|
صدأ العقل
للدكتور حامد طاهر
ـــــــــــــ
كما تصدأ المعادن
بفعل عدم الاستخدام
ومرور الزمن ، وتركم ارطوبة والغبار
فإن العقل يصيبه الصدأ
عندما يتوقف عن العمل .
وعمل العقل يتمثل أساسا
فى إنتاج الأفكار ، وتقليبها
والتأمل المستمر فيها
والانتهاء بمعارضتها أو الموافقة على الصحيح منها
والواقع أن العقل مثل القلب تماما
فهو من الأعضاء
التى وضعها الله فى الإنسان
لتظل تعمل منذ النشأة حتى الموت
وفى البداية ..
يعتمد العقل على المشاهدات الحسية
فيدرك أن الاقتراب من النار يحرق
وأن الوقوع فى البحر دون معرفة السباحة يغرق
ومع مرور الوقت
يبدأ فى التعرف على ما ينفعه ويفيده
كالطعام الجيد
وأن الناس قسمان :
أحدهما طيب يستحق الصداقة
والآخر مؤذ ينبغى البعد عنه
وعندما يزداد تطور العقل
يدرك جيدا : من أين تؤكل الكتف
أى المداخل التى تحقق له الفائدة المرجوة
فيتقرب ، ويجامل ، ويتودد ..
حتى يحصل على ما يريد
والعقل قد يخطئ فى حساباته
وهذا لا يعنى خللا فى تركيبه
وإنما الخطأ فى سوء التقدير الذى اقام عليه حساباته
وهنا فارق كبير
فأن الخطأ يأتى للعقل من عدة جهات :
فأحيانا يقوم حكمه على معلومات ناقصة ،
أو مغلوطة
وأحيانا لا يرتب الأمور بالمنطق العقلى
وإنما بالهوى والرغبة الشخصية
وأحيانا يتسرع فى استخلاص النتيجة
بدلا من أن ينتظر لتخرج بصورة طبيعية من مقدماتها
وأحيانا يصغى لآراء الآخرين
على سبيل المتابعة أوالمجاملة أو النفاق .
ـــــــــــــ
وهناك من يعتقد
أنه يجب أن يريح عقله ــ على غرار جسمه ــ من العمل
وهذا خطأ فادح
فكما لا يتوقف القلب عن الخفقان
يظل العقل فى حالة عمل مستمر
والأمر أشبه براكب الدراجة الهوائية
الذى يسقط .. إذا توقف عن التبديل !
ــــــــــــ
إن التاريخ العلمى يحدثنا عن أفراد قلائل
ممن شغّلوا عقولهم بأقصى درجة
فتوصلوا إلى اختراعات لم يتخيلها باقى البشر
وتلك الاختراعات
هى التى انتقلت بها الإنسانية من حال إلى حال
مثل اختراع القطار البخارى ،
والكهرباء ، والطائرة ،
والقنبلة الذرية ، والتليفون المحمول ..
ـــــــــــــ
لكن فى المقابل من هؤلاء الأفراد الأفذاذ
يوجد الكثير من الناس
الذين يمتلكون ــ مثلهم ــ العقول
ولا يريدون أن يشغّلوها ولو بأقل درجة
فيهتمون بتقوية أجسادهم
وتعظيم ممتلكاتهم
وتوسيع دائرة سمعتهم
ثم ما يلبثون أن يغادروا الحياة
وعقولهم لم تعمل أبدا ،
أو لم تعمل إلا نادرا
وفى نطاق شخصى محدود
وإذا حدث أن فتحناها
لنعرف ما حدث لها
فسوف نجد أنها قد تقلصت
وصغر حجمها كثيرا
وعلا تجاويفها الصدأ
وصارت جزءا من الجثمان
الذى ينتهى به الحال
إلى التحلل فى تراب الأرض .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 |
