|
البحر وألوانه الثلاثة
للدكتور حامد طاهر
ــــــــــــــ
من خلال شقتى الصغيرة بالإسكندرية
أستطيع أن أشاهد من شرفتها
مقطعا محدودا من البحر ..
ولأننى من عشاق النظر إليه
دون الدخول فى عمقه
أو حتى الاقتراب من أمواجه
التى تتكسّر على الشاطئ
فإننى شديد الملاحظة لأحواله :
ـــــــــــــ
فهو تارة ..
وحين يكون الجو صحوا
والشمس مشرقة
والسحاب الأبيض الذى يشبه القطن المندوف
ينساب إلينا من ناحية أوربا
أجد لونه أزرق ، شديد الزرقة
وأحيانا فاتحا فى لون السماء من فوقه
وتلك هى أجمل اللحظات عندى
ويزداد جماله
عندما تعبره باخرة من البعد
بطيئة ، لكنها لا تتوقف
وأتخيل ركابها القادمين إلى مصر
فى غاية السعادة لرؤية موانيها
وخصوصا أضواءها فى الليل
فقد سبق لى أن مررت بنفس الشعور !
ـــــــــــــــ
أما اللون الثانى للبحر
فهو مثل عكارة الترع فى الريف المصري
التى يمتزج فيها الماء بالتراب والطمى
وهو لون رمادى قاتم وكئيب
تعلوه سماء ملبّدة بالغيوم
ولا تظهر فيه الشمس ..
وفى هذا الوقت
لا تكاد تجد طائرا يحلّق فوق الماء
ولا مركب صيد يبحث عن رزقه
أما الرياح ، فصوتها يشبه
أزيز الطائرات المتقطع
والموج يعلو إلى حد الجنون
وإذا هبط فلكى يرتفع من جديد
والناس هنا يصفون هذه الحالة
بأنها : غضب البحر
وهو تعبير صادق جدا
لأنه بالفعل يكشّر عن أنيابه
ويكاد يقول بصوت عال :
ــ أتحدى من يجرؤ على الاقتراب منى
أو يحاول اللهو على شطآنى !
وفى هذه الحالة
لا أجد ما أفعله سوى إغلاق شرفتى
والتقوقع على ذاتى
حتى يهدأ غضب هذا العملاق
ويعود إلى صفائه .
ــــــــــــــــ
ثم هناك اللون الثالث
وهو اللون اللازوردى
الذى يجمع بين الأزرق والأخضر
وهذا اللون النادر لا يظهر على طول الشاطئ
وإنما فى بعض الأماكن فقط
إنه اللون الذى يجعلنا
نتخيّل أنهار الجنة ..
وهو لون لا يدوم طويلا
بل إنه يبدو مثل زيارة حبيب مهاجر
ما يكاد يظهر حتى يختفى ..
ومشكلة هذا اللون العجيب
أنه يحعلنا ننتظر دائما رؤيته
فهو يملأ قلوبنا بالشوق إليه
ثم يتركنا نحصد مرارة هذا الشوق !
ـــــــــــــــ
تلك هى الألوان الثلاثة
التى يتبدّى فيها البحر
فهل يريد أن يخبرنا
أن الحال لا يدوم لأحد ،
أو أن الإنسان مثل حال البحر
متعدد الوجوه ،
أو أن بعض من نتعامل معهم من البشر
لهم من الوجوه
أكثر مما لدى البحر !
ـــــــــــــــــــــ
 |
