رأيت الفجر |
كتبها Administrator |
الجمعة, 25 أكتوبر 2019 12:56 |
رأيت الفجر ..
ــ لماذا تقف هذه السيارة بهذا الشكل ؟!
رأيت الفجر ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ كنت قد تعودت حين أغادر الأسكندرية الحبيبة إلى قلبى أن أستقل سيارتى الخاصة فى الصباح الباكر لكى يكون وصولى إلى القاهرة فى وقت الضحى . وذات ليلة قررت أن أسافر فى منتصف الليل تقريبا . كانت حركة السيارات قد بدأت تقل فى شارع الكورنيش ، والأضواء تخفت . وبعد أن غادرت عمران المدينة ، وتجاوزت طريق الملاحات ، وخرجت من البوابة .. فوجئت بوجود (شبورة) ضخمة تلف المكان . ولمن لا يعرف حقيقة الشبورة فإنها عبارة عن كتلة كثيفة من بخار الماء ، المختلط برائحة البحر ، والنباتات الجافة والمتعفنة .. وقد حجبت الرؤية عنى بشدة ، وكذلك عن باقى السيارات الأخرى إلى حد أنها اضطرت إلى أن تسير ببطء بالغ ، مشغلة الأضواء الأمامية والخلفية لكى لا يصطدم بعضها ببعض . حاولت متابعتها لفترة لكننى ما لبثت أن فقدت الرؤية تماما . وعلى الفور ركنت السيارة بجانب الطريق ، وجلست أنتظر وأنا فى غاية الضيق والضجر . كانت الساعة قد اقتربت من الثالثة ، ووجدتنى أقول لنفسي : ـــ لماذا من أجل السلامة لا أنتظر انقشاع الشبورة ، وبالمرة أشاهد طلوع الفجر الذى لم أره فى حياتى من قبل ؟ رحت أنظر بصعوبة إلى نهاية الأفق ، حيث تتلامس السماء والأرض . وبالتدريج بدأ ينبثق من جوف تلك الظلمة ضوء أبيض ممتزج بزرقة ، فيكشف عن بعض الأشجار ، والنخيل ، والقليل من الطيور التى تتنقل بينهما . والغريب أن ذلك الضوء كان يخرج من الأسفل ، ولا يهبط من الأعلى .. ثم راح ينتشر ويتسع رويدا رويدا ، حتى غطى مساحة واسعة ، لكنها ظلت بعيدة عنى بسبب تواجدى فى قبضة الشبورة الكثيفة من حولى . وبعد حوالى نصف ساعة بدأت السيارات تتسارع على الطريق، وكان بعض سائقيها ينظرون نحوى بدهشة ، وكأنهم يقولون : ـــ لماذا تقف هذه السيارة بهذا الشكل ؟! حاولت أن أسلى نفسى قليلا ، ففتحت الراديو ، لكننى لم أرتح لموسيقاه ، فأسرعت بإغلاقه ، ورحت أتابع ذلك المشهد الكونى وهو يتحول أمام عينى من الظلمة الداكنة ، إلى الضوء الخافت ، فالنور الكامل ، حتى طلعت الشمس . كانت الشبورة قد تآكلت أطرافها ، وخفت كثافتها ، فانطلقت بالسيارة على الطريق ، ورغم أن النوم كان يغالبنى بقوة إلا أننى كنت منتشيا بتلك التجربة الفريدة . حين وصلت إلى منزلى بالقاهرة ، كنت مرهقا للغاية ، فألقيت بجسدى على أقرب مقعد ، وجلست مغمض العينين ، ورحت أسترجع تلك اللحظات التى عشتها فى قلب تلك التجربة الخاصة التى سمحت لى أن أكون جزءا منها ، واندمجت فيها بكل جوارحى ، ولعلها لن تتكرر مرة أخرى ! |