نحو تصحيح مســار الدراسات العليا |
|
|
|
كتبها Administrator
|
الخميس, 13 يونيو 2019 17:53 |
نحو تصحيح مسار الدراسات العليا ـــــــــــــــ
المقصود بالدراسات العليا ــ كما يعلم جميع طلبة الجامعات ــ أنها الأعمال والأبحاث العلمية التى يقوم بها الطلبة بعد تخرجهم بتقدير جيد على الأقل من مرحلة الليسانس والبكالريوس ، وتجرى تحت إشراف أساتذة ذوى خبرة ، يتابعون ويؤهلون هؤلاء الطلبة لكى ينجز كل منهم بحثا علميا فى تخصص معين ، وحين ينتهى منه تشكل لجنة علمية لمناقشته علنيا وتتقييمه ثم الحكم عليه . وهكذا تتواصل مسيرة البحث العلمى المتخصص فى جامعاتنا ، وكذلك فى سائر الجامعات العالمية . ** أما (تصحيح المسار) الوارد فى العنوان ، فيحتاج إلى وقفة مصارحة ، وخاصة فى المجال الذى أعمل فيه منذ حوالى نصف قرن ، وهو مجال الدراسات العربية والإسلامية . ولبيان ذلك أقول : إن هذا المجال ــ الذى مر عليه اليوم فى جامعاتنا ما يقرب من مائة عام ــ ما يزال يدور فى دوائر مغلقة ، تتسم بالنمطية ويغلب على معظمها السطحية وافتقارها إلى النتائج الإيجابية ، وهى الأمور التى تنتهى بهذه الأبحاث ــ التى بذل فيها الكثير من الوقت والجهد ــ إلى التكدس على الأرفف وحتى ما يطبع منها لا يكاد يكون له تأثير يذكر فى حياة المجتمع العملية أوالثقافية . ** ولا أريد أن أتطرق هنا إلى (كل) أسباب هذا الضعف الواضح فى تلك الأبحاث وإنما سأكتفى فقط ببعضها الأكثر أهمية : أولا : عدم تسلح الباحثين بلغة أجنبية أو أكثر ــ بالإضافة طبعا إلى إتقان العربية ــ مما يجعل الباحث لا ينظر للأمور سوى بعين واحدة ! ** ثانيا : عدم الترحال إلى الأماكن التى يرغب الباحث فى دراستها تاريخيا واجتماعيا وثقافيا ، مع اكتفائه بما كتب عن هذه الأماكن فى بلده وباللغة العربية وحدها ! ** ثالثا : عندما يقوم الباحث بدراسة مقارنة بين الثقافة العربية والإسلامية وبين الثقافات الأخرى التى اتصلت بها وتفاعلت معها فإنه يكاد يقتصر فقط على المصادر العربية دون الاستعانة بمصادر الثقافات الأخرى، وبذلك يفقد البحث جزءا أساسيا من بنيته . ** رابعا : هناك خطأ فادح تحول بمرور الوقت إلى عرف اجتماعى بغيض ، ومع الأسف لم يسلم منه الأساتذة أنفسهم ، وذلك حين أصبحوا (يتوّجون) الرسائل العلمية لطلبتهم جميعا بأعلى تقدير(امتياز للماجستير ، ومرتبة الشرف الأولى للدكتوراه) دون تمييز بين ضعيف وجيد ومتميز ! ** خامسا : أن جزءا كبيرا من الدراسات العليا أصبح منصبا على (تحقيق التراث) ولا شك أن هذا ميدان هام جدا ، لكنه مع الأسف كما يحتوى على بعض الجواهر الثمينة ، يمتلئ بالحصى .. فليس كل ما كتبه السابقون يستحق أن نبذل فيه هذا الجهد الكبير ، لكى نخرجه من حالته المخطوطة إلى المطبوعة ثم بعد ذلك نقرأ فيه فلا نجد ما يفيد ! ** بقى أمر هام فى مسألة تصحيح المسار ، وهو فى الحقيقة عبارة عن دعوة إلى المشتغلين بالدراسات العليا فى كليات الآثار ودار العلوم والآداب ، تتمثل فى أهمية عقد مقارنات بين الكثير مما يوجد فى الحضارة العربية والإسلامية وبين ما يشابهها أو يقاربها أو حتى يتناقض معها فى الحضارة المصرية القديمة . وأستطيع أن أؤكد لهم جميعا أن هذه ما زالت مساحة شاسعة لم يرتدها كثير من الباحثين ، لكنها تتضمن نتائج فى غاية الأهمية ، وهى تهم المشتغلين بالإجبتولوجى فى كل أنحاء العالم فضلا عن المتخصصين فى الجامعات . لكن مثل هذا التوجه لا يأتى من فراغ ، بل لا بد له من استعداد جيد فى معرفة لغة وثقافة كل من الحضارتين ، وحسبنا ما أنفقناه حتى الآن من وقت طويل فى المقارنة مع الثقافة الإغريقية التى لا يوجد منها شىء فى حياتنا ، بينما الكثير والكثير جدا من عناصر الحضارتين المصرية والإسلامية ما زالت تعيش فينا وبيننا. ــــــــــــــــــــــــــ
|