نفاق كل العصور طباعة
كتبها د.حامد طاهر   
السبت, 10 نوفمبر 2012 22:10

 


نفاق كل العصور

بتاريخ الجمعة، 26 أكتوبر 2012
د . حامد طاهر

يحتل الحديث عن النفاق فى القرآن الكريم مساحة لا بأس بها ، وهو لم يظهر إلا بعد أن هاجر الرسول (ص) إلى المدينة ، وبدأ فى تكوين الدولة الجديدة ، التى قامت أساسا على المسلمين من المهاجرين من مكة ، والأنصار من المدينة ، بعد أن تم التآخى بينهم ، لكن جماعة من أهل المدينة ، ومن حولها من الأعراب أظهروا الاسلام ، وأبطنوا الكفر ، وهؤلاء كانوا أخطر على المسلمين من المشركين أنفسهم ، لأنهم كانوا يعيشون بين المسلمين ويعرفون كل تحركاتهم ، لذلك راحوا يكيدون لهم ، ويبثون بينهم الإشاعات المغرضة ، ويثبطون هممهم ، ويعلقون على كل حدث يجرى بصورة سلبية لتكريس اليأس فى قلوب المؤمنين .. وقد بين القرآن الكريم مواقفهم فى أكثر من حادث وحادثة ، ونبه الرسول (ص ) والمؤمنين إلى خطورتهم ، بل إنه توعدهم بأنهم سيكونون يوم القيامة (فى الدرك الأسفل من النار) .. أى بعد المشركين أنفسهم !
والسؤال الآن : ماذا كانت مكاسب النفاق فى هذا العهد البعيد ؟ كان المسلمون إذا انتصروا يسارع المنافقون باعتبارهم مسلمين ظاهرا لكى يقتسموا معهم الغنائم ، أما إذا بدأوا الاستعداد للحرب تراجعوا مقدمين الأعذار المختلفة لعدم اشتراكهم معهم ، فإذا انهزم المسلمون راحوا يتشفون فيهم ، ويشمتون بهم ، والخلاصة أنهم كانوا بتعبيرنا الحالى ممن يمسكون العصا من المنتصف : يميلون مع الحق عند انتصاره، ويتراجعون عند هزيمته!
أما النفاق بعد ذلك ، فقد اتخذ شكلا آخر ، وإن ظل مضمونه مستمرا . فهو يعنى محاولة بعض الأشخاص التزلف لصاحب منصب أو ثروة بغرض الحصول منه على بعض المكاسب أو الغنائم .. فإذا انتهى المنصب أو راحت الثروة أنفضوا عنه ، وذهبوا إلى شخص آخر .
إن التشابه بين نفاق الأمس واليوم يتمثل فى أنهم جميعا متلونون ، يجيدون اخفاء نواياهم ، ويظهرون عكسها تماما ، كذلك فإنهم مخادعون لا يخلصون لمن يتعاملون معه إلا فى الظاهر فقط ، بينما هم فى أعماقهم قد يبغضونه أشد البغض. وأخيرا فإنهم لا يتوقفون عن ممارسة النفاق طوال حياتهم ، وقلما يتوبون أو يعتذرون ، وكأنما خلقت جيناتهم من تلك الطبيعة الخاصة التى لم يستطع علم النفس حتى الآن أن يقف على دوافعها العميقة .
لاشك أن المنافقين الجدد يكسبون فى كل العهود ، ولكن ذلك يحدث دائما على حساب المجتمعات التى يعيشون فيها . وأسوأ أنواع النفاق هى التى تحيط بالحاكم ، الذى يزين له المنافقون من حوله كل ما يقوله أو يفعله ، حتى يعتقد بأن قوله الحق ، وأن فعله هو الصواب ، وبالتالى فإن أى رأى أو فعل للآخرين يعد فى تصوره خيانة للوطن .. وقد حدث شئ من ذلك مع كل من عبد الناصر ، ومبارك ، مما أفسد الكثير من قراراتهما . أما المسئولون فى الدولة ، فقلما يخلو كل واحد منهم من مجموعة من المنافقين فى إدارته : يمتدحونه على الدوام ، وبلا مبرر ، ثم يبعدون عنه الآخرين ، لكى يحصلوا منه على كل الامتيازات الممكنة .. ونفس الحال مع أصحاب الأموال ، الذين يزين لهم المنافقون التعامل مع كل المباحات ، وكذلك الممنوعات ، وما أسرعهم لإغرائهم بالتخلص من الضرائب الواجبة عليه باستخدام الرشوة ، وشراء ذمم الموظفين !
المنافقون دائما يكسبون . أجل ، أما الخاسر فهو من يستمع إليهم ، ويقربهم منه ، ويرفع قاماتهم من حوله حتى تغطى على رؤية الناس من حوله ! إنهم أشبه بالنباتات الطفيلية التى تنمو وتلتف حول النبات الجيد حتى تتلفه وتسقطه ، وهم أشبه بالسرطان الذى يظل ينتشر فى الجسد موهما صاحبه أنه فى أطيب صحة ، وأحسن حال بينما هو يتداعى وينهار !

آخر تحديث السبت, 28 فبراير 2015 00:42