بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
التربية الأخلاقية
وكيف نرسخها فى المجتمع ؟
أ.د. حامد طاهر
أستاذ الفلسفة الإسلامية
ونائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق
[نص المحاضرة الافتتاحية التي ألقاها أ.د. حامد طاهر في المؤتمر الدولي الثامن عشر للفلسفة الاسلامية الذي عقد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة 15/4/2015 ]
الحمد لله ،
الذى نزل أحسن الحديث كتابا لا يضاهيه كتاب من قبله ولا من بعده ،
وأرسل نبيه محمدا ، ليبين للناس ما نزل إليهم بقوله وعمله ،
وآتاه جوامع الكلم ، وأصول الحكم ،
وجعل أحسن الهدى هديه ، وأعظم الخلق خلقه ،
صلى الله عليه وسلم ، وعلى إخوانه المرسلين ،
وسائر الذين أنعم الله عليهم ،
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،
أولئك الذين هدى الله ، فبهداهم يهتدى المهتدون ،
وعلى آثارهم يقتدى الموفقون ، وحسن أولئك رفيقا .
وإذا كان لى فى البداية من كلمة عن صلتي بالأخلاق الإسلامية فإنها ترجع في الواقع إلي ما يقرب من أربعين عاما .. بدأت بتدريسي ــــ حتي قبل أن أحصل علي الدكتوراه ـــ مقرر الأخلاق للفرقة الأولي من طلبة الليسانس ، ويومها صنفت مذكرة بعنوان (سبعة نماذج من الفكر الأخلاقي في الإسلام ) وكانت تنضمن :
آداب المجالسة عند ابن المقفع
تحليل ظاهرة الحسد عند الحارث المحاسبي
ظاهرة البخل عند الجاحظ
آدب العالم والمتعلم للماوردي
التجربة الأخلاقية عند أبن حزم
نقد أخلاق العصر لابن الجوزي
المسلم في مواجهة الشر للحكيم الترمذي
ومن يومها لم يتوقف اهتمامي عن تتبع نماذج أخري ، كان من أهمها أخلاق الوظيفة عند السبكى ( عبد الوهاب )، وكان أخرها : الجوانب الحضارية في حياة الرسول ، صلي الله عليه وسلم ، نشر عى موقعى بشيكة الانترنت .
ثم تعددتالقراءات واتسع نطاقها حتي أصدرت في بداية عام الفين كتابا كبير الحجم بعنوان : ( الخطاب الأخلاقي في الحضارة الإسلامية ) ، طبع مرتيين فى مكتبة نهضة مصر .
أما على الجانب الشخصى البحت ، فقد ظللت أتعامل مع الناس من حولى على أساس من تلك المعايير الأخلاقية التى تربيت عليها ودرستها فى الاسلام .وهى معايير غاية فى البساطة ، كما أنها لا تخلو من الصراحة والحسم . وهى تكشف زيف المداهنة والنفاق ، ولا ترضى أبدا بالتظاهر والخداع .
واسمحوا لى أن أصارحكم بأن تمسكى بهذه المعايير على قدر الطاقة طبعا قد أفقدنى الكثير من الأصدقاء، لكننى مع مرور السنين وتعدد التجارب لم أعد أندم على فقدهم ، بل إننى أصبحت أرثى لحالهم ، وأدعو الله تعالى أن يهديهم ويصلح بالهم .
ولكم أيها الاخوة والأخوات من العلماء والباحثين الذين حضروا من مختلف البلاد العربية والاسلامية مع نظرائهم االمصريين: كل الشكر والتقدير على تشريفكم لنا فى هذا المؤتمر الهام ، الذى تعرضون فى جلساته بحوثكم القيمة حول ترسيخ التربية الاسلامية فى بلادنا ، كركيزة أساسية لا تنهض إلا عليها كل أبنيتنا السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية .
والواقع أن الجانب الأخلاقى يمثل: المقوم الثالث للإسلام الذى ينهض على أربع مقومات رئيسية ، هى بالترتيب :
العقيدة ، الشعائر ، الأخلاق ، التشريع
وهذا الترتيب مهم جدا لتواصل المقومات فيما بينها ، من تاحية، وبناء كل منها على ما يليه ، من ناحية أخرى. ومجموع هذه المقومات الأربع هو الذى يتكون منه التصور الصحيح والمتكامل للإسلام .
أما العقيدة فتقوم على دعامتين أساسيتيْن هما الإيمان بالله الواحد الأحد ، والإيمان بالبعث وما يتلوه من ثواب وعقاب فى الدار الآخرة . ومن المؤكد أنه بمجرد أن يؤمن الإنسان بهذه العقيدة تتحول حياته من فوضى إلى نظام ، ومن لا مبالاة إلى مسئولية، فهو يدرك أن الله ، الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما، يعلم كل ما يجرى فيهما ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ( سورة الملك ، آية 14 ) ، كما أنه المطلع على أفعاله وأقواله ونواياه ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) (سورة طه ، آية 7 ) ، (يعلم خائنة : الأعين وما تخفى الصدور) ( سورة غافر ، آية 19 ) ، كما أنه وكل بكل إنسان ملائكة يسجلون عليه كناية كل ما يقوم به فى هذه الدنيا ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ ) (سورة الانفطار، آية 11) ويقول الله تعالى : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) (سورة الاسراء 13 ، 14) .
وأما الشعائر الأربع (الصلاة ، الصوم ، الزكاة ، الحج) فإنها لا تقوم فقط بتقويه العقيدة وتثبيتها فى قلب المسلم وعقله ، وإنما أيضا فى دفعه للعمل الصالح ، واجتناب المعاصى. يقول الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) (سورة العنكبوت 45) كما أنها مع الصبر تعين الإنسان على تجاوز عقبات الحياة ﴿استعينوا بالصبر والصلاة ) (البقرة 153) وهذه هى الصلاة الحقيقية ، وليست الشكلية التى أشار إليها الرسول بأنها : نقر كنقر الغراب ! ونفس الأمر بالنسبة لشعيرة الصوم ، الذى ينبغى أن يكون خالصا لوجه الله تعالى غير مخلوط بأى عمل فاسد ، مثل الكذب ، والغيبة ، والنميمة ، وإيذاء الآخرين . وفى الزكاة المفروضة يتحقق مبدأ التكافل الاجتماعى فى أبهى صوره، حيث يعطى للفقراء والمساكين حقوقهم دون مَنٍّ أو أذى. ومع ذلك فإن باب الصدقات الأخرى مفتوح على مصراعيه ، بشرط أن يقدمها المسلم بيمينه دون أن تعرف شماله ، وهذا يعنى ببساطه عدم التفاخر بها أمام الناس . ويقرر الإسلام أن الحج المبرور يرجع الإنسان من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، أى يبدأ صفحة جديدة تستحق أن يملأها بالعمل الصالح .
وهكذا فإن مجئ الأخلاق ــ بعد كل من العقيدة الراسخة فى النفس والشعائر المؤداة بصدق وإخلاص – يعتبر نتيجة طبيعية لهما. والأخلاق كما هو معروف – جمع خلق . والخلق عبارة عن دافع وسلوك . الدافع داخلى يرتبط بالنية ، والسلوك خارجى يظهر على الأعضاء ، ويبدو فى التعامل مع الآخرين . وهؤلاء يوجدون من حول المسلم فى دوائر متتالية :
- دائرة الأهل (الأم ، الأب ، الإخوة ، الأخوات، الزوجة ، والأبناء) .
- دائرة الأقارب .
- دائرة الأصحاب ، وزملاء العمل .
- دائرة المسلمين عموما .
- دائرة غير المسلمين .
وفى كل من هذه الدوائر، توجد تعليمات وتوجيهات أخلاقية يقدمها الإسلام للمسلم ، ويوصيه بأصحابها . ومن ذلك توصيته بالأبوين ، اللذيْن ربياه صغيرا ، وعليه أن يصاحبهما فى الدنيا معروفا ولا يقول لهما أف ولا ينهرهما عندما يكونان فى حالة الشيخوخة ، أو الحاجة إليه. والجار الذى ظل جبريل يوصى الرسول به حتى ظن أنه سيورثه ، ثم الأقارب الذين تربطهم به علاقة حميمة يطلق عليها الإسلام مصطلح (صلة الرحم) . وفى دائرة المسلمين يقول رسول الله : المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده . ويشبههم جميعا بالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى . وفى دائرة غير المسلمين ، ومنهم أهل الكتاب ، لا يجادلهم المسلم إلا بالتى هى أحسن ، ويتعايش معهم بسلام كامل طالما التزموا هم بالعلاقة الطيبة معه .
والواقع أننا كلما تأملنا فى الجانب الأخلاقى فى الإسلام أدركنا بكل وضوح أنه يكفى وحده لإقامة المجتمع الفاضل والمتميز ، لكن المقوم الرابع وهو التشريع يأتى ليحدد القواعد الملزمة والزواجر الناهية ، من خلال منظومة متكاملة تشمل السياسة ، والاقتصاد ، والقضاء ، والأمن . وفى النهاية توجد لائحة مفصلة لعقوبات الجرائم سواء كانت حدودًا أو تعذيرات .
وهكذا بهذه المقومات الأربعة يظهر المفهوم الصحيح والمتكامل للإسلام. وهو المفهوم الذى ما زال يغيب – مع الأسف – عن أذهان كثير من المسلمين ، وحتى عن بعض الدعاة المعاصرين ، الذين يركزون على مقوّم أو آخر دون أن يستوعبوها جميعا فى نظرة واحدة ، وهو الأمر الذى يشتت فكر المسلم المعاصر ، ويتركه فى حاجة دائمة إلى السؤال ، وإعادة السؤال حول أمور من دينه ، ما كان له أن يجهلها على الإطلاق .
وبما أن موضوع هذا المؤتمر الدولى ، الذى يقيمه قسم الفلسفة الإسلامية ينصب أساسا حول (التربية الأخلاقية) فسوف أقصر حديثى عنها فى جانبين . الأول فيما يختص بالمصادر التى نستقى منها عناصر هذه التربية . والثانى فى كيفية ترسيخها فى المجتمع . لكننى أود قبل ذلك إبداء ملاحظتين هامتين ، وهما :أن الجانب الأخلاقى فى الإسلام قد ترك طويلا للوعاظ ، والقصاص ، والمذكرين .. وهؤلاء كان همهم التأثير فى المستمعين دون الاهتمام بإيراد أحاديث نبوية ، ضعيفة أو موضوعية ، الأمر الذى ملأ مدونة الأخلاق الإسلامية بالكثير من هذه الأحاديث .. وهذا ما جعل الجانب الأخلاقى يفتقد إلى الكثير من الموضوعية والمصداقية والتوثيق .
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بأول دراسة علمية منهجية للأخلاق الإسلامية ، وهى التى قام بها المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز فى رسالته للدكتوراه بجامعة السوربون سنة 1947 بعنوان : La Moral du Koran : الأخلاق فى القرآن، والتى قام بترجمتها المرحوم الدكتور عبد الصبور شاهين سنة 1973 بعنوان (دستور الأخلاق فى القرآن) .
ومن مزايا هذه الدراسة أنها استوعبت أو كادت عناصر الأخلاق التى وردت فى القرآن الكريم ، ثم قام صاحبها بمقارنات مهمة مع الفكر الأخلاقى الغربى فدرس موضوعات مثل : الالزام الخلفى ، والمسئولية ، والجزاء ، والنية والدوافع ، والجهد النفسى والبدنى .
فإذا انتقلنا الآن إلى موضوع التربية الأخلاقية ، وكيفية ترسيخها فى المجتمع، وهو الهدف الكبير الذى ينبغى أن تهتم به كل المجتمعات الإسلامية فى الوقت الحاضر ، لكى تقيم بنيانها السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى على أساس سليم – فإننى أفضل أن أقسم الحديث عنه إلى قسمين :
الأول : يتناول مصادر الأخلاق الإسلامية .
والثانى : كيفية ترسيخها فى المجتمع .
مصادر الأخلاق الإسلامية :
أولاً : القرآن الكريم ، وهو الكنز الذى لا تنفد جواهره ، حيث يحتوى على الأسس العامة ، والقيم التأسيسية للأخلاق ، بالإضافة إلى أدق دقائق الدوافع وضروب السلوك الأخلاقية . ومن ذلك قوله تعالى :
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) [الحجرات: 10]
( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )[ سورة المائدة :2]
( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) [ سورة النساء : 86] .
( فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً )
[ سورة النور : 61] .
( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) [ سورة النساء : 94] .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) [ سورة النور : 27] .
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) [ سورة النور : 30] .
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) [ سورة النور : 31] .
- الاستئذان قبل الدخول فى ثلاث أوقات :
( مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ) [ سورة النور : 58]
( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )
[ سورة الأنعام: 108] .
( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) [ سورة فصلت : 34] .
( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) [ سورة آل عمران : 134] .
( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ) [ سورة الرعد : 20] .
( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [ سورة النساء : 58] .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) [ سورة المائدة : 1].
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) [ سورة النور : 19] .
( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) [ سورة الهمزة : 1] .
( وَلَا تَجَسَّسُوا ) [ سورة الحجرات : 12] .
( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) [ سورة البقرة : 188] .
( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) [ سورة الحج : 30] .
( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ) [ سورة المطففين : 1 ، 2 ، 3] .
( وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ) [ سورة الأعراف : 85] .
( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ) [ سورة الضحى : 8 ، 9] .
( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) [ سورة لقمان : 18] .
ومع أن هذه القائمة يمكن أن تطول كثيرا ، فإنها مجرد لمحة فقط من التفصيلات الأخلاقية التى اشتمل عليها القرآن الكريم. ولا شك أن الدراسات المتعمقة يمكنها أن تستخرج الكثير من أمثالها ، لكى يضعها المسلمون فى مناهج التربية الأخلاقية الحديثة التى ينبغى أن ينشئوا عليها الأجيال الجديدة .
ثانيا : السنة النبوية ، وهذا هو الكنز الثانى للأخلاق الإسلامية، حيث توجد فيه مطبقة بصورة عملية فى حياة الرسول وكل تصرفاته مع أهله وأصحابه والمسلمين عموما ، وغير المسلمين . ونحن هنا بازاء (إنسان كامل) قال الله تعالى يخاطبه ) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ( [ سورة القلم : 4] وقال هو عن نفسه "أدبنى ربى فأحسن تأديبى" وعندما سئلت السيدة عائشة ، رضى الله عنها، عن خلق الرسول : كيف كان ؟ أجابت بقولها الجامع البليغ :"كان خلقُه القرآن".
وهنا لابد من القول بأنه لا يكاد يوجد أحد من مشاهير العالم كلهم قد سجلت كل تفاصيل حياته ، سواء الخاصة أو العامة ، مثلما سجلت حياة الرسول . والأهم من ذلك أنه لا يوجد فى هذه التفاصيل الدقيقة ما يعيب أو يشين صاحبها ، بل إن صفحته الناصعة لا تحتوى إلا على كل ما هو طيب وجميل .
وسوف أكتفى هنا بالإشارة إلى بحث لى نشرته بموقعى على شبكة الأنترنت بعنوان (الجوانب الحضارية فى حياة الرسول ) حيث توجد فيه العديد من الأمثلة ، لكننى سأقتصر هنا على ذكر بعض أهم المصادر والمراجع للسيرة النبوية الشريفة ، ومنها :
- سيرة ابن هشام .
- شرح سيرة ابن هشام للخشنى .
- المغازى للوافدى .
- القسم الخاص بالسيرة (من طبقات ابن سعد) .
- جوامع السيرة لابن حزم .
- الشفا فى معرفة حقوق المصطفى للقاضى عياض .
- زاد المعاد فى هدى خير العباد لابن القيم .
- السيرة النبوية لابن كثير .
- السيرة الحلبية لعلى برهان الحلبى .
- الشمائل المحمدية للترمذى .
- كفاية الطالب اللبيب فى خصائص الحبيب للسيوطى .
- الأدب المفرد للبخارى .
- أخلاق النبى وآدابه لأبى الشيخ .
- دلائل النبوة ومعرفه أحوال صاحب الشريعة للبيهقى .
- إمتاع الأسماع للمقريزى .
- الروض الأنف للسهيلى .
- عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسير لابن سيد الناس .
- المواهب اللدنية للقسطلانى .
- سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد للصالحى الدمشقى
(فى 13 مجلدا تتجاوز ستة آلاف صفحة) .
ومن المراجع الحديثة :
- نهاية الايجاز فى سيرة ساكن الحجاز لرفاعة الطهطاوى .
- الاصطفا فى سيرة المصطفى لمحمد نبهان الخبار .
- قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار.
- خاتم النبيين لمحمد أبو زهرة .
- مورد الصفا فى سيرة المصطفى لأحمد الحملاوى .
- محمد فى مكة ، ومحمد فى المدينة ، للدكتور أحمد شلبى .
- عبقرية محمد لعباس العقاد .
- حياة محمد لمحمد حسين هيكل .
ثالثًا : حياة الصحابة ، رضى الله عنهم جميعا ، والذين تتكون منهم المدرسة الأخلاقية التى أنشأها الرسول ورباهم فيها ، ثم خرّجها منهم ليكون كل واحد منهم نموذجا فريدًا فى حسن الخلق ، وهم الذين قال عنهم رسول الله : "أصحابى كالنجوم ، بأيهم أقتديتم اهتديتم" . وهكذا فإن المسلمين جميعا مدعوون إلى الاقتداء بصحابة رسول الله ، وهذا يتطلب معرفة جيدة بأحوالهم ، واستحضار مواقفهم الأخلاقية التى تستمدّ عناصرها من مشكاة النبوة .
وحسبنا هنا أن نتوقف قليلا عند بعض الخصائص العامة للخلفاء الراشدين الأربعة ، حيث نشاهد مع أبى بكر الصديق : التسليم الكامل والوداعة ، ثم الحسم الشديد حين تضطرب الأمور ، وتكاد تخرج عن السيطرة . ومع عمر بن الخطاب يمتزج العدل بالقوة وتتعدد المشورة فى أبهى صورها ، ومع عثمان بن عفان : تتجلى التقوى ، والسخاء بالمال دون حدود ، ومع على بن أبى طالب : يبرز نموذج الشجاعة النادرة ، والعقل الراجح ، والحكمة البالغة .
وقد أجمع المسلمون ، بما فيهم المؤرخون على إطلاق لقب الخلفاء الراشدين فقط على هؤلاء الأربعة ، ولم يطلق من بعدهم على أى حاكم سواهم، نظرًا لما تميزوا به من الشمائل الحسنة ، والخلق الرفيع .
ومن أهم المصادر التى تعرفنا أحوال الصحابة ، رضوان الله عليهم :
- أسد الغابة فى معرفة الصحابة لابن الأثير .
- الإصابة فى تمييز الصحابه لابن حجر العسقلانى .
- الرياض النضرة فى مناقب العشرة للطبرى .
- فضائل الصحابة للنسائى .
- الاستيعاب فى معرفة الأصحاب لابن عبد البر.
- أسماء الصحابة الرواة لابن حزم .
- أصحاب الفتيا من الصحابة والتابعين لابن حزم .
- تاريخ الخلفاء للسيوطى .
- تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزى .
- خصائص أمير المؤمنين على بن أبى طالب للنسائى .
- صفة الصفوة لابن الجوزى .
ومن المراجع الحديثة :
- الخلفاء الراشدون لعبد الوهاب النجار .
- حياة الصحابة للكاندهلوى .
- زعماء الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن .
رابعًا : سير الشخصيات المتميزة فى تاريخ الإسلام ، وهذه الشخصيات تتناثر على مدى تاريخ المسلمين وفوق مساحة واسعة من بلادهم .
ومن الشخصيات الحاكمة:عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد .
والعسكرية : خالد بن الوليد ، وصلاح الدين الأيوبى .
ومن المفسرين : الطبرى ، والقرطبى ، وابن كثير .
ومن المحدثين : أصحاب كتب الصحاح الست (البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وأبى داود) بالاضافة إلى مالك، وابن حنبل .
ومن الفقهاء : أصحاب المذاهب الأربعة : مالك ، وأبى حنيفة والشافعى ، وابن حنبل .
ومن العلماء : الخوارزمى ، وابن النفيس ، والبيرونى .
ومن الفلاسفة : الكندى ، والفارابى ، وابن رشد .
ومن الأطباء : ابن سينا ، والرازى ، وابن النفيس .
ومن الصوفية : ذو النون ، والجنيد ، والشبلى .
ومن النحاه : سيبويه ، والمبرد ، وابن هشام .
ومن واضعى المعاجم : الفيروزآبادى ، وابن منظور .
ومن علماء الكلام : النظام ، والأشعرى ، والقاضى عبد الجبار .
ومن علماء البلاغة : السكاكى ، وعبد القاهر الجرجانى .
ومن كبار الوعاظ : الغزالى ، وابن الجوزى .
ومن ناصحى الحكام : الحسن البصرى ، والعز بن عبد السلام.
ومن المؤرخين : الطبرى ، وابن الأثير ، والمسعودى .
ومن الرحالة : ابن جبير ، وابن بطوطة .
ومن الممكن لهذه القائمة أن تمتد لأضغاف ذلك ، عندما نسجل فى كل جدول منها عشرات بل مئات الشخصيات المتميزة فى تاريخ المسلمين.
2 ــ كيف نرسخ التربية الإسلامية فى المجتمع ؟
فى البداية لابد من تحديد كلمة (التربية) الواردة فى عنوان المؤتمر. ورغم شيوع الكلمة ، فقد تحول معناها فى المائة سنه الأخيرة من فن إلى علم ، وأصبحت لها أصول ومناهج يجرى تدريسها فى الكليات الجامعية بمختلف أنحاء العالم ، واهتمت بها على نحو خاص الولايات المتحدة الامريكية، بعد أن وجهتها إلى مجال التعليم ، وخاصة فى مراحله الأولى والمتوسطة . وفى عالمنا العربى انتشرت داخل الجامعات كليات التربية ، وصار هدفها الرئيسى : تخريج المعلم المؤهل للتدريس فى مجال معين ، بعد أن يتم تزويده بالمعارف الضرورية لحالة الطالب النفسية ، والذهنية ، حتى تصل إليه المعلومات فى سهولة ويسر . أما التربية بمعناها الأخلاقى فقد ظلت بعيدة بصفة عامة عن المدارس ، واقتصر وجودها على المنزل ، والمسجد أو الكنيسة ، حيث يقدم للنشئ بعض النصائح الأخلاقية دون أن تتم المحاسبة الدقيقة على تنفيذها ، وهو الأمر الذى جعل أجيالاً من الشباب يكبرون ، ولكل منهم سلوكه الخاص النابع من تجربته الخاصة. ولذلك راح الجميع الآن يشكو من تدهور الأخلاق ، الذى أصبحت نتائجه تفجؤنا جميعا فى كل المجالات تقريبا .
وقد فرق علماء التربية بين نوعين أساسيين منها : التربية غير المقصودة ، وهى التى تتوالى فيها الأجيال ، ناقلة عاداتها من بعضها إلى بعض ، دون أن تقوم بفحصها ، واختيار الصالح منها . والنوع الثانى هو التربية المقصودة التى تقوم بها المجتمعات المتقدمة فتحدد أهدافها ، وتضع لها البرامج المؤدية لتحقيق هذه الأهداف ، مطورة باستمرار وسائلها الناجحة ، ومستبعدة ما قد يظهر لديها من أضرار .
فإذا حاولنا اليوم مواجهة أنفسنا بصدد محاوله ترسيح التربية الإسلامية فى نفوس النشئ ، كان علينا فى البداية أن نحدد أهدافها . وفى تصورى أنه من الممكن أن نضع الأهداف التالية :
1- تنشيط حاسة الضمير فى نفس الفرد ، بحيث تتكون لديه يقظة دائمة ومراقبة ذاتية لكل ما يجول بفكرة ، ويوجه إرادته ، ويترتب على أفعاله .
2- تعظيم قيمة إتقان العمل لذاته ، دون حرص على الطمع فى عائده ، أو خشية من التقصير غير المتعمد فيه .
3- التمييز الدقيق بين الفضائل والرذائل ، تمهيدا لاتباع الأولى واجتناب الثانية .
4- حسن التعامل مع الناس جميعا ، وفى مقدمتهم الأهل ، والجيران ، والأقارب، وزملاء العمل .
ومن الواضح أن هذه الأهداف كلها مستمدة من التعاليم الإسلامية التى سبقت الإشارة إليها. لذلك يصبح من السهل علينا تحديد المناهج التى تؤدى بنا إليها ، والأماكن التى يتم فيها تنفيذها ، والأشخاص الذين يقومون بهذه المهمة الدينية والوطنية . وسوف نتناول ذلك فى الخطوات المتدرجة التالية :
أولاً : بيئة الأسرة
لا شك أن غرس الأخلاق الإسلامية فى نفوس الأطفال يبدأ من الأسرة، ومن سن مبكرة جدا. ومن المعروف أن الولد سر أبيه ، والفتاه سر أمها . وهما يتشربان من الأبوين كل تصرفاتهما بوعى وحتى بغير وعى . كما أنهما يتأثران كثيرًا بغضبهما عليهما ، أو رضاهما عنهما . وبهذا الأسلوب يبدأ تكون العادات لدى الأطفال . فإذا ما كانت أخلاق الأبوين صالحة سرى ذلك إلى الأنباء . والعكس تماما صحيح . ومن هنا ينبغى على كل مسلم ومسلمة حين يرزقهما الله بأطفال أن يبذلا غاية جهدهما ليكونا نموذجين صالحيْن لهم . فليس من المعقول أن يدخن الأب فى المنزل وينهى ابنه بصرامة عن التدخين، أو أن تسئ الأم التصرف مع زوجها وجيرانها ثم تطالب ابنتها بأن تكون فتاة صالحة . يقول الشاعر :
لاتنه عن خلق وتأتى مثله
|
|
عار عليك إذا فعلت عظيم
|
فى الأسرة المسلمة الصالحة يمكن أن ينشأ الأطفال على المحبة ، والمودة ، وأدب الحوار ، وحرية طرح الأسئلة على الكبار، وتحمل جزء من مسئولية البيت ، كان يذهب الابن لشراء بعض الحاجيات ، ومشاركة الفتاه أمها فى أعمال المنزل . وبهذا الأسلوب ، توضع اللبنات الأولى من الأخلاق الإسلامية ، التى تصبح جاهزة للتطوير فيما بعد .
ثانيًا : بيئة المدرسة
ميزة المدرسة أنها تجمع فى مكان واحد عددا كبيرا من الأطفال المتساويين فى السن ، والذهن ، والاهتمام ، لذلك فمن السهل أن يتم غرس كثير من المبادئ الأخلاقية والسلوكيات الصحيحة فيهم . لكن المدرسة مع مرور الوقت ركزت كل جهودها تقريبا على تزويد التلاميذ فقط بالمعلومات ، وكلفتهم بحفظها واسترجاعها عند الاختيارات والامتحانات ، وبذلك أهملت الجانب الأخلاقى فى التربية. وقد كان اسم وزارة التعليم الحالية تحمل فى الماضى اسم (وزارة التربية والتعليم) ثم اختفت منها التربية ، وكان المقصود بها : التربية الأخلاقية ، ثم الرياضية ، والثقافية .
لقد سبق أن دعوت إلى تخصيص مقرر دراسى للأخلاق فى المدارس ، لكننى عدت فعدلت عن هذه الدعوة ، لأن تطبيقها سوف يحول الأخلاق إلى مجرد مجموعة معلومات يحفظها التلاميذ ثم ينسونها مع مرور الوقت ، وتراكم المقررات الأخرى فى أذهانهم . واليوم أصبحت مقتنعا بفكرة أخرى مؤداها أن نوزع القيم والمبادئ الأخلاقية – الإسلامية على سنوات الدراسة الابتدائية والاعدادية والثانوية (ومجموعها اثنتا عشرة سنة) بحيث نقدم للتلاميذ فى كل سنة دراسية قيمتيْن أخلاقيتين أو ثلاثا يتم الالتزام بها ، ومشاركة الأساتذة لهم فيها ، على ألا يقتصر التقديم فقط على البيان والشرح ، وإنما يمكن أن يتم من خلال قصيدة شعرية ، أو قصة قصيرة ، أو عمل مسرحى مبسط يقوم التلاميذ أنفسهم بتمثيله . وفيما يلى لوحة تتضمن مجموعة من الأخلاق الحسنة ، وما يضادها من الرذائل المرفوضة لامكانية الاختيار منها :
- فضيلة الصدق ورذيلة الكذب
- فضيلة الأمانة ورذيلة الخيانة
- فضيلة التشاور ورذيلة الاستبداد
- فضيلة المحبة ورزيلة الكراهية
- فضيلة التوبة ورزيلة الاصرار على المعصية.
- فضيلة الإتقان ورزيلة الإهمال
- فضيلة الصراحة ورزيلة النفاق .
|
- فضيلة الالتزام بالوعد ورذيلة الاخلال به.
- فضيلة العفو ، ورذيلة الانتقام.
- فضيلة الإصلاح ، ورذيلة الإفساد .
- صلة الرحم ، ورذيلة قطعها.
- فضيلة التوكل ، ورذيلة التكاسل.
- فضيلة مساعدة الضعفاء ، ورذيلة تجاهلهم.
- فضيلة المداراة ، ورذيلة المداهنة .
- فضيلة الهدية ورذيلة الرشوة
|
ثالثًا : دور الإعلام : يخطئ من يقلل من تأثير الاعلام فى الوقت الراهن، فقد أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس . والذى يرفض متابعته لا يمكنه أن يمنع أفراد أسرته ، وأصدقاءه ، وزملاءه فى العمل من أن يحكوا له ما شاهدوه هم بأنفسهم . وهنا لابد من أن يتكامل دور الإعلام الحديث فى المجتمعات الإسلامية مع منظومة التعليم الموجودة به .
والغريب أنه عندما تتم معاتبه أهل الاعلام فى عرضهم مواد تتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية يردون بإجابتين عريضتين : الأولى أن هذه المواد موظفة من الناحية الفنية لخدمة غرض أخلاقى، والثانية عبارة عن سؤال استنكارى : ولماذا تشاهدونها ما دامت تؤذى أخلاقياتكم ؟! والاجابتان – كما هو واضح – ساقطتان . لأنه من الممكن أن ندين الشر دون أن نقدمه بصورة جذابة تفتن أبناءنا وبناتنا . كذلك فإن الاعلام أصبح يدخل بيوتنا دون استئذان ، ولا يمكننا أن نتجنب رؤيته أو متابعته . إن التعارض بين التعليم والإعلام يؤدى إلى ما ذكره الشاعر القديم فى قوله الحكيم :
وهل يبلغ البنيان يوما تمامه
|
|
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم ؟!
|
رابعًا : دور المنظومة القانونية ، وهنا لابد من الاعتراف بأن القوانين التى يتم سنها يمكنها أن تساعد كثيرًا فى ضبط اتجاه التربية الأخلاقية وتطبيقاتها العملية فى المجتمع . وبناء على ذلك لا ينبغى أن يصدر قانون إلا بعد التأكد من عدم معارضته لقيمة أخلاقية ، كما يستحسن أن تؤكد القوانين على أسس التربية الأخلاقية وتوجهاتها الإسلامية . ومن المؤلفات الرائعة فى الثقافة الإسلامية كتاب (معيد النعم ومبيد النقم) لعبد الوهاب السبكى، وخلاصته – من خلال البحث الذى نشرته عنه بعنوان ( أخلاق الوظيفة )– أن كل وظيفة فى الدولة لا توجب فقط على شاغلها أن يقوم بواجباتها الوظيفية المقررة ، بل لابد أن يضم إليها الجانب الأخلاقى، الذى يعنى مراقبة الموظف لضميره وهو يؤدى عمله أكثر من إرضاء رؤسائه ، أو التقيد الشكلى بمواعيد الحضور والانصراف .
خامسًا : تحديد مناهج التربية الإسلامية ، وفى اعتقادى أنه قد آن الآوان لوضع المناهج الحديثة التى يتم على أساسها تطبيق التربية الإسلامية فى المجتمع ، وبيان الأساليب الجزئية التى تصلح لكل حالة على حدة . ومن المهم هنا أن نؤكد على أن التقدم فى معرفة الإنسان بجوانبه المتعددة : الجسمية والنفسية والوجدانية والروحية – مما يؤدى إلى حسن التعامل التربوى معه. ولعلنا نلاحظ أن ما يصلح لتوجيه طفل قد لا يصلح هو نفسه لتوجيه طفل آخر. كذلك فإن النصح التربوى قد لا يصلح فى كل وقت ، وأن الجزاء البدنى قد لا يؤدى بالضرورة إلى الاصلاح المنشود .
سادسًا : تأهيل القائمين بالتربية ، ولا يمكن أبدًا أن ينجح مجتمع إسلامى فى مجال التربية إلا بعد أن يتم تأهيل القائمين بها ، سواء مع الأطفال، أو الشباب . ونحن نعلم جيدا أن القدوة ومحاكاتها من أهم ما يؤثر فى كل منهما، وليس مجرد الكلام ، سواء كان نصحا مباشرًا ، أو عتابا ، أو تأنيبا.. وهكذا إذا لم يتوافر فى المربى الأخلاقى هذا القدر الكافى من الصدق والإخلاص لما أثمر عمله ولانقلب إلى ضده . ولعلنا نشاهد جميعا نظرة الازدراء التى ينظر بها المجتمع الإسلامى إلى المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويبطنون ما لا يظهرون!
إن التربية الأخلاقية تعد امتدادًا لعمل النبوة . فكما كوّن الرسول ،صلى الله عليه وسلم ، من خلال قدوته وتوجيهاته معا مدرسة أخلاقية متميزة . ينبغى على كل المجتمعات الإسلامية أن تواصل هذا العمل الجليل، والذى يمتد إلى كل مجالات الحياة ، وعلى أساسه ينهض المجتمع قويا بأبنائه المتمسكين بالخلق القويم ، والمطمئنين على مستقبل أبنائهم وأحفادهم .
وفى ختام هذه المحاضرة .. أسأل الله العلى العظيم أن يعصمنا من ضلة الأفهام ’ وزلة الأقلام ، وأعوذ به من علم لا ينفع ، وقلب لا يخشع ، ودعاء لا يسمع ، وعمل لا يرفع .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
|