|
أغنية فى حب مصر
للدكتور حامد طاهر
ــــــــــــــــ
أشعر شعورا قويا
بأن عروقى تنبض ببعض القطرات
من دماء الحضارة المصرية القديمة
وبعض القطرات الأخرى
من خطاب موسى إلى فرعون المتجبر
ومن دعوة المسيح الزاهدة
إلى عقول الرومان المادية
ثم تندفع القطرات بشدة
من العهد الإسلامى المتسامح
الذى يبدأ بعمرو بن العاص
وينتهى بسقوط الخلافة ..
ــــــــــــــــ
بالتأكيد
أنا مختلف عن أمثالى فى كل بلاد العالم
الذين لا يتوافرلهم
مثل هذا التراكم الطويل
من الحضارات والعهود والأديان
وانا فوق هذه الأرض السمراء
مرتبط ارتباطا عضويا بنهر النيل
الذى ينثال من هضاب الحبشة
مرورا بالسودان
حتى يصب فى فرعىْ رشيد ودمياط
ويصنع من الدلتا
مروحة خضراء تزدحم بالسكان
لكنها تسعهم جميعا
ــــــــــــــ
النخيل فى مصر
يوحى بالأمان والاستقرار
وعلى الرغم من أنه لا ينشر الظل
فهو يقدم التمر الحلو للمصريين
ويزودهم بالجريد لتسقيف بيوتهم
والخوص لربط أمتعتهم ، وصناعة أقفاصهم
وأخيرا الخشب الذى يستخدمونه
فى بناء دور عبادتهم
ــــــــــــــــ
وسماء مصر صافية طوال العام
وتمر بها فقط بعض السحابات البيضاء
الخالية فى الغالب من المطر
ولماذا المطر .. والنهر يجرى من تحتهم ؟
ومهما زادت الشمس من حرارتها
فإن جلسة فى ظل شجرة توت
أفضل من أى مكان مكيف فى العالم
أما طيور مصر ..
فتقتصر على اليمام الوديع ، والعصافير
وهناك الحدأة السوداء الغاضبة دائما
والتى أصبحت أعدادها فى تناقص ملحوظ
وبالنسبة ل(أبو قردان) الذى كان يطلق عليه
صديق الفلاح بسبب مصاحبته الدائمة له
فقد اختفى مع الأسف من الحقول
نتيجة الإسراف فى استخدام المبيدات !
ـــــــــــــــــ
والغنى فى مصر فاحش
وأحيانا متوحش
لكنه لا يدوم طويلا كما فى بلاد الغرب
وكثير ما تتهاوى جدرانه على ساكنيها
بسبب الإسراف وتبديد الأبناء والأحفاد
أما الفقر فهو الغالب
وهو فقر معجون بالصبر
ويحاول أن يدارى قلة حيلته .. بالقناعة
التى ما زال يؤمن بأنها : كنز لا يفنى !
والفقير المصرى يتعب كثيرا بالنهار
لكنه ينتهى فى المساء بالشعور بالرضا
وهذا ما يجعله ينام قرير العين
ولا يشغل باله بما يسمى : استراتيجيات !
ـــــــــــــــــ
وفيما يتعلق بإيقاع العمل
فهو بطىء جدا
وخاصة إذا ما قورن بمثيله
لدى شعوب أخرى
كما هو الحال فى أمريكا وأوروبا
والصين واليابان ..
فهل يرجع السبب إلى كثرة عدد العاملين
عن حجم العمل الطلوب ؟
أم إلى جينات متوارثة
تفضل البطء على السرعة
وتؤجل عمل اليوم إلى الغد ؟
ـــــــــــــــ
ومع كل ذلك ،
وعلى الرغم منه ،
فإن كثرة السلبيات فى مصر
لا تحول أبدا دون عشقها
والذوبان فيها
فأنا أحبها كما هى ..
بكل مزاياها وعيوبها
بكل انتصاراتها وانكساراتها
بأبراجها الحديثة ، وبيوتها المتهرئة
وحين أتمشى فى أحيائها المملوكية
أحب دائما أن ألمس حجارة مساجدها
وأجلس لأستريح أحيانا على بعض أرصفتها
كما أفضل ــ على سماع أى أوبرا عالمية ــ
أصوات باعتها الندية
وهم ينادون على فاكهتهم !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 |
