مثلث الزمن
( مقال فلسفى )
للدكتور حامد طاهر
من قال إن الإنسان مطلق الحرية . إنه ليس محكوما فقط بحدود المكان الذي يحصره من الجهات الأربع أو الثمانية المعروفة فى علم الجغرافيا ، وإنما هو أيضا محكوم بمثلث الماضى والحاضر والمستقبل .
فالماضى هو مجموع الأحداث التى مرت به ، وأصبحت تكون تاريخا ثقيلا يحمله على ظهره ، ولا يستطيع مهما حاول أن يتخلص منه ، أو يتجاهل وجوده، بل إنه إذا قرر أن يطرده من حياته فى حال اليقظة ، تسرب إليه فى حال النوم على هيئة أحلام وكوابيس !
والحاضر هو الذى يعيشه الإنسان فى اللحظة الحالية . ولا ينبغى أن يعتقد أحد أنه منفصل عن الماضى ، بل هو امتداد طبيعى للحاضر . والتشبيه الأقرب له أنه مثل الشبكة التى يلقيها الصياد على طائر أو مجموعة من الطيور ، فلا تستطيع الفكاك منها ، حتى يأتى الصياد ويخلص كلا منها ، لكى يضعها بعد ذلك فى القفص المخصص لها . وهذا يعنى أن الإنسان كلما حاول أن يتخلص من حاضره وجد ألف خيط وخيط يشده ألى الفخ الذى وقع فيه . وحين يظن أنه صعد من حفرة فوجئ بقدمه تسقط فى الحفرة المجاورة .
وأخيرا يبدو المستقبل كنافذة مستديرة فى أعلى جدار السجن الذى يوجد فيه الإنسان . وإذا كان كل من الماضى والحاضر مرتبطا بالواقع المعروف ، من خلال الجسد والعقل ، فإن المستقبل رهن بالمجهول ، ومرتبط بالقلب ، وهو المجال الشاسع الذى يسبح فيه الخيال . إنه المخرج الوحيد الذى يسمح للإنسان أن يتجاوز واقعه الكئيب ، وماضيه المثقل . لذلك كلما كان خيال الإنسان قويا ونشطا استطاع أن يشكل لنفسه مدينة فاضلة ، يعيش فيها سعيدا وهانئا ومتخلصا من كل المآسى التى تكون قد ملأت ماضيه وحاضره .
وهنا قد يقول قائل : إن الماضى الذى مر بى لم يكن كله مظلما ؟ وأقول له : لكن لحظات السعادة التى ظهرت فيه لم تدم أطول من وميض الألعاب النارية التى تبرق وتتلألأ للحظة ُثم ما تلبث أن تنطفئ وتختفى . وقد يقول آخر : إن حاضري على ما يرام ، وأنا راض عنه تماما ؟ وأقول له : عن أى لحظة فى حاضرك تتحدث ، وهو مكون من لحظات متتالية ، وأنت لا تعلم شيئا أبدا عما يحدث فى اللحظة الآتية ، أوحتى بين لحظة وأخرى ؟
وأخيرا فإننى أؤكد للقراء الأعزاء أن هذا المقال المختصر ليس أبدا دعوة لليأس أو استسلاما له ، وإنما هو مجرد وقفة للتأمل ، والتدبر ، والاعتبار .
|