مرشح للوزارة
ظل حسونة بك يخفى عن أصدقائه والكثير من عائلته ما لمح إليه به أحد كبار المسئولين من أنه مرشح لتولى إحدى الوزارات . وكان مما قاله محذرا ـــ إياك أن تخبر بذلك أحدا ، لأن الجهات العليا إذا علمت أنك تحدثت ، ستقوم على الفور بشطبك من القائمة ، بل قد تغضب عليك وتسحب امتيازاتك الحالية !
لهذا ظل الرجل شهورا وهو طاو على هذا السر ، الذى لم يخبر به سوى زوجته ، بعد أن شدد عليها ألا تبوح به لأحد من الأولاد ، ومع ذلك فإنه لم يستطع إمساك نفسه عن يعض التصرفات غير المعتادة . فقد قام بتفصيل أربع بدل جديدة دفعة واحدة ، واشترى دستة كرافتات مستوردة ، وأصبح لا يطيل جلسته اليومية مع أصحابه فى المقهى لأكثر من نصف ساعة ، بعد أن كانت تمتد لثلاث ساعات ، تنتهى فى منتصف الليل .
وفى مناسبات العزاء التى لم يكن يحرص على حضورها ، أصبح ملتزما جدا بالذهاب إليها ، حتى ولو كان أهل الميت من غير الأقارب أوالمقربين . وكان يختار لنفسه مقعدا فى صدر السرادق ، بحيث يراه كل من يأتى لتقديم واجب العزاء .
بعض الخبثاء من أصحابه فقط هم الذين تنبهوا لتغير أحواله ، فراحوا أولا يتهامسون ، ثم يتغامزون ، وأخيرا صارحه أحدهم قائلا :
ـــ ما الذى حدث لك ياحسونة بك ؟
ـــ ماذا تقصد ؟
ـــ أقصد أنك لم تعد كما كنت ، وكما كنا نعرفك .
ـــ لم يحدث شىء . وأرجوأن تريح نفسك ولا تتدخل فى شئون غيرك .
ـــ هل غضبت ؟ إننى أداعبك يارجل !
ـــ عموما هى مداعبة سمجة ، وأنا لا أقبلها .
ـــ أنا آسف يا سيدى .. هل من أحد ياجماعة يلاعبنى دور طاولة ؟
وبهذا تخلص الصاحب المدعب من حرج الموقف ، الذى لم تفهمه بقية الصحبة ، لكن أحدا لم يعد يحاول التبسط مع حسونة بك ، وأرجعوا سبب ذلك إلى بعض المشاكل فى العمل أو فى المنزل .
ثم أعلن التغيير الوزارى ، وجاء خاليا من اسم حسونة بك . ام ينم ليلتها ، وقرر أن يذهب فى الغد للمسئول الذى وعده ، لكن زوجته العاقلة نصحته بألا يفعل . فما حدث قد حدث ، ولا داعى فى مثل هذا الأمر للعتاب . لكنه لم يستمع لنصيحتها ، وصمم على الذهاب .
فى الصباح الباكر ، توجه إلى مكتب المسئول الكبير ، فوجده مكتظا بأصحاب الحاجات من مختلف المحافظات . وعندما جاء دوره استقبله الرجل بفتور بالغ ، حتى أنه تجنب النظر فى عينيه ، ومع ذلك سأله حسونة بك :
ـــ حضرتك رأيت التغيير ؟
ـــ طبعا .. كلنا رأيناه
ـــ لكن الذى أخذوه مكانى أقل منى كفاءة ؟!
ـــ عفوا .. أرجو ألا تقلل من شأن أحد .
ثم أضاف وهو يودعه :
ـــ وعموما فإن مجرد الترشيح يضع اسمك فى القائمة لمرات قادمة . .
أدرك حسونة بك أن الرجل قد تخلى عنه تماما . وفى طريق عودته إلى المنزل ، قرر أن يتبرع بالكرافتات الجديدة كلها ، لأنه لم يتعود ربطها حولعنقه ، كما قرر أن يعاود منذ الليلة الجلوس مع أصحابه على المقهى .. حتى منتصف الليل !
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
|