دمعة على النيل
من وقت لآخر
وخاصة فى الأعياد وشم النسيم
كنت أذهب مع أبى وأمى إلى شط النيل
وهناك .. نختار مكانا معشبا لنجلس فوقه
وبعد فترة ..
تقدم أمى لنا الطعام الذى أعدته
وبعض الحلوى
كنت أستمتع كثيرا بتلك الجلسة
التى نتحدث فيها ، ونأكل ،
ونحن ننظر إلى امتداد مياه النيل
التى كانت تتلون مرة بالزرقة ،
وأخرى بالخضرة ،
وأحيانا تكون بنية بلون الطمى
لكنها فى كل الأحوال
كانت تبعث فى روحى
وانا بين أمى وأبى
سعادة لا حدود لها !
**
مرت الأعوام
وكما يقولون :
لا يبقى شىء على حاله
ماتت أمى
وبعدها بعام واحد
مات أبى
ووجدتنى أذهب الى نفس المكان
هناك على شط النيل
ولا أغادره
حتى تذرف عيناى بعض الدموع
عندها أحس ان بعض الألم قد خف
وأن لوعة الفراق .. قليلا قد تراجعت
**
ثم مرت أعوام كثيرة
أبعدتنى عن عالم الطفولة الرهيف
لكننى لم أتخلف أبدا
عن عادة جلوسى على النيل
الفارق الوحيد ..
أننى أصبحت أجلس فى أرقى الكافتيريات
ومنها أراقب البواخر السياحية
التى تنساب على صفحته الملساء
وحين يحل المساء
أستمتع برؤية الأضواء
المتلألئة على الضفة الأخرى
ولمعان أضوائها على مرآته السوداء ..
**
وعلى الرغم من قراءاتى حول منابع النيل
وحقائق التضاريس الافريقية ،
والتى تؤكد أنه يأتى من تجمع الأمطار
المتساقطة بغزارة على هضبة الحبشة
ثم يمر بالسودان
فإن كلمة أبى الحبيب
ما زالت تتردد فى أعماقى :
النيل ينبع من الجنة
وقد وهبه الله لأرض مصر الطيبة
**
وذات صباح حزين
كنت أمر على بائع الجرائد
فوجدت عناوينها الحمراء
تتحدث كلها عن سد ضخم
تقيمه الحبشة على أرضها
لتستفيد منه فى إنتاج الكهرباء
وهذا يعنى ..
أن جزءا كبيرا من مياه النيل
سوف تنقطع عن المجيء إلى مصر
وعلى الفور
اغرورقت عيناى بالدموع
وسقطت منها دمعتان ساخنتان
إحداهما على أبى وأمى ،
والثانية على النيل !
ــــــــــــــــ
|