عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
أمريكا العظمى من التسامح إلى التعصب صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الخميس, 09 فبراير 2017 00:00

 

أمريكا العظمى من التسامح إلى التعصب

ونظرة فى شيوع الإرهاب

للدكتور حامد طاهر

 


المتأمل فى مسيرة التاريخ الأمريكى ــ وهو بالمناسبة تاريخ حديث نسبيا لا يزيد عن مائتى وخمسين عاما فقط ــ يجد أن هذه الدولة العظمى ، التى أصبحت أقوى وأغنى دولة فى العالم قد احتضنت منذ نشأتها العديد من مختلف الجنسيات: الأوربية والإفريقية والآسيوية .


ولا شك أن هذا التعدد والتنوع إنما قام على مبدأ أخلاقى هام وهو التسامح الذى لا تنهض أى حضارة أو دولة كبرى إلا على أساسه . أمر آخر هو أن المساحة الجغرافية الشاسعة التى استوطنتها هذه الأعراق المختلفة قد ساعدت هذا المبدأ على التطبيق الفعلى ، حيث أصبح لكل وافد جديد إلى أمريكا إمكانية أن يمتلك قطعة الأرض التى يقدر على زراعتها ، والمنجم الذى يستخرج منه الفحم او المعادن ، والمشروع الصناعى أو التجارى الذى تتطلبه الجماهير ويوفر له الأرباح الهائلة .


ومما يذكر أن السلطات القائمة قد وضعت من القوانين واللوائح ما جعل نشاط الأفراد يتوسع ويزدهر دون أن يصطدم أو يتعرقل بأى عوائق إدارية أو روتينية كالتى كانت مستقرة فى القارة الأوربية العجوز ! أما الأمر الثالث فيرجع إلى قدرة الأمريكان على توحيد ولاياتهم الإحدى والخمسين فى كيان سياسى واقتصادى وعسكرى موحد . وبالطبع لم يحدث هذا إلا بعد أن خاضوا حروبا أهلية ومن بينها حروب الشمال والجنوب وأخيرا استقر الوضع بإعلان قيام : الولايات المتحدة الأمريكية ، والتى يرمز إليها بــ : usa .


تلك هى باختصار شديد قصة النجاح الكبرى التى حققتها أمريكا فى بداية نشأتها ، وكان من أهم ما يميزها هو مبدأ التسامح الذى كان يتيح لكل مواطن أن يمر ، ويدع غيره أيضا يمر .. الشىء الوحيد الذى كان يعكر الجو الأمريكى هى تلك النظرة الدونية إلى الزنوج من جانب الوافدين البيض القادمين بصفة خاصة من القارة الأوربية . وقد استمرت هذه النظرة السيئة عشرات السنين حتى استعاد الزنوج الأمريكان حقوقهم المسلوبة وحصلوا على المساواة التى كان من أهم تجلياتها وصول أوباما كأول رئيس لأمريكا من أصول إفريقية .


لكن الأمور ما لبثت أن تغيرت ، وخاصة حين تدخلت أمريكا لإنقاذ أوربا من شراسة الزعيم الألمانى هتلرالذى فجّر الحرب العالمية الثانية وتملكته فكرة احتلال أوربا كلها وما يتبعها من مستعمرات خارج حدودها . وقد نقل انتصار أمريكا الساحق على ألمانيا وحليفتيْها إيطاليا واليابان وضع أمريكا من دولة محلية غنية إلى أقوى دولة عالميا ولا سيما بعد استخدامها السلاح الذرى الفتاك ضد اليابان ، لكن بقيت مشكلة امتلاك الاتحاد السوفيتى لهذا السلاح ، الأمر الذى جعل أمريكا تتخوف على نفسها منه ، ولذلك راحت تمتد بينهما الصراعات وظهر ما سمى حينئذ بالحرب الباردة ، ومن خلالها راح كل طرف يضرب الآخر تحت الحزام وخاصة فى الدول الصغيرة التابعة له مثل كوريا وفيتنام وأفغانستان ، ثم انتهى الحال بتفكك الاتحاد السوفيتى نتيجة عوامل ذاتية فى بنيته السياسية والاقتصادية ، وهكذا خلا الجو لأمريكا لكى تنفرد وحدها بالقوة والسيطرة العالمية والنفوذ على كل دول العالم .


فى حالة أفغانستان ، التى كانت تحت الاحتلال السوفيتى ، لجأت أمريكا إلى إخراجه من هناك ، ليس بقوتها العسكرية ، وإنما باصطناع مجموعات مختارة من بعض الدول الإسلامية ممن أطلق عليهم مصطلح المجاهدين وقد زودتهم بالسلاح اللازم وساعدتهم بالتدريب والتمويل لكى يقوموا بمواجهة السوفييت حتى تم لهم النصر، وخرج الآتحاد السوفييتى من البلاد .


لكن ماذا فعل هؤلاء المجاهدون بعد حروبهم فى أفغانستان ؟ عاد كل منهم إلى بلده وهو مزود بتجربة عسكرية لا بأس بها ، وشحنة نفسية هائلة ، وتصميم على مواصلة الجهاد ضد بلده نفسها ! أما الذين بقوا فى مواقعهم داخل أفغانستان فقد كوّن منهم أسامة بن لادن تنظيم القاعدة وعمل على ربطه بجميع الذين رحلوا . ومن الملاحظ أن أمريكا أوقفت دعمها لهم مما دفعهم إلى التحول لمعاداتها ، وانتهى بهم الأمر إلى الهجوم المباشر عليها فى أحداث سبتمبر 2001 . التى أصبحت تاريخا لقيام أمريكا بمحاربة الإرهاب (الإسلامى) فى داخلها كما فى كل أنحاء العالم .


فى هذا الجو المشحون ، وحالة التخوف الدائم من ضربات إرهابية مجهولة ، أصبحت تقع فى مناطق مختلفة من العالم ــ كرّست الدول كلها وبدون استثناء نفسها لمحاربة الإرهاب ، وراحت وسائل الإعلام العالمية تتحدث أولا عن (الإسلام السياسى) ثم (الإسلام المتشدد) وأخيرا (الإرهاب الإسلامى) . ومن الحقائق المقررة أن العنف يولّد العنف ، كما أن التعصب يستتبع التعصب ، وأخيرا فإن الذى يتسبب فى نشأة ظاهرة سيئة يكتوى بنارها . وهذا ما حدث ويحدث الآن .


فالإرهاب لا يمارسه سوى أفراد أوجماعات قليلة جدا، ويمكن أن نتساءل : ألا يمكن معرفته وتحديده ؟ ومن الذى يدعمه أو يحتضنه ؟ وما هى مصادر تمويله ؟ وكيف يحصل على أسلحته المتطورة ؟ وإذا كانت الجيوش النظامية عاجزة عن القضاء عليه ، فلماذا لا تقوم قوات الصاعقة المدربة جيدا بهذه المهمة ؟


وعلى الرغم من أن كل دول العالم أصبحت مشغولة بخطر الإرهاب ، فإن بعض هذه الأسئلة ، إن لم تكن كلها ، تظل بدون إجابات مقنعة . أما أمريكا فهى تتجه اليوم تحت ضغط الإرهاب إلى التخلى عن المبدأ الذى قامت دولتها عليه وهو التسامح، وتنجرف بقوة فى طريق التعصب ، فتعلو بها الأصوات إلى طرد المهاجرين ومنهم المسلمون ، بل وتسعى لإقامة سور بينها وبين جارتها المكسيك ! وبالطبع يتمنى عقلاء العالم ألا تفعل هذا ولا ذاك .


أن التعصب بكل أنواعه لا يؤدى إلى خير ، بل إنه هو الذى يولّد الغضب والانزواء والحقد وحين يفيض به الكيل ينفجر فى كل جوانب المجتمع ، وقد يطال مجتمعات أخرى . ويؤكد تاريخ الحضارات كلها أنه ما من حضارة قامت واستمرت لعدة قرون إلا إذا كان التسامح هو شعارها وعدم التعصب هو السائد فيها . ومن المقرر أن أمريكا نفسها لم تنهض وتتقدم وتصبح أغنى وأقوى دولة فى العالم إلا بفضل مبدأ التسامح الذى انتهجته منذ قيامها وحتى الآن . لكن تلك النزعة الضيقة من التعصب الحالى هى أخطر ما يواجهها حاليا ، وقد يكون هو نذير انحدار مسيرتها الناجحة .


ـــــــــــــــــــــــــــــ

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الخميس, 09 فبراير 2017 00:07