ملحمة الفلاح المصرى
أ.د. حامد طاهر
في أعمق أعماق الغابات
وقبل مجيء التاريخ بآلاف السنوات
كان يسير بلا هدف
إلا من شربة ماء
أو حبة فاكهة
أو بعض الحشرات
وأخيرا وجد النيل
يسير مهيبا في خطوات متئدات
تتقاذف فية عشرات الأسماك الفضيات
وعلي جنبيه نخيل يعلو ،
ويطاول هامات السحب البيضاء
ألقي بالجسد المنهوك علي طين الأرض السمراء
وصارت جنته العذراء !
****
في اليوم التالي حمل الفأس الفولاذية
وهوي نحو الأرض يقبلها ، ويقلبها ..
فتبادله أطيب ما فيها من خيرات
أطنان القمح، وأجولة الفول ،
وأصناف الخضراوات
وبداخل منزله
راح يربي بعض البقرات
بقرات كانت تمنحه اللبن الصافي ،
والجلباب الدافئ ، والدهنيات ..
****
كان الفلاح المصري بسيطا
يزرع ، يحصد ، ويزوج
في خاتمة الموسم أولاده
ويبارك في أروقة المعبد أحفاده
محتملا أغلي ما يملك للكهنة من قربان
ملتزما بالسجدة للفرعون
إذا ما مر بموكبه العائم
بين الشطئان !
****
ظل الفلاح المصري صموتا
لا يتكلم حتي حين تؤرقه الكلمات
وخلوقا يسعي في دعم الضعفاء
ويجلس بجوار النيل يصلي ..
في زمن القحط ،
وحين يفيض الفيضان
وإذا أوقف في محكمة الموتى
أقسم أن يديه ما لوثتا النيل ،
ولا ألقي فيه أعواد الشوفان !
****
كان الفلاح المصري خبيرا
بخبايا الأرض السمراء
يعرف كيف تجود ؟
ومتي تلفحها الشمس الغضبى ،
فتشققها ؟
وبأي مدار يفرشها البدر إذا اكتمل
بضوء مملوء بالأزهار
لكن الفلاح المصري تفاجأ يوما
من أيام الصيف الحارقة .. بجيش جرار
هاجم من ناحية الشرق
وشتت حامية الجند .. بلا إنذار
وتوصل للفرعون الأعلي ،
أسقطه من أقوي برج فوق الأسوار
سقط الفرعون جذاذات ، وأساور فضيات ، ونضار !
وتبددت المعتقدات المحفورة
في أعمدة المعبد ، والأ حجار ..
لكن الكهنة نفخوا في المبخرة الكبري ،
واعتبرو الغازي ملكا ، وألها ، وسليل الأقدار !
****
رجع الفلاح المصري إلي منزله الطيني ،
وراح يحدق في أطفال من غير عشاء
ورأي نظرة زوجته ترمقه باستجداء
لم يعرف طعم النوم ، طول الليل ،
وحين تبدي الفجر ، مشي نحو الأرض السمراء
يقاسمها الشكوي والإعياء
ويوفر ما تنتجه للغرباء
حتي السنبلة الصفراء !
فإذا جن الليل
سرى فوق الشط
وأخرج من أعماق الروح
مواويل الصبر الصماء !
ـــــــــــــــــ
|