رحلتى إلى موناكو
كانت هى الرحلة الوحيدة التى نظمها لنا المكتب الثقافى المصرى فى باريس خلال أكثر من ست سنوات . وكنا مجموعة من المبعوثين بصحبة عائلاتهم ، وقدحملنا الباص السياحى من أول المساء حتى الصباح ، لم يتوقف طوال الطريق إلا فى ضواحى مدينة لىون لمدة نصف ساعة . وفى الصباح الباكر كنا قد وصلنا إمارة موناكو التى تقع فى الجنوب الشرقى من فرنسا . وهى بدون مبالغة من أجمل وأنظف مدن العالم كله . خالية تماما من التلوث السمعى والبصرى والدخانى .
والفلل متباعدة عن بعضها بمسافات واسعة . ونادرا ما تجد أحدا يمشى على قدميه فى الشوارع . أما الأشجار المزهرة فتقوم على الجانبين فارشة الظلومعطرة الجو برائحة ترد الروح .
وقد نبهنا سائق الباص إلى ظاهرة فريدة من نوعها وهى عدم وجود أى ورقة شجر جافة فضلا عن علبة سجائر فارغة ملقاة على طرقاتها ، وبالطبع هذا يعنى جهدا متواصلا من عمال النظافة ، الذين لم نشاهد منهم شخصا واحدا !
موناكو إمارة فرنسية تابعة لفرنسا سياسيا ، ولكنها مستقلة بنفسها إداريا وماليا ، ولها عملتها الخاصة بها ، وأميرها يتولى الحكم بالتسلسل الوراثى وليس بالانتخاب . والإمارة تقع مباشرة على البحر الأبيض وهى بدون شواطئ رملية ، وإنما هى على قمة هضبة عالية تطل على الماء ويمكنك أن تشاهد السمك من درجة صفائه وهو يسبح دون أن يزعجه أحد من البشر .
وقد أقاموا على قمة تلك الهضبة متحفا للأسماك لعله الأشهر فى العالم بسبب جودة تنظيمه وتنوع الأصناف المعروضة فيه ، بدءا من الحيتان الضخمة حتى سمكة السردين الصغيرة جدا . وأمام هذا الإبداع لا تملك إلا ان تسبح الله تعالى على كل هذا التنوع والجمال الإلهيين !
لكن موناكو لم تعتبر بذلك ، وإنم أصبحت تحتوى على أكبر وأشهر كازينو للقمار فى أوربا كلها . بل إنه الكازينو الذى يرتاده أغنى أغنياء العالم . وقد زرناه فوجدنا وجوه هؤلاء يكسوها القلق ، ويسرى فى عروقها الخوف الدائم من الخسارة ، وقلما وجدنا أحدا منهم يتكلم أو يبتسم . إنه جنون القمار ولعنته.
أما الحديقة التى توجد أمام هذا الكازينو فهى مليئة بآلاف الورود والزهور من مختلف الأنواع والألوان ويقال إن تكلفتها اليومية تبلغ ربع مليون فرنك !
عند الظهيرة توقفنا قليلا أمام إحدى مدارس الأطفال ، وكان وقت خروجهم فماذا رأينا ؟ عشرات سيارات الرولزرويس تقل أطفالها وفى استقبالهم إما الأمهات المتأنقات ، أو السائقين الذين يضعون فى أكفهم الجوانتيات .
جمال وهدوء وحياة خالية ــ فيما يبدو ــ من أى تنغيص . أما أنا فلم أسترح تماما لها .. أنا الذى تعودت على الضجيج والزحام والمناوشات البريئة التى تحدث فى العادة بين الناس البسطاء . لكن أهل موناكو قد تعودوا على حياتهم المرفهة والرتيبة ، ويبدو أنهم لا يتابعون ما يجرى فى العالم من حروب ومجاعات وكوارث لذلك عندما يصيبهم الملل من حياتهم يتجهون إلى كوبرى شهير لديهم ويلقون بأنفسهم من فوقه متخلصين من حياتهم . . كما فعلت أميرتهم جريس كيلى التى كانت ممثلة أمريكية مشهورة جدا ثم تزوجها أمير موناكو الراحل ،لكن هذه الحياة لم تعجبها ، أو لم تلائمها ، فركبت سيارتها الفارهة ، حتى بلغت كوبرى الموت ، وألقت بنفسها من فوقه !
عودة
|