بعضنا لا يقبل أن يسلم بالهزيمة أبداً فإذا أحس أن الفريق الآخر فى طريقه للفوز افتعل مشاجرة ، وانسحب من الملعب لم يكن هذا عملاً طفولياً لأننى بعد ذلك . . رأيته يتكرر من الكبار
****
حساسية
لماذا كنا ونحن صغار نخشى أن يطلع أصدقاؤنا على ما فى عائلاتنا من عيوب ؟ كنا نخفيها بقدر ما نستطيع كما كنا نحاول أن نظهر دائماً بأفضل مما نحن عليه لكن الزمن كان يفجوءنا جميعاً . . بالحقائق القاسية
****
البائعة الجميلة
كانت بائعات الحليب يأتين من حلوان ، وهن دائماً عجائز يحملن فى وجوههن تجاعيد السنين ، وفى الأكف المعروقة رعشات الزمن وذات يوم جاءت معهن فتاة لون عينيها فى خضرة البرسيم وشعرها بلون الذهب كانت دائماً تبتسم وفى خديها غمازتان لم أجرؤ أن أكتب عن إعجابى بها إلا بعد أن قرأت حالة مماثلة عند الكاتب الفرنسى مارسيل بروست
****
الحاجة جواهر
كان يوم رجوع " الحاج بيومى " من الحجاز عيداً كبيراً بالنسبة لنا فقد وزعوا علينا أرغفة اللحم ، وأكياس الحلوى ، والفول السودانى وسقوا كلا من أكثر من كوب شربات كانت زوجته " الحاجة جواهر تروح وتجئ تحتضن كلا منا وتقبله وهى دامعة العينيْن لم يكن لها أبناء
****
أجنحة الموت
فى شارع بدر ، الذى كنا نلعب فيه الكرة الشراب يوجد منزل ممتد ، كان خالياً من الشرفات ، وقليل النوافذ وكان صاحبه كثير التبرم بنا ومع ذلك ، كان يطيب له أحياناً أن يجلس بجوار منزله على كرسى ويراقب مبارياتنا وذات يوم ، وأنا أحرس المرمى بالقرب منه رأيت رأسه تتدلى فجأة على صدره ولأول مرة فى حياتى أسمع بكل وضوح . . خفقان أجنحة الموت
****
المعادلة
منذ زمن سحيق فى الصبا أدركت بوضوح أن الحياة لا تعطينا إلا بقدر ما تأخذ منا وأن كل متعة يقابلها تنغيص على قدرها كان لى صديق ، ابن حلاق ،وكنا متقاربيْن للغاية وكنت مضطراً أن أعود معه إلى المنزل ، من الطريق الذى يمر بدكان والده لأنه بعد كل امتحان شهرى كان الحلاق يجلسنا أمامه ، ويظل يقارن بين إجابة كل منا ساعة ، ساعتين ، وأحيانا أكثر كنت أضيق جداً من هذا الامتحان القاسى لكننى أتحمله . . من أجل صداقة صاحبى
****
كارهو الأطفال
هناك من يكره الأطفال وكنا نعرفهم جيداً كانوا لا يتحملون وجودنا وإذا رأونا نلعب فى الشارع صرخوا فى وجوهنا ، أو ألقوا علينا الماء حتى يفرقونا ومن العجيب أنهم كانوا آباء وأمهات لأصدقائنا
****
انبثاق الحب الأول
لم يكن يشرق يومى إلا عندما تظهر فى الشرفة بوجهها الأبيض ، وشعرهاالغزير الفاحم ، الملتف فى ضفيرة واحدة وفستانها الزاهى الألوان . . كأنه الربيع وأندهش الآن : من أن عمرى لم يكن يتجاوز حينئذ عشر سنوات ، بل ربما تسع أى نوع من الحب ، ذلك الذى انبثق فى تلك الفترة الباكرة من العمر ؟
****
الوجه الآخر للطفولة
للطفولة عالمها الوردى الجميل لكنّ لها أيضاً وجهاً آخر فقد عرفنا فيها التنافس الذى ينمو فى تربته الحقد ، والخصومة التى تتحول إلى مقاطعة ، والمشاجرات التى تسيل فيها الدماء
****
بسكويت البخت
كان عبارة عن أقماع من البسكويت فى قاعها قليل من العسلية وبها هدايا مثل الخواتم ، أو السلاسل ، أو البلى الملون وكانت الجائزة الكبرى عروسة صغيرة من البلاستيك كان القمع الواحد بمليم وكنا نتبارى فى الحصول على العروسة إلى أن حصلت فى يوم على مبلغ كبير : خمسة قروش وذهبت للبائع وحدى وظللت أختار . . حتى كدت أخسر قروشى كلها وأخيراً أشار إلى أن أفتح واحدة كانت فيها العروسة عندما عدت بها إلى المنزل وجدتها لا تستحق كل هذا المبلغ
****
حمص الشام
كان بائعهُ إذ مرّ علينا توقفنا جميعاً عن اللعب ، وازدحمنا حول العربة ، التى ينبعث منها الدخان فى الشتاء كان الكوب يمتلئ بالماء الساخن ، وبعض حبات الحمص والشطّة التى كنا نتبارى فى الإكثار منها كانت المعدة فى ذلك الوقت . . قادرة على هضم المستحيل
****
صديقى مكرم
صديقى العزيز مكرم بقامته المعتدلة ، والقميص الزيتى المكوى جيداً ، والمنديل الأخضر المضفر حول عنقه كان من فتيان الكشافة وكان يبهرنى بأحاديثه الشيقة عنها كنت أتوق للانضمام إليها ، لكن أبى رفض بشدة قابلنى مكرم بعد زمان طويل قدم لى الكارت بالتليفونات تحت اسمه قرأت وكيل الاتحاد العام للكشافة
****
اعتذار
كان أستاذ التاريخ عندما يفشل فى إقناعنا ، أو تسليتنا يكح ويمخط بشدة ثم يشكو من مرض الربو اللعين كنا لا نصدقه لكننا كنا نرثى لحاله ويمنع بعضنا بعضاً من مشاكسته
****
جريمة لم تغتفر
اشتركت وأنا صغير فى جريمة ، لم أغفرها لنفسى أبداً كانت هناك فتاة جميلة جداً ، مؤدبة جداً . . وأبوها حازم جداً وكل شبان الحى يتمنون الاقتراب منها وذات يوم ، قذف لها أحد الشبان برسالة غرامية قرأتها ومزقتها قطعاً وألقتها من الشرفة كنت مع صديق نراقب الموقف ، وقررنا أن نجمع القصاصات الممزقة ، ونعيد ترتيبها ، ولصقها ، ثم أعلناها للجميع وكانت صفعة للشاب ، وفضيحة للفتاة
****
النقود
كانت النقود التى يراها الكبار قليلة القيمة تمثل لنا – نحن الصغار – مبالغ كبيرة المليم ، والنكلة ، والتعريفة ، والقرش ، والنص فرنك وكان لكل منها فى نومنا حلم ، ننفقه فيه أما الجنيه ، فلم يكن من عالمنا على الإطلاق لذلك فإننى أنظر إليه الآن ، ولا أجده مرتبطاً بأى حلم
****
صور لا تنمحى
هناك أشياء من الطفولة لا يمكن أن تنمحى بسهولة ، ولا يوجد لها تفسير ان لنا صديق ، يحلو له – إلى درجة الإدمان أن يخطف سلطانية زبادى من البائع ، الذى كان متيقظاً كالصقر وامرأة أخرى عجوز ، كانت تجلس على الرصيف ومعها شوال ، تجمع فيه القطط الضالة ، التى تستطيع الإمساك بها
****
الجرح
مازلت أحمل جرحاً فى رأسى ، نتج عن مشاجرة مع واحد من أعز أصدقائى تأزمت الأمور بيننا ، وتحدى كل منهاالآخر ثم تواعدنا على المصارعة وفى اللحظة المحددة ، تحلق الجميع حولنا فى دائرة وبسرعة ، انتهى الصراع لصالحى لكنه لم يتحمل الموقف ، فالتقط حجراً وقذف به رأسى من الخلف انفتح جرح ، وسال دم غزير ملأوه لى بالبن فى المقهى المجاور خشيت أن أخبر أسرتى وظللت أعالجه سراً ، حتى اندمل لكن آثاره ما زالت باقية حتى اليوم
****
بيت السودانين
كان فى شارعنا منزل مخيف ومغلق دائماً على أهله كنا نطلق عليه بيت السودانيين وكان لهم طفل من عمرنا عندما يجئ إلى القاهرة فى الأجازة كنا نسعد بصحبته كثيراً وكان كل منا يحاول أن يسعده بشتى الطرق أخذناه إلى حديقة الحيوان ، والهرم ، والقناطر وكان فى المقابل يعدنا بأن يأخذنا معه ، لنزور الخرطوم ، وأمدرمان
****
أول أيام المدرسة
أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة ذرفت كمية هائلة من الدموع تصورت حينئذ أنهم يرسلون بى إلى غياهب سجن رهيب ووجدتنى أنتزع نزعاً من أحضان الأسرة هناك . . رأيت أطفالاً مثلى يبكون ومع مرور الوقت . . انشغلنا بتناول الطعام ، الذى كانوا قد وضعوه لنا فى حقائبنا ثم رحنا نتحدث أحاديث جميلة لم تتوقف بعد ذلك أبداً
****
صفقة خاسرة
عاد أبى من أحد أسفاره محبطاً جداً وتأكدنا أنه خسر صفقة هامة ساد البيت وجوم كئيب وأغلق كل من الصبيان والبنات حجرتهم على أنفسهم ولم يتبادلوا أى كلمة رحت أتنقل بين الجميع محاولاً فتح ثغرة فى حائط الحزن وعندما فشلت خرجت إلى الشارع حيث وجدت أصدقائى كعادتهم فرحين
****
الصدمة المزدوجة
فى عالم الطفولة الصغير كنا نستطيع أن نميز جيداً بين الطيب ، والشرير ، والشهم ، والانتهازى وكنا نتخيل أن عالم الكبار أفضل لكن المأساة أننا صدمنا فى كل من الواقع والخيال
****
الحكم الظالم
كانت الأخت الكبرى لصديقى نبيل من أجمل فتيات الحى وعلى رضاها . . تنافس كثير من الشبان وذات يوم تحدانى أخوها ، وتحدّيته وتصارعنا ، فهزمته لكن مجموعة الشباب الذين تدخلوا لفض الاشتباك بيننا أعلنوا فوزه علىّ
****
السرقة الأولى
فاجأنا مدحت ذات يوم بدعوتنا جمعياً إلى شرب الكوكاكولا وكنا حوالى عشرين دفع لصاحب محل العصير جنيهاً ، من بين جنيهات كثيرة كانت معه ويومها اندهشنا ، لكننا بعد ذلك تأكدنا من أنه سطا على شقة جارتهم وأخذ من دولابها 32 جنيهاً جاءت الشرطة تبحث عنه ووقفنا جميعاً مبهوتين كانت أول حادثة سرقة ، يقترفها أحد أصدقائنا
****
بين القسوة والرحمة
لو أدرك المدرسون جيداً مدى معرفة التلاميذ بأحوالهم لتغير سلوكهم كثيراً كان أشد المدرسين قسوة علينا هو أضعفهم فى مادته العلمية وكان أرحمهم بنا هو أوسعهم علماً وثقافة
****
اصطياد يمامة
كان أملى وأنا صغير أن أصطاد يمامة وعلى سطح منزلنا ، اختبأتُ تحت تعريشة لعدة ساعات وأخيراً جاءت اليمامة وببطء شديد وحذر مددتُ يدى الصغيرة وأمسكت بذيلها فوجئتُ بقوتها الهائلة ، ودفاعها البطولى عن نفسها تركتها تطير أما هى فقد تركت فى يدى بعض الجروح ، وريشة من ذيلها
****
التفاخر
كان أسوأ ما فى الحىّ الذى نشأتُ فيه أن العائلات فى يوم العيد تصطف فى الشرفات ، وهى تراقب أبناءها وبناتها فى ملابسهم الجديدة متباهية ، كل منها ، بما أحضرته لهم
****
أجمل ما فى القطط
فى طفولتى أحببت القطط كثيراً وكان يجتمع عندى أحياناً ثلاث أو أربع قطط أجمل ما كان يعجبنى فيها لون عيونها البديعة ، وصوت كركرتها حينما تحسّ بالأمان بين يدىّ
****
أقسى عقوبات الطفولة
المقاطعة فى الطفولة كانت أقسى أنواع العقاب ، الذى ننزله بواحد منا كنا لا نكلمه ، ولا نلعب معه ، ونحاول إغاظته باجتماعنا دونه كان يشعر بالحزن ، والمهانة ، وبقدر كبير من الوحشة وأخيراً يعطف عليه أحدنا ، فندعوه للدائرة ليسعد منا بنعمة الصحبة
****
الرحلة المدرسية الأولى
أول رحلة مدرسية خرجتُ فيها كانت إحباطاً من كل الجوانب كادت تسبب مشكلة فى أسرتنا ، فالبعض اعترض بشدة خوفه علىّ من الغرق فى النيل والبعض الآخر لم يجد لها معنى لأننى ألعب طوال اليوم وتغلبت على الجميع ببكائى المتواصل وفى يوم الجمعة تحرك الأتوبيس متجهاً إلى القناطر لكن المطر فاجأنا فتحولت الرحلة إلى حديقة الحيوان ، التى أغلقت هى الأخرى أبوابها بسرعة خوفاً على الحيوانات رجعت كسيف البال ومن يومها . . لم أعد اهتم كثيراً بالرحلات
****
مولد الحسين
فى مُولد الحسين كان يُنصب السيرك ، وحوله ينتشر الحواة ، والباعة الجائلون ، ولاعبو " الثلاث ورقات كنا نبذل جهوداً كبيرة لنحصل من أهلنا على بعض القروش ونسرع بإنفاقها ، أو خسارتها فى المُولد ومع ذلك . . نعود سعداء
****
خبرة السيارات
كان من أصدقائنا " واحد على معرفة دقيقة بأنواع السيارات وكان أشهرها فى الخمسينات الفورد ، والكاديلاك ، والشيفرليه وأبتسم الآن حين أذكر أنه كان يغضب منا بالفعل إذا لم نتعرف على السيارة ، من خلال ماركاتها التى علمنا إياها وأتساءل : ما الذى كان يعنينا من ذلك كله ، ونحن لا نمتلك أىّ سيارة
****
صبحى وفايزة
فى الشقة المجاورة لنا ، سكن عروسان مسيحيان صبحى وفايزة كانت فايزة جميلة جداً وراح إخوتى الكبار يتابعونها فى الذهاب والمجئ وذات يوم فوجئنا بزوجها يطلب رؤية والدى ، ويجلس طويلاً معه توقعنا جميعاً أنه يشكو إليه وأحس إخوتى بالندم والخوف وبعد انصرافه ، قال أبى من الآن فايزة ستكون أختكم ، لأن زوجها يضطره عمله للسفر كثيراً وهو يتركها أمانة لدينا تنفسنا الصعداء وأصبحت فايزة بالفعل .. واحدة من الأسرة
****
فايزة القبطية
كانت فايزة القبطية تخصنى باهتمام كبير تحضر لى الشيكولاته ، وتأخذنى معها إلى السوق وكان يحلو لها أن تحملنى كثيراً وعندما كانت أمى تقول لها يا ابنتى. . إنه ثقيل عليك تجيب بحرقه أدعو الرب أن يرزقنى بابن مثله ورغم أن أمى كانت تعتقد فى الحسد ، فلم تكن تخشى علىّ من عين فايزة
****
انتحار
فى البيت الوحيد ، المكون من طابق واحد كانت تسكن أسرة متحفظة جداً وكانت لهم فتاة جميلة ، أخرجوها فجأة من المدرسة ، وأبقوها فى البيت وذات صباح كئيب . . سمعنا نبأ انتحارها أحدث الخبر ضجة كبرى فى الحىّ ومما قيل : إنها كانت حاملا ما زلت أذكر وجهها البرىء الهادئ وهى تشاهد لعبنا من النافذة
****
صداقة فارس
كان لصاحبة المنزل الذى نسكن فيه كلب أسود ضخم اسمه " فارس وكان مهاباً من جميع السكان ، ويخيفنى كثيراً لا أستطيع أن أصف السعادة التى شعرت بها . . حين صادقته وسمح لى أن أربت على رأسه ، وأخرج به بعد ذلك فى رحلات طويلة تحت المطر فى تلال الدرّاسة
****
صمت الأطفال
كنا ونحن صغار نعرف عن الكبار أسراراً لو أفشيناها لأدت إلى القتل لكننا كنا نسكت عنها . . مجاملة لهم شهدنا فى شارع بدر حالة حب بين شاب أعزب ، وسيدة متزوجة كنا نراه يزورها فى غياب زوجها وكانت كل مكافأتنا . . لقاء الصمت أن تبتسم لنا من النافذة أو تسقينا فى " عز الحر " ماءً مثلجا
****
الصاروخ
كان يحلو لنا ونحن صغار ، أن نلفت أنظار الكبار وذات يوم علّمنا أحد أصدقائنا كيف نطلق صاروخاً فى الفضاء حفرنا فى وسط الشارع حفرة وملأنا نصفها بالماء ثم ألقينا بها قطعة من فحم الكوك وغطيناها بعلبة سردين فارغة ، ومثقوبة من أعلاها ولم يبق إلا أن نشعل فوق الثقب عود كبريت حتى أحدثت دوياً هائلاً ، هزّ هدوء عدة شوارع وصعدت العلبة الفارغة .. إلى ما يقرب من الدور الخامس
****
ليلى والمجنون
شهدنا فى طفولتنا قصة حب تشبه فى بدايتها قصة ليلى والمجنون كان ( ف ) مدرساً ، هام بـ ( ع ) حتى أنه كان يقضى الليل كله ، وهو واقف على الناصية . . أمام شرفتها لكن الجديد فى القصة ، أنه تزوجها ، ثم علمنا أنه أصبح يغار جداً عليها وتحولت الغيرة إلى شكٍ ، فضرْبٍ ، فطرْد من الشقة وكثيراً ما كنا نساعدها ، وهى فى الطريق إلى بيت أسرتها ، فنحمل لها حقيبة الملابس
****
المصارحة
كنت ألتقى بها وسط إخوتها ، ونتحدث ، ونلعب لكننى - وحدى - كنت أفكر فيها كثيراً ، وأتخيلها وذات يوم صممت أن أصارحها بشعورى نحوها وكانت قادمة من آخر الشارع ، فنظرت فى عينيها ومن الرائع أنها فعلت نفس الشئ وغبنا فى نظرة طويلة ، طويلة كانت أبلغ من أى تصارح كما كانت لها حلاوة ، ما زالت – بعد أربعين سنة – تقطر فى قلبى
****
شارع الطفولة
كنت أحب الشارع الذى ألعب فيه كثيراً شارع بدر بحى الدرّاسة وكان يحلو لى أن أخطو على بلاط الرصيف ، وألمس جدران البيوت ، وأستنشق بعمق هواء الصباح الباكر ، ونسيم الليل الذى يعبر على الناصية وتكتمل المتعة أخيراً بلقاء أصدقائى ، وظهور حبيبتى فى الشرفة
****
الحب الأول
أجمل ما فيه أنه يأخذنا على غرة ودون أن نتنبّه ، نجد أنفسنا محلقين فى سمائه الزرقاء لكن أسوأ ما فيه أنه يظل نموذجاً فريداً . . لا يمكن تكراره
****
حوار
قالت لى عاتبة لماذا لم تعد تزورنا ؟ لأننى أخشى أن يلحظ إخوتك اهم أصدقائى – ما بيننا انهم يحبونك كثيراً وهذا هو السبب
****
الالتزام
كان فى الحىّ شاب وجيه جداً ، وعلى درجة كبيرة من الثراء وكم حاولتْ أكثر من عائلة أن تجتذبه ليتزوج منها لكنه ظل يتنقل بين مغامرات كثيرة ، مع فتيات لعوبات وفى النهاية ، فاجأ الجميع بالزواج من فتاة ريفية ، جمعت بين شدة الأدب ، وقلة الجمال ، وصار من أكثر الأزواج التزاماً
****
همسات مخزية
كان يتيم الأب ووديعاً كالحمامة سيطر عليه ولد بغيض ، وصار يحركه كما يشاء دارت حول علاقتهما . . همسات مخزيهْ وقرر بعض الطيبين أن يحذروا الأم لكن القدر كان أسرع منهم فى عصر يوم من أيام الشتاء الممطرة صدمته سيارة مسرعة
****
أسرة شريرة
ماذا يفعل الجيران لأسرة ، كبيرها بلطجى ، والأم شرسة ، والأولاد والبنات من أصحاب السوابق ؟ كان الجميع يتجنبونهم ، والبعض يخطب ودّهم بإرسال أطعمة ومع ذلك . . لم يحفظوا وداً لأحد كانوا يثورون لأدنى مناسبة ، ويتشاجرون مع الكبار ، ويضربون أبناءهم حتى جاء يوم قررت البلدية هدم البيت الذى يسكنونه وسرى فى الشارع ارتياح غير مسبوق
****
حياة النمل
أحببت - وأنا صغير – متابعة حياة النمل وأذكر أننى كنت أقضى الساعات منكباً على أحد جحوره وأرصد حركة الداخلين والخارجين بعضهم يحمل جزءاً من عود جاف ، أو ورقة شجر ، أو بعض أشلاء حشرة أخرى وكان من أهم ما لاحظته أن العمل يجرى على قدم وساق ، وأن النشاط هو سمة الجميع لا أذكر أننى وجدت نملة ، تتلكأ فى الحركة ، أو تبطئ فى المسير
****
زيارة الهرم
زرنا الهرم ونحن صغار كان الطريق سيئاً للغاية التراب تحت أقدامنا ، وفى حلوقنا والشمس الحارقة على رؤسنا ولم يكن طوال الطريق الصاعد مكان واحد يقدم شربة ماء عندما اشتد بنا العطش عند منتصف الطريق عدنا لنشرب من أوله حينئذ قال أحد الظرفاء إذا صعدتم ستعطشون من جديد دب اليأس فى قلوبنا فقررنا العودة إلى البيت
****
حريق مستودع
على أطراف حى الدرّاسة شب حريق هائل فى مستودع حكومى كبير وكان أحد أمناء المخزن والداً لأحد أصدقائنا وراح الصديق يحدثنا عن حجم الحريق ، وقيمة الخسائر ، وكيفية مقاومته وعندما سألناه عن سبب الحريق تطوع أحد أصدقائنا المتهكمين أبوه هو الذى أحرقه ، ليخفى ما سرقه غضب الصديق الأول جداً حتى أجبرنا صديقنا الثانى على الاعتذار إليه
****
الوظيفة الأفضل
تحدثنا ونحن على الناصية ذات يوم عن الوظيفة الأفضل فى الحياة وقيل : الضابط ، والطبيب ، والمهندس ، ورجل الأعمال وراح كل منا يتمنّى واحدة ، ويدافع عنها عندما كبرنا لم يحصل أىّ واحد منا على ما كان يتمناه
****
مشكلة عائلية
كيف استطاع صديقنا عادل أن يغرقنا فى مشكلته العائلية ، طوال شهر كامل ؟ تشاجر أبواه ، فهجرت أمه البيت تاركة أبناءها الستة ورحنا نساعده فى الاهتمام بهم ، ونبحث كيفية الصلح ، وإعادة المياه إلى مجاريها وقدمنا نصائح عديدة لم يؤخذ بواحدة منها ظل الأب هادئاً للغاية وذات يوم ، ودون أية مقدمات وجدنا الأم عائدة إلى البيت
****
مدام نجلاء وأزاوجها
كانت مدام نجلاء سيدة فى الأربعين ، غاية فى الجمال ، غاية فى الأناقة وكانت تمتلك فندقاً ورثته عن عائلتها الثرية شهدتُ فى طفولتى زواجها . ثلاث مرات وكنا نتحدث طويلاً عن سبب انفصالها المتكرر كان الواضح أنها تكتشف أنهم يتزوجونها لمالها وقال أحدنا : لعلها باردة وقيل أيضاً إنها لا تحب الرجال ؟ ولم أفهم معنىهذا التفسير الأخير إلا عندما كبرت
****
المعلم زيزو
كان المعلم " زيزو " يمتلك ثلاجة ضخمة فى أول شارع باب الوزير يبيع فيها المياه الغازية صباحاً ، والبيرة ليلاً وكان الجميع يعرف أنه يتاجر فى الحشيش وقد قبض عليه ، وسجن أكثر من مرة عندما كان يخرج كان يعاود عمله بنفس الجرأة ظل طوال حياته على تلك الحال ، ولم يصلحه السجن أبداً
****
درس خصوصى
فى الشهادة الابتدائية رسبت فى مادة الرياضيات وكانت تشمل الحساب والجبر والهندسة ولأن أصدقائى كانوا حريصين على تواجدى معهم ، فقد أخذوا على عاتقهم شرح المقرر لى كنا نلعب معظم الوقت ، ونذاكر قليلاً اعتبرت أسرتى المحاولة نوعاً من العبث لكن المفاجأة . . أننى حصلت فىامتحان الدور الثانى على الدرجة النهائية
****
أجمل الأغنيات
هى التى ترتبط فى حياتنا بمناسبات معينة وكانت أغنية " الورد جميل " لأم كلثوم أجمل ما أحببت فى الصغر لأنها كانت تعوضنى عن حرمانى من رؤية أى حديقة فى حى الدرب الأحمر عندما كنت أسمعها : أشاهد الورد ، وأشمه ، وأقطفه ، وأملأ به حجرتى
****
العيون الزائغة
كان الشيخ حسّونة ، الكفيف البصر متزوجاً من امرأة ريفية ، غاية فى الحسن وتَعودا أن يجلسا فى شرفتهما مساء متقاسميْن طبقاً من اللب الأبيض الذى كان يتساقط قشره علينا ، ونحن نلعب وكثيراً ما غضبت من صديقى الذى كان يهمس لى إن عينيْها على طلاب الشقة المفروشة كنت أنهره بشدة لكننى عندما كبرت ، أعدت النظر طويلاً فى ملاحظته
****
الغارات
فى المرة الأولى ، التى شاهدتها تملكنى رعب شديد فى المرة الثانية ، حاولت أن أعرف ما يحدث أما فى المرة الثالثة ، فكنت أتابع مع أصدقائى على الناصية ، حركة الأضواء الكاشفة ، وأهزأ من عدم التصويب الجيد على الطائرات
****
تسامح
من شدة إخلاصى لأصدقائى ، كنت دائماً متشدداً فى معاملتهم الآن . . وبعد مرور السنوات ، ورؤية العديد من التجارب ، وكثرة النماذج البشرية ، التى تعاملت معها ، أجدنى أكثر تسامحاً وأصبحت أقيم لكل مخطئ عذراً
****
النجاح
كان لى زوج خالة يعمل فى تسويق دخان "المعسّـل وذات يوم زارنا فى القاهرة وطلب من والدى أن يسافر معه إلى مدينة المنصورة ليضمنه فى صفقة كبرى لدى أحد الخواجات بكيت لكى يصحبنى أبى فى تلك الرحلة وفى محطة طنطا سقط مطر غزير أوقف القطار حتى الصباح ورحت أبكى بشدة لكى أعود إلى بيتنا فى القاهرة وظل زوج خالتى يحاول تسليتى بشتى الطرق لم ينجح على الإطلاق لكنه نجح بفضل تلك الصفقة فى أن يصبح مليونيراً
****
شلة السوء
كيف تلوث بعض أصدقائى فى حىّ الحسين ؟ بدأ الأمر بحادثة سرقة ، قام بها أحدهم وعندما خرج من السجن ، ابتعد الجميع عنه ما عدا بعض الأصدقاء ، صاروا يلتقون به سراً وبعدها سمعنا أنهم يترددون على بعض الغُرَز فى مقابر الغفير يتعاطون الحشيش ويمارسون الفاحشة
****
زواج بالترتيب
نشأت فى أسرة مكونة من أربعة إخوة ، وخمس بنات وكانت فيهن الدلوعة ، والجميلة ، واللامبالية ، والمؤدبة ، والحازمة جداً كنت أتمنى لهن جميعاً السعادة ، وتوقعت أن يتزوجن حسب ترتيبهن فى السن لكنهن تزوجن بالترتيب الذى ذكرته
****
عدالة الأم
عدالة الأم من عدالة السماء نشأت فى بيت يضم عشرة إخوة خمسة صبيان ، وخمس بنات وكان يلتف كل منهم حول " طبلية وكانت أمى هى التى توزع اللحم والدجاج على الجميع ورغم مرور السنوات الطويلة ، وعدد الوجبات التى لا حصر لها لا أتذكر أن أحداً من إخوتى وأخواتى اشتكى من أى ظلم فى الحصول على نصيبه
****
الناس الطيبون
على حائط الذاكرة خيالات لأناس طيبين جداً كانت قلوبهم نظيفة ، وأيديهم مليئة بالخير لمن حولهم أحاول جاهداً أن أستعيد ملامحهم ، فلا أتبيّنهم جيداً ويبدو أنهم مازالوا حريصين على عدم ظهور أسمائهم لكى نتذكرهم فقط بأعمالهم
****
الفارق الأساسى
الفارق الأساسى بين الطفولة والشباب هو الاحتلام معه تخبو جذوة الصداقة ، ويقل الفناء فى هموم الآخرين وتبدأ أولى خطوات الإحساس بالذات المشكلة أنه يظل من أسرار الإنسان الخاصة جداً التى لا يقبل لأحدٍ أن يساعده فى تحملها مع أنه يطلب المعونة ، فى أمور أخرى أقل خطراً
****
زيارة الريف
كنت ، وأنا فى القاهرة ، أحنّ دائماً إلى زيارة الريف وعندما كنت أذهب مع والدىّ إلى القرية كان النوم يجفونى . . بسبب لدغات الناموس ، وأصوات الضفادع التى لا تتوقف طوال الليل وفى الصباح . . يمتزج الندى بدخان القش المحروق فتنبعث منهما رائحة ثقيلة ، أشبه بالبيض الفاسد ولم يكن يغير المشهد كلّه . . سوى طلوع الشمس
****
مقابر القرية
فى مقابر القرية تكون الوحشة أعمق من مثلها فى أى مكان آخر التراب شديد الجفاف والشمس حارقة ولا تكاد تمر نسمة واحدة وربما اصطدمت الأقدام ببعض ألواح الصبار الجاف أو لمحت الأعين مرور كلب أسود ، لا يجد ما يأكله
****
شقاوة ريفية
عندما زرت القرية ، وأنا أرتدى القميص والبنطلون القصير التف حولى بعض الصبية القرويين من أقاربى كانوا يتفاخرون بى ، على الرغم من إحساس عميق بالحسد واقترح أحدهم أن نتجول فى الحقول . . ففرحت عبرنا على مزرعة باذنجان ، فاقتطفوا بعض ثمارها شاهدهم صاحبها فأمسك بهم ثائراً لكنه سكت مرغماً عندما أخبروه أنهم إنما فعلوا ذلك استجابة لرغبتى
****
صديقى الريفى
لم يكن يمر على بقائى فى القرية يومان ، حتى أشعر بالوحشة الشديدة ولم يكن يؤنسنى سوى ابن عم لى من نفس سنى كان صافياً وديعاً ، وسلوكه أشبه بأصدقائى فى المدينة اقتربنا كثيراً ، أحدنا من الآخر وراح يشكو لى وحدته القاتلة ، وحنينه إلى مغادرة القرية عندما شاهدته – بعد سنوات – وقد أصبح بالفعل من سكان المدينة لم تكن روحه بنفس الصفاء والوداعة
****
المدرس النادر
مدرس واحد يمكن أن يفتح نفس تلميذ على الحياة كلها كان الأستاذ عبدالحليم مدرس العربى بمدرسة الجمالية رجلاً أنيقاً فى ملبسه ، ومحترماً من الجميع اكتشف أنى أجيد القراة باللغة العربية ، فخصصنى لهذا العمل كان يشرح ، وأقرأ أنا الدرس ، وحتى لا أفاجأ بالمجهول ، كنت أذاكر دروساً قادمة أصبحت من المتفوقين فى اللغة العربية ، ولم أعد أكره المدرسة
****
سلام على البعد
عندما زرت قريتنا وأنا صبى فى العاشرة قالوا لى إنها زوجة عمى كانت فوق الأربعين ، وغاية فى الجمال فى حجرتها ، اعتبرتنى طفلاً ، وتجردت قليلاً من بعض ملابسها شاهدت شعرها الأصفر الغزير ينسدل على كتفين من المرمر وقفت مشدوها كانت فى الحجرة مرآة مستطيلة وفى لحظة خاطفة ، لمحت انبهارى بها ابتسمتْ ، ولم أرها بعد ذلك أبداً لكننى أرى من وقت لآخر من يحمل منها السلام
****
خرزانات النسيان
كان الشيخ سيد يحفظنى القرآن ، فى مسجد المستعلى بالله . . بالدرّاسة ومثل غالبية محفظى القرآن ، كان كفيف البصر ، أو يرى بالكاد كنت أجلس فى مواجهته على حصير المسجد ويده تحرك خمس أو ست خرزانات مختلفة الأحجام كل منها مخصصة للخطأ المناسب وكانت رؤيتها هى التى تجعلنى أحرص على عدم الخطأ ، كما كانت توقعنى فى النسيان
****
أخلاق الكُتّاب
يمكن أن تمثل وحدها دائرة خاصة فى السلوك الإنسانى أو حتى غير الإنسانى فالأولاد تجمعهم رابطة فى الهدف ، وكذلك فى نفس المعاناة لكن كلاً منهم يسعى بالنميمة فى حق الآخرين ويفرح فى عقابهم ما أكثر ما ضربنى الشيخ ، بسبب أكاذيبهم ، وافتراءاتهم علىّ
****
طعام الكُتّاب
كان طعام الغداء فى الكتّاب يتكون من قصعة كبيرة من المِشّ تقطع فيه كمية كبيرة من الطماطم ولا يقل ما يأكله كل صبى عن رغيفين كان شيخ الكتّاب يستفيد من ورائها كثيراً لكننا كنا نلتهما بشهية مفتوحة
****
صورة
احتفظتْ لى أسرتى بصورة ، كان عمرى فيها لا يزيد عن أربع سنوات ومن الغريب : أننى أذكر جيداً الظروف التى التُقطتْ فيها كانت بمناسبة تطعيمى يومها . . أقبلت امرأة جميلة جداً بفستان أزرق ، وعلى صدرها وردة حمراء احتضنتنى بشدة ، ووضعت فى جيبى قطعة شيكولاته ورغم ألم المَشْرط . . لم أبك كثيراً فقد كان حضنها . . أول ما ضمنى بعد حضن أمى
****
الزى الأزهرى
فى العاشرة من عمرى ، أخرجنى أبى من مدرسة الجمالية ، التى كنت أحبها كثيراً ليلحقنى بالمعهد الدينى بالأزهر كانوا يفرضون علينا أن نرتدى الزى الأزهرى ، وخاصة فى المرحلة الابتدائية كنت أشعر بحرج شديد من ارتدائه فى شوارع القاهرة لأن الناس كانوا يسخرون من رؤية صبى صغير فى هيئة شيخ لجأت إلى حيلة وضع العمامة والجبة فى حقيبة رياضية ولا أرتديها إلا عند باب المعهد وبذلك أصبحت من جديد . . تلميذاً عادياً
****
عالم المكفوفين
طلاب الأزهر المكفوفون لهم عالم خاص ، لم يسمحوا لى باقتحامه ، إلا بعد أن قدمت لهم صادق الولاء أذاكر لهم ، وأسعى فى قضاء مصالحهم عندئذ بدأت أعرف عنهم الكثير من الصفات المتناقضة فهم شديدو الحقد ، لكنهم مرهفو الإحساس وهم بالغو السخرية من الآخرين ، لكنهم شديدو التواضع أمامهم وهم ساخطون على وجودهم لكنهم يظهرون الرضا بالمكتوب
****
غريب بين الغرباء
كان المعهد الدينى بالقاهرة مؤسسة تعليمية منضبطة جداً وكان غالبية طلابه من الريف وكنت أن من بين قلة من سكان القاهرة لهذا كنت أشعر بالكثير من الغربة بينهم ، على الرغم من أنهم كانوا هم الوافدين على مدينتنا
****
حىّ الباطنية
عرفته جيداً من خلال مرورى المنتظم عليه ، أثناء فترة الدراسة الثانوية حيث كنت أُذاكر يومياً فى الجامع الأزهر ، رائحاً ، وغادياً من الدرب الأحمر كان بائعو الحشيش يقفون على جانبىْ الطريق ، وفى أيديهم الموازين الصغيرة ، والمطاوى أما المقاهى فكانت تضم " المِعلّمين وهم يدخنون الشيشة ، ولا يتبادلون سوى بعض الكلمات القليلةْ
****
أغنية صافينى مرة
كانت أغنية " صافينى مرة " . . لعبد الحليم حافظ فى مطلع الخمسينات أول أغنية أميز فيها جمال اللحن قبلها . . كانت الأغانى إما جميلة أو رديئة بعدها صرت أتطلب - لكى أعجب بأغنية - شروطاً قاسية فى الكلمات ، واللحن ، والصوت ، والأداء
****
التطورات
كنت أتمنى - وأنا صبى أن أصبح قوياً ، ذا عضلات ثم بعد فترة تمنيت أن أصبح غنياً جداً ، وعندى ممتلكات كثيرة لكننى بعد ذلك ، فضلت أن أكون ذا سلطان يجاب طلبى على الفور إذا أمرت وأخيراً . . أصبحت أتمنى أن أعيش فى حالى لا أَظلم ، ولا أُظلم
****
الغنيمة المؤذية
فى مسجد " أبوالدهب المواجه للجامع الأزهر على مدخل الباطنية كنا نذاكر أيام الامتحانات وفجأة ، وجدنا تحت الحصير ، وبين فراغ البلاطات قطعة حشيش ملفوفة فى ورق سلوفان أصفر أصّر زميلاى على اقتسامها فيما بينهما ، وظلاّ يشربانها فى السجائر ، حتى انتهيا من المذاكرة فى اليوم التالى ، لم يستطع أى منهما أن يكتب فى ورقة الإجابة ، كلمة واحدة
****
أمنية
كنت وأنا صغير أتمنى أن أصبح كبيراً ولكى أحقق ذلك اشتريت علبة سجائر وعلى المقهى ، طلبت " فنجان قهوة مضبوط غاب الجرسون طويلاً ثم أحضر لى أخيراً كوباً من الشاى بالحليب
****
أصبحت من أهل هذا الفن
لم أستطع حتى الآن أن أحدد متى بدأتُ كتابة الشعر ؟ هل فى الخامسة عشره أم قبلها أم بعدها ؟ المهم أننى ظللت أحاول كتابته فيخرج مرة صحيحاً ، ومرات مضطرباً حتى أخذ يستقيم مع كثرة قراءتى للشعراء السابقين وكانت مفاجأة مذهلة أن أجد شطراً من بيت كتبته لدى أحد شعراء العصر الجاهلى ولم أكن قد قرأته من قبل حينئذ . . أدركت أنى من أهل هذا الفن
****
زيارة قبر
فى الرابعة تقريباً أخذتنى أمى معها لزيارة قبر أمها ما زلت أذكر القطار والسيارة وترعة عبرناها معاً ثم مجموعة من القبور وامرأة أحضرت لنا طعاماً ، وقلة ماء وعلى القبر . . وجدت أمى تبكى لم أرها تبكى أبداً بكل هذا الحزن
****
السر
يخطئ مَنْ يظن أن سره سيختفى عن الناس إلى الأبد بعض من أخفوا أسرارهم بإتقان كشفها الزمن فى حياتهم وفى رأيى أن هذا أهون كثيراً ، من أن يكشفها الزمن بعد وفاتهم
****
القطار
بمقدار حبى للقطار وأنا صغير كرهته . . عندما كبرت كنت أنتظر حركته الهادئة الأولى بفارغ الصبر ، وكنت أخرج ذراعى من نافذته ، لملامسة هواء الريف ، وكنت أطير من السعادة ، عند حضور بائع السميط والبيض وعندما كبرت أصبحتُ أكره تلكؤه قبل دخول المحطة ، وسرعته الهوجاء فوق الكبارى المضطربة ، وركابه ، الذين لا يراعون مشاعر الآخرين
****
الخيانة
ناقشنا ذات يوم مسألة الخيانة وانقسم الأصدقاء فريقين ذهب الأول إلى أن خيانة الزوجة أقسى من خيانة الصديق لأنها تطعن الإنسان فى شرفه وأكد الفريق الآخر : أن خيانة الصديق هى الأقسى ، لأنها تطعنه فى قلبه
****
الغفران
أَمسكَ بيدى وهو يحتضر وكان قد أساء إلىّ كثيراً ثم قال بمنتهى المذلة هل سامحتنى وانحنيت على جبينه مقَبّلاً ، وقلت الله يسامحنا جميعاً ترك يدى ،وذهب فى غيبوبة طويلة خرجت للطريق أمشى بدون هدف أخرجت كل إساءاته من صدرى وتنفست نفساً عميقاً
****
العائد من السفر
بعد أن كتبتُ جزءاً من تلك الذكريات ، تحت قوة دافع لم أستطع مقاومته ، وجدتنى مضطراً للجلوس طويلاً ، محاولاً الغوص فى أعماق ذاتى باحثاً عن حادثة هنا . . وأخرى هناك فى بعض الأحيان ، كنت أعثر بسرعة عليها وفى أحيان آخرى كثيرة لم أكن أجد شيئاً على الإطلاق وفى كل الأحوال ، كنت أحس بالإرهاق الشديد ، وكأنى عائد من سفر طويل
****
مرض الممثلات
لأول مرة أصطدم بمرض الممثلات عندما دعانا أحد الأصدقاء إلى مسرحية وكان على معرفة بأهل المسرح قبل العرض أدخلنا حجرة الممثلة الكبيرة جداً راحت تحدثنا عن زميلتها ، التى يصفق لها الجمهور فى المشهد الفلانى ، مع أنها هى التى تستحق التصفيق ، عند مشهد حددته لنا وجدت أنها تدعونا – صراحة - لنصفق لها ومنذ ذلك الوقت ، كلما شاهدتها على الشاشة . . شعرت بالرثاء
****
العناد
فى فترة من العمر ، يتملكنا العناد ، الذى يطفئ فى صدورنا نور الحكمة فنقسو فى أحكامنا على الآخرين ونعاملهم بمنتهى العنف ونفسر أعمالهم على أنها إنذار بالحرب ، أو دعوة للقتال وأخيراً تهدأ نفوسنا ، فنجد أرض المعركة خالية ولا أثر للخصوم
****
أصدقاء السفر
فى حالات السفر كنت دائماً فى حاجة إلى رفيق وكان الحظ يرسله إلىّ وكلما اشتد الملل ، أفضنا فى أحاديث من كل نوع وتبين أننا قريبان جداً ، أحدنا من الآخر فتبادلنا العناوين ، والتليفونات ومن الغريب . . أننا بعدما نصل ، ونفترق على وعد أكيد باللقاء لا أجد أى دافع للاتصال ما أكثر أصدقاء السفر الذين أضعتهم بتلك اللامبالاة
****
الاكتمال الروحى
لى صديق تقاربتُ معه . . إلى حد الأخوة وتصافينا . . إلى حد الاكتمال الروحى ثم تشعبتْ بن الطرق فارتفع جدار بيننا ، ساعد فى تشييده . . عصابة من الحاقدين تركته يسقط فى خندقهم ، وأنا على يقين أنهم لن يجدوا فيه . . ما وجدتُه
****
الوفاء
الوفاء قيمة نادرة جداً وهى دائماً تؤثر فينا إلى حد البكاء أشعر دائماً بذلك ، حين ألتقى بواحد من أصحاب هذه القيمة ، وأجده يذكّرنى بمعروفٍ ، أكون قد أسديته إليه ، ونسيته
****
المرض
المرض - فى رأيى – هو " بروفة " الموت ومع ذلك ، فنحن لا نعتبر به قادماً ، أو راحلاً كنت أتابع بعض أصدقائى ، وهم يلهثون دائماً وراء مشاغل الدنيا إلى حد أنه لم يكن لديهم لحظة واحدة لالتقاط الأنفاس وفجأة . . كان يهجم عليهم المرض ، فيتمددون على الأسّرة البيضاء ، عاجزين عن رفع أيديهم بالتحية
****
قوانين الحيوان
منذ ظهور التليفزيون ، استهوتنى – إلى حد الإدمان – برامج الحيوانات ومنها تعلمت الكثير من قوانين الحياة قانون البقاء للأقوى وقانون الدفاع عن النفس وقانون الحذر الدائم وقانون احترام الحدود وقانون التدافع الأزلى وقانون انبثاق الأجيال وقانون توازن الطبيعة ، الذى هو فى حقيقة الأمر ، قانون الآكل والمأكول
****
الأديب المتسكع
كان أديباً متسكعاً نجح فى مصادقة طلاب الكلية فصاروا يدعونه فى ندواتهم وكان يزورنى فى مكتبى وبمرور الوقت ، لاحظت أنه يدخن سجائر محشوة بالحشيش عندما نبّهته ، فوجئ تماماً ، وتعجب من معرفتى برائحة الحشيش لكننى أخبرته بأننى سأبلغ عنه الشرطة من يومها . . لم يدخل الكلية أبداً
****
دموع المشاهد
لم تُبكنى أى رواية قرأتها على الرغم من المواقف المؤثرة التى اشتملت عليها لكن الذى أبكانى كثيراً بعض الأفلام السينمائية والتليفزيونية التى استطاع مخرجوها أن يصّوروا مواقف ، ويحركوا أشخاصاً ، ويرصدوا لقطات تتمكن من مشاعر المشاهد ، فلا يملك إلا أن يستجيب لها . . بالدموع
****
الإحساس بالقيمة
عرفت أساتذة كباراً فى الجامعات كانوا يُجلّون كثيراً أصحاب المناصب والوزراء ويكادون ينحنون أمامهم والآخرون سعداء بما يقابَلون به وكنت أقول لنفسى لو عرف العلماء قيمة ما لديهم ما فعلوا ذلك وفى نفس الوقت لو عرف الآخرون قيمة ما لدى العلماء ، ما تركوهم يفعلون ذلك
****
تربية المربين
التعامل مع الشباب يتطلب درجة عالية من الشفافية وسوف تظل تفشل كل الإجراءات ، التى توضع للنهوض بهم ، دون توافر من يكون مخلصاً فى تطبيقها كنا ونحن شباب نعرف جيداً حقيقة المشرفين على الشباب وكان منهم : الأَفّاق ، والانتهازى ، واللص ، والبلطجى كيف نربّى هؤلاء المشرفين ، ليحسنوا رعاية الشباب ؟ هذا هو السؤال
****
ذل الأمية
بعد مشاهدتى أحد الأفلام الأجنبية فوجئت وزميلى بشاب يسألنا بانكسار ماذا قال البطل فى نهاية الفيلم ؟ أدركنا أنه أمّى ، فشرحنا له الموقف ، ومضينا ما زلت أذكره . . حتى اليوم هو الذى جعلنى أربط فيما بعد بين الأمية والذل
****
طبقات الكتب
الكتب عندى مثل الأشخاص هناك كتاب لا أطيق قراءته وكتاب أتحمل قراءته على مضض وكتاب يقتلنى من الملل وكتاب إذا بدأته ، لا أتركه حتى أكمله وكتاب أقرأه ، ثم أحتفظ به بكل حرص ، لكى استمتع بقراءته مرة أخرى
****
الصديق المنافس
لى صديق أصر على أن يجعل علاقته معى سلسلة من المنافسات ، التى لا تتوقف أبداً لم يكن يهدأ له خاطر ، إذا وجدنى حققت نجاحاً وفى نفس الوقت ، كنت أشعر بفرحته عند انكسارى أخيراً سئمت ، وقررت أن تكون منافسة بلا صداقة وهكذا . . استرحت كثيراً
****
الحظ والذكاء
ظلت دائماً تؤرقنى العلاقة بين الحظ والذكاء وقديماً أكد المتنبى على أن الأرزاق لو كانت توزع تبعاً للذكاء لهلكت البهائم نتيجة غبائها لكننى أعرف صديقاً ، ارتبط لديه الحظ مع الذكاء وكلما توهج عقله . . زاد رزقه
****
إنسان ملتزم
قال عنه الجميع إنه إنسان غير ملتزم وكنت الوحيد الذى أعرف عنه تماماً أنه من أشد الناس التزاماً لكن تجاه نفسه فقط
****
من الحب الأول للثانى
ماذا كنت أفعل ، وأنا خارج للتو من تجربة الحب الأول ؟ لقد رأيتها قادمة ، فى ذلك الممر الطويل بالكلية خطوات هادئة ، ووجه متورد من الحر ، وعينان خضراوان ، وشعر ذهبى يزينه شريط أزرق ، وكتابان على الصدر لقد فتحت أمامى طريقاً آخر ، لم أدرك أنه هو نفس الطريق الأول إلا عندما وصلت إلى غايته
****
الحب فى الجامعة
الحب فى الجامعة أشد فتكاً بالروح لأنه يأتى فى زمن فوران العاطفة ، ورهافة الإحساس ، واكتمال الفتوة لكنه يظل دائماً محكوماً بالفشل لأنه يصطدم بواقع نضج الفتاة ، قبل أن يتمكن زميلها من القدرة على الزواج
****
البكاء فى الوقت المناسب
لم أبك على وفاة أمى إلا بعد مرور ما يقرب من عام كان ذلك فى يوم صيف طويل وجدتنى أفضل المشى على الركوب وأسير فى الشوارع ، فلا أسمع أصوات الناس ، ولا ضجة السيارات وقبل المنزل بخطوات ، راحت دموعى تنساب أسرعت بالدخول إلى غرفتى وما أن أغلقت الباب حتى ارتفع صوتى بنشيج متدافع بعدها . . غمرتنى راحة لا توصف
****
أسئلة فلسفية
كنا نطرح على أنفسنا – ونحن صغار أسئلة فلسفية ، غاية فى العمق ما هى السعادة ؟ ولماذا الموت ؟ وفى الجنة هل تجتمع للإنسان كل النساء اللاتى أحبهن ؟ ثم . . إذا كان للإنسان الذى دخل الجنة أصدقاء فى النار ، فهل يسمح له أو لهم بالزيارة؟ أما السؤال الذى كان يحيرنا كثيراً فهو لماذا خلق الله العقرب الذى لا عمل له إلا لدغ الناس ؟
****
سر الحب
كيف يقع القلب فى حب فتاة ؟ أنا أعرف جيداً سر هذا الحدث الكونى الكبير إنها صورة تتكون منذ الميلاد وتظل ملامحها تتشكل فى الخيال والوجدان حتى تنطبق تماماً على صاحبتها الحقيقية صدقونى إن كل من أحببت لأول مرة قد رأيتها من قبل
****
تجارب من أساتذتى
أستاذتى تعلمت منهم الكثير ولا أقصد هنا المعارف أو المعلومات وإنما سلوك وتصرفات ، حاولت قدر جهدى أن أتجنبها كان منهم من يضيع الوقت . . فى الحديث عن نفسه ومنهم من يمخط بصوت عالٍ فى الفصل ومنهم مَنْ يتناثر الرذاذ من فمه على التلاميذ ومنهم من لا يهتم بمظهره ، فتنبعث منه رائحة كريهة ومنهم سريع الغضب ، الذى يصفع التلميذ لأدنى مناسبة ومنهم مَنْ يتركنا نلهو . . دون مبالاة ومنهم مَنْ يقبل رشاوى التلاميذ ويكافئهم عليها فى النتائج
****
تأملات فى الحظوظ
كنا نتساءل فى الخمسينات ونحن وقوف على ناصية شارع بدر لماذا تخطئ الحظوظ أصحابها ؟ كان (الأستاذ ج) فارع الطول ، وأنيقاً فى ملبسه وكانت زوجته قصيرة ودميمة بينما (الحاج م) مكتنز البطن ، وبه عرج وزوجته غاية فى الجمال والرشاقة وعشنا زماناً طويلاً نتمنى أن يتبادل كل منهما موقعه
****
فحولة الملك
عاصرت من عهد الملك فاروق مرحلته الأخيرة كانت الأحاديث عن مغامراته النسائية كثيرة وكان الكبار يتبادلونها أمامنا بدون تحفظ أذكر مما قيل أنهم كانوا يعصرون له خلاصة مائة حمامة لكى يتقّوى بها على التمتع بعشيقاته
****
تجارة الأصوات
فى حى الحسين كان يقطن فى المنزل المواجه لنا موظف ، غاية فى النحافة ، وزوجته غاية فى السمنة وأثناء فترة الانتخابات - وكانت قبل الثورة كثيرة جداً كانت شقته تموج بالزائرين ولم نعرف السبب إلا عندما حاولت زوجته مجاملتنا فعرضت على إخوتى الكبار أن يذهبوا للتصويت فى الانتخابات مقابل جنيه لكل صوت
****
حريق القاهرة
حريق القاهرة سنة 52 كان يوماً صيفياً ، مترباً كما كانت سماؤه صفراء كنا نسكن فى منطقة الدَرّاسة وقيل إنهم أحرقوا ونهبوا " بنزايون " فى شارع الأزهر توقعنا أن يصلوا إلينا لكن كل شئ كان قد انتهى عند الغروب
****
كيف أدمنت القراءة
كيف أدمنتُ القراءة ؟ كان هذا فى زمن الحب الأول وجدتنى أفضل أن أخلو بنفسى طويلاً ورحت أستعين على ذلك بقراءة الروايات المترجمة ثم الشعر ثم كل شئ
****
بيان ثورة يولية
سمعت بيان قيام ثورة يولية 52 من راديو المكوجى ، على ناصية شارع بدر فرحنا جداً وكنا نخرج للترحيب بالدبابات، التى تعبر شارع الدّراسة من ناحية العباسية لكننى كنت أتألم من إفسادها أسفلت الشارع، الذى لم يكن يعاد رصفه إلا كل عدة سنوات
****
ثوره يولية وأحلامى
عندما قامت ثورة يولية سنة 1952 كنا نقف – كالعادة – على ناصية شارع بدر وكان لكل واحد منا فتاة . . يحبها ، ولا يستطيع أن يحصل عليها وكنت أنا من بين هؤلاء الذين حسبوا أنهم بتلك الثورة المباركة سوف يحصلون على ما يريدون
****
أجمل قرارات الثورة
كان أجمل ما أعجبنى – شخصياً فى ثورة يولية إلغاء الألقاب ، والإطاحة بالطربوش وكلاهما من رموز الفترة التركية التى كانت سبباً رئيسياً فى تأخر مصر طويلاً
****
الألقاب التشريفية
قال لى صاحبى لقد عادت الألقاب التشريفية القديمة (البك والباشا) كما كانت أجل ، ولكنها هذه المرة خالية من المضمون ومَنْ أدراك أنها – فى الحالة الأولى كانت ذات مضمون ؟
****
العدوان الثلاثى
أثناء العدوان الثلاثى على مصر سنة 56 لم يكن أحد من أصدقاء الحى ، يسبقنى فى الحصول على " البيانات العسكرية إما من مقار الدفاع الشعبى ، أو مما تسقطه طائراتنا على أسطح المنازل واعتبرت نفسى مكلفاً بإبلاغها لكل من أعرفه وفى مقدمتهم : أهل بيت حبيبتى
****
عبدالناصر
كنت أحب عبدالناصر جداً وهذا أمر طبيعى فقد كبرت مع ثورته ، ودخلت الجامعة فى عهدها وتطورت أفكارى تحت راياتها لكننى كنت أتمنى أن أقول لعبد الناصر يكفيك حب الشعب المصرى الذى أدخلك التاريخ ، ولا داعى لحب الشعوب الأخرى، التى سوف تخرجك منه
****
عهد الستينات
عندما أستحضر الستينات أذكر أننى كنت أصحو مبكراً وأنزل لشراء الفول المدمس ، وجريدة الأهرام وقبل أن تستيقظ العائلة أكون قد تناولت إفطارى من الفول الساخن ، وقرأت افتتاحية " هيكل " ، أو مقاله الأسبوعى " بصراحة وهكذا ارتبط عندى الاثنان الفول المدمس ومقالات هيكل
****
ثلاثية نجيب محفوظ
فى صيف 1963 وبعد امتحان الثانوية مباشرة قررت أن أقرأ ثلاثية نجيب محفوظ بين القصرين ، قصر الشوق ، السكرية وعكفت عليها شهراً بكامله وأذكر أننى عندما انتهيت خرجت أتمشى فى شوارع الدرب الأحمر ولدى إحساس أكيد . . أننى واحد من أفراد تلك الأسرة التى أحببت بعضها ، وبكيت مع بعضهم ، وكرهت البعض الآخر لقد نجح نجيب محفوظ فى أن يتمكن من تحريك مشاعرى كلها وساعتها اعترفت له – قبل أن يعترف العالم كله بأنه أعظم روائى ظهر فى عالمنا العربى
****
يوم نكسة يونيه
فى يوم 5 يونية سنة 67 وبينما كنا نؤدى امتحان الليسانس بكلية دار العلوم دخل علينا أحد الأساتذة فرحاً ، يعلن انتصارنا " الكبير " على إسرائيل عندما أنهيتُ الامتحان ، قابلتُ فى نهاية الممر زميلة فلسطينية حاولتُ أن أسعدها ، فنقلت لها الخبر فوجئتُ بها تلطم وجهها وتصرخ اهلى فى غزة بعد عدة أيام وقفتُ على حقيقة النكسة وأدركتُ أن زميلتى كانت أكثر وعياً بقدراتنا الحقيقية
****
ضاحية مصر الجديدة
كانت نشأتى بين حى الدرب الأحمر وحى الحسين وكلاهما ذو شوارع ضيقة ، وبيوت يسمع فيها الجيران بعضهم بعضاً ولا تكاد توجد خصوصية عندما اصطحبنا الأستاذ السيد صقر لزيارة ندوة العقاد . . فى مصر الجديدة وجدت لأول مرة فى تلك الضاحية النظيفة شوارع متسعة ، ومنازل مستقلة ومن يومها أصبحتْ جزءاً من نزهتى وزاد حبى للقاهرة
****
العروس تنتظر
ذهبت أهنئه بزفافه ، فى اليوم السادس من نكسة يونية 67 فتحت لى عروسه الجميلة ، قائلة إنهم استدعوه بالأمس فى الاحتياط كانت متفائلة بأنه سيعود بعد عدة أيام ولم تكن تدرى المسكينة أنه سيبقى على الجبهة . . ست سنوات
****
النكسة وآمالى
إذاً كانت نكسة يونية 67 قد قضت على الآمال الكبرى للأمة العربية فإنها قضت على حبى الصغير يومها . أحسست أننى عاجز عن بناء عش للزوجية ، فوق ما تبقّى من أنقاض
****
زيارة لمدرسة الجمالية
ما زالت مدرسة الجمالية ، التى تعلمت فيها ، قائمة حتى الآن حين زرتها أخيراً وجدتها أصغر عشر مرات مما كانت عليه فى الماضى هذه حجرة البواب .. وتلك حجرة الناظر، وحجرة المدرسين، وفى آخر الممر . . معمل العلوم ، ثم المرسم أما الفناء . . فلم يكن به تلاميذ
****
تحذير مخيف
عشتُ فترة طويلة ، آنسُ بمن هنّ أكبر منى سنّاً وكدت بالفعل أتزوج من سيدة ، مطلقة ، تكبرنى بعدة أعوام لكن أختى الكبرى قالت لى هل تريد أن تعيش حزيناً طوال عمرك ؟ لم أفهم معنى هذا التحذير حتى اليوم ، لكنّى ساعتها أحسست بخوف شديد
****
على المقاهى الشعبية
فى مرحلة من العمر ، تعودت أن أجلس على المقاهى الشعبية ، فى السيدة زينب ، والدرب الأحمر ، وباب الشعرية وفى فترة ما بعد الظهر ، كان يتوافد عليها للراحة ماسحو الأحذية ، وبائعو الدبابيس ، والأمشاط ، والشرابات ، والساعات " المضروبة إنهم يعرفون بعضهم جيداً ويتبادلون الطرائف ، والنكت ويسألون عن أحدهم إذا غاب والجميل : أنهم من تعودهم على رؤيتى ، لم يعرضوا علىّ قط . . شراء بضائعهم
****
قدَرى مع الثقافة
كانت الثقافة هى قدرى دائماً حتى عندما جندت فى الجيش كان حظى أن أصبح مترجماً للغة الروسية وتعلمتها على أيدى مجموعة ، من زوجات الخبراء الروس كانت فيهن الجميلة جداً ، والجادة جداً ، والمثقفة جداً ومرة أخرى . . كان حظى أن أكون تلميذاً للمثقفة جداً
****
الطائرة
أول مرة ركبت فيها الطائرة كانت مأساة الرحلة من القاهرة إلى باريس وليس فى الطائرة الضخمة سوى عدد قليل جداً من الركاب وفوق جبال الألب ، دخلنا فى سلسلة من المطبات الهوائية ، التى كادت تقلبها رأيت الخوف شديداً على وجوه المضيفات تمنيت ألا أركب الطائرة مرة أخرى لكننى عدت أتوق إليها لتحملنى إلى الأماكن البعيدة التى عرّفتنى بها
****
ضريبة الغربة
فى العام الأول من بعثتى لفرنسا أقمت مع زوجتى فى حجرة بمنطقة مارى دى ليلا وهى ضاحية هادئة فى شمال باريس تنتشر فيها البيوت الصغيرة لأصحاب المعاشات كان صاحب المنزل من أصل يونانى وتعود أن يغلق التدفئة فى الساعة الحادية عشرة كنا نتجمد من البرد واعتبرتُها ضريبة الغربة فى مدينة النور
****
العناية الالهية
فى باريس ،
وكان مقرراً أن أحصل على دكتوراه الدولة من السوربون كانت تمر لحظات ، أشعر فيها بالضعف الشديد ، واليأس وكنت أجد أننى بلا سند على الإطلاق وبينما أتظاهر بقراءة كتاب ، على أحد المقاعد الرخامية بالجامعة ، أقول لنفسى كيف سأحقق هذا الإنجاز ؟ وقد عملت كثيراً ، وتعبت لكننى متأكد تماماً أن العناية الإلهية وحدها هى التى تدخلت . . لإنجاح عملى
****
فى باريس
فى باريس ، يمكنك أن تعيش بدون اللغة الفرنسية يكفى أن تشير ، أو تأخذ ما تريد لقاء ثمن محدد لكننى عندما تعلمت اللغة ، انفتح أمامى أفق فسيح ، أفق يتيح لك أن ترى العالم كله ، وأنت فى باريس
****
المخطوطات والكتب القديمة
مَنْ شبّ على شئ شاب عليه حبّبنى أستاذى السيد صقر فى المخطوطات حتى أصبحت قراءتها عندى أسهل من الكتب المطبوعة لذلك عندما ذهبت إلى باريس كان يطيب لى كثيراً أن أقضى الساعات ، فى مكتبة منزوية بالحى اللاتينى ، تتعامل فى الكتب القديمة والمستعملة ومنها اشتريت العديد من الكتب الفرنسية بأسعار زهيدة جداً ومع ذلك كانت عالية القيمة
****
السؤال الكبير فى باريس
فى باريس التى أقمت فيها ما يقرب من سبع سنوات كان يحيرنى سؤال كبير كيف تقدّم هؤلاء الناس ، ولماذا تخلفنا ؟ ورحت أتابع مظاهر التقدم فى السياسة ، والاقتصاد ، والتعليم ، والثقافة . . إلخ لم أكتشف فروقاً جوهرية بيننا وبينهم لا فى العقلية ، ولا فى الأجسام والعواطف وإنما الفارق الأساسى ، فى احترام القانون من الجميع ، وعدم محاولة الالتفاف حوله
****
قصاصات التقدم
كنت وأنا فى باريس أجمع كل الملاحظات ، التى يمكنها أن تحدث التقدم للعالم العربى كله وعشت فترة طويلة ، أتخيل أننى عندما أعود ، سوف أحقق الكثير بعد عودتى ، اصطدمت بمشكلات السكن والإقامة ، والسيارة ، والعمل ، والنادى ووجدتنى أسقط فى بئر شخصى مظلم ، لم يكن يضئ لى فيه سوى تلك القصاصات التى كتبتها فى باريس
****
ضحايا الغربة
على مقربة من السفارة المصرية فى باريس بنك يتردد عليه معظم المبعوثين المصريين ذهبت إلى هناك ، وكان بالصدفة أول أيام عيد الفطر وجدته يقف متوتراً أمام البنك ، أدركت أنه مصرى ، فسلمت عليه ، تشبث بى قائلاً إننى أقف هنا منذ ساعات ، فى انتظار من أقول له ، أو يقول لى بالعربى كل سنة وانت طيب وراح يتكلم كثيراً تخلصت منه بصعوبة ، وأنا أقول رحماك – ربى – بضحايا الغربة
****
قابلت السادات مرتين
رأيت السادات وتحدثت معه مرتين مرة فى باريس ، والأخرى بقصر عابدين بالقاهرة كنت ضمن المبعوثين الذين يلتقى بهم ولم يكن همى أن أقول له شيئاً ، وإنما أن أطرح عليه سؤالاً وأستمع إليه وهو يجيب عليه وجدت فيه رجلاً ريفياً يشبه أحد أعمامى وبساطة وتلقائية لا حدود لهما أتساءل : من أين له هذا المكر ، الذى جعله ينتصر على إسرائيل فى معركة 73 ؟
****
ثقوب فى الديمقراطية
فى الديمقراطية ثقوب كثيرة ، ليس أبشعها تزييف الانتخابات لأنها قد تحتوى على شراء الأصوات وتشويه الخصوم والوعود الكاذبة وخداع الجماهير بادّعاء الطيبة واستخدام البلطجية فى الدعاية الفجّة ، وإرهاب المنافسين لاحظت الكثير من ذلك ، دون أن أجرؤ على التصريح به ، حتى لا يقال : إننى عدواً للديمقراطية
****
الشاعر العربى المنتظر
على عكس الروائى الكبير نجيب محفوظ ، لم يظهر حتى الآن الشاعر العربى الكبير ، الذى يحرك وجدان الأمة العربية كلها صحيح أن هناك المتنبى ، وأحمد شوقى ، ونزار قبانى ولكن أياً منهم لم يحصل على الإجماع وبالمناسبة إجماع الشعب العربى لا يصنعه النقاد ، ولا ترويج بعض الشعراء لأنفسهم ، ولا التلميع الإعلامى ، مهما كانت قوته
****
مظاهر من الهيمنة
ما أعجب أمر الإنجليز نقلوا إلى الهند نظامهم الديمقراطى ولم ينقلوا لها تحسين مستوى المعيشة ونفس الحال بالنسبة إلى الفرنسيين الذين حرصوا على أن تتلكم مستعمراتهم نفس لغتهم ، دون أن تتمتع ببعض حقوقهم أما الأمريكان فكل همهم ينحصر فى أن تتسابق الشعوب لتأكل مثلهم الهامبرجر ، وتشرب البيبسى كولا
****
حرب الخليج والعطش
شهدت حرب الخليج ، وأنا فى قطر سنة 1991 كنت معاراً للعمل بجامعتها ، تابعنا الموقف من خلال قناة الـ CNN . لكننى اشتريت راديو " سونى لكى استمع منه إلى الجانب الآخر الذى راح يهدد بأم المعارك وذات يوم . . سقط صاروخ عراقى فاشل فى صحراء قطر ارتعد الناس خوفاً ، واختفت البضائع من المحلات ذهبت مع ابنتى لشراء صندوق مياه معدنية لم نجد سوى بعض زجاجات مياة غازية اشتريناها . . تحسبا لحلول العطش
****
تقابلات
لم أعرف معنى الصحة إلا عندما كنت أسقط مريضاً وقد تعلمت من ذلك كثيراً فقد أصبحت أعرف قيمة الحياة ، عندما أتصور الموت وقيمة المال ، عندما أتخيل الفقر وقيمة المدينة التى نشأت فيها فى اللحظة التى أغادرها إلى مدينة أخرى
****
نحن أيضاً
مأساة الصداقة أننا نتشدد كثيراً فى شروطها ولا ندرك – إلا بعد فوات الأوان أن أصدقاءنا الذين هجروا ، أو سقطوا ، أو خانوا كانوا بشراً مثلنا نحن أيضاً معرضون لأن نهجر ، ونسقط ، ونخون
****
علاج ناجع
فى السنوات الأخيرة اكتشفت حيلة ناجعة لعدم الوقوع فى الانفعال عندما يغضبنى أحد أغوص فى ذاتى مفتشاً عن ذكرى جميلة ، أو وجه جميل وبهذه الحيلة ، أهرب من مواجهة الغضب ، الذى قيل لى أنه يسبب ارتفاع الضغط ، ويجلب مرض السكر
****
خيانة نفس
من وقت لآخر أقوم بعمل لا أتحدث عنه لأى إنسان ، وأشعر أنى أخون فيه نفسى ذلك حين أمحو من أجندة التليفونات أرقام أصدقائى ومعارفى ، الذين ماتوا
****
الشعار وتطبيقه
متى تتسع صدورنا لوجهات النظر الأخرى ؟ كل مَنْ تحدثتُ معه فى ذلك أكّد لى أنه من أنصار التسامح ، والانفتاح لكننى لم أجد أحداً قط . . يطبق ذلك على نفسه
****
بيوتات الريف
فى الريف المصرى بيوت عريقة ، تحتوى على كل وسائل النعيم ذات يوم ، دعانا أحد أصدقائنا لزيارة قريته ، فذهبنا مكرهين وهناك . . اكتشفنا أن والده من وجهاء القرية أما البيت فكان غاية فى الأناقة والذوق حجرات واسعة ، وأثاث فاخر ، وطعام شهىّ ، لا يتكرر قضينا عدة أيام كأننا فى حلم ، لم نفُق منه . . إلا عندما عدنا للقاهرة
*****
الحياة وأطفالها
عندما زرت بعد عشرات السنين أهل الحىّ الذى تربيت فيه لم أجد سوى بعض الأصدقاء القدامى بعد تبادل الأشواق ، جرى الحديث عن الآخرين هناك مَنْ فشل ، ومَنْ انفصل ومَنْ توفى أما الذين بقوا ونجحوا فكانوا واحداً أو اثنين ما أقسى ما تفعله الحياة بأطفالها انتهى كتاب نبش الذاكرة ( مع اصدق التمنيات ) حامد طاهر
|