كتبها Administrator
|
الاثنين, 25 مارس 2019 02:01 |
خواطر حول الموت
للدكتور حامد طاهر
الحياة مليئة بفرص كثيرة أما الموت .. فليس لنا معه سوى فرصة واحدة . ونحن فى العادة ننفر من الموت لأنه يسلبنا الحياة التى نتمسك بها ونحرص ، رغم قساوتها ، عليها كما أنها تشغلنا بأحداثها المتلاحقة التى تمنحنا بعض الأمل ، وتراود أحلامنا بالسعادة .. ـــــــــ الموت نوعان : قد يأتى فجأة وأحيانا خلال النوم ، وقد يكون بطيئا ، وبالتدريج وذلك عندما تسبقه الأمراض وتتوقف بعض أجهزة الجسم عن العمل ويبدأ الإنسان رحلة العلاج مع الأطباء ، وفى المستشفيات ظنا منه أنهم سيعيدونه لكامل صحته ولكن هيهات ! فالمرض هو المقدمة التمهيدية للموت ـــــــــ بعض الناس يتحسّب جيدا لقدوم الموت فيسرع بشراء مدفن وقد يضع فى دولابه كفنا وهناك من يوزع ثروته على من يحب أو يتبرع بجزء منها للأعمال الخيرية ولا شك أن هذا قد يريحه لكنه لا يخلو من عتاب من حوله وأحيانا غضبهم ! ـــــــــ وكما يكون الموت فى بعض الأحيان هادئا فإنه أيضا قد يكون عنيفا وساحقا مثلما يقع فى حادث سيارة أو احتراق طائرة أو غرق سفينة وهنا من يسأل : كيف يكون بالنسبة لهؤلاء حساب القبر؟ أو أسئلة منكر ونكير ؟! ــــــــــــ ومن اسوأ انواع الموت ذلك الذى ينتظره المحكوم عليه بالإعدام فهو يكاد يموت فى كل يوم وإذا استلقى للنوم وجده ماثلا فى ظلمة المكان .. وقد تطورت أشكال الإعدام وتنوعت من الإحراق بالنار إلى قطع الرقبة بالسيف أو بالمقصلة إلى الشنق بالحبل أو الاختناق فى حجرة الغاز والصعق بالكرسى الكهربائى وأحيانا الرمى بالرصاص ـــــــــ لقد تحدث الفلاسفة كثيرا عن مشكلات الحياة لكنهم لم يتحدثوا إلا قليلا .. عن مشكلة الموت وهذا غير عادل لأن الحياة والموت حقيقتان متقابلتان بل إنهما طرفان لخيط واحد هو عمر الإنسان الذى يبدأ بالحياة وينتهى بالموت ــــــــ وقد تعود الناس جميعا أن يشعروا بالحزن الشديد حين ينتزع الموت من أحضانهم أحد أحبابهم وهذا ما يجعلهم ينفرون من الموت ويخافونه لكنهم يكادون يتجاهلون أن الموت الذى فجعهم بهذه القسوة كان من الممكن جدا أن ينزعهم هم .. من وسط أحبابهم وأنه مهما غاب عنهم ، أو تأخر فإنه لا محالة آت إليهم ـــــــــــ إن الناس عموما تستثقل حديث الموت بل وتتشاءم منه لكن الكثير منهم لا يعلم أن الله تعالى ذكر بكل وضوح أنه هو ( الذى خلق الموت والحياة ) لماذا ؟ لكى يستخلص صاحب العمل الأحسن وإذن .. فإن الأمر جد لا عبث فيه وهو يتطلب الكثير من العمل والجهد والاستعداد ــــــــــ كيف يتعامل معظم الناس مع الموت ؟ حين يذهبون إلى المقابر لدفن راحل منهم يقفون أمام الجثمان صامتين خاشعين وقد يبكى بعضهم من شدة التأثر لكنهم فى طريق العودة يخوضون فى أحاديث شتّى عن إرهاق اليوم ، وأعمال الغد .. وما أسرع ما ينسون صاحبهم الراحل ! ثم ما يلبثون أن يمارسوا حياتهم المعتادة وكأن شيئا لم يكن . ــــــــ أقدم ملاحم الشرق الأوسط وهى ملحمة جلجامش البابلية تتحدث عن بطل خارق كان يمتلك كل شىء : السلطان ، والثروة ، والقوة البدنية المفرطة وحين غيّب الموت أعز أصدقائه خرج فى رحلة طويلة جدا ، وشاقة بحثا عن نبتة الخلود التى تحفظ عليه حياته وتصونه من الموت وبعد أن حصل عليها سرقتها منه حيّة ماكرة فعاد إلى مدينته خائب الرجاء وقد أدرك أخيرا أنه كإنسان .. لا بد أن يموت مثل سائر البشر ــــــــــــــــــــ أما أمير الشعراء أحمد شوقى فقد ظل طوال حياته مشغولا بسؤال : ـــ ماذا يحصل للإنسان بعد وفاته ؟ وفى معظم قصائد الرثاء لديه كان يستصرخ المتوفّى قائلا : ـــ قلْ لى بالله عليك : ماذا وجدت ؟ لكن شوقى لم يدرك جيدا أن الجدار القائم بين الحياة والموت يستحيل اختراقه من أى إنسان حىّ وهذا معناه أن الموت تجربة شخصية شخصية جدا لا يعرفها إلا من دخل فيها !
|
|