وقال محاورا المتنبى :
قصـــدت دارك والأفــكــــار تـــزدحــــم
وحـــول دارك مــرعـى ، كـلـه غنـــم (1)
فــقـلت : أيــن أميـــر الشـعـر قـاطـــبة
(والسيف والرمح والقرطاس والقلم) ؟
قـــــالوا : تـرحل عن قوم ، وقـد قدروا
ألا يـفـــارق ، قلت : الراحـلـون هـم (2)
قــــالوا : حزيـــن بقلب الــدار منهــزم
فــقـلت : ألـقــاه عـل الحــزن يـنـهـــزم
وقـــد أســـليه عـــما يســتجـيـش بـــه
فــرحـــب الأهــل ، واستعـفى لى الخدم
فــقـلت : مــــالك يـــا أغلى جواهرنــــا
ومـــن تنـــازع فيــه العـرب والعجــم ؟
فــاهتز من وقع قولى ، واستـوى فرحـا
وقــــال : حــقا تـغـنى شعــرى الأمم ؟!
فـــقـلت : إنــــك لــم تـــذكر بقـــافـلـــة
إلا وأصـغـــى لك الركبـــــان والبـهــــم
فـــقـال : لكـــن كافـــورا تــلاعب بـــى
وسيـــف دولتـنـا أصـغـى لـمـن نـقـموا
لـــم يعطــيانى على مـــا كنــت منتظـرا
إمــــــارة ، أسـتـــوى فـيــها وأحـتـــكم
فــقـلت : مــــالك والحكم الــذى خــلقت
لـــه الذئــــاب ، وأنـت النـــاى والنــغم
أفنيت عمرك فى مـــدح اللئــــام ، ومــا
جـنـيــت إلا ســــرابا مـلـــــؤه عــــــدم
هــدرت شعــــرك فـــى مـــدح ومفخـرة
مــا المـدح والفخر إلا الحـرص والورم
فــقـال : تعـســـا لعـصـر كــان منحـدرا
وكـــــان يبـهــــرنى الآكــــــام والقــمم
فـــإن مـدحت مـدحت الرمــــز فــى ملك
وإن هــجـوت ، فــقـصـر كــــلـه رمـــم
لـكـنــهـم – والضــنا – كـانـوا جبــابرة
الحـقـــد يمـلــــؤهم ، والغــل ، والنـهم
فـــهـل لعـتـبـك أن يــرضى بـمعــذرتـى
هـتـفـت : عـفـــوا لأنت الشـاعر العــلم
إن كــــان لـومـى عـنـيـفــا .. إنـه مـقة
(قــــد ضمن الـــدر ، إلا أنــه كـلم !) (3)
( 1 ) صاغ النباحى هذه القصيدة على غرار قصيدة المتنبى الشهيرة :
واحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمى ، وحالى عنده سقم
( 2 ) يقول المتنبى فى قصيدته :
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم ، فالراحلون هم
( 3 ) البيت الأخير مأخوذ من قول المتنبى فى نفس القصيدة :
هذا عتابك إلا أنه مقة قد ضمن الدر إلا أنه كلم
والمقة : الحب . انظر : اللسان .
|