اسرار التقدم الاسيوى طباعة
السبت, 08 مايو 2010 17:33

 

 

 

اسرار التقدم الاسيوى

 

 

 

بقلم

د . حامد طاهر

 

 

 

تأملت طويلا ً فى أسرار تقدم بلدان جنوب وشرق أسيا بتلك المعدلات العالية ، التى أصبحت مضرب المثل فى مجال التنمية ، وموضع الدهشة من البلاد الغربية، وكذلك نموذجاً للمقارنة مع البلاد العربية التى سعت إلى التقدم فى نفس الوقت الذى سعت هى الأخرى فيه ، بل ربما قبلها بعشرات السنين . وسوف أعرض هنا لعدد من العوامل وراء نجاح هذه البلاد ، وفى مقدمتها أن شعوبها تقدس العمل . ولا تركن كثيراً لأحلام النوم أو أحلام اليقظة . ومن أهم ما يميز الشعوب الآسيوية أنها قليلة الكلام ، وبالتالى فهى قليلة الجدل حول أمور لا تقدم ولا تؤخر ، والدليل على ذلك أنها لم تضيع وقتاً طويلاً فى كيفية البحث عن وسائل التقدم ، وإنما ركزت على مجال واحد هو مجال المحاكاة ، أى تقليد النماذج الناجحة فى كل الميادين . فقد قلدوا صناعة السيارات الغربية حتى تفوقوا عليها ، كما قلدوا أساليب الزراعة المتطورة حتى برزوا فيها ، ولأنهم بطبيعتهم تجار مهرة فقد استطاعوا أن يسوقوا ما ينتجونه ، سواء على المستوى المحلى أو العالمى . وهنا سر يقف وراء تفوقهم يرجع إلى احترام مكانة كل شخص ووظيفته ، وقد يقال أن فى ذلك نوعاً من الطبقية الاجتماعية، ولكنها عند التحليل عبارة عن طبقية ديمقراطية بمعنى أن كل فئة من فئات المجتمع تعرف وظيفتها جيداً ، وتكرس جهودها للإتقان فيها دون الانشغال بأحوال ومكاسب الفئات الأخرى . وكأنهم بذلك يسيرون على المبدأ الموجود عندنا (كل ميسر لما خلق له) . فى ماليزيا مثلاً توجد أعراق متنوعة ، ومع ذلك لا يتدخل أحد فى عادات الآخر وتقاليده ومعتقداته . فالكل مواطنون يعملون ويتعايشون وينعمون أخيراً بنتائج أعمالهم . الأمر اللافت للنظر بحق هو المحاولة المستمرة للإتقان ، دون كثرة الحديث عنه . فالمنتجات الزراعية تم تطويرها على نحو مذهل ، وكذلك المنتجات الصناعية والإلكترونية . وهناك تزاوج بين الجامعات ومراكز البحوث وبين مؤسسات الإنتاج من أجل تحسينه ، وحل ما يعترضه من مشكلات . كما أن تشجيع المشروعات الصغيرة يسير جنباً إلى جنب مع المشروعات الكبرى أو العملاقة التى لا تقدر عليها سوى الدولة . المصانع اليدوية الصغيرة منتشرة فى البيوت . والأسرة بكل أفرادها تعمل : فهناك من يشترى الأدوات الأولية ، وهناك من يقوم بتصنيعها ، وهناك أيضاً من يقوم بتسويقها . ولا تحس بأن قبضة الحكومة على هذه المشروعات الصغيرة قوية أو غائبة ، وإنما هى متروكة للعرض والطلب . والواقع أن الطلب متزايد ، والعرض مستمر فى محاولة الجودة والإتقان . كنا فى الماضى لا نثق إلا بالإلكترونيات التى تصنع فى اليابان ، ثم ما لبثت الصين وكوريا أن أصبحتا منافسين لها ، وأخيراً دخلت إندونيسيا وماليزيا وتايوان . . هل تعلم مثلاً أن منتجات هذه الأخيرة التى أغرقت العالم والبلاد العربية يتم تصديرها بدون وزارة للتجارة الخارجية ، وإنما من خلال محلات ومصانع صغيرة للغاية ، يتواجد فيها تجار يعطون كل زبون ما يحتاج إليه ؟ !


الطبيعة جميلة جداً فى بلدان جنوب شرق آسيا . كما أنها أحياناً قاسية ببراكينها وزلازلها وفيضاناتها المدمرة ، ولكن الإنسان استطاع أن يعيش فيها ويتعايش معها ، وأن يبنى حضارة متميزة ، أصبحت محط أنظار السياح فى العالم .


سألنى صديقى : باختصار ما هى أهم عوامل تقدم هؤلاء الناس ؟ قلت له : يعنى تريد من الآخر ؟ قال : أجل . قلت : قلة الكلام ، والعمل المتواصل ، والإتقان . وبالمناسبة من أهم ما لاحظته عندهم هو عدم وجود مذيعة ربط فى التليفزيون ! !


 

 

آخر تحديث الاثنين, 07 فبراير 2011 02:00