السياسة والإدارة

بقلم

د . حامد طاهر

لقد أصبح من أهم اللوازم ضرورة التفرقة بين السياسة والإدارة ؛ لأن السياسة هي وضع الأهداف وتحديد وسائل الوصول إليها ، بينما تختص الإدارة بالاقتصار على تنفيذ ذلك فى الواقع . وكلما كانت الإدارة واعية بالخطة العامة للسياسة ومدركة تماما لمقاصدها كانت أقدر على التنفيذ الصحيح ، والإنجاز المتقن . لكن الأمور لا تجري عادة على هذا النحو . فأحيانًا ما تخطئ السياسة فى تحديد أهدافها نتيجة عدم ترتيب الأولويات ، أو الانخداع بالمشكلات الزائفة عن المشكلات الحقيقية ، كذلك فإن السياسة قد تخطئ أيضًا فى تحديد مراحل التنفيذ ، وعدم وضع الضوابط التى تضمن حسن سير العمل ، أو متابعته على نحو سليم . أما أخطاء الإدارة فتتمثل أهمها فى التقصير أو التباطؤ ، أو عدم التنفيذ الصحيح لأصول العمل ، وكذلك فى انعدام الإشراف المباشر على الذين يقومون بالتنفيذ ، أو إهمالهم، أو عدم وضعهم فى أماكنهم المناسبة لهم حسب تخصصاتهم ..

وإذا أردنا مزيدًا من البيان ، كان علينا أن نستحضر مثال المهندس المعمارى الذي يضع تصميم المبنى ، ويرسم على الورق جميع تفصيلاته ، ثم يقوم بتسليمها إلى المهندس الإنشائي الذي يتولى مهمة تحويل هذا التصميم إلى بناء يتكون من أساسات وأعمدة وجدران وطوابق ... الخ ، الأمران إذن مرتبطان ببعضهما ارتباطًا عضويًّا ، أو هى كما يقال وجهان لعملة واحدة ، لكن كل واحدة منهما متمايزة عن الأخرى .

لكن هل يعنى هذا التمايز قطع الصلة تمامًا بين السياسة والإدارة ؟ كلا بالتأكيد ، فكل منهما تحتاج إلى الأخرى باستمرار. السياسة بعد أن تسلم خطتها للإدارة تقوم بمراقبتها ، والتأكد من حسن تنفيذها للمراحل التى وضعتها لها ، ثم العقبات التى تقابلها ، وكيفية التغلب عليها . والإدارة من جانبها عليها أن تطلع السياسة بصورة منتظمة على سير العمل بها ، وما يصادفها من مصاعب قد تتطلب تعديل أو تغيير الخطة الموضوعية ، وهكذا فإن التواصل بين السياسة والإدارة ينبغي أن يظل قائمًا ومستمرًا بل وقويًّا حتى لا تتوه الأمور فى إحدى الدائرتين : السياسة والإدارة .
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما نشاهده فى مصر حاليًا من إعلان المسئولين عن كثير من الإصلاحات الاقتصادية ، وتخصيص ميزانيات ضخمة بالفعل لدعم بعض الخدمات والسلع الضرورية ، وفى نفس الوقت يعترف هؤلاء المسئولون (السياسيون) بعدم إحساس المواطن البسيط بها !
إن حل هذه المعادلة الصعبة في رأيي يرجع إلى الانفصال بين السياسة والإدارة.. ولو تحقق الربط بينهما على النحو الذي ذكرته لزالت معظم السلبيات التي نعاني منها ، ونظل نشكو من عدم وجود حل لها .

*    *