آستا . . مُعلمتي الجميلة |
كتبها Administrator |
الثلاثاء, 25 نوفمبر 2014 16:31 |
آستا . . مُعلمتي الجميلة بقلم: ج . سكولسكي ترجمها من الروسية أ. د. حامد طاهر منذ زمن بعيد ، وأنا أعيش في تاللين . وقد حاولت أن أدرس الأستونية ، لغة البلد ، التي لم أحفظ منها إلا بعض العبارات القليلة جدًّا . مثل: "من العيب عدم معرفة لغة الشعب الذي تعيش وسطه" أو "أنا لم أحضر الدرس" ومن وقت لآخر ، تنطق مدرستي آستا كازبيك الجملة الأولى ، أما الثانية فكثيرًا ما كنت أرددها . أنا أكبر من مُدرِّستي بحوالي عشرين سنة . وهي تبلغ من العمر حوالي خمس وعشرين سنة. تأتي آستا في الصباح مبتسمة . بدون ابتسامة ، لم تكن تظهر أبدًا. ثم نبدأ في إعراب اسم ما من حالات الإعراب الأستونية الأربع عشرة ، ونقوم بعد ذلك بإجراء المحادثة ، التي تسمى: حرة. مثلاً تسألني آستا: - ماذا حلمت في الليلة الماضية ؟ وأجيب ببطء ، مخرجًا كلمة وراء كلمة بصعوبة شديدة: - لم أحلم بشيء . لقد نمت نومًا هادئًا . . وأنت بماذا حلمتِ ؟ وتجيب مفكرة: - حلمت بأنني اجلس فوق تاللين ، على شاطئ بحيرة يوليمست . وفجأة يخرج من البحيرة ملاك ، ذو لحية، عجوز . . عجوز . . ثم يتكلم بإرهاق: "انظري يا امرأة ، وقولي: هل المدينة ستكون مستعدة قريبًا ؟" أخمن في شكل حلمها الذي رأته ، وأرى أنها تحدثني عن أسطورة شعبية تقول إن تاللين ستختفي من الوجود إذا ما سقط الحجر الأخير من المنزل الأخير فيها . عندئذ سيقذف الملاك الماء من البحيرة , ويغرق المدينة كلها. إنني أعرف الأسطورة جيدًا , لكنني أخفي ذلك . وفقط . أسأل : - بماذا أجبت ملاك البحيرة يا آستا ؟ - أنا . . لم أجب بأي شيء . . اتسعت عينا آستا , وأصبحتا أكثر استدارة , وذعرًا . وكان للمعلمة ’ستا مخيّلة حية . - إنما أسرعت إلى المدينة , ورحت أصيح في الشوارع: شيدوا . . شيدوا . . لا تتوقفوا دقيقة واحدة ! ثم تأخذ آستا نفسًا , وتبتسم . وأنا احب الابتسامات على الشفاة , غير الملموسة بحمرة الماكياج , ولا اخفي هذا عن معلمتي . وتقول آستا الجميلة: - طبعًا كل هذا اختراع . لكنني في مقابل ذلك كنت بالأمس مشتركة مع مجموعة عمال بناء , وقد ملّطت معهم بعض الجدران . وأسعد لان كلمات مثل " اختراع " و "ملطت" ينبغي أن تترجمها لي . وأسأل: - وهل هؤلاء العمال أصدقاؤك ؟ لو استطعت لم أسال . فإن آستا تقوم أيضًا بالتدريس في مدرسة ليلية لعمال شبان , وفيها الكثير من البنّائين الذين تصادقهم . - طبعًا . - وهل يعملون بصورة جيدة ؟ من الواضح ان السؤال يقصد إلى تحويل آستا للحديث عن البناء , وترك موضوع الدرس . ولكي تنقل لنا المفهوم على نحو اكثر كمالًا , تجري الحديث باللغة الروسية . وكم يسعدني هذا . فإنني أستغرق في تأمل ابتسامتها الحلوة , ونطقها الظريف لتلك اللغة , بالاضافة إلى قلب بعض الحروف المقاربة . .وعمومًا , فإن لدي علاوة على سني الكبير , دراسة أعمق في علم النفس ! وتضطرب آستا عندما تقترب الحصة من نهايتها: - مرة أخرى , أنا اليوم التي تكلمت وتكلمت . . لكن لا بأس , في المرة القادمة ستتحدثون أنتم فقط وباللغة الاستونية . - حسنًا . . أنا موافق . لكن الحصة التالية ستكون في يوم الثلاثاء . وفي مساء السبت , وطوال الأحد , تسافر آستا للعمل في مزرعة جماعية , حيث تعد بعض المواد لصناعة الألبان ، كما تجري " بروفة " أخرى في النادي مع مجموعة من الممثلين الهواة . الخلاصة: سيكون عند آستا من الأشياء ما تتحدث عنه . وأنا أجتهد في أن أجعلها لا تخفي شيئًا أبدًا . لكن نادرًا ما تتحقق الآراء التربوية لدى آستا أكثر من الرغبة الطبيعية . في الحصة التالية , بدأت آستا: - سنذهب اليوم في رحلة متخيلة إلى المدينة . حديقة كادربورج . أنت رحّالة . تحدث . - الحديقة كبيرة . في الربيع , الاشجار خضراء . وغير بعيد منها يوجد بحر بالتيسكو . إنه كالسلسلة . وتقاطعني آستا: - هذا ردئ . فإن تلك العبارات قد عرفتها منذ عام ونصف . فكر في شيء جديد . إذا شئت عن العشاق , الذين يجلسون هناك على المقاعد الرخامية . وأؤكد بصورة قطعية: - إنهم يتحدثون عن الحب . . ثم أضيف , مفكرًا: - لكن المقاعد قديمة ! ويبدو جيدًا أن الاحتياطي الضئيل جدًا من الكلمات الأستونية يمنع خيالى من التحليق ! وتتنهد آستا: - لا يهم . سنخرج من الحديقة . . لكن إذا شئت : في محل أثاث . أنت مشترٍ , وأنا بائعة . وبسرعة أصيح: - أحتاج إلى رف كتب . - لا توجد رفوف كتب . لكن توجد مقاعد وثيرة , ومناضد ,وأباجورات - أنت مثلًا: من المحتمل أن تكون لديك شقة جديدة . وينبغي أن تكون مريحة . مثّل بنفسك: تجلس في مكان هادئ , ومن السقف يسقط ضوء خافت . . وأسأل متعمدًا اللهو: - وأنت . . متى تحصلين على شقة يا آستا ؟ وتعبس آستا . من الواضح أن السؤال عديم اللياقة . فهي تستأجر حجرة في داخل شقة بمكان ما خارج المدينة . ومع أنها تأمل في أن تتبدل الحال , إلا أنها ما زالت سيئة . وأحاول الاعتذار فاقول: - لا تغضبي يا آستا . فأنا ببساطة لا أهتم بالأثاث الغالي . ما يهمني فقط هي أرفف الكتب . - حسنًا . . حسنًا . لنذهب الآن إلى محل ثياب رجالي . أنت البائع وأنا المشترية . . أرني هذه البدلة الجميلة . - إنها غالية جدًا . تساوي أكثر من 200 روبل . - لا بأس . عندما تريد أن تدخل علي السرور , فلا تفكر في النقود . - لكن أي سرور تحصلين عليه من شراء بدلة رجالي ؟ - البدلة تناسب زوجي وفجأة أسألها بالروسية: - هل أنت متزوجة يا آستا ؟ فتجيب بلهجة واعظ: - أية جرأة . . إنما نحن نتمرن باللغة الأستونية ! وما تلبث آستا أن تخرج . وأظل أنا خلف نافذة الفصل , أشاهد شعرها الناعم وهو يتطاير في الريح . وأقول لنفسي: - ربما لو كنت أصغر عشرين سنة . . كانت دروسنا تسير على نحو أكثر نجاحًا !
|
آخر تحديث الثلاثاء, 25 نوفمبر 2014 16:34 |