الاستقلال الحقيقى للجامعات

بقلم د . حامد طاهر

من الواضح أن حكم محكمة النقض العليا بإلغاء تواجد الحرس الجامعى من جامعة القاهرة قد احدث ارتياحا عاما فى الأوساط الجامعية كلها لكنه القى على الجامعات مسئولية حماية منشئاتها وحفظ الأمن بها من خلال ادارة يتبعها جهاز مدنى يكون تابعا لرئيس الجامعة وذلك حرصا على استقلال الجامعة كما ورد فى مسودة الحكم . والذى أريد أن أقوله هنا هو أن الاستقلال الحقيقى للجامعات إنما ضعف ثم تلاشى عندما أنشئ (بقرار سياسى) المجلس الأعلى للجامعات سنة 1954 فوضع الجامعات المصرية تحت اشراف وزير التربية آنذاك السيد كمال الدين حسين ، ويومها لم يكن فى مصر كلها سوى ثلاث جامعات فقط هى : القاهرة والاسكندرية وعين شمس ، بالإضافة طبعا إلى الجامعة الأمريكية التى لم يشملها القرار !

والواقع أن هذا القرار كان هو السبب المباشر فى التأثير الحقيقى على الاستقلال الأكاديمى والادارى للجامعات ، وهو الذى ما زال يؤثر حتى الآن فى جعلها نسخا مكررة من بعضها فازال مع الأسف خصائص التمايز بينها بحيث إنها إذا ضعف : ضعفت كلها .

إننى اتحدث هنا من منطلق أكاديمى خالص وليس سياسيا . فكل جامعة ينبغى أن تستقل بنفسها تماما فى وضع مناهجها وتطويرها بالأسلوب الذى يناسبها ، وكذلك فى التخطيط والمتابعة لسير العملية التعليمية والأنشطة التى يمارسها الطلبة وتدريبهم ، وكذلك فى وضع وتنفيذ خطة البحث الخاصة بها ، ثم – وهذا مهم أيضا – فى تعيين المعيدين وترقية أعضاء هيئة التدريس واختيار القيادات الجامعية ، والخلاصة أن تترك لكل جامعة الحرية الأكاديمية الكاملة فى هذه الأمور حتى تتحمل مسئوليتها وتتمكن من منافسة غيرها من الجامعات  الأخرى : محليا وعالميا .

إن هذه الحرية الأكاديمية موجودة بل ومتوافرة بقوة فى كل جامعات العالم المتقدمة : فجامعة هارفارد فى أمريكا تتميز فى مناهجها وأسلوب العمل بها عن جامعة برنستون ، وجامعة السوربون بفرنسا تختلف عن جامعة ليون أو ليلل فى نفس البلد ، وفى بريطانيا ليست جامعة أكسفورد أو كمبردج طبق الأصل من جامعة لندن ، وهكذا الحال فى كل الجامعات المتقدمة والتى تتنافس فيما بينها وتسجل اسمها باقتدار فى قوائم التصنيف العالمى للجامعات والتى ما زلنا نغضب ونشكو من عدم وجودنا فيها ..

والسؤال الآن : هل يوجد فوق هذه الجامعات المتقدمة (مجلس أعلى) يفرض عليها إجراءات موحدة مثل الذى عندنا ؟ والإجابة بكل تأكيد : كلا لا يوجد !!