|
نحن والمنهج
للدكتور حامد طاهر
ـــــــــــــ
من أكبر العيوب
التى يعانى منها العالم العربى
عدم اهتمامه بمبادئ المنهج العلمى ،
ولا بأصوله ،
ولا بتاريخه وتطبيقاته
التى ارتبطت بها النهضة العلمية
وتكاد تشمل العالم كله
دون أن تستثنى أحدا أو بلدا !
ــــــــــــــ
إننى أقوم بتدريس هذا الموضوع الحيوى
فى الجامعة المصرية
منذ الثمانينات وحتى اليوم
وبالتأكيد تخرج العديد
من تلاميذى النجباء
وكنت أتوقع منهم
أن ينشروا الوعى به
لكنهم ما لبثوا أن ذابوا
فى معترك الحياة اليومية
ولهم العذر فى ذلك .
ــــــــــــ
وفيما يلى سوف أطرح
بعض الأسئلة البسيطة جدا
لتوضح مفهوم المنهج لمن لم يعرفه :
ماذا يعنى المنهج ؟
خطوات متدرجة تساعدنا على الوصول
إلى نتيجة صحيحة ونافعة .
وما أهميته ؟
يوفر علينا الوقت والمجهود ،
ويجنبنا السير العشوائى فى العلم ،
كما فى الحياة .
وهل هو سهل أم صعب ؟
سهل جدا لمن يقف على
تاريخه ومنجزاته
وما هو تاريخه باختصار ؟
يرجع ظهوره إلى منتصف القرن 17 ،
حين نجح العلماء وبعض الفلاسفة
فى إسقاط المنهج التقليدى القديم
والمعروف بـ منطق أرسطو
وإحلال المنهج الجديد مكانه
وهو المعروف بـ المنهج التجريبى
الذى ثبت أنه يقف وراء كل الإنجازات
العلمية المبهرة التى غيّرت وجه العالم
ومن أشهر من دعا إليه :
فرانسيس بيكون من بريطانيا
وديكارت من فرنسا .
وما الفارق بين المنهجين ؟
منهج أرسطو
يبدأ بوضع القاعدة العامة
ثم يطبقها على الجزئيات
وهو منهج ذهنى فى الأساس
يهتم بدقة الألفاظ وصحة بناء العبارات
ولا يقيم اعتبارا كبيرا للواقع
أما المنهج التجريبى
فيقوم على الاهتمام بالجزئيات
وجمع الملاحظات عنها
فى حال سكونها وحركتها ،
واتصالها وتباعدها ..
ثم الخروج من ذلك بالقاعدة العامة
ووسيلته الرئيسية
هى الملاحظة والتجربة .
وهل هذا الفارق مؤثر ؟
بالتأكيد ،
لأن منطق أرسطو لا يتطلب منك
سوى الجلوس فى مكانك
وترتيب الحقائق والألفاظ
لكى تخرج منها بنتيجة معينة
أما المنهج التجريبى
فيلزمك بالخروج إلى الطبيعة
واستقاء المعلومات مباشرة منها
ثم إجراء التجارب المتعددة
سواء فى المعمل ، أوعلى أرض الواقع
حتى تظهر النتيجة العملية
وهكذا يمكن القول بأن :
منهج أرسطو ذهنى
والمنهج التجريبى عملى واقعى .
ما هى خطوات المنهج التجريبى ؟
الملاحظة الدقيقة لمشكلة معينة
وجمع أكبرقدر من المعلومات عنها
وتصنيفها فى قوائم
ثم تخيّل حل خاص لها
وهو مايسمى بـ الفرض العلمى
ثم القيام بتطبيقه فى المعمل أو فى الواقع
فإذا نجح .. أصبح قانونا علميا
يمكن تعميمه على كل المشكلات المماثلة
وإذا لم يتحقق .. اتجه البحث عن حل آخر
وهكذا تسير الأمور فى كل مجالات التقدم
التى نشاهدها حاليا فى العالم :
فى أدوية الأمراض ،
وتصنيع الآلات والروبوتات ،
وإقامة الجسور، وتسريع وسائل النقل ،
وتخطيط المدن ،
وتطوير تكنولوجيا المعلومات ..
هل يوجد مثال لتطبيق هذا المنهج
على مجال واحد فى حياتنا ؟
خذْ مجال التعليم
يمكنك تبعا لمنهج أرسطو القديم
أن تجلس وحدك أو فى لجنة
وتضع استراتيجية لإصلاح التعليم
ثم تقرر تطبيقها على كل المدارس
وبعدها سوف تفاجأ باختلافات عديدة
سواء فى المدارس أم فى المحافظات
أما إذا اتبعت المنهج التجريبى الحديث
فعليك أن تبدأ أولا
برصد حالة كل مدرسة على حدة :
إمكانياتها، وبيئتها، وعدد معلميها ،
وتلاميذها ، وثقافتهم التى نشأواعليها ..
وبناء على هذه المعطيات ،
تقوم بوضع الاستراتيجية المناسبة
بشرط أن تطبق فى البداية
على مجموعة مدارس فقط
ومتابعة سيْرالعمل بها
فإذا نجحت فيها .. تم تعميمها
وإذا لم تنجح ..
جرى البحث عن استراتيجية أخرى
حتى نصل فى النهاية إلى الحل الأمثل .
والله ولىّ التوفيق .
ــــــــــــــــــــــــــ
 |
