القَصِيدةُ النُّونيَّة
[كُتِبت في عهد مبارك .. حين انتشر النِّفاق ، وأجمع المُحيطون به على تضييق الخناق على أيِّ صوت مختلف ..]
يَتظاهرون ..
يَتظاهرون بأنهم متماسكون
لكنَّهم .. يتساقطون ! !
* *
ويحاولون
أن يوهموك بأنهم يتأملون
لكنهم متوترون
مُقَلٌ موزعة العيون
وخواطر لا تستقر بها الظنون
* *
لا يهدأون مع النهار ..
وفي المساء مؤرَّقونْ
يتساءلون:
ماذا يخبئه الظلامُ ؟
وكيف يغفو النائمونْ ؟
ولمَن يشعُّ النَّجمُ - حين يشعّ -
مَنْ هذا الذي يطأُ السُّكونْ ؟
* *
وإلى المدى .. يتصنَّتونْ
وقْعَ الندى
وتَسلّلَ الحشرات ،
والعشبَ الوليد ،
لكل همسٍ .. يُنصتونْ
حتى مناجاة الطيور ،
ووشوشات الياسمينْ
هم دائمًا متيقِّظونْ
ولكل خَطوٍ قادم .. متوثبونْ !
* *
ويحدِّثونك ..
صوتُهم عال ، وفي أعماقهم لا يصدقونْ
لكنهم يتميَّزون
غضبًا .. إذا شعروا بأنك لا تصدِّقهم ،
وأنهمو عليك يموِّهونْ
مأساةُ عمرك:
أن تُصدِّق ، أو تهونْ !
وتظلُّ تدفعُهم ، وهم في قلب دارك يدفعونْ
حتى يُحطِّمك الصراعُ ،
فلستَ أقوى من غزاة ،
دائمًا يَتكاثرونْ !
* *
متداخلونْ
في كلِّ دائرة ، تراهم يَبرُزونَ
فيمنحونَ ويمنعونْ
وإذا قربت وجدتَهم يتباعدونْ !
وإن ابتعدت .. فإنهم لا يبعدونْ !
أبدًا وراءك ،
من أمامك .. يهدرون ، ويصرخونْ
وتريد أن تشكو ..
تفضفضَ ،
تستجيرَ
ومَنْ تكونْ ؟ !
هم دائمًا متوقِّعونْ
يَئِدُون في الصَّدرِ والكلامَ ،
يُجمِّدون الدمعَ في بؤَر العيونْ !
* *
متوجِّسونْ !
نصبوا متاريس الدفاعِ ،
وأحْكَموا باب الحصونْ
وتَجالسوا متساندينَ ،
يراقبونَ ، ويرصدونْ !
لا شيء فوق الأرض يَشغلهم سواكَ ..
فأنت هَمُّهم الدفينْ !
ولربَّما احتملوا الإهانةَ من جميع العالمينْ
لكنَّهم يتطلَّبونك أن تكون لهم ..
إمامَ الطائعينْ
تُعطي لهم حرَّ الولاء ،
وأنت في يدهم سجينْ !
* *
وتقول : ما ذنبي ؟ !
كأنك لست متهمًا ،
وفي قَسمات وجهك ما يُدينْ ! !
أنت الذي تأسى لمرأى البائسينَ ،
وتستجيب لكلِّ منكسر .. حزينْ
ويرق قلبك حين تسمع شهقة المتمزِّقينْ
وإذا قسا وجهُ الزمان ..
تظلُّ ترجو أن يلينْ
تَقضي حياتك آملاً ..
أن يرفع الموتى رؤوسهمو ،
وتنتظر انفجارَ الصامتينْ !
* *
هم يحسبون عليك آلامًا تكتِّمها ،
وليس لها أنينْ
ويُقِدِّرون بأن في أعماقك الخرساءِ ،
بركانًا تُغذِّيه الشجونْ
* *
وبرغم أنك بين قبضتهم ضعيف .. مستكينْ
فإذا نظرتَ لهم ..
وما أقسى مواجهة العيونِ !
رأيتهم يتظاهرونْ
يتظاهرون بأنَّهم متماسِكونْ
لكنَّهم ..
يتساقطونْ !
* * *
|