عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الشاعر والناظم صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها د . حامد طاهر   
الاثنين, 10 مايو 2010 17:32


الشاعر والناظم



يتشابه الشعر والنظم في أن كلا منهما كلام موزون، وقد يكون مقفى أو حرا.. لكن الشعر يتميز عن النظم بأنه يمتلئ بروح حية تسري فيه، وأطياف ملونة تدور حوله، وكهرباء تنساب منه فتؤثر في روح المتلقي، وتتركه في حال من الانفعال الممتزج بالنشوة، وأحيانا بالغضب. أما النظم الذي يشبه الشعر من حيث شكله وبناؤه تماما، فإنه يصك سمع المتلقي وقد يؤثر في أذنه لكنه لا يتجاوز ذلك إلى صميم قلبه وروحه.

الشاعر فنان بطبعه، والناظم «صنايعي» لا يجيد سوى التقليد والتصليح وإخراج القصيدة على نحو ما يفعل الشاعر من حيث الظاهر، ومع ذلك فإنه لا يتمكن أبدا من أن ينفخ فيها الروح، أو يجعلها ذات وقع وتأثير يتجاوز حدودها إلى قلوب الآخرين. ومشكلة الناظم أنه يتجاهل أهم خصائص الشعر وهو الإلهام الذي لا يهبط إلا على أصحاب الموهبة، وأنا أقول إن الموهبة منحة من الله تعالى للشعراء والأدباء والفنانين، ويقول نقاد الغرب إنها منحة من الطبيعة، لأنهم لا يؤمنون بالله.

وهناك من الناظمين يحاول استدعاء الموهبة بأي شكل وأحيانا بأي وسيلة، فتراه يطيل شعره، أو يمسك عصا، أو يهمل ملابسه، أو يضع حول رقبته كوفية ملونة، وإذا جلس في ندوة راح يحدق في السقف، وقد يبتسم بدون داع، أو يتمتم بكلمات لا تخرج من شفتيه.. ومع ذلك فإنه عادة ما يجيد فن إلقاء قصيدته، محاولاً جعلها تبدو أنها من الشعر، وهي في واقع الأمر من فصيلة النظم. ولكي أضع في يدك معيارا تميز به بين الشعر والنظم فإنني أدعوك لقراءة القصيدة «الشعرية أو المنظومة» بعيدا عن إلقاء صاحبها، وعندئذ سوف تحس بأن «القصيدة الشعرية» هي التي تشدك إليها بخيوط من المشاعر والأحاسيس، في حين أن «القصيدة المنظومة» تظل باردة وهامدة وجامدة على الورق.. صحيح أنك قد تجد فيها تنسيقا عقليا، أو محسنات بلاغية، أو تلاعبا بالألفاظ وجودة في صفها وسبكها والمقابلة بينها، ولكنك سوف تفتقد فيها «الروح» التي أشرنا إليها، فهي مثل التمثال الجامد، الخالي من أي إيحاء.

الشاعر يكتب قصيدته بعفوية بالغة، فتخرج من بين يديه كائنا جميلاً يبكي ويضحك، وربما طار وزقزق.. ولذلك فهي أشبه بالمولود الذي لا يخرج إلى الحياة إلا بعد أن يكون قد اكتملت أعضاؤه، وأصبح قادرا على تنفس الهواء خارج بطن أمه.. وليس معنى هذا أن الشاعر لا يعاني، بل إنه مثل تلك الأم التي لا تلد إلا بعد أن تمر بفترة طويلة من الحمل الثقيل الذي يرهقها وأحيانا يوجعها. وقد يتصور البعض أن الشاعر الموهوب لا يقرأ ولا يغوص في بطون الكتب، على العكس إنه قارئ نهم للتراث الشعري المكتوب بلغته، وكذلك بلغات الأمم الأخرى.

إن الشاعر الموهوب يدرك بالفطرة أنه حلقة في سلسلة التراث الشعري العالمي، وأن هذه الحلقة متصلة بما قبلها، كما أنها ممهدة لما يأتي بعدها، ولذلك فإنه يكون دائما إضافة وليس تكرارا، صوتا متميزا وليس ضجيجا أجوف.

وهناك فارق آخر أساسي بين الشاعر والناظم يتمثل في أن الشاعر صاحب رسالة يقوم بتبليغها للناس في عصره، وربما تجاوزهم إلى العصور اللاحقة. وهذه الرسالة قد تكون وجدانية، أو وطنية، أو إنسانية، أما الناظم فإنه يظل أسير الشكل الشعري الذي يرهق نفسه في إقامته وتجويده، في حين أنه يخلو من أي هدف حقيقي أو رسالة يمكن تبليغها للناس. والخطورة هنا أن يعلو صوت الناظم على صوت الشاعر، وفي هذه الحالة قد ينشغل الناس بدعايته، وأساليب عرضه البلهوانية فيتجمعون حوله، بينما يهملون الشاعر الحقيقي ولا يلتفتون إليه إلا بعد فوات الأوان. ومن الغريب أن الناظمين يعرفون أنفسهم جيدا، كما يعرفون الشاعر الحقيقي، فيعملون بكل الوسائل على إخماد صوته، والتعتيم عليه بضجيجهم العالى، إلى أن يأتي يوم يتنبه فيه المجتمع إليه، ويكتشف أنه قد أضاع وقته في الإصغاء إلى هؤلاء الأدعياء بدون طائل!

ويبقى أن النقاد الحقيقيين، وليس المزيفين أيضا، هم الذين يأخذون بأيدي المجتمع لتمييز الشاعر الموهوب من الناظم المحاكي، وبيان قيمة الصوت الحقيقي من أصوات الطبول الجوفاء!

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الاثنين, 12 يناير 2015 23:43