النيل فى القاهرة
(1)
يجىء كل ليلة محطماً من الترحالْ
كأنه "أبوالعيال"
الخبز فى كفيه،
والهموم فى جبينه،
وفوق ظهره لفافة من الحبالْ
يلقى بها تحت سرير زوجةٍ،
فائرة الحسن ، لم تزل ..
غنية الدلال
تسألهُ : عن الأٍساور التى وَعَدْ
وعطرها الذى نفد
تسأله : ما رأيه فى هذه الستائر
وكيف لم يلاحظ الكحل ، ولا الضفائر ؟
تسأله : ألا تريد أن ترى حذائى المنضدا ؟
يجيب والنعاس فى عينيه
- يا حبيبتى .. نرى غدا
..
لكنه قبل بزوغ الفجر ،
يرتدى ثيابه الزرقاءْ
وينحنى مقبلاً جبينها الوضاء
وحينما تسأله البقاء لحظة ،
يشد فوق صدرها الغطاء
وينثنى للباب هامساً :
- إلى اللقاء يا حبيبتى ..
إلى اللقاء
(2)
عند انكسار الشط فى بولاق
وحيث يوغل النيل إلى الأعماق
أقام عمى صابر تعريشة للشاى ،
والقهوة ، والينسون
يؤمها العشاق
وساقوا الغليون !
..
وحينما ينتصف الليل ،
ويصبح النسيم وشوشات
وينتهى الحديث بالتبات والنبات
ينزل من سمائه القمر
مغتسلاً فى النيل ،
وسط شلة من النجوم
بلا هموم
(3)
الأغنياء أشرفوا عليه
من شواهق الأبراج والفنادقْ
والفقراء افترشوا العشب على شطآنه ،
وصافحوا مياهه من الزوارق
ولم تزل فتاته المصرية العينين والهوى ..
تجىء يوم عرسها إليه .. كى تعانق
لكنما المسافر الدؤوب لا يهدّىء الخطى ،
وينطلق
مجدافه العتيق هادر ،
وعينه على نهاية الأفق !
(4)
كنت إذا طغى الأسى بأضلعى،
أسير جنب الشط ناظراً فى النيل
وكلما تأملت عيناى فى مياهه الخضراء
انزاح همى الثقيل !
..
وعندما اغتربت ،
كنت حينما يفيض بى الحنين ،
أستعيد وجهه النبيل
وقد تراقصت به الأمواج ،
وانحنى على شطآنه النخيل
فأسترد بعض روحى ،
أستشف نسمة ممزوجة بالعشب ،
تطفىء الغليل !
..
واليوم .. ها أنا أعود ،
كل خطوتى اشتياقْ
من بعد حلوان .. إلى بولاق
ارتفعت من حوله ستائر الأسمنت ، والنيون
ولم يعد يُرى الغليون
وصرت كلما شببت كى أرى مياهه الخضراء
تثاقلت بى الشجون
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
|