رحلتى إلى ماليزيا طباعة
كتبها Administrator   
الثلاثاء, 09 يونيو 2015 21:47

رحلتى إلى ماليزيا

 


كنت بالفعل تواقا إلى زيارتها ، وذلك لعدة أسباب ، أهمها أن أشاهد بنفسى كيف استطاعت إحدى الدول الإسلامية فى الشرق الآسيوى أن تخرج من نفق الجمود والتخلف لتنطلق إلى فضاء التقدم والازدهار . وبفضل الله زرت ماليزيا مرتين ، أتاحتا لى فرصة التعرف المباشر على ( بعض ) عوامل تقدمها ، كما اطلغت على أبرز مظاهر النهضة المنتشرة بها .


تستغرق الرحلة من القاهرة الى كوالا لامبور تسع ساعات كاملة . أما الطائرة فرفيعة وصغيرة وقد أشعرتنى بالخوف عندما شاهدتها على أرض المطار: إذ كيف لهذه الطائرة الصغيرة أن تصمد فى الجو طيلة هذا الوقت ؟ وكيف لها أن تتحمل الأنواء والعواصف التى أعلم أنها لا تتوقف فوق جبال الألب ؟ لكننى وجدت الركاب الماليزيين يسرع كل منهم إلى مقعده ويبسطه فى وضع ممتد ثم يسحب بطانية من الصوف الكشمير ويستغرق فى النوم .. حتى قبل إقلاع الطائرة !


الماليزيون شعب طيب جدا ، بل إنه أكثر من طيب . وهو مستمع جيد يتركك تتحدث إليه حتى ولو كان يعرف كل ما تقوله . وهم يحبون المصريين كثيرا لأنهم مسلمون ، ولأن لديهم الأزهر الشريف الذى له فى نفوسهم مكانة رفيعة . وقد تعلم الكثير منهم فيه ، ويذكرون جيدا الأحياء الشعبية والدينية المحيطة به ، حتى أن بعضهم مازال يتذكر كباب الدهان اللذيذ ، والذى لم يجد له مثيلا فى أى مكان آخر .


شعب ماليزيا المعاصرة يتكون من عرقين متعايشين مع بعضهما : المالويين وهم مسلمون ويبلغون 65% ، أما الصينىون فيبلغون 35% ، وقد لاحظت أن هؤلاء أكثر نشاطا فى كل من الصناعة والتجارة .


وحين سألت أحد زملائى القدامى ، وكان قد درس معى فى كلية دار العلوم ثم أصبح وزيرا للتعليم العالى وهو الآن رئيس مجلس أمناء إحدى الجامعات الكبرى هناك ــ عن سر نهضة ماليزيا ؟ صارحنى الرجل بكل هدوء وتواضع بالتالى : أنت تعلم أننا قريبون جدا من اليابان ، ونحن نعرفها جيدا ،وحين نرصد وجود شركة أو مصنع أو مؤسسة تكنولوجية متعثرة فإننا نقوم على الفور بشرائها ونقلها إلى بلادنا ، وبذلك نتيح الفرصة للعمال الماليزيين أن يستوعبوا التكنولوجيا المتطورة ويضيفوا إليها بعد ذلك من إبداعاتهم . .


لكننا بالطبع لا بد أن نذكر بالعرفان الشديد ما قام به مهاتير محمد من الجهود الصادقة فى تلك النقلة النوعية الهائلة التى دفعت البلاد إلى ما أصبحت عليه الآن ، أما بعده فلسنا ندرى تماما كيف ستسير الأمور ؟ وكان يشير بذلك إلى تصارع الأحزاب السياسية وتكالبها على السلطة .


النخيل فى ماليزيا ليس مثل نخيلنا الذى يزودنا بالتمر . إنه أقصر قامة ، كما أن بلحه مر الطعم ، وهم يستخرجون منه زيت النخيل ،الأغلى فى كل أنحاء العالم ولديهم منه غابات طبيعية ومزارع استنبتوها بأنفسهم . وهى غاية فى التنظيم ، والدقة .


وإذا كان لكل بلد فى العالم جار يضايقه ، فهى سنغافورة التى انفصلت عن ماليزيا ، على أساس أن غالبية سكانها من العرق الصينى . وقد تقدمت سنغافورة بسرعة وصار لها مطار دولى من أكبر وأحدث مطارات العالم ، لكنها ما زالت تحتاج لماليزيا فى ماء الشرب ، والرمل الذى تبنى به ناطحات السحاب فيها . وحين تعرضت لهذا الموضوع الحساس مع بعضهم رفضوا الخوض فيه وقال أحدهم : هذه مسألة لا يحلها إلا الزمن ، وهى حكمة رائعة .

 


عودة

 

آخر تحديث الثلاثاء, 09 يونيو 2015 21:53