الوظيفة وأخلاقها - مقال
نحن نعلم جميعا أن لكل وظيفة راتبها . وفى المقابل من ذلك لها واجباتها التى ينبغى أن يؤديها الإنسان بالإمكانيات المتوافرة وفى الظروف المتاحة . ونحن نعلم أيضا أن كل موظف ــ مهما كبر أو صغر ــ له رئيس يتابع عمله ، ويجازيه أو يكافئه عليه . وهكذا فإن كل الموظفين يحرصون على أن يكون رؤساءهم راضين عن أدائهم ، إما خوفا من نزول العقاب بهم أو رجاء فى نيل المكافأة منهم .
لكن الذى لا يعرفه الكثيرون هو أن كل وظيفة لها ظاهر وباطن . أما الظاهر فهو الذى يراه رئيس العمل ، ويلمسه الجمهور .. وأما الباطن فهو أداء الموظف الذى لا يستطيع أحد أن يراه أو يتابعه وهو يقوم به ..
مثال : الموظف الذى ينصرف رئيسه قبله ، ويضطره العمل أن يتأخر نصف ساعة لقضاء مصالح الجماهير . إنه حين يفعل ذلك لا يتطلع إلى مكافأة ، ولا يخشى عقابا ، وإنما يصدر عن إرضاء لضميره فى خدمة الناس ! وفى مقابل ذلك هناك الموظف الذى يأتى فى موعده المحدد ، ثم لا يباشر على الفور واجباته ، وإنما يظل يؤجل ويسوّف ، متظاهرا بأنه يعمل ، وهو فى الحقيقة لا يعمل شيئا !
وهناك الموظف الذى يأتى إليه رجل أو امرأة لا تعرف الإجراءات المطلوبة ، فلا يدلها على أكثر الطرق اختصارا لإنهاء مصلحتها . وكثيرا ما رأيت الموظف الذى يشاهد أحدا من الجمهور يسأل عن شخص معين،أو مكتب معين ، فلا يدله عليه وهو على علم تام به !
وهناك الموظف الذى يكون فى إمكانه ــ ومع بذل قدر ضئيل من الجهد ــ أن ينهى مشكلة ما لأحد المواطنين ، لكنه يتلذذ من تأخيرها ليوم آخر ، أو لأسبوع آخر ، وربما لشهر آخر ..
ثم هناك الموظف الذى يعقّد الأمور أمام الجمهور ، حتى يشيع اليأس فى نفوسهم ، مما يضطر بعضهم لرشوته التى يقبلها بجيب واسع ، وضمير ميت !
لقد تأملت طويلا فى أحوال الموظفين ، وتابعت مسيرة بعضهم ، فوجدتهم نوعين : الأول يراقب الله فى عمله ، فيؤدى واجبه بكل إخلاص ، وعلى الرغم من قلة موارده ، فإن الله تعالى يجازيه على العمل الطيب فى صحته ، ونجاح أولاده . والنوع الثانى يظل يهمل ويتجاوز ويؤذى المواطنين ، وقد تتسع موارده ، ويتضخم فى البنوك رصيده ، ولكنه ما يلبث أن يسقط مريضا ، أو يصاب بفشل أحد أبنائه ، أو يشهد تفكك أسرته .
دعونا نبتهل إلى الله إذن أن يكثر من النوع الأول ، وأن يحمى المجتمع من شرور النوع الثانى ، فهو سبحانه القادر على كل شئ .
|