قال فى رثاء حماره :
نفق الحمار ، فمن أصاحب وأخل بى زين الركائب
وبـقيــت وحــدى فــوق قــارعــــة الطـريـق كظــل راهــــب
أمشــى فتعثـــر خطــوتـى أعيا ، فلا أجد المصاحب
وأشـــيـــر للركـــبـــان لا يتــــلـفــــتــون ، ولا مجـــــاوب !
***
كـــان الحمـــار سفينــتـى تجتاز بى أعتى المصائب
ويــقــلنــى بــــكــفـــاءة ويشــيل مختـــلف الحقائـب
وإذا شعــرت بــوحــدتى حدثــــتــه عـــمـا أغـــالــب
فيــظــل يسـمـعـنـى بــــلا ضــجـر ، ويـجتنب المقـــالــب (1)
***
كــان الحــــمار يحـــس مثــــلى بالصعــوبـة والمصـــــاعب
ولطـــــالما هــطلت مدامـــــعـــه على ذكــــــر الرواتــــــــب
ورثــى لضـعــف وســائــــلى عـــــما أروم مــن الرغــــائب
***
كـــــان الحمــــار مثقفـا من طول ما شهد العجائب (2)
وتـــشـد أذنـيــــه أحــــاديـــث الجــوائــــز والمنــــــاصـــب
وإذا رآنـــى غاضبــا ألقــى بنظــــرتــه يعــــاتــــب
وكأنـــــما يفضـــى إلى بـــــأن هــذا العصر ( ضـارب ) (3)
وبـــأن أحكـــام الزمــان على المواهب ( ضرب لازب ) (4)
وبــأن أغنية السقــــوط تـــقول للبنـــاء ( حـــــاسب ) ! (5)
وبـــأنـــهـم يتـــهافــتــــون مــواكــــبا تــتـــلو مــواكــــب !
***
بـــالأمــس لـم يـذق الشعيـــــر ، وكـــان منتفخ الجـــــوانب
وبـــدا كــــأن به اكتئابا والكـــــآبـــة لا تـــغــالـــــب
حــاولت أن أمضى بــه فــى نـــزهة بيـــن الملاعب
فأبى المسير ، ولم يكن يــأبى ، وفضــل أن يـراقب
ومع الصبــاح وجدتـه ملقى ، على إحدى المصاطب
أخــرجتــه ، ودفـنـتــه وتــركتـــه ، والدمــع غـالب
أصبحت وحدى فى الطريق ، وليس لى فى الدرب صاحب !
( 1 ) المقالب هنا جمع مقلب ، والمقصود بها أكوام القمامة العالية التى تعترض طريق الراكب والسائر على السواء .
( 2 ) ورد عند الجاحظ فى كتاب ( الحيوان ) وصف كل من الديك والكلب بأنه مثقف أو ذو ثقافة . والمقصود بذلك أنه ماهر فى أداء العمل . أما وصف الحمار بالثقافة عند النباحى فيقترب كثيرا من المعنى المعاصر لكلمة مثقف !
( 3 ) ضارب : غير منضبط العقل ، ولا منطقى التفكير .
( 4 ) ضرب لازب : صدفة .
( 5 ) حاسب : فعل أمر بالتوقف أو التنبه .
|