السيناريو الذى حوله
بدأ يمارس فن التمثيل
منذ كان فى العاشرة من عمره
اكتشفه أحد المخرجين وهو فى المدرسة
وأسند إليه دوراً فى فيلم ، جعله محط أنظار المخرجين
فصاروا يطلبونه لأدوار مماثلة
كبر وأصبح نجماً .
كثرت حوله المعجبات ، فتعددت مغامراته،
وملأت أخباره الصحف والمجلات .
أما أصدقاؤه المقربون
فكانوا كلهم من الوسط الفنى.
لم تكن تدور أحاديثهم إلا عن الفيلم الماضى ،
والاستعداد للفيلم الجديد . .
ذات يوم ،
جاءه سيناريو لفيلم عن إحدى الشخصيات التاريخية:
فيلسوف دفع حياته ثمناً لآرائه
التى رفضها مجتمعه رفضا قاطعا
كيف ؟
وما هى حقيقة هذه الآراء ؟
لم يجد فى السيناريو كل ما أراد معرفته .
استعان ببعض المراجع .
ستة أو سبعة كتب ضخمة إلى جانب مؤلفات الفيلسوف .
أغلق على نفسه باب الحجرة ، وراح يقرأ
اعتذر عن مقابلة الأصدقاء فى موعدهم اليومى
واستمهل المخرج بعض الوقت
ليستوعب الشخصية على نحو أعمق . .
ولأول مرة ،
انفتح أمامه عالم كان يجهله تماماً
الفيلسوف كان رايه صحيحا ،
والمجتمع كله هو الذى كان على خطأ
والعجيب أنهم اتهموه بالخبل والجنون
ثم بالخيانة العظمى ،
وأخيراً أقدموا على إعدامه
وإحراق كتبه ،
لكنهم بعد أكثر من مائة عام
تبينوا أنهم أخطأوا ،
وأن الرجل كان يريد لهم الصلاح .
فأعادوا نشر كتبه،
وأقاموا له تمثالاً فى نفس الميدان الذى أعدم فيه. .
*** راح يستعرض شريط حياته .
ماذا فعل ؟
وماذا قدم للناس ؟
وهل ما ينطق به أمام الكاميرا
يوازى ما يفعلونه فى حياتهم ؟
إنه مجرد دمية يحركها كل من المؤلف والمخرج مثلما يشاء
ــ أين أراؤه الخاصة ؟
ــ وأين أفكاره ؟
إنه لم يعلنها قط ،
وحتى فى الأحاديث الصحفية
يكون هناك من ينقحون كلامه ،
بهدف المحافظة على اسمه الفنى ؟
هكذا مضت حياته هباء ،
وسوف يمضى الباقى منها . .
مجرد خيالات على حائط يراها الناس فى الظلام ،
ثم يخرجون بعدها لممارسة حياتهم فى النور .
استعجله المخرج كثيراً
لكنه ظل يعتذر ،
وأخيراً قدم اعتذاره النهائى عن الفيلم قائلاً:
إنه بحاجة إلى فترة ينفرد فيها بنفسه ،
لكى يراجع أموراً كثيرة فى حياته !
|