حلم
رأيت فيما يرى النائم أننى فى صالة مطار ، وحولى حشد كبير من المسافرين ، ونحن ننتظر النداء الأخير للصعود إلى الطائرة . وبينما أنظر فى الوجوه رأيت وجهها الذى يضىء أكثر من أى امرأة رايتها فى حياتى .كانت فى حوالى الأربعين . وشعرها المنسدل على كتفيها فى سواد الليل .
أما عيناها فكانتا تشعان ببريق صاف فريد . اقتربت منها بهدوء ، وسلمت عليها فردت بكل لطف . سألتها عن وجهتها فتبين أنها هى نفس وجهتي .استأذنتها فى الجلوس فسمحت بترحاب . بدأ الحديث عن السفر والطائرات ولا أدرى كيف تحول بسرعة إلى طفولتى وطفولتها ، ومدرستى ومدرستها، وبعض عاداتى وعاداتها . . التوافق عجيب ، والتجاوب الروحى أعجب . وفجأة سألتها : متزوجة ؟ ــ كنت . والآن : مطلقة . قلت بصوت أعلى : الحمد لله . رمقتنى باستغراب ، وقبل أن تختفى دهشتها تماما ، سألتها : هل تقبلين الزواج منى ؟ أجابت : لكنك لم تعرفنى بعد . قلت لها : إن مثلك لا ينبغى لأحد أن يطيل التفكير لمعرفتها . وعلى الفور ارتسمت على وجهها ابتسامة ملأت كل وجهها . قلت : سأعتبر هذه موافقة ، لكننى أحب أن أسمعها منك ؟ قالت بصوت خفيض جدا : وأنا أوافق . أحسست ساعتها أن الدنيا كلها تبتسم لى من جديد ، وأن الحياة تفتح لى إحدى صفحاتها المشرقة ، وأن زمن العذاب والوحدة والحرمان فى ليالى الشتاء الكئيبة قد انتهى . .
وعندما أعلن ميكرفون المطار ضرورة توجه المسافرين نحو الباب المؤدى للطائرة ، ساعدتها فى حمل حقيبتها ، ومشت أمامى حتى وصلنا إلى الضابط الذى يفحص التذاكر وجوازات السفر . سلمت له أوراقها فنظر فيها بسرعة ، وحياها باحترام شديد. لاحظت أنها تحمل جواز سفر دبلوماسى ، فأدركت أنه ذات وظيفة مرموقة . أما أنا فقد رمقنى الضابط بنظرة كلها حقد وغضب ، وقبل أن ينظر فى أوراقى قال لى :
ــ أنا لن أسمح بمرورك .
ــ لماذا ، والتذكرة سليمة ، والجواز صالح لمدة طويلة ؟!
ــ لكننى قررت ألا أسمح بمرورك .
ياإلهى .. هل هذا المنع لسبب يتعلق بى ، أم الحسد والغيرة من وجودى معها ؟؟
ولم تنجح كل محاولاتى فى الرجاء والاستعطاف مع الضابط الذلى أصر على رفضه ، ولم يبق فى إمكانى إلا أن ألوح لها وهى تبتعد ، تاركة وراءها قلبا يتمزق ، وصراخا لا يسمع له صدى !
و صحوت من النوم لأجد فى حلقى طعم الحلاوة المركزة من لقاء هذه السيدة الفريدة من نوعها ، وطعم المرارة الحادة من تعنت هذا الضابط معى ، لكننى ظللت لعدة أيام مستمتعا باستعادة صاحبة هذا الوجه الجميل ،والسلوك الراقى ، ومحاولا نسيان أو تناسي صاحب الوجه الكئيب الذى حرمنى منها .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
|