كتبها Administrator
|
الجمعة, 12 أبريل 2019 20:13 |
قصة الفلاح الفصيح
لم أكن أعرف جيدا تفاصيل قصة (الفلاح الفصيح) ، إلا عندما قرأتها فى موسوعة الراحل الكبير سليم حسن عن مصر القديمة ، والتى تم نشرها ضمن مشروع مكتبة الأسرة فى ثمانية عشر جزءا جيد الطباعة ، ثمن الجزء الواحد خمسة جنيهات . وفيها يمكن للقارئ أن يتجول بين مراحل التاريخ المصرى القديم من ناحية والحضارة المصرية القديمة من ناحية أخرى . ومنها أيضا يحس المواطن المصري بأنه ينتمى إلى شعب عريق فى الحضارة التى شيّدها أجدادنا العظام ، ليس فقط فى ميادين العمارة والأهرامات ، وإنما أيضا فى النظام الإدارى والقضائى ، بالإضافة إلى مجالات الآداب والفنون والأخلاق . مختصر القصة أن فلاحا مصريا من وادى النطرون سافر إلى العاصمة ليبيع محصوله السنوى من الملح ، محمّلا إياه على بعض حميره . وفى الطريق اعترضه أحد موظفى الإدارة ، وطمع فى تجارته ، فاغتصبها منه بحيلة دنيئة ، حيث ادّعى أن بعض حمير الفلاح قد أكلت بعض سنابل القمح من حقله ! وزاد على ذلك بضربه وإهانته . وعلى الفور اتجه الفلاح المسكين إلى حاكم الإقليم (المحافظ) ليرفع إليه مظلمته ، ويشكو ذلك الموظف المغتصب . وهناك صاغ شكواه فى لغة أدبية رفيعة المستوى ، مما جعل مستشارى المحافظ يوصون بإرسالها إلى الملك نفسه ، الذى رأى بدوره عدم الإسراع فى حسم القضية لكى يكرر الفلاح أمثال تلك الشكوى من فرط الإعجاب بأسلوبه ! وبالفعل ظل الفلاح يواصل كتابة شكاواه حتى بلغت تسعا ، كل منها يفيض حزنا وبلاغة ، وتمتزج فيها دموع الإنسان المظلوم بعبارات الحكمة العالية . وقد جاءت النهاية سعيدة ، حيث أدين الموظف المغتصب ، وتم شكر المحافظ ومستشاريه ، وأعيد الحق إلى الرجل المظلوم ، الذى استحق بكل جدارة لقب الفلاح الفصيح .
ماذا رأى العالم فى تلك القصة ؟ لقد ترجمت إلى معظم لغاته ، ورأى فيها المتخصصون واحدة من أجمل الوثائق الأدبية التى أنتجتها الحضارات القديمة ، كما بحثوا فى ثناياها عن مصادر ثقافة ذلك الفلاح الذى نشأ وعاش فى صحراء والنطرون ، أوكما يطلق عليه : وادى الملح ! وركّز بعض الباحثين فى الحضارة المصرية القديمة على ذلك النظام القضائى العادل الذى ضمن لفلاح بسيط أن تصل شكواه بسرعة وسهولة إلى الفرعون ، ملك البلاد ، ثم بالقرارالحكيم والحازم الذى عاقب المغتصب وأعاد الحق إلى صاحبه . ويبقى من أروع الجوانب الإنسانية فى القصة أنهم عندما رأوا تأجيل الحسم فى القضية لكى يواصل الفلاح كتابة شكاواه البليغة ، قرروا فى نفس الوقت أن يكلفوا من يقوم ــ سرا ــ على إعاشة الفلاح أثناء إقامته فى العاصمة دون أن يشعره بذلك ! ونفس الشىء فعلوه مع زوجته وأولاده بوادى النطرون حتى لا يتزايد قلقهم عليه أثناء غيابه عنهم !
وأخيرا ، ما أجمل التجول فى تاريخنا وحضارتنا ! والأجمل أن نتوقف عند بعض ما تحتويان عليه من جواهر لا يخبو بريقها ! ولنترحم جميعا على عالمنا المصرى الأصيل سليم حسن .
|