الحرية في فِناءِ السِّجن
[كُتِبت في باريس ، أكتوبر 1978.. وكان السَّادات يُعلن فتح الباب للديمقراطية ، دون أن يكونَ لها تطبيق عملي على أرض الواقع !]
انفتَح البابُ الحديد فجأةً ، وأعلن السجَّانْ
أنَّ مدير السجنَ قادمٌ لرُؤيتي
فتحتُ أجفاني على إنسانْ
يشبه بعض إخوتي ..
لكنَّه في زيه الرسميّ
من غير أن ينظر في عينيّ
أبلغني القرار:
« .. أني لحسن سيرتي
مُنحتُ في الفِنَاء .. ساعتين بالنهارْ »
* *
كانت سنين السجن في الزنزانة المنفردَهْ
قدِ انمحّى منها الصباحُ والمساءْ
لأنَّ وضعَ النافذَهْ
كان رديئًا .. يحرم السجينَ أن يرى السماءْ
صرتُ أعدُّ الوقتَ بالإفطار ، والغداء ، والعَشاءْ
مرقِّمًا بطرف ملعقهْ
على جدارٍ عفنٍ من الرُّطوبهْ
مرورَ يومْ !
* *
كانت سنين السِّجن في الزنزانة المنفردهْ
قد بدأت ضيِّقة وخانقَهْ
لأنني كنتُ أُحبُّ الناسْ !
وحينما حُرِمتُ من حديثهمْ
كلمتُ نفسي .. هامساً وزاعقًا
لكنني بعد شهورْ
صمتُّ كالقضبان من حولي ، وكالصخورْ
نسيتُ أنَّنا في أيّ يومْ
* *
أقسى عذابِ النَّفسِ .. أَنْ نجبرها فُجاءةً على المثولْ
للمرة الأولى .. أكلتُ حيثما أبولْ
أفرغتُ ما أكلتُه ..
تحسَّست يَداي جبهتي من الذهولْ ..
بكيتُ طول اليومْ ..
حلمتُ حين نمتُ أنني ملطَّخ بدمْ !
وأنَّ خفاشًا بجَبهتي تعلقتْ أظافُرهْ
وذئبةً مَسعورةً تمزِّق البَدَنْ
* *
كان نهارًا مشمسًا حين خرجتُ للفِناءْ
مرتفقًا ذارع حارسي القويّ
ما كدتُ أخطو .. خُطوة أو خُطوتينْ
حتى صرختُ فيه أن يعودَ بي ..
يعودَ بي ..
قد كنتُ لا أبصرُ شيْ !
* * *
|