|
احتضار مهنة
للدكتور حامد طاهر
ــــــــــــ
الأسطى سلامة
واحد من أمهر ترزية البدل فى مصر
ورث محله بشارع الدرب الأحمر
أبا عن جد
وهذا يعنى أنه نشأ فى المهنة ،
وتشربها منذ الصغر
وقد أخبرنى أنه كان يقوم بلضم الإبر ،
وتثبيت الأزرار ،
وكىّ البطانة ،
ويلاحظ باهتمام أباه وجده
وهما يقصان القماش
ويجريان البروفات على الزبائن ..
ـــــــــــ
وكان الأسطى سلامة يفتخر كثيرا
بأنه زاد ماكينات الخياطة
اثنتين أخريين
فأصبح لديه ثلاث ماكينات
يعمل عليها ثلاثة أسطوات متخصصين
بالإضافة إلى عدة صبيان
يساعدون فى أعمال المحل
وجلب الشاى من المقهى المجاور
وكان هذا يحدث أثناء فترة الازدهار
ـــــــــــــ
وقد توطدت صلتى بالأسطى سلامة
ليس من خلال تفصيل بدلة عنده ..
وإنما نتيجة مرورى عليه
فى الذهاب والعودة
حيث كان يدعونى إلى الجلوس معه
وخاصة حين يكون الجو هادئا
والعمال فى وقت الراحة .
ــــــــــــــ
ومع مرور الزمن
الذى لا يترك شيئا ولا أحدا على حاله
لاحظت أن اثنين من الأسطوات غيرموجودين
وحين سألته ، أجاب بأسى :
ـــ لقد ذهبا للبحث عن رزقهما فى مهنة أخرى
ثم أضاف متحسرا :
ـــ والواقع أننى أعذرهما
فإن مهنتنا هذه تحتضر !
حاولت أن أسرّى عنه ، فقلت :
ـــ عموما أنت أسطى كبير
والزبائن يقدرون صنعتك
ويأتون إليك من الأحياء البعيدة .
ـــ أنا معك ، لكن المهنة تتطلب
الكثير من الأيدى الماهرة ،
كذلك فإن البدل الجاهزة غمرت السوق
وأسعارها أرخص بكثير من التفصيل
ثم تنهد بعمق ، وقال :
ـــ وهذا كله أيام كانت الزبائن .. زبائن !
سكت برهة ، ثم سألته :
ـــ وماذا أنت فاعل ؟
ـــ أفكر جديا فى تصفية المحل
وأضع ما يتحصل منه فى وديعة بنكية
أنفق منها مع الحاجّة
حتى يتولانا الله برحمته
ـــ وهل عرضت المحل على أحد ؟
ـــ هناك عرض لا بأس به
من تاجر مستلزمات محمول ..
وفجأة وقع بصرى داخل المحل
فوجدت ماكينتىْ الخياطة
ملفوفتين بغطاء من البلاستيك
ولا يوجد عامل أو صبى واحد
وحين دققت النظر فى وجه الأسطى سلامة
رأيت الكثير من التجاعيد العميقة
وكاد جلده يصبح بلا لون
أما أصابع كفيْه المعروقتين
فكانت فى نفس قوتها السابقة
ـــــــــــــ
بعد عدة أيام
مررت على المحل فوجدته مغلقا
وعليه ورقة صغيرة
اقتربت منها فقرأت نعى الرجل
وموعد العزاء
توقفت لقراءة الفاتحة ترحما على روحه
التى فاضت إلى بارئها
قبل أن يبيع المحل
الذى ورثه عن أبيه عن جده
وقبل أن يشهد احتضار مهنته
ــــــــــــــــــــــــــ
 |
