كيف تولد القصيدة |
كتبها د . حامد طاهر |
الاثنين, 30 أغسطس 2010 21:55 |
كيف تولد القصيدة ؟
ويحدثنا الشاعر الأسبانى لوركا أن علاقة الشاعر مع القصيدة تشبه علاقة الصياد المحترف مع الفريسة ، الذى ينتظر ظلام الليل ليخرج إلى الغابة مختبئا بين أدغالها ، مخفيا قوسه وسهامه بين أعشابها ، منتظرا بكل حواسه مرور ظبى .. وأحيانا قد يظهر الظبى ، لكن فى أحيانا أخرى كثيرة قد تنقضى الليالى العديدة بدون صيد .. وفى كل الأحوال ، لنا أن نتصور عذابات ذلك الصياد وهو فى مكمنه ، يحدق فى الظلام ، ويتنفس بحذر ! أما الشاعر الفرنسى جاك بريفير فيصور ميلاد القصيدة على النحو التالى : الشاعر مثل الرسام ، يحاول أن يرسم صورة لطائر فى قفص ، وبعد أن يرسمه ، يذهب باللوحة إلى الحديقة ، ويسندها على جذع شجرة ، وينتظر : فإذا غنى الطائر أدرك أن عمله الفنى أكتمل ، عندئذ يقوم بإزالة أسلاك القفص من حول الطائر ، ثم يوقع باسمه على جانب اللوحة . أما إذا لم يغن الطائر ، فعليه أن يعلم أن المحاولة قد فشلت ، وبإمكانه أن يبدأ من جديد .(انظر ترجمتى لقصيدته فى هذا الموقع ) وهناك من الشعراء من كان يتملكه عند الانشغال بالقصيدة حال عنيف كحال الصوفية ، ينتزعه من بين أهله وأصدقائه ، ويلقى به فى مكان بعيد كالغائب أو المتغيب .. هكذا وصف المقربون من أمير الشعراء أحمد شوقى ما كان يمر به . وقريبا من ذلك ، ما كان يحدث للشاعر البائس عبد الحميد الديب ، الذى كان يختبئ أحيانا على الرصيف خلف عربة كارو لكيتب قصيدة .. أما محمود حسن اسماعيل فكان يتعامل مع القصيدة على أنها هاتف من الملائكة ، وأحيانا من الجن ، ولذلك كان يقف فى العراء متعرضا للريح والمطر ، لكى يصغى لذلك الصوت القادم من أعماق الغيب .. وقديما ذهب الشعراء العرب إلى أن القصائد ليست سوى هواتف من الجن ، وكان "وادى عبقر" هو المكان الذى يجتمع فيه الجن الذين يلهمون أولئك الشعراء .. هكذا تخيلوا !
ان مولد القصيدة فى اعماق الشاعر تسبقه بالضرورة فترة اعداد ، وهى اشبه ماتكون بفترة الحمل ، وتظل الظروف والاحداث والمضايقات والاحلام والامال تتفاعل فى داخل الشاعر حتى تكون لديه حالة نفسية وعقلية ووجدانية يرغب بشدة فى التعبير عنها او فى التخلص منها وعندما ياتى الموعد المحدد يجد نفسه مدفوعا لكتابة السطور الاولى منها والتى تتوالى بعدها بقية السطور.
لكن الشعراء بعد ذلك ينقسمون فريقين : أحدهما يسرع بتقديم وليده إلى الناس ، مدفوعا بالفرحة ، غافلا عما ما قد يبدو عليه من بعض النقص أو القصور .. وفريق ثان لا يخرج قصيدته للناس إلا بعد أن ينقيها من كل الشوائب ، محاولا تجويدها وتحسنها حتى لا يصبح فيها مأخذ لقارئ ، أو مطعن لناقد . ويبقى فى النهاية أن القصيدة عصارة تجربة من الألم والسهر والانتظار ، وأنها مثل الشمعة التى تضئ لنا من طرف الشمعة ، بينما يتلاشى باقيها دون أن نعيره أى اهتمام .
|
آخر تحديث الثلاثاء, 10 مارس 2015 23:43 |