الرِّسالة والسِّكين
[كتبت في يناير 1968 ، أي: بعد شهور من نكسة يونية 1967.. والتي كان مِن أقسى نتائجها: ضياع القدس ! !]
رسالةٌ مِن جيلنا الحزينْ
سار بها إليك شاعرٌ حزينْ
مرَّ على حطينْ
في صدره سكينْ
في ظهره سكينْ
وعندما ارتمى بظلِّ قبرك الشاهق في دمشقْ
تساقطتْ من دمه الحروفُ .. مُرَّة الصدى ،
مخدوشة الرنينْ
« القدسُ ضاعت يا صلاح الدينْ .. »
« القدسُ ضاعت يا صلاح الدينْ .. »
* *
القدسُ أصبحت أسيرةً لهمْ
جاريةً لهمْ
يجرجرونها مع الصباح تملأ الجرارْ
وفي المساء ينزعون عن قوامها الإزارْ ..
ويرقصونْ
في القدس يرقصون
على رخام الحرم الشريف يرقصون
* *
ونحن يا صلاحْ
تأكلنا الجراحْ ..
تجلدنا الرياحْ ..
تلفظنا الأرضُ ، وتجذب السماءُ ثوبَها من يدنا ..
فما الذي ضيَّعَنا ؟ !
بالله يا صلاح قُل لنا ..
بالله يا صلاح ..
* *
كنتُ سكتُّ حين أطبقَ النبأْ
لأن قول الشِّعر في مواقف الأسى .. مُخَادَعَهْ
لكنني أدركتُ أن الصمت ليس يُطفئ الظمأْ
وأنَّ بعضَ الحزن لا يزول عندما نقاومُهْ
بل حينما تقذفه صدورُنا ! !
* *
يا صرخة البئر التي شوَّه قاعها الصَّدَأْ
تجمَّعي ..
تجمَّعي ، وانطلقي
فقد يحرك النداءُ هَدْأة الحصى ،
ويُفزع الحِدَأْ ! !
يا عصرَنا المقامرَ الذي يلفُّ ليلُه صباحَهْ
أعطيك عمري ثمنًا لساعةٍ أعيشها في الدفء والصراحَهْ
الكلمات خادعَهْ
النظرات خادعَهْ
حتى انحناءة الرؤوس .. خادعَهْ
لا شيء غيرُ الموت يَصْدُق الجميعْ !
* *
يا سيدي ..
صليتُ قبل أن أزور مسجدَكْ
وكنت قد غسلتُ بالدموع صرختي ، وقلت:
« ربما تسمعني ! »
لكنَّ بابك الكبير صدَّني
أطلعني على ضآلتي
أسكتني ! !
« ملعونٌ مَن يتكلَّمْ
ملعونٌ مَن يصرخ بالحِكمة في الأسواقِ ،
وسيتجدي خبز اليومْ
كُن فعلًا .. لا كِلْمَهْ
كُن لله .. يَكُنْ لكْ »
* *
وعدتُ يا صلاحْ
لجيلنا الحزينْ
أحمل دفءَ الصوت والرنينْ
من قائدٍ حزين
ينتظر الصباح مِثلنا ، سحائبًا ، سحائبًا من المطرْ
تسقط في القيعانْ
تطهّر القلوبَ .. قبل أن تطهِّر الحُفر !
* * *
|