تراجع الحركة العلمية عند المسلمين طباعة
كتبها Administrator   
الخميس, 16 فبراير 2017 00:38

 

تراجع الحركة العلمية عند المسلمين

 

أ. د.حامد طاهر

أستاذ الفلسفة الإسلامية

بكلية دارالعلوم- جامعة القاهرة

تمهيد :

كان الأوربيون أسبق من المسلمين فى التنبه لمشكلة التراجع الحضارى فى العالم الإسلامى، وقد تبلور الإحساس بالمشكلة على نحو واضح فى النصف الثانى من القرن السابع عشر. أما قبل ذلك فقد كان للعالم الإسلامى مكانته المعتبرة ليس فى أوربــــــــا وحدها، وإنما فى العالم كله. فمن ناحيــــة كان التراث العلمى الذى آفاد منه الأوربيون حاضرًا فى جامعاتهم، ولم ترد فى أذهانهم فكرة التراجع من هذا الجانب على الإطلاق. ومن ناحية أخرى كان االعالم الإسلامى طوال القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر متماسكًا ومتمكنًا على قوائم ثلاث دول كبرى هى : الدولة المغولية فى الهند، والصفوية فى إيران، والعثمانية فى تركيا.


وقد كانت هذه الدول الثلاث– فى ذلك الوقت- تقف بثبات على خريطة الجغرافيــــــــا السياسية فى العالم القديم . وعلى الرغم من الخلافات والصراعات المريرة بينها، كانت قوتها العسكرية واضحة ورادعــــــة للجميع، بحيث لم يجرؤ أحد من خارجها أن يعتدى عليها، أو يهوّن من شأنها.


لكن الأمور ما لبثت أن تغيرت، إن لم نقل إنهــــــــــا انقلبت تماما بسبب تضـــــــافر ثلاثة عوامل رئيسية :

الأول: وصول العلوم والتكنيك والفلسفة فى أوروبا إلى مستوى من التطور، غطى على هالة الوضع الثقافى والعلمى للعالم الإسلامى.

الثانى:عودة عدد من الرحّالة الأوربيين( المثقفين ) بعد اطلاعهم على أحوال الشرق الإسلامى بالكثير من الملاحظات التى جرى فحصها بعناية، وتبين منهـــا أن مظهـــره الخارجى مغاير تمامًا لحالة الضعف والتآكل التى كان يعانى منها بناؤه الداخلى.

الثالث: تفاقم الاضطراب السياسى، والضعف العسكرى فى تركيا، وهى التى ظلت لعدة قرون مصدر إعجاب وخوف معًا فى أوروبا كلها. وقد برزت هذه الحالة خلال النصـــف الأول من القرن السابع عشر، واستمرت خلال القرن الثامن عشر كله.

 

أما داخل العالم الإسلامى نفسه، فقد ظل الوضع العلمى والثقافى كما كان عليه الحال منذ مئات السنين، فلم يحدث تطور مطرد، ولا انقلاب كبير يغير الأوضـــاع إلى الأفضـــل. فالتعليم كان منحصــــرًا فى دائرة العلوم اللغوية والدينية دون الاهتمام بالعلوم العملية، والانغلاق على التراث وعدم الانفتاح على أحوال الأمم الاخرى استمـــــــــر تقليدًا ثابتًا وصارمًا، والفــــــرق المتناحرة فى مجالات النحو والفقه وعلم الكلام تلوك مشكلات الماضى، ونتصارع حولها . وإذا حاول أحد العلماء أو المفكرين تقديم فكرة جديدة للمجتمع ثار الهجوم عليه من كل الجهات حتى تخمد فى مهدها.

 

وبالنسبة إلى منهج البحث الذى سيطر على عقلية معظم علماء المسلمين فقد كان هو منطق أرسطو، الذى يهتم بالتناسق اللغوى والشكلى دون أى اهتمام بالواقع العملى، مما جعلهم يقفون فى أماكنهم ولا يتقدمون خطوة إلى الأمام .


نشأة العلوم فى الحضارة الإسلامية وتطورها :

كان المسلمون الأوائل أكثر ذكاءً وأبعد نظرًا من اللاحقين الذين جاءوا بعــــدهم بقرون. والسبب الذى دفعهم لذلك يتمثل فى استجابتهم لدعوة الإسلام ( القرآن الكريم ، والسنة النبوية) إلى العلم والتعلم، والنظر فى ملكوت السمـــــــاوات والأرض، والبحث عن الحكمة فى أى مكان ومن أى أحد، بالإضافة إلى ضرورة استخدام العقل، ورفض التقليد الأعمى، وتحقيق مصلحـــة المسلمين بكل الوسائل الممكنة. ويؤكد التاريخ المنصف أن فتوحاتهم لم تكن عسكرية فقط، بل كانت تحريرًا لمختلف الشعوب من قيود الجهل والتقليد والتخلف، وانفتاحًا على ثقافاتهم المختلفة، وتفاعلاً معها وليس طمسًا لها أو إقصاء لأصحابها، وقد انعكست هذه الروح على نشأة وازدهار الحركة العلميــة والثقافية، فظهر ما يسمى (علــوم الأوائل) التى شملت الرياضيات والطب والفلك والنبات ... إلخ إلى جانب مجموعات العلوم الإسلامية الخالصة كالقراءات والفقـــــــــه وأصول الفقه والتفسير ومصطلح الحديث وعلوم اللغة والبلاغة ... إلخ.

 

وقد ترك لنا "الفارابى" ( المتوفى 339هـ ) كتابًا رائعًا بعنون (إحصاء العلوم) تحدث فيه عن ثمانية مجموعات من العلوم وهى:

1) علم اللسان ( ويشمل سبعة مجالات )

2) علم المنطق ( ويشمل ثمانية موضوعات )

3) علم التعاليم ( ويشمل سبعة أجزاء )

4) العلم الطبيعى ( ويتكون من ثمانية أجزاء )

5) العلم الإلهى ( ويتضمن ثلاثة مباحث )

6) العلم المدنى ( ويتضمن جزئين )

7) علم الفقه ( ويتضمن جزئين )

8) علم الكلام ( ويتكون من قسمين )

 

ويلاحظ أن هذه القائمة لو فصلناها لوجدناها تشتمل على حوالى أربعين علما هى التى يحتاج إليهــا المجتمع – أى مجتمع – فى تحقيق تقدمه على كافة المستويات وفى كل المجالات، ويكفى أن أتوقف هنا قليلاً عند (علم التعاليم) الذى يضم ( سبعة أجزاء) هى:

1) علم العدد

) علم الهندسة2

3) علم المناظر

4) علم النجوم

5) علم الموسيقا

6) علم الاثقال

7) علم الحيل ( الميكانيكا )

 

ويمكننا أن نتساءل: هل تطورت هذه العلوم بالمستوى الذى كانت تستحقه؟ أم أن اهتمام المجتمعات الإسلامية قد تجاوزها إلى علوم أخرى لم يكن لها التأثير الإيجابى فى حياته العملية؟ ومما يؤسف له أن محاولة الفارابى هذه كانت بمثابة نجم سطع للحظة واحدة ثم انطفأ .


ومع ذلك فإننا لابد أن نذكر بكل التقدير حركة الترجمــــــة الشهيرة التى تمت فى العصر العباسى ، والتى بدأها "هارون الرشيــد"، ورسخها المأمون من بعده بإنشاء (بيت الحكمة) الذى كان عبارة عن مؤسسة ثقافية كبرى تحـــــــت إشراف الخليفة نفسه، ويتم فيها جلب المؤلفات الأجنبية وترجمتها إلى اللغة العربية، ومنها مؤلفات هندية وفارسية وإغريقية . وبالنسبة لهذه الأخيرة فقد كانت الفلسفة أحد هم ما نقلته، وخاصة (منطق أرسطو) الذى أصبح فيما بعد علمًا أثيرًا لدى المسلمين، وكان له تأثيره الواضح فى كل العلوم اللغوية والفقهية والكلامية.


وهكذا كان وراء ازدهار حركة العلوم فى إطار الحضارة الإسلامية عاملان مهمان للغاية، وهما : روح المعرفة والحرص عليها لدى المسلمين الأوائل ، وانفتاح الثقافة الإسلامية على ثقافات الأمم الأخرى والتفاعل معها دون رفض أو إقصاء.


وقد شجع هذان العاملان أبناء تلك الأمم على التقدم السريع للمساهمة فى حركة العـــــلوم ويكفى أن نطلع على مدونات المؤلفات أو معاجم المؤلفين العرب والمسلميــــــــن لنكتشف أن معظمهم كانوا من غير العــــــرب، وأنهم كانوا بصفة خاصة من الفرس . وقد صرح بذلك فى مقدمته الرائعة ابن خلدون(ت 808) حين خصص فيها فصلا ( فى أن معظم علماء المسلمين كانوا من الفرس) وبالطبع لم يكن هذا من العــــرب نكوصا عن العلم والثقافة، بل إنه إنما كان يتم بتشجيع كامل منهم، ومكافأة هؤلاء العلمـــــاء على كل ما بذلوه فى تقدم العلم العربى والإسلامى، وسوف أختم هذه الفقرة بأسماء خمسة فقط من أعلام العلماء المسلمين الذين ارتبطــــــــوا بتأسيس بعض العلوم الإسلامية، وهم : سيبويه فى النحــــو – وعبد القاهر الجرجانى فى البلاغـــــــــــــــــــــــــــــــة – وأبو حنيفة فى الفقــــــه – والبخارى فى حفظ السنة – والطبرى فى التاريخ .


فترة الازدهار وفترة التراجع :

لا شك أن القرون ( الثالث والرابع والخامس ) الهجرية هى التى شهدت ازدهار حركة العلوم العربية والإسلامية ، سواء من حيث اهتمام الدولة والمجتمع بها، أو من حيث مــدى التقدم فى بنيتها الداخلية. والواقع أننى أكاد أذهب إلى أن العلوم مثل النبات الذى يتطلب تربة خصبة للزراعة، وماء صالحًا للرى ، وهـــــــواء نقيًا، وشمسًا دافئة.. ثم عناية مستمرة حتى ينمو ويكبر، ويأتى أخيرا بأطيب الثمار. ولو أننا بحثنـــــــــا عن عوامل ازدهار الحركة العلمية فى تلك القرون الثلاثة لوجدناها تطبيقًا عمليًا على هذا التشبيه الذى ذكرته للنبات .


فالخلفاء المسلمون ووزراؤهم وكبار رجال الدولة كانوا يحترمون العلمـــاء، ويقدرون إنجازاتهم ويكافئونهم على مؤلفاتهم. والعلماء أنفسهم متوفرون على العلم يبذلون فيه أغلى أوقاتهم، ويسهرون الليالى لكى يقدموا للناس عصارة أفكارهم . وعلى الرغم من أن الجوانب السياسية والاقتصادية لــم تكن دائما على المستــــــــــوى المطلوب، فإن الجانب العلمى استمر فى التماسك من خلال ميثاق شرف غيـــــر مكتوب ، وتقاليد علمية معترف بها من سائر العلماء ، بحيث لا تكاد نعثر فى الوسط العلمى حينذاك على سارق للأفكار أو مؤلف مضلّل ، بل إن الأمور كانت واضحــــــــة، والمجالات محددة، ولا يتدخل أحد فى تخصص غيره. وحين كان يحدث الخلاف بين عالميْن فى مجال واحد تقام بينهما مناظرة علنية أمــام التلاميذ والجمهور حتى يتبين وجه الصواب مـــن الخطأ . وقد أنشأ المسلمون لهذا الغرض علما أسموه ( آداب البحث والمناظرة ) .


فى هذه القرون الثلاثة التى ذكرتها وضعت تقريبًا كل المؤلفات الأصيلة فى العلــــوم العربية والإسلامية، بحيث أن ما جاء بعدها لا يخرج عن كونه مجرد تكرار لهــا، أو شرح مبسط ، أو تلخيص مختصر، أو شعر منظوم بركاكة (الألفيات).. صحيح أننا سوف نلتقى بالموسوعـات الضخمة ، لكنها فى الواقع خالية من أى فكر إبداعى، أو اتجاهات تجديدية. كذلك فإننا سـوف نلتقى بأفراد قلائل استطاعوا أن يرتفعوا بقاماتهم على عصرهم،ومنهم (ابن رشد ت595) و( ابن تيمية ت 728 ) و( ابن خلدون ت 808 ) لكنهم – كما نعلم جميعًا – قد تعرضوا للهجوم الظالم، والسجن المظلم، والنفى والتشريد ، بل واحراق كتبهم وتجريم قراءتها.


وبالطبع لا يمكن مد خط هندسى فاصل بين مرحلتى التقدم والتراجع فى حركة العلوم الإسلامية، لكننا نتحدث عن الظواهر بصفة عامــــــــــة، وليس من غرضنا هنا أن نركز على التفصيلات الجزئية لأنها – فى نهاية الأمر– لن تغير الحكم العام على قرون الجمود والتخلف التى بدأت من القرن السادس الهجرى واستمرت حتى العصر الحديث.


ولا ينفى ذلك أبدًا أن العلوم العربية والإسلامية قد ظلت بفضل القائمين عليها والمتشبثين بأهميتها، مصدر إشعاع لأوربا خلال العصور الوسطى، وهى التى كان لها الفضل الأكبر فى عبورها إلى عصر النهضة، بواسطة الجامعات الأندلسية التى كانت تموج بحركة علميــــــة وفكرية جذبت طلاب العلم من سائر انحاء أوروبا، ومن خلالها ازدهرت حركة ترجمة واسعة من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية لمجموعة من أهم المؤلفات فى الأدب والفلسفة والعلوم. ومن أشهر ما يذكر فى هذا الصدد مؤلفات ابن رشد فى الفلسفة والمنطق، وكتب ابن سينا فى الطب .


كذلك لابد من الاعتراف بأن كمية التراث العربى والإسلامى الذى خلفه المسلمــــون باللغات ( العربية والفارسية والتركية والأوردية ...) لايكاد يدانيه تراث أى أمة من الأمم. وهذا يدل على مدى احترام المسلمين للعلم، وحرصهم على تدوينه، ثم إتاحته بعــد ذلك لكل من يرغب فى اقتنائه أو الاطلاع عليه، لكننا ينبغى ألا ننخدع كثيرًا بكميـــــة هذا التراث الضخم، ولا يصرفنا ذلك عن مضمونه، لأن بعضه كان يدور حول علوم لا طائل منها مثل علوم السحر والتنجيـــــم وأسرار الحـــروف، وبعضه أيضًا كان يكرر مشكلات قديمـــة تستعصى على الحل، ويحاول أن يقترح لهــــا حلولاً أخرى فلا يستطيع، وبعضها الآخر كان يعالج مشكلات زائفة،أى مشكلات لا تمثل عقبات حقيقية للمجتمع فى كل من الفكر والسلوك ولذلك كان ينتهى من مناقشتها إلى لا شىء، وهذا موجود فى علم الكلام.


وهناك من العلوم من أنفق أصحابه أعمارهم الطويلة فى النزاع حول مسائل فرعية أو هامشية بعد أن غاب عتهم الهدف الحقيقى من وجوده. وهذا ظاهر تمامًا فى علم النحــــــو، الذى وضع أساسًا لهدفين: أولهما الأداء الصحيح للقرآن الكريم، وثانيهما النطق والكتابة الصحيحان للغة العربية. ومع ذلك ظل النزاع مشتعلا فيه بين البصريين والكوفيين، وكثرت التأويلات والتخريجات لعبارات لا تخضع للقاعدة العامة التى وضعها النحاة بأنفسهم، حتى صار النحو من أكبر مآسى المتعلم حتى يومنا هذا..


ثم إن هناك علومًا أخرى حافظ عليها العرب كما هى منذ مئات السنين، ومن ذلك (علم المنطق) الذى ظل يدرس فى المعاهد الثانوية فى الأزهر من خلال (شرح الخبيصى) دون أى نقد له، أو إشارة إلى أن هناك منطقًا آخر هو منهج البحث التجريبى الذى حل محله منذ القرن السابع عشر.


لقد امتدت فترة تراجع حركة العلوم فى اطار الحضارة الإسلامية زمنًا طويـــــــلاً جدًا، وذلك بسبب قوة الدفع الأولى التى مكّنتها خلال القرون الثلاثـة ( الثالث والرابع والخامس) الهجرية من ترسيخ قواعدها وتقديم النوذج الأصلي الذى يبدو أنه قد أصبح من الصعب تكراره .


وإن المرء ليندهش كثيرًا من أن عددًا من أبرز علمـاء المسلمين ومفكريه، من الذين جاءوا بأفكار ورؤى جديدة، قد تعرضوا للاضطهاد من معاصريهم، فى حين أن أفكارهم قد ثبت بعد زمن طويل أنها كانت صحيحة، وأن معاصريهم هم الذين أخطاؤا فى حقهم: "مالك بن أنس" يقول: بعدم إجبار المسلم على رأيه فيضــرب، و"أبو حنيفة" يرفض القضـــــاء فيحبس، و"ابن حنبل" لا يقول بخلق القرآن فيمتهن، و"ابن رشد" يميز بين عالمى الغيب والشهادة فتحرق مؤلفاته، و"ابن خــــلدون" يضع القواعد لعلم الاجتماع البشرى فينفى من موطنه ـــ ويمكن للقائمة أن تطول ..


ومما يدهش أكثر أن علماء القرون المتأخرة قد فضّلوا التصارع فيما بينهم وتركـوا عامة الشعوب غارقة فى الأمية،دون أن يحثوا أفرادها على التعليم،حتى يتمكنوا من استقاء العلم الصحيح من مصــــــــادره الصحيحة ، وهكذا كانوا حريصين على أن ( يحتكروا العلم لأنفسهم ) ، مثل كهنة مصر القديمة، وليتهم اعتمدوا على العلم الصحيح، بل إنهم تمسكوا بقشور زائفة منه. ولعلنا ندرك هنا قيمة الصرخة التى أطلقها أحد كبار علماء المسلمين وهو:ابن حزم"الأندلسى (ت 456هـ) الذى يقول فيها : " والحظ لمن آثر العلم وعرف فضله أن يسهّله جهده ، ويقرّبه بقدر طاقته ، ويخفّفه ما مكن ، بل لو أمكن أن يهتف به على قوارع طرق المارة ، ويدعو إليه فى شوارع السابلة ، وينادى عليه فى مجامع السيارة ، بل لو تيسر له أن يهب المال لطلابه ، ويجرى الأجور لمقتنيه ، ويعظّم الأجعال (المكافآت) عليه للباحثين عنه ، ويسنّى مراتب أهله ، صابرا فى ذلك على المشقة والأذى ـــ لكــان حظا جزيلا ، وعملا جيدا ، وسعيا مشكورا ، وإحياء للعلم " [التقريب لحد المنطق ص9]


وكذلك الماوردى (ت450هـ) الذى عقد فى كتابه (أدب الدنيا والدين) فصلا من أمتع الفصـول عن (أدب العالم والمتعلم) حدّد فيه الآداب بالإضافة إلى الحقوق والواجبات التى يتقاسمهــا كل من العلماء والمتعلمين.


لقد تراكمت فوق الأمية الألفبائية أمية أخرى دينية كانت هى البيئة المناسبة تماما التى عاش فى سراديبها طائفة كبيرة من العلماء على أفكار سابقيهم، دون أن يرهقوا عقولهم لاستحداث شىء جديد،أو لبحث مشكلات الناس فى حياتهم الحاضرة. وكان كل همهم أن يختصوا بلقب علماء ، نازعين هذا اللقـــب من أى إنســـــــان يشتغل بغير علوم اللغة والدين، سواء من الأطبـــاء، أو الكيمائيين، أو الفلكيين ، أو علماء النبات، أو الرياضيات، أو الميكانيكا ...إلخ.


وبعد أن سقطت الأندلس، لم يبق للعالم الإسلام سوى المساجد الكبرى التى كانت بالفعل بمثابة جامعات وأشهرها (جامع فاس بالمغرب- والزيتونة بالمغرب- وجامع الأزهر بمصر- والحرمين الشريفين بمكة والمدينة- والجامع الأموى بدمشق- والجامع الكبير ببغداد) إلى جانب جوامع ( بخارى وطشقند وسمرقند...) . والملاحظ أن أنظمة التعليم فى هذه الجوامع أو الجامعات كانت متشابهة وهى مقتصرة على تدريس علوم اللغة والدين، دون التطرق للرياضيات وسائر العلوم العملية، كما أنها ظلت مقصورة على الذكور وحدهم دون أن تسمح للفتيات بارتياد مجالسها التعليمية .


عوامل التراجع فى حركة العلوم :


تمهيد:

أرجو أن أنبه فى هذا التمهيد إلى الغرض الأساسى الذى دفعنى للكتابة فى هذا الموضوع والذى أدرك أنه قد لا يستجيب لرغبات الكثيرين بسبب: أنه يركز على الجوانب السلبية ولا يمتدح الايجابيــــات ، إلا أننى أؤكد على أننى لم اتناول هذا الموضوع إلا بهدف حفْز أبناء أمتى إلى الأخذ بأسباب التقدم العلمى، وأنا على ثقة من أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم الوقوف أولا على أسباب التراجع وعوامله، ولعلنى قد أشرت إلى بعضها خلال عرضى السابق، لكننى هنا سوف أقوم بعرضها مفصلة قدر الإمكان، ودون إطالة أو استطراد .


أمر آخر هو أن عوامل التراجع يعود بعضها إلى بنية العلوم ذاتها، فهى ما تلبث أن تضعـــف وتذبل حتى تنزوى تمامًا كما حدث فى علم النحو، وعلم الكلام، وعلم أصول الفقه .


وبعضها الآخر يرتبط بالعلماء القائمين عليها ومدى التزامهم بالروح العلمية التى هى جزء لا يتجزأ من شخصية العالم الحقيقى، ومن أهمها: الأمانة والموضوعية وتجنب النزاع، وروح العمل فى فريق.. إلخ .


العامل الأول: تفضيل العلوم اللغوية والدينية على العلوم العملية : وقبل ذلك برزت ظاهــــرة سيئة تتمثل فى تفضيل بعض العلوم على بعض ، مع أن العلم ليس فيه عالٍ وسافل،أو أشرف وشريف..فأى علم يؤدى إلى تحقيق مصلحة للبشر هو علم نافع. وصاحبه يستحق التقدير.


ومما لاشك فيه أن فكرة تفضيل العلوم اللغوية والدينية على غيرها قد جعل شبــــاب المتعلمين يقبلون عليها، مهملـــين العلوم الأخرى التى كان من الممكن أن يستفيد المجتمع استفادة مباشرة من نتائجها. وهذا ما جعلها تنزوى فى ركن مهجور ولا يشتغل بها إلا قلة قليلة جدا من العلماء الذين أهملتهــــــــم الدولة والمجتمع، ولم يكن لهم أى مكان ولا مكانة فى بؤرة الاهتمام.


العامل الثانى: الخضوع لمنطق أرسطو وقوانينه الشكلية ومقولاته اللفظية التى كان ينصب اهتمامها على استخراج جملة صحيحة من جمل أخرى صحيحة ، والاعتقاد بأن الذى يقـوم بذلك قد وصل إلى استخراج المجهول من المعلوم، مع أنه ما زال بعيدًا عن الواقع فى حركته الدائبة والمستمرة، ولا فى تحولاته السريعة والمفاجئة. فمثلا عندما يعرف أرسطو الإنسان بأنه (حيوان ناطق) يكون قد وضعه فى مكانه الصحيح بالنسبة للموجودات الثلاثة (الجماد والنبات والحيوان) لكنه لم يبين لنا حالاته الجسدية، والنفسية والروحيـــــــــة، ولا غراتزه وتقلباته ، ولاصدقه ونفاقه ، ولا استقامته وجنوحه... إلخ. وبذلك يعتقد أنصار منطق أرسطو أنهم عرفوا الإنسان، بينما هم ما زالوا يجهلون عنه الكثير ، بل أكثر من الكثير.


العامل الثالث:منهج العقل ومنهج النقل : شاع بين علماء المسلمين إعلاء منهج النقل على منهج العقل. وكانوا يعتبرون المنهج الأول أفضل من الثانـــــــى، لأن الأول يدعم الفكرة بقول أحد السابقين وهذا لا يسع أحدًا من المعارضين أن يدحضها أو يناقشها ،أما المنهج العقلى فهو معرض لذلك، ولأن صاحبه يكون فى أغلب الأحوال ضعيف الحجة فإنه لا يصمــــــــد أمام أى نقد أو اعتراض.


وهنا أمر لابد من توضيحه فإن منهج النقل هام جدًا فى تبليغ القرآن الكريم والسنة النبوية للأجيال اللاحقة، وهناك علوم مفصلة فى ذلك ، لكن المشكلة أن علماء المسلمين نقلوه إلى علوم أخرى مثل التاريخ مثلا. فالتاريخ يتطلــــــــــب المشاهدة المباشرة للأحداث أو فحص الوثائق التى تثبتها ، لكنه يصبح عديم القيمة إذا اعتمد على أقوال مرسلة رويت عن بعض السابقين، وأحيانًا كثيرة ما تكون مجهولة المصدر تمامًا.


العامل الرابع: ومما يتعلق بالعامل الثالث: تقديس الأشخاص واضفاء هالة من التكريــــم الزائد عن الحد عليهم، وبالتالى على آرائهم، سواء كانت صحيحة أو قابلة للخطأ. وعلى الرغم من أن أبا حامد الغزالى(ت505هـ) نبهنا إلى ضرورة ألا نعرف الحــق بالرجال، وإنما أن نعرف الحق لكى نعرف أهله، فقد تجاهل الكثير من العلماء الجزء الثانى وقبلــوا الأول ، فاصبحوا يذكرون اسم العالم السابق، مصحوبًا بأفخم الألقاب الدينية حتى لا يتركوا أى مجال لرفض ما يذهب إليه، مع أن الإمام مالك بن أنس ( ت179 ه) كان يقول وهو جالس فى مسجد المدينة المنورة :" كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذا القبر" يعنى: الرسول ، صلى الله عليه وسلم .


يقول ابن حزم فى هذا الصدد : " وإذا شئت أن تتيقن فساد مراعاة ما ذكرنا فتأملْ أهل كل ملة وكل أمة ، فإنك تجدهم مطبقين على تعظيم أسلافهم وصفتهم بكل فضيلة وبكل خير ، وذم أسلاف من خالفهم . وتأملْ كل قول يقال ، فقد كان القائلون به فى أول أمره قليلا ، وأكثر ذلك يرجع إلى واحد ثم كثر أتباعه ، وفتشْ كل قول قديم قد كان ابن ساعة بعد أن لم يكن ، ثم مرت عليه الأيام والشهور والسنون والدهور" [ التقريب لحد المنطق ، ص194] .


العامل الخامس:وهو مرتبط بالعاملين السابقين. ويتمثل فى اهمال بحث مشكلات الواقــــع المعاش، والاستغراق فى الجدل المتواصل حول مشكلات قديمة كانت موضع خلاف بين السابقين. وقد أدى هذا إلى سوء توجيه بوصله العلم إلى غير هدفها الحقيقى. فبدلا من أن يكون العلم فى خدمة المجتمع. أصبح المجتمع هو الذى يقدم بعض امكانياته للعلم والعلماء،غير منتظر منهم أى فائدة ، وقد انعكس ذلك على استمرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نفس الوتيرة خلال مئات السنين، وفى معظم انحاء العالم الإسلامى، فلم تتجمّل المساكن، ولا تحسنت طرق المواصلات والاتصالات ، ولم تستحدث الأسلحة، كما لم تتطور وسائل الرى والزراعة، ولم تزدهر الصناعة.. وهذا كله كان من مسئولية العلم والعلماء .


العامل السادس: الخلط بين محلية الثقافة وعالمية العلم : إذا كانت الثقافة محلية تختص بكل شعب على حدة ، فإن العلم عالمى ينبغى أن يأخذ ويعطى من كل انحاء العالم . وهو لا ينمـــــو ويزدهر إلا بذلك. والواقع أنه فى أثناء الازدهار الحضارى خلال القرون( الثالث والرابـــــع والخامس) كان هذا مطبقا على نحو رائع: فالمسلمون استفادوا من علماء الهند والصين واليونان ومصر، بل إنهم رحلوا إلى تلك البلاد لإحضار المؤلفات العلمية منها، وقاموا بترجمتها كمـــا سبق القول، وهذا ما يحدث حاليًا فى أكبر بلاد العالـم، وهى الولايات المتحدة الأمريكيــــــة التى تستقدم العقول العلمية من مختلف البلاد، وتتيــــح لها البيئة الملائمة للإنتاج والابداع، الذى يعود عليها بأقوى النتائج . أما المسلمـــــــــون فى عصور الجمود والتقليد فقد انكفاؤا على أنفسهم، واعتبروا أن الآخرين ليس لديهــــــــم ما يقدمونه لهم، وخاصة فى المجال العلمى ، وشاع بينهم أن هؤلاء ما داموا غير مسلمين فلا ينبغى أن يؤخذ منهم شىء [أنظر هنا : رسالة فى الطريق الى ثقافتنا ، للأستاذ محمود شاكر] ، وقد كان هذا أحــد عوامل انكماش الحركة العلميــــــة، وضمورها إلى حدغياب بعض العلوم التى كانت مزدهرة من قبل.وقد اطلعنا رفاعة الطهطاوى فى كتابه (تخليص الإبريز فى تلخيص باريس)على15 علما وفنا لم تكن موجودة لدى المصريين حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر. مع إنها كانت من أبرز علوم الحضارة الإسلامية فى فترة ازدهارها. وفيما يلى قائمة بها :


1)علم تدبير الأمور الملكية (وتشمل الحقوق الطبيعية والبشرية والوضعية ، وعلم أحوال البلدان ومصالحها ، وعلم الاقتصاد فى المصارف ، وعلم تدبير المعاملات والمحاسبات)

2) علم تدبير العسكرية 3) علم السفارات بين الدول 4) فن المياه (ويشمل صناعة القناطر والسدود والأرصفة والفساقى) 5) الميكانيكا(آلات الهندسة وجر الأثقال)

6) علم القبطانية والأمور البحرية 7) الهنسة الحربية) فن الرمى بالمدافع 9 فن سبك المعادن لصناعة المدافع والأسلحة 10) علم الكيمياء،وصناعة الورق وتحليل وتركيب المواد لصناعة البارود والسكر11) فن الطب وفروعه ( التشريح والجراحة وتدبير الصحة ومعرفة مزاج المريض وفن البيطرة) 12) علم الفلاح)علم تاريخ الطبيعيات ( الحيوانات والنباتات والمعادن) 14) صناعة النقاشة (فن حفالأحجار ونقشها) 15) فن الترجمة(وخاصة الكتب العلمية) [الباب الثانى من مقدمة الكتاب]


ويعلق الطهطاوى على ذلك متحسرا : " فإذا نظرت بعين الحقيقة رايت سائر هذه العلوم، المعروفة معرفة تامة لهؤلاء الإفرنج ، ناقصة أو مجهولة بالكلية عندنا. ومن جهل شيئا فهو دون من أتقن ذلك الشىء . وكلما تكبّر الإنسان عن تعلمه مات بحسرته " [ج2 ص11 من الأعمال الكاملة ] .


العامل السابع: الخلاف فى الرأى يفسد المودة ويؤجج الخصومة والنزاع . وذلك على عكس ما شاع فى الثقافة العربيــة والإسلامية من أن( اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية) .. كلا ، فإن أى اختلاف فى الرأى بين العلماء كان يتسبب فى الخصومات الحادة . والعداوات الشرسة وإطلاق السبــــاب وألفاظ التجهيل والتفسيق والتكفير. وإذا كنت كباحث اعترف بأن فترة الشباب قد تتصف ببعــض الحدة فى مناقشة خصوم الرأى أو فى الحديث القاسى عنهم فإن فترة الكهولة ثم الشيخوخة ينبغى أن تكون أكثر هدوءا وموضوعية، لقد كان ابن حزم الأندلسى مجادلا من الطراز الأول، وقلما انهزم فى مناظرة، لكنه يخبرنا أنه ناظر ذات يوم أحد العلماء بالمسجد أمام التلاميذ فهزمه بحجة لم تكن صحيحة، وعندما عاد إلى المنزل وتفكر فيها، قرر أن يعود بعد صلاة العصر، ويجمع التلاميذ، ويقول لهذا العالم: إن رأيك كان هو الأصوب وأننى أنا الذى أخطأت[التقريب ص194] وهذه حالة فريدة قلما نجد نماذج كثيرة منها لدى العلماء السابقين، وحتى المحدثيـــــن فى عصرنا الحاضر.


العامل الثامن: عدم احترام أصحاب الآراء المخالفة ، وهذا جعل العداوات تتأصل، ليس بين العلماء وحدهم ولكن أيضا بين الفرق الدينية التى ظهرت فى إطار الحضارة الإسلامية، وكــانت من أهم عوامل ضعفها وتأخرها . يحكى لنا المقدسى فى كتابه (أحسن التقاسيم) إنه عندما زار بخارى رأى فىها الأحناف والشافعية يقتتلون فى الشوارع بالسيوف ! وأنه عندما دخل المسجد الجامع وجد مجموعة الأحناف تصلى خلف إمام، ومجموعة الشافعية خلف إمام آخر. فأى صلاة جماعة هذه ؟!


وقد تابعت بنفسى أحد كبار الأساتذة فى مصر يمنع تلاميذه فى الماجستير والدكتوراه من الاستعانة بأى كتاب لأستاذ آخر كان يعتبره خصمًا له، والطالب الذى كان يقدم منهم على فعل ذلك كان ينقص من تقديره فى الرسالة. وهذا يعنى أن تلك الحالة النفسية- وليست العلمية- كانت وما زالت مسيطرة على نفوس العلماء المسلمين منذ قرون طويلة، وحتى اليوم !


العامل التاسع: عدم مكافحة الأمية بأذرعتها الثلاثة: الألفبائية والدينية والثقافية :

لا نكاد نجد بين علماء المسلمين، من المشاهر وغيرهم ، من تصدى أو حتى أشار لأمية المجتمع الالفبائية أو الدينية أو الثقافية، مع أن هذه المكافحة ترتبط مباشرة بتعاليم القرآن الكريم والرسول" صلى الله عليه وسلم" . القرآن يقول فى أول آياته نزولا ( اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذى علم بالقلم ) والرسول "صلى الله عليه وسلم" يجعل فداء بعض مشركى قريش تعليم عدد من أبنــاء المسلمين القراءة والكتابة بدلا من دفع مقدار من المال ... فأين هذا وذاك من استمرار الأمية ضاربة فى كل المجتمعات الإسلامية منذ نشأتها وحتى الآن ؟. إن هذا الموضوع هــــام جدا لأنه هو الذى يمهد الأرضية الصالحة لتلقى العلوم، وتطور البحث العلمــــــــى. وعلى الرغم من أن مسئولية هذا العمل إنما تقع فى الأساس على علماء اللغة ، إلا إنهم انشغلوا بالخلافيات، والشذوذ، والضرورة، والتخريج، وإعراب ما لا يستحق الإعراب! وفى المقابل من ذلك ، وجد العلماء المزيفون أن المجتمع الأمى الجاهل أفضل لهم من المجتمع المتعلم والمثقف، لأنه سوف يقبل كل ما يلقونه إليه من أراء معقولة، وغير معقولة !


العامل العاشر: عدم تعليم المرأة المسلمة، سبق أن كتبت فى هذا الموضوع بحثًا مستقلاً [ دراسات عربية وإسلامية جـ 41] وقد فوجئت بأن المرأة المسلمة لم تتلق التعليم على نحو نظامى واسع إلا مع بدايـــــة القرن العشرين فى إحدى المدارس المصرية، وقد ظل خصوم تعليمها يرفعون أصواتهم بالرفض والممانعة حتى تم تعيينها وزيرة ، وكان ذلك فى بداية الخمسينات من القرن الماضى ، فسكنوا جميعًا أو كادوا..


والواقع أن منع المرأة المسلمة من التعليم يمكن أن يرجع إلى عادات وتقاليد الشعوب المختلفة التى اعتنقت الإسلام ، لكن مبادئ الدين الإسلامى الحنيف لا تمنع المرأة علــــى الإطلاق من تلقى تعليمها أسوة بالرجل ، فهى أمه التى تربيه ، وزوجته التى تشاركه، وابنته التى تتربى على يديه، وليس من المعقول ولا المقبول أن تظل المرأة جاهلة بجوار الرجل المتعلم . وقد أصبحت القضية الآن أوضح من أن نتجادل حولها .


العامل الحادى عشر: عدم تشجيع الدولة لتجارب علماء العلوم العملية : قليل جدا هم العلماء الذين اهتموا بالعلوم العملية أو الرياضيات. وإذا كانت هذه العلوم هى أساس التقدم فى أى مجتمع. ولا يشذ عن ذلك العالم الإسلامى ، فقد كان من الواجب أن يعطى لها من الاهتمام مثلما يعطى للعلوم اللغوية والدينية ، بل إنها فى مرحلة التراجع الحضـــارى( المادى) ينبغى أن تأخذ الاهتمام الأكبر، والرعاية القصوى


ومما يلاحظ فى حضارتنا الإسلامية أن معظم العلماء الذين اشتغلوا بهذه العــلوم العملية كانوا ينفقون على أبحاثهم وتجاربهم من مالهم الخاص، وهو غير كافٍ بالطبـــــع، فالأمر يتطلب أدوات وأجهزة ومعامل ومساعدين ، وهنا نلحظ غياب سلطة الدولة عن هؤلاء العلماء وعن مد يد العون إليهم، وتركهم ينجحون أو يفشلون متحملين نتائج أعمالهــم، أو بالأحرى هواياتهم . والذى أريد أن أركز عليه فى هذا الصدد أن الخطأ فى المنهج التجريبى لا يعد مأساة ، بل إنه يعلمنا كيف نتجنبه فى المرة القادمة حتى نصل إلى الصواب.


ومن طريف ما يذكر فى التاريخ المصرى أن أحد علماء الكيمياء اخترع قنبلة بدائيةالصنع، كوّنها من بارود الألعاب النارية التى أخذها المسلمون من الصين، وفى احتفال حاشد جىء بهذا العالم لكى يجـرب أمام السلطان القنابل الأربعة التى صنعها ، وعندما حاول تفجيرها لم تنفجر فغضب السلطان وغضبت حاشيته أكثر منه، واستبعد العالم وسط شماتة الجمهور، وهو شبه مدحور.


وفى مشهد مقابل لذلك، وأثناء تواجدى للدراسة فى باريس فى سبعينيات القرن الماضى، شاهدت الرئيس الفرنسى جيسكار ديستان يقوم بضغط الزر لينطلـــــــــق صاروخ(إريان) ، وهو أول صاروخ أروبى من صنع فرنسا وبريطانيا وألمانيا. ويومها لم ينفجر الصاروخ . لكن الرجل لم يغضب ولا حاشيته، ثم أعيدت التجارب التى نجحت بعد ذلك . ولا شك أن التقابل بين هذيْن المشهدين يكشفان عن مدى الوعى بحقيقة البحث العلمى وضرورة المثابرة فيه .


أهم المصادر والمراجع :

· أحمد أمين ، ضحى الإسلام ، وظهر الإسلام

دار النهضة المصرية القاهرة 1987

· ابن تيمية ، نقض المنطق

نشر حامد الفقى القاهرة (د.ت.)

· حامد طاهر(أ.د.)

ــــ تعليم المرأة المسلمة ، دراسات عربية وإسلامية جـ 41

ــــ الخطاب الأخلاقى فى الحضارة الإسلامية

مكتبة نهضة مصر . القاهرة

ــــ الفلسفة الإسلامية : الجانب الفكرى من الحضارة الإسلامية

فى جزئين ، هيئة قصور الثقافة المصرية 2012

ــــ منهج البحث بين التنظير والتطبيق

مكتبة نهضة مصر القاهرة 2006

· مشكلة التخلف الحضارى عند المسلمين

سلسلة دراسات عربية وإسلامية جـ اا

· ابن حزم الأندلسى ، التقريب لحد المنطق تحقيق د. إحسان عباس بيروت 1959

· ابن خلدون ، المقدمة ، ط. الشعب القاهرة (د.ت.)

· الدوميلى ، العلم عند العرب وأثره فى تطور العلم العالمى

دار القلم . القاهرة 1962

· ديكارت ، مقال فى المنهج . ترجمة محمود الخضيرى 1933

· الطهطاوى (رفاعة) ، تخليص الإبريز فى تلخيص باريز

مجموعة الأعمال الكاملة جـ2 هيئة الكتاب الصرية

· الفارابى ، إحصاء العلوم . تحقيق د. عثمان أمين

مكتبة الأنجلو القاهرة 1968

· قيس هادى أحمد(د.)

نظرية العلم عند فرنسيس بيكون . بغداد 1980

· ليكليرك (رينيه) المنهج التجريبى : تاريخه ومستقبله

ترجمة د.حامد طاهر. الكتاب رقم 17

مركزجامعة القاهرة للغات والترجمة 2012

· الماوردى ، أدب الدنيا والدين ط.تاسعة القاهرة 1917

· محمد عمر ، سر تأخر المصريين

دراسة تحليلية للدكتور حامد طاهر

سلسلة دراسات عربية وإسلامية جـ 39

· محمود شاكر(الأستاذ)

رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا . كتاب الهلال القاهرة 1977

· مدكور(د. إبراهيم)

ترجمة . ترجمة د. حامد طاهر. دراسات عربية وإسلامية جـ 37

· Bacon F

· Nouvum Organon .trad. francaise par Riaux.Paris 1843

· Gilson

La phlosophie au Msoyen age . Paris 1946

آخر تحديث الجمعة, 20 ديسمبر 2019 13:28