كليلة ودمنة:
[ حوار مستمر... ]
(1)
كليلة – أراكَ اقتربتَ كثيرا
دمنة – على العكس.. إن طريقي طويلٌ،
وإن أمامي كثيرًا
ك- لقد صار يسمعُ قولك في الوزراء؟!
د- ولكن هذا الوزير تطَّلبَ جهدَا كبيرًا..
ك- تريد القضاء عليهم جميعًا ؟
د- طموحِيَ ليس صغيرًا..
ك- حنانيْكَ..
قد تحرق النارُ كفّيْكَ
د- إنّي أُحرّكها باقتدار،
وأعرف كيف أهيج الدخانَ،
وأطفئ – حين أريدُ- السعيرا..
(2)
كليلة – حزينٌ؟
دمنة - أجلْ.. بدأوا يهمسون إليهِ
ك- وكيف عرفتَ؟
د- دعاني وأفضى إليَّ
ك- أما زال مستوثقًا منكَ ؟
د- لا يفتحُ القلب إلا لديّ
ولا يكشف السر إلا معي!
ك- تمنيتُ لو قُدْتَهُ للصوابِ
د- أنا لا أُعاند صَوْتَ الطبيعةِ،
لكنني أَدْعَمُهْ!
ك- على الشرِّ، والظلمِ، والنزواتِ ؟!
د- على كل ما يحتوي موسِمُهْ
فحينًا يكون سحابةَ حبٍّ،
وحينًا غبارًا، وعاصفةً، وانتقاما..
وما دامتُ الريحُ تجتاح غيري،
فلستُ بُملْقٍ عليها ملاما..
(3)
كليلة- نَشَدْتُكَ حول العرينِ،
فقيل: اختفى من ليالٍ،
ولا يعرفون السببْ!
مريضٌ؟
دمنة- أنا في اكتمالي مُعافَى
ك- حسبتُك أُبْعدْتَ
د- ما زلتُ في موقعي المتفرّدِ،
لكنني في الشهور الأخيرةْ
تأملتُ حالي طويلًا ..
وقلتُ لنفسي :
كما يختفي البدر عن عاشقيه،
وتُمسكُ عن طالبيها السَّحُبْ
أريدُ ليصبحَ وجهي بشارهْ
ومرآي أُمنيةً للأسدْ!
ك- ألستَ أثيرًا لديهِ
د- أفسّرُ أحلامه في الصباحِ
وعند الظهيرةْ
أكونُ الرفيق على المائدهْ
وبعد العشاءِ،
أظلّ أقُصُّ عليه الحكاياتِ.. حتى ينامْ
د- مكينٌ إذن.. ما الذي يُزعجكْ؟
ك- أخاف من الملل المستكنِّ،
يدبّ إلى قلبه، يجتويني،
لذلك قررت أن أتَخفى قليلا..
ولكنني قلقُ حائرٌ،
أخافُ عليه نديمًا دخيلا !!
د- هو الخوفُ في البعد والقربِ ؟!
ك- آه.. لقد صرت فعلًا عليلا..
(4)
كليلة- رأيت الطبيبَ على البابِ
دمنة- لم يعرف الداءَ بعدُ..
ك- وما كلُّ هذي الورودِ؟!
د- لقد أرسلوها من القصر..
ك- فَدَيْتُكَ: هذا الوفاءُ الجميلُ..
د- ولكنهُ ما سألْ!
ك- شواغِلُهُ ربما المرْهِقَهْ
د- وأيّ شواغلَ عنّي..
هم الحاسدون استعادوا الثّقةْ!
وأُقِسمُ أَنّي لهم – أجمعين-
إذا ما استعدتُ شفائي،
وعاودني الصحو، والعافيةْ
ك- دع الآن رأسك فوق الوسادة..
د- لا أَحْتَمِلْ!
كليلة- غدوتَ نحيلا..
دمنة- نحول الأسى في الفؤادِ،
وليس نحولَ الجسدْ
ك- تحيّرتُ في مطمحكْ
وأيّ طريق .. تسير عليه إلى مصرعكْ!
د- خُلقتُ ضعيفًا كما تعلمُ..
وأدركتُ أن الوجود صراعٌ من البدءِ للمنتهى..
صراعٌ، يحطّمُ ، يستهلكُ..
فقررتُ أن أحتمي بالقويّ
وأصبح أقوى بما يملكُ..
لهذا دخلتُ إليه العرينَ،
وأفرغتُ عقلي في رأسهِ،
صرتُ أضربُ من قبضتيْهِ،
وأفزعُ خصمي بهذه اللَّبَدْ!
ك- ولكنك الآن مُلْقىً..
تحاذر ألا يراكَ أَحَدْ!
د- عتابَك قَاسٍ على علّتي!
ك- أُبصِّر فيك الصديق القديمَ،
وأسعى لأنزع منك الفتيلَ..
الذي يَتَّقدْ!
(6)
كليلة- أراك تَحسّنتَ
دمنة- حين دعاني إليهِ
ك- إذنْ عدتَ!!
د- قلتُ له «أَبعِد الشامتين»
فعلّقهم في رؤوس الشجر
ك- حسبتُك بعد الشفاء تعقّلتَ!
د- أصبحتُ أقربَ مما غَبَرْ
أنا الآن آمر، أنهي، أُعاقِبُ من شِئْتُ..
صرتُ المكلَّف بالسجن، والمؤْتَمِن..
على المال، والجيشِ،
بالأمس أسلمني خاتمه!
ك- تحقّقَ حُلْمَكَ؟!
د- لكنّ خوفي من الموت ما أَعظَمَهْ!!
ك- أراك معافى..
د- أنا .. لست من أقصدُ
ك- مريضٌ هو؟!
د- تخّلى عن الصيْدِ،
أَخْلَدَ للراحة المطلقهْ
ينامُ، ويصحُو ليأكلَ، ثم ينامُ..
وهذي علامة موت الأسودْ!
ك- صديقي وداعَا..
فإني أُحسّ بمصرع ثور،
وأشعر أنك أنت الوقودْ!
د- تفارقني حين أحتاج لَكْ!
ك- وأَيْ احتياج لمثلي..
وأنت تُفَنِّدُ قولي
د- إذن لا تباعدْ كثيرا، وقل لي :
متى نلتقي؟
ك- إذا ما رجعتَ كما كنتَ..
تحملُ جلدَ ابن آوى..
وتنشد صيدك مثلي،
وتخشى من الليل مثلي..
وتحفر في الأرض جحرك مثلي..
د- تريد رجوعي إلى العيشة المرة الضيقهْ ؟!
ك- هنيئا لك التاج، والمجد، والمشنقهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|