الحكمة فى شعر المتنبى |
كتبها Administrator | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الثلاثاء, 01 يوليو 2014 11:27 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الحكمة فى شعر المتنبى (مع تصنيف حصرى لمجموع الحكم فى ديوانه) أ . د . حامد طاهر
تمهيد لازم : الحكمة هى حقيقة إنسانية تعبر عن وجهة نظر صاحبها ، الذى يكون عادة من كبار الفلاسفة والأخلاقيين ، وله تجارب عميقة ومشاهدات دقيقة لكل ما يجرى حوله من تصرفات الناس وطبائع الأشياء . وتصل إلينا الحكمة دائما فى شكل جملة شديدة التركيز ، لكنها أيضا شديدة الوضوح ، بحيث لا تحتاج إلى شرح أو تفسير ، بل إنها هى التى تساعدنا على فهم القضية التى تدعمها . والحكمة تشبه المثل الشعبى ، لكنها تفترق عنه من جانبين : الأول أن صاحبها معروف ، بينما صاحب المثل مجهول ، ولذلك فإن المثل يعتبر تراثا مشاعا يتقاسمه الجميع . والجانب الثانى : أن المثل الشعبى يكون دائما صحيحا ، والسبب فى ذلك أنه لا يشيع وينتشر إلا بعد أن يكتسب موافقة الناس ويحظى بقبولهم فى مختلف الأماكن والعصور . أما الحكمة فإنها قد تكون صائبة فى معظم الأحيان ، ومعرضة للخطأ فى أحيان أخرى . ومن المتعارف عليه فى الأوساط الادبية ، قديما وحديثا ، أن المتنبى كان من أكثر الشعراء العرب احتفاء بالحكمة ، وإيرادا لها فى قصائده . لكن أحدا لم يقم حتى اليوم ببحث استقصائى يجمع فيه (كل) عناصر الحكمة لديه ، مع أن هذا العمل يمكنه أن يتيح لنا أولا : إلقاء نظرة شاملة عليها كلها ، بدلا من اجتزاء بعضها ، والاقتصار عليه . وثانيا : متابعة تطور الحكمة لديه من حيث القلة والكثرة ، وكذلك من حيث البساطة والعمق . وثالثا : استخلاص فلسفة خاصة بهذا الشاعر العربى الكبير ، والذى عاصر أثناء حياته الخاطفة تجارب متنوعة مع كل طبقات المجتمع فى عصره . وأخيرا فإن استعراض مجموع الحكم لديه تفتح الباب أمام الدراسات المقارنة للوقوف على منابعها ، ومن اى المصادر استمدها . لكننى أود أن أتوقف هنا عند نقطة هامة ، وهى أن دارسى الأدب العربى ، وخاصة الذين درسوا المتنبى ، قد اعتبروا (الحكمة) عنده : غرضا شعريا قائما بذاته . وهذا خطأ شائع ينبغى تصحيحه . لأن أغراض الشعر العربى الرئيسية هى : (المدح والرثاء والهجاء والشكوى من الزمان) ثم تأتى بعد ذلك وسائل فنية ، يستعان بها فى إقامة بنية هذه الأغراض ، وهى (الغزل) فى مقدمات القصائد ، ثم (الوصف) و (الحكمة).. والدليل على ذلك أننا لا نكاد نعثر إلا على قصائد قليلة فى كل من الغزل والوصف ، أما الحكمة فلا توجد فى قصيدة مستقلة ، تختص بها وحدها . والملاحظ أن الحكمة عند المتنبى منبثة فى معظم قصائده ، وليس فيها كلها . وهى تأتى غالبا لتـأكيد معنى ، أو لتدعيم قضية ، أو لتبرير مبالغة . والقارئ لديوان المتنبى ، الذى أشرف هو بنفسه على ترتيبه ، يلاحظ أنه يكاد يخلو من الحكمة فى أشعار الصبا والشباب ، وهى مرتبطة بالمرحلة الأولى من حياته ، حيث كان يسعى إلى التكسب بالشعر ، من خلال مدح الأشخاص الذين التقى بهم . ومن الواضح أن القليل من الحكمة التى وجدت فى هذه المرحلة تتسم بالبساطة أو حتى السذاجة ، ويمكن إرجاعها إلى بيئة الحياة البدوية التى عاشها فى صباه ، لكنه عندما يلتحق ببلاط سيف الدولة فى حلب ، وتتاح له فرصة أكبر فى الاطلاع على تراث الأمم الأخرى : الفارسية والهندية واليونانية ، نجد نوعا آخر من الحكمة ، أكثر عمقا ، وأنفذ نظرا إلى الحياة ، وسوف تظل هذه الحكمة تتعمق وتتنوع بتنوع التجارب الإنسانية التى مرت بالمتنبى ، خلال سنوات عمره القصير نسبيا ، والذى لم تتجاوز ال (51) عاما . وعلى الباحثين الذين يرغبون فى الوقوف على أسرار الصياغة الشعرية المتميزة لدى المتنبى أن يرجعوا إلى دواوين ثلاثة من كبار الشعراء الذين سبقوه ، وهم أبو تمام (ت 231 هجرية) والبحترى (ت 284 هجرية) وابن الرومى (ت 283 هجرية) ، وهو نفسه كان (راوية) لابن الرومى ، كما وجد فى مقتنياته ديوانا البحترى وأبى تمام ، وعليهما الكثير من تعليقاته بخطه . والواقع أن أساليب هؤلاء الثلاثة الكبار تتردد بصوت عال أحيانا ، وبخفوت فى أحيان أخرى فى شعر المتنبى ، لكنه يتفوق عليهم جميعا بأسلوبه الخاص ، وصياغته المتفردة ، وقوة تمكنه من استخدامات اللغة العربية واستغلال كل إمكانياتها ، بل واختراع أساليب جديدة وصيغ مستحدثة فيها . لذلك عندما يقال إن المتنبى أخذ معنى من شاعر سابق ، أو استعار حكمة من فيلسوف قديم ، فإننا لا ينبغى أن نقلل من شأنه ، أو نسلبه قدرته الفائقة على جودة الصياغة التى وضع فيها هذا المعنى أو تلك الحكمة . فهو بالفعل يستمد من التراث السابق عليه ، لكنه يكسوه ثوبا من عنده ، وأسلوبا خاصا به لا يكاد يدانيه فيه أحد من الشعراء السابقين عليه ، أو حتى اللاحقين له . وتقتضين الأمانة العلمية أن أشير فى هذا الصدد إلى ما قام به أحد الباحثين (لم يذكر اسمه مع الأسف) حين نشر على شبكة الانترنت بحثا جيدا بعنوان (حكم أرسطو وما يقابلها فى شعر المتنبى) بتاريخ 21/6/2009 رصد فيه (41) موضعا ، يبدو منها التلاقى بين الفيلسوف اليونانى والشاعر العربى واضحا أحيانا ، وقليل الوضوح فى أحيان أخرى ، لكن ما يعيب هذا البحث هو عدم تحديد المصادر التى جاء منها بمقتطفات أرسطو ، حتى نتمكن من توثيقها والاطمئنان إليها ، كذلك هناك بعض الأقوال المنسوبة لأرسطو لا تتطابق تمام المطابقة مع أبيات المتنبى . ومن ذلك مثلا : قال أرسطو : علل الأفهام أشد من علل الأجسام
والمتنبى يقول على نحو أعم وأشمل :
ومن ذلك أيضا : يقول أرسطو : إذا لم تنصرف النفس عن شهواتها ومرادها فحياتها موت ، ووجودها عدم . والمتنبى بعيد عن ذلك تماما ، حين يقول :
ولا أريد أن أطيل أكثر ، فالباحث مشكور على أية حال . وهو يفتح الباب أمام باحثين آخرين للوقوف بدقة وبتوثيق أكثر على المنابع التى يمكن أن يكون المتنبى استمد منها ضروب الحكمة لديه . من هنا جاءت فكرة هذا البحث الاستقصائى الذى قمت به ، وغرضى منه أن أضع أمام القراء بعامة ، والباحثين فى المتنبى بخاصة (مجموع الحكم التى وردت فى شعره كله) ، وقد تطلب منى ذلك قراءة ديوانه أكثر من مرة ، قمت خلالها برصد كل ما يتعلق منه بالحكمة ، ولكى أسهل الأمر على غيرى ، صنفت ما جمعته فى ستة أقسام : 1 – الحكمة فى جملة من شطر بيت . 2 – الحكمة فى الشطر الأول من البيت . 3 – الحكمة فى الشطر الثانى من البيت . 4 – الحكمة فى بيت مفرد . 5 – الحكمة فى بيتين متتاليين . 6 – الحكمة فى عدة أبيات متتالية . هذا من حيث الشكل الخارجى لورود الحكمة لدى المتنبى ، أما من حيث (أبطال الحكمة) فكثيرا ما يكون هو نفسه صاحب القول الفصل فى الحكمة ، وأحيانا كثيرة يجعل (الدهر أو الزمان أو بعض الأشخاص أو بعض الحيوانات وخاصة الوحوش أو بعض الطيور وخاصة الجوارح) . ومن الناحية الأسلوبية فإن الحكمة لدى المتنبى تأتى غالبا فى صيغة خبرية (تقريرية) وقليلا ما ترد فى صيغة استفهام استنكارى . والذى يعيش طويلا مع هذا الكم الهائل من ضروب الحكمة لدى المتنبى لا يسعه إلا أن يعترف ببراعة هذا الشاعر الكبير فى اقناع القارئ بأن جميع الحكم التى أوردها صادرة بصورة طبيعية للغاية من نفسه وروحه وقلبه ، فلا شئ منها – إلا فى النادر – مصنوع أو متكلف ، ولعلنا نستحضر هنا كلمة للمفكر الفرنسى بول فاليرى يقول فيها : " إن الأسد ليس سوى عدة خراف مهضومة " ! أمر أخر ، وهو أن المتنبى قد قرب الحكمة (التى تصيب وتخطئ) من المثل الشعبى (الذى يصدق دائما) ، والذى تتداوله الأجيال وهى مقتنعة تماما بصدقه وصوابه . ولعلنا جميعا نذكر من أبيات المتنبى التى مازالت حتى اليوم تجرى على الألسنة ، ومنها قوله :
وقوله :
وقوله :
فهذه وأمثالها كثير قد تحولت بفضل المتنبى من حكمة قالها حكيم ، إلى مثل شعبى أصبح جزءا لا يتجزأ من تراث أمة بأكملها .
والسؤال الآن : هل يمكن استخلاص فلسفة للمتنبى من مجموع الحكم التى وردت فى أشعاره ؟ والإجابة : أجل بكل تأكيد ، خاصة وأننا قد أصبحنا نمتلك الآن : المادة الفكرية الأولى لإجراء هذا العمل . وكنت أتمنى على بعض شباب الباحثين فى الفلسفة الإسلامية أن يقوموا به ، بدلا من إضاعة جهدهم فى تلك الخلافات القديمة التى شجرت بين المتكلمين ، ولم يعد لها أى نتيجة إيجابية فى حياتنا المعاصرة .
ومن جانبى أود أن أسجل هنا بعض انطباعاتى عن فلسفة المتنبى ، من خلال معايشتى لمجموع الحكم لديه . وسوف ألخصها فى الملاحظات التالية : أولا : أن فلسفة المتنبى ليست ذهنية ، كما نجدها لدى فلاسفة المسلمين من أمثال الكندى والفارابى وابن سينا .. بقدر ما هى فلسفة أخلاقية ، تتصل مباشرة بالسلوك الإنسانى ، وتفسر دوافعه .
ثانيا : أن هذه الفلسفة الأخلاقية تنبع وترتبط بحياة المتنبى وشعره معا . وبالتالى فإنه لا يمكن الفصل بين شخصية المتنبى وبين مختلف المواقف التى تعرض لها ، والقصائد التى أنشدها فيها .
ثالثا : أن محور هذه الفلسفة الأخلاقية تتمثل أساسا فى تمجيد الكرامة الإنسانية ، وعزة النفس ، مع إدانة الذل فى كل صوره .
رابعا : أن الإنسان إنما يعيش حياته مرة واحدة ، لذلك ينبغى عليه أن يحقق فيها أعلى ما يمكن من الصفات ، مستخدما فى ذلك وسيلتين : صواب الرأى ، وشجاعة الفروسية .
خامسا : أن الأعمال العظيمة لا يمكن للإنسان أن يحققها إلا فى مرحلة الشباب ، حيث تتوافر الفتوة والقوة والعزيمة ، أما الشيخوخة فهى خريف العمر ، الذى يضطر صاحبه إلى بدء الانسحاب ، ويقع فيه الانكسار .
سادسا : أن تحقيق المطالب الكبرى فى الحياة لا ينبغى أن يتوصل إليه الإنسان بالمكر والتحايل والاستجداء ، وإنما بالاقدام ، والاستيلاء عليها بالقوة ، كما تفعل الوحوش الكاسرة ، والطيور الجارحة .
سابعا : أن الإنسان العاقل هو الذى يتنبه جيدا لظروف الدهر وأحوال الدنيـــا ، التى لا تبقى دائما على حــال واحد ، وإنما هى سريعة التقلب ، تسلب اليوم ما أعطته بالأمس .
ثامنا : هناك نوعان من الأخلاق ، أحدهما خاص باللئام ، وهو يقوم على الكذب والنفاق والمذلة والخيانة ، والثانى أخلاق الكرام التى تتميز بالصدق والكرم والشجاعة والعفو عند المقدرة .
تاسعا : أن الصداقة الحقيقية أفضل من القرابة المزيفة ، كما أن اعتماد الإنسان على نفسه هو الذى يحدد قيمته الحقيقية ، وليس الاعتماد على حسب أو نسب ، أو الاتكاء على سيرة الأسلاف .
عاشرا : أن الحاكم هو رأس الدولة ، وهو أيضا القدوة لرعاياه ، ولذلك ينبغى أن يتحلى بالقوة والشجاعة والكرم والعدل ، وأن يخلو تماما من أضدادها .
تمثال المتنبي فى العراق 1 – الحكمة فى جزء من شطر بيت :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آخر تحديث الجمعة, 15 نوفمبر 2019 15:10 |