|
كتبها Administrator
|
|
الجمعة, 29 يونيو 2018 12:02 |
|
بيت على المحيط
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
حيث أنهض فى الصباح الباكر
فأستنشق بملء صدرى
تلك اللفحة الباردة
من الهواء المشبع بالرطوبة
والممتزج برائحة السمك
والذى ينبع من كهف بعيد
يقع فى عمق المياه الزرقاء
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
وعندما يعلو الموج ،
ويشتد زئير الرياح
أحتمى بغرفتى
وأنظر من زجاج النافذة
إلى الطبيعة فى حال غضبها
والتى تجعل السفن العابرة للقارات
تتوقف تماما عن الإبحار
أما النورس العائد من رحلة صيده الطويلة
فإنه يحمل فى منقاره بعض الطعام
لفراخه الجائعة التى تنتظره فى العش ..
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
حيث أجدنى متواصلا فى نفس الوقت
مع نهاية الأرض اليابسة
والمياه المترامية بدون نهاية
وفى المساء ،
أكون محاطا بقبة السماء
التى تمتلئ بالنجوم
وهى تشع وتنطفئ ..
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
وأن يخلو من التليفون
حتى لا ينزعنى رنينه المزعج
من صفاء وحدتى ،
وتسلسل أفكارى
فقط .. تكون هناك بعض الكتب
التى لم أستطع قراءتها
بسبب مشاغل العمل والحياة
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
وألا يزورنى من وقت لآخر
سوى بعض من أحب
نجلس على الشاى ، ونتحدث
محاولين إحياء ذكرياتنا القديمة
الجميلة ، والمؤلمة معا
وعموما ، فإننا بعد مرور الزمن ،
وتقدم العمر
قد تخلصنا من سطوتها علي أرواحنا
وأصبحت مجرد خيالات
تتلاقى وتنفصل
على ستائر من حرير شفاف !
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
وأن ازرع أمامه
حديقة صغيرة تكون ملأى بالورود
وفى وسطها شجرة فــل
لكى أقطف منها واحدة فى كل صباح
وأظل أشمها طوال النهار
حتى إذا ذبلت ، وجفت
أحتفظ بأوراقها بين صفحات كتاب !
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
وألا يكون فيه تلفزيون
حتى أتجنب مشاهدة أفعال الأشرار ،
ومآسى الحروب
ولا أتابع نصائح الجهلاء ،
وحوار الطرشان
وأستريح من مذيعات الربط ،
وضراوة الإعلانات !
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
لكى أتعاقد مع صياد محترف
يحضر لى ما يرزقه الله به من أسماك
خارجة فى نفس اللحظة من صفو الماء
لم تتعرض للتلوث
ولم يحقنها أحد .. بالهرمونات !
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
حيث يكون الهدوء شاملا
فلا أسمع
مشاجرات الشارع
ولا كلاكسات السيارات
ولا ميكرفون تاجر الروبابيكيا
أو زمارة بائع غزل البنات !
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
حتى لا أضطر لمناشدة جارى
الذى يلقى قمامته أمام بابى ،
ولا إلى الاعتذار لصديق
يسعى لتلمس أخبارى
حتى ينقلها للآخرين
ولا إلى الوقوف فى طابور
لكى أصرف مبلغا من مالى
الذى وضعته بنفسى فى البنك !
**
كنت أتمنى
أن يطل بيتى على المحيط
وعندما يأتى الموت
وهو لا محالة آت
أكون مستعدا لاستقباله
وأنا فى آخر مكان على يابسة الأرض
وسط الرياح
وبين الماء والسماء ..
أما أصدقائى
فليتهم يحققون أمنيتى الأخيرة
فيجعلون قبرى فى الحديقة الصغيرة
التى سبق أن زرعتها
لكن بشرط ألا يخلعوا من وسطها
شجرة الفــل !
***
 |
