عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الفصل الثاني صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 26 ديسمبر 2016 23:20

الفصل الثانى

الترجمة في العالم العربي


يدور الحديث فى الغالب عن الترجمة كتقديم لكثير من الدراسات الأدبية والعلمية ، سواء ما تناول منها العصور القديمة ، أو العصر الحديث . ويكفى أن نفتح أى رسالة جامعية تتعرض لتاريخ الأدب أو العلوم، فى العصر العباسى أو العصر الحديث ، لنجد فيها عنوانا خاصا بالترجمة ، وبالفائدة الكبرى التى حققتها، وأبرز أعمالها وأعلامها . ومن ناحية أخرى، فقد يجرى الحديث أحيانا عن الترجمة من جانبها الفنى الخالص ، أى الذى يبين طريقة ترجمة المصطلحات والعبارات ، وينبه إلى ضرورة مراعاة السياق ، وعدم الوقوع فى أخطاء الترجمة الحرفية([1]).


بل من الملاحظ أيضا أن يجرى تناول موضوع الترجمة فى إطار البحث عن مشكلات الكتاب العربى وتوزيعه ، على مستوى "الناشرين" ، كما حدث فى مايو 1973 ، حين دعت مجلة الكاتب الجزائرية إلى ندوة تجمع الناشرين ليبحثوا معاً "مشكلات توزيع الكتاب العربى" .. ومن بينها : الترجمة!


أما الغائب فعلا فهو الدراسة - أو الدراسات - التى تتناول الترجمة بنظرة مستوعبة تقوم على أساس منهجى بغرض الوصول إلى تحقيق عمل كبير ينهض بها . إننا بحاجة ماسة إلى ما ينبهنا إلى أهمية الترجمة فى حركة العلم والثقافة([2])، وهذا يتطلب أن نبين دورها الحيوى فى النهضة الحاضرة ، وأن نتتبع فى نفس الوقت تاريخها ، ونوضح خطوط تطورها ، ونضع لها الأسس والمعايير الكفيلة بتصحيح مسارها ، وتحقيق أهدافها ، باعتبارها أحد الروافد الرئيسية فى نهضة الفكر القومى ، ودفع حركة البحث العلمى والثقافة إلى الأمام .


ونحن عندما نتحدث عن الترجمة ، لا ينبغى أن ننظر إليها على أنها "غاية فى ذاتها" ، وإنما هى "مجرد وسيلة" لدفع وتطوير وتطعيم "حركة التأليف". وإذا ما علمنا أن العالم العربى كله يقدم 1% سنويًا من الإنتاج العالمى فى مجال التأليف- وأن 75% من هذه النسبة الضئيلة مخصص للكتب المدرسية والجامعية([3])- أدركنا على الفور أن حركة التأليف فى العالم العربى ضعيفة ، بل إنها متخلفة إلى حد كبير.


لذلك يجب تدارك النقص فيها ، والعمل على تنشيطها بمختلف الوسائل، وفى اعتقادنا أن أهم هذه الوسائل هى الترجمة .


الموضوع إذن حيوى ، وهو يفرض نفسه كضرورة ملحّة على حياتنا الثقافية المعاصرة ، كما فرض نفسه من قبل على أجدادنا فى العصر العباسى.


والمنهج الذى نفضل عرض هذا الفصل على أساسه يتكون من الخطوات التالية :


1- بيان أهمية الترجمة بصفة عامة ، وخطورتها فى بعض المراحل .


2- عرض تاريخى يربـط بين فترات الازدهــار الثقافى فى فكـرنــاالعربى ، وحركة الترجمة قديما وحديثا .


3- أهم مظاهر القصور فى الترجمة إلى العربية فى العصر الحديث .


4-اقتراح يتضمن عددا من الأسس والمبادئ التى يمكن أن تعتمد عليها حركة الترجمة ، وتصبح من التقاليد الثابتة لها .

 


أولا : أهمية الترجمة وخطورتها


تثبت التجربة الإنسانية أنه لا حدود للدور الذى تقوم به الترجمة فى تبادل أفكار الشعوب ، والتعبير عن الرغبات والمصالح ، وتوضيح وجهات النظر والتمهيد للاتفاقيات والمعاهدات ، وبالإضافة إلى ذلك كله، فهى - من الناحية الثقافية - المرآة التى يمكن للروح القومية أن ترى فيها نفسها بجوار الآخرين ، وبذلك فإنها تفتح بابا واسعا للمقارنة ، والمنافسة ، وطلب التقدم الغريزى فى طبيعة البشر.


وهى عبارة عن رحلة مفيدة جدا وممتعة معا ، يقوم بها العقل القومى لمشاهدة كل ما هو مختلف عنه ومن هذه الزاوية ، فإن الترجمة تساعد على سعة الأفق وتوسيع إطار المعرفة .


وأخيراً فإن الترجمة ستظل أهم الوسائل لفهم ما لدى الشعوب الأخرى من علم وثقافة ، ما دمنا لا نستطيع جميعا أن نتعلم كل اللغات ، وما دامت اللغة - وستظل - هى الأداة الرئيسية لفهم الآخرين ، والتفاعل معهم عن طريق التأثير والتأثر . يرى المسشترق ماسينيون أنه لا يوجد تأثير وتأثر حقيقى بين أمتين إلا عن طريق اللغة - ومع إمكانية مناقشة هذا الرأى إلا أنه يبرز الأهمية الكبرى للغة فى عمليتى التأثير والتاثر .


ثم إذا جاز لنا أن نستخدم "المجاز" فى تحديد الدور التى تلعبه الترجمة فى دورات الفكر المختلفة ، لقلنا إنه عبارة عن واحد من ثلاثة :

- فعندما يزدهر الفكر القومى لأمة ما ، تصبح الترجمة إليه نوعا من "التطعيم" الذى يحسن النسل ، ويساعد على إنتاج أصناف أقوى وأفضل كما هو مشاهد حاليا فى لغات الأمم المتقدمة .


- وعندما يتعثر هذا الفكر ، تصبح الترجمة نوعا من "التسميد" الذى يجدد شباب التربة ، ويمتزج بها مدعّما عناصرها الضعيفة .


- أما عندما ينحدر هذا الفكر ، فإن الترجمة إليه تغدو عندئذ عبارة عن عملية "نقل دم" تعيد ملء الأوعية والأوردة بدمٍ آخر قوى ، حتى يدق القلب من جديد.


ومن العجيب أن هذه "المجازات" الثلاثة يمكن أن تطبّق ، وتنطبق ، على فكرنا العربى فى مختلف مراحله التاريخية ، والتى سنستعرضها بعد قليل .


لكن فى المقابل من ذلك ، إذا كان للترجمة هذا الدور الحيوى فى حركة الفكر ، فلا ينبغى أن نغفل عن أنها قد تكون ذات أثر سئ أو خطير. ويتمثل ذلك فى ترجمة ما يمس أخلاق الأمة ، وشعورها القومى والدينى وخاصة فى أوقات الأزمات التى تمر بها .


كما أنه قد لا يكون للترجمة أحيانا أى أثر مفيد على الاطلاق . ويمكن الوقوف على ذلك من ترجمة بعض المؤلفات العلمية التى مضى على محتواها العلمى زمن طويل ، وتخطاها العلم المتجدد بمراحل كثيرة . ومن ذلك أيضا ، وفى كثير من الأحيان ، ترجمة روايات التسلية المنتشرة فى أوربا ، والتى لا تتلاءم مع ذوق الشعب العربى ومزاجة ، وخاصة فى تلك المرحلة الحرجة من نهضته الحاليه.


ومن الطبيعى أن يظل مقياس الحكم بالفائده وعدمها نسبيا ، إذ يمكن دائما أن يستحسن البعض ما لا يستسيغه الآخرون . ولكننا نعتقد أنه مع تزايد الإحساس بالمسئوليه الثقافيه ، وبالمسئولية القومية أيضا ، سوف تقترب بالتدريج الآراء المتباعدة ، ووجهات النظر المختلفة ، وربما التقت على أرض مشتركة.

 

ثانيًا : العرض التاريخى :


فى العصر الجاهلى ، كان العرب فى غالبيتهم بدوا : رعاة وتجارا بسطاء، والمسيحيون الذين عاشوا بينهم أميين ، واليهود طوائف منغلقة على نفسها ، وضنينة بما لديها من علم التوراة ، لذلك لا نتوقع أن نجد فى العصر الجاهلى حركة ترجمة بالمعنى المعروف وكل ما يمكن تصوره ، ولا ينبغى استبعاده ، هو وجود بعض الأفراد الذين كانوا يسهلون مهمة الاتصال "التجارى فى الغالب" بين القوافل العربية التى كان لها اتصال موسمى مع التجار الأجانب فى الشام والعراق واليمن([4])، كذلك كان الأمر يتطلب وجود نوع من الترجمة فى بلاط كل من الغساسنة "العرب التابعين لدولة الروم"، والمناذرة "العرب التابعين لدولة الفرس" على الحدود الشمالية لشبه الجزيرة العربية([5]).


وفى بداية ظهور الإسلام ، أثناء العهد المكى ، حدثت هجرة إسلامية إلى الحبشة . ويحدثنا التاريخ عن توافر شروط الترجمة الفورية فى ذلك اللقاء الشهير الذى جرى بين النجاشى ، والمهاجرين المسلمين ، والوفد القرشى الذى ذهب لاستردادهم([6]).


وبعد قيام الدولة الإسلامية فى المدينة ، يروى أن الرسول ،صلى الله عليه وسلم، حثّ زيد بن ثابت على تعلم اللسان العبرى لكى يقوم بدور الترجمة بينه وبين زعماء اليهود فى المدينة([7]).


ومع ذلك ، فإن كل هذه المظاهر البسيطة للترجمة لا تكوّن فى مجموعها ظاهرة عامة بحيث يمكن أن تكون لها تأثير واضح فى حياة المجتمع، وخاصة فى الجوانب العلمية والثقافية . وهذا يؤدى بنا إلى القول بأن الترجمة ثمرة حضارية لنشاط مجتمع معقد التركيب ، وأنها لا تنضج بصورة كافية لدى الشعوب ذات الحياة العفوية البسيطة .


ومما لا شك فيه ، أن العرب قد تحولوا بالإسلام تحولا جذريا ، وكان عليهم أن يخرجوا به من حدود شبه الجزيرة العربية ، لنشره فى الشام والعراق والهند ، وفى مصر وشمال إفريقية ، وهى مناطق كانت لها حضارات مختلفة ، ولها لغاتها الخاصة .


وهكذا مر العصر الأموى ( 40 - 132هـ ) - عصر المد الإسلامى السريع المدهش - دون أن نجد حركة ثقافية واسعة ، تشمل الترجمة ، وكل ما لدينا فى هذا العصر لا يخرج عن مثالين :


(أ‌) خالد بن يزيد ، والى الأمويون على مصر ، الذى يقال أنه كان ذا شغف بالكيمياء ، ويقال أيضا إنه ترجم فيها ، أو شجع بعض الأقباط على ترجمة بعض رسائلها([8]).


(ب‌) عمر بن عبد العزيز ( ت 101هـ ) الذى شجع على ترجمة بعض الرسائل فى الطب ، وهذا غير مستبعد ، نتيجة ضرورته فى الحياة العملية([9]).


لكن بمجئ العصر العباسى ( 132هـ ) أصبح فى حوزة المسلمين امبراطورية شاسعة ، ثابتة الدعائم تقريبا من الناحية العسكرية ، والسياسة الخارجية ، لذلك فقد أتيح للمسلمين فى العصر العباسى فرصة بناء حضارة مزدهرة ، وخاصة فى النواحى العمرانية ، والعلمية ، والثقافية . فالمنصور يبنى بغداد التى ورثت كلا من القسطنطينية والإسكندرية ، وكانتا أكبر مراكز الثقافة فى العالم القديم ، والمأمون يبنى "بيت الحكمة" وكان عبارة عن مؤسسة ثقافية ضخمة :


- خصص فيها مكانا لسكنى المترجمين . ومن الجدير بالذكر أن هذا العمل لم يحدث فى أى حركة ترجمة حتى الآن ! جلب إليها كل ما أمكن العثور عليه من مخطوطات فى شتى الثقافات التى وجدها العرب ، وبمختلف اللغات : عبرى ، فارسى ، هندى ، سريانى ، يونانى . ويلاحظ أن هذا يحدث حاليا فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان ، كما كان يحدث على نطاق واسع فى الاتحاد السوفيتى السابق.


- كانت تجرى فيها عمليات الترجمة ، والمقابلة ، والتصحيح .


- كانت تحت إشراف الخليفة نفسه.


ومع ذلك ، فقد كان لتشجيع أثرياء ذلك العصر أثره البالغ فى دفع الحركة الثقافية بصفة عامة ، وحركة الترجمة على نحو خاص . ولا ننسى فى هذا المجال الأثر الطيب الذى تركه البرامكة ، وأسرة ابن شاكر([10]).


ويلاحظ أن الترجمة أصبحت فى هذا العصر مهنة أو حرفة يرتفع بها أصحابها إلى أعلى المناصب ، نتيجة اتصالهم بالخليفة نفسه ، كما كانوا يتلقون على عملهم فيها أجزل الرواتب والمنح ، حتى أننا لا نكاد نصدق ما يروى من أن مكأفاة الترجمة كانت أحيانا تقدّر بوزنها ذهبا([11]).


وهنا لا بد من تسجيل عدة ملاحظات :


الأولى : أن معظم المترجمين فى البداية كانوا مسيحيين أو يهودا "حنين بن اسحاق ، وثابت بن قرة" ثم بعد ذلك بدأ المسلمون يسهمون فى الترجمة "الكندى"([12]).


الثانية : طواعية اللغة العربية فى استيعاب ما نقل إليها وقدرة أهلها حينئذ على صك وتطوير المصطلحات العلمية والفلسفية الجديدة .


الثالثة : كان أهم ما ترجم فى العلوم : الحساب ، والطب والفلك ، والهندسة، والنبات بالاضافة إلى الفلسفة ، وأهم ما أعجب العرب من هذه الأخيرة هو القسم الخاص بالمنطق([13]).


الرابعة : أن الترجمة عن اليونانية لم تكن تتم فى البداية إلى اللغة العربية مباشرة ، وإنما كانت تتم إلى السريانية ، ثم إلى العربية ، وكثيرا ما وجد العرب المؤلفات اليونانية ذاتها مترجمة للسريانية . ومن ناحية أخرى فإن ما ترجم عن الفارسية والهندية كان أقل من ذلك .


والسؤال الآن : لماذا كانت الترجمة عن اليونانية " أو السريانية أكثر من الفارسية ؟


ويمكن الإجابة بأن الفرس أنفسهم كانوا قد اعتنقوا الإسلام ، وتعلموا اللغة العربية ، بل أجادوها إلى الحد الذى فاقوا فيه العرب أنفسهم فى مجال التأليف بها: سيبويه فى النحو ، وابن قتيبة فى الأدب ، وعبد القاهر الجرجانى فى البلاغة " كما يلاحظ أن كثيرا من مفكريهم كانوا يكتبون باللغتين العربية والفارسية " ابن سينا ، والغزالى فيما بعد " ، وبالاضافة إلى ذلك ، كانت قد تمت بالفعل ترجمة كثير من عناصر الفكر اليونانى إلى اللغة الفارسية ، ودخل فى تكوين الفرس أنفسهم ، وربما كان هذا أحد الأسباب التى ما زالت حتى اليوم تدهش العرب ، وهى غلبة العنصر الفارسى للمؤلفين على العنصر العربى فى ميدان الحضارة الإسلامية .


وسؤال آخر : لماذا لم تحدث حركة الترجمة إلى العربية فى الأندلس "أسبانيا المتاخمة لأوربا" والتى بدأ المسلمون فى السيطرة عليها مع بداية الدولة العباسية ؟


ويمكن الإجابة بأن معظم التراث الأجنبى كان قد تم نقله إلى العربية بالفعل فى العصر العباسى الأول .. وما أن استقرت الحضارة الإسلامية فى الأندلس حتى تلقت هذا التراث - معرّبا جاهزا - من بغداد، ونحن نقرأ كثيرا عن الرحلات الكثيرة التى كان يقوم بها علماء الأندلس إلى كعبة العلم المشرقية "بغداد " ، ثم ما تبع ذلك من " حركة محاكاة " أندلسية لكل ما هو " مشرقى [أى بغدادى أو شامى] فى المجالات الأدبية والاجتماعية على السواء .


وإذا كانت حركة الترجمة فى العصر العباسى قد تمت بكفاءة واضحة فى أغلب الأحيان ، فإنها ، كأى عمل إنسانى ، لم تسلم من بعض مظاهر القصور ، فعلى الرغم مما امتازت به فى مجال التحقيق ، والضبط ، والتثبت من النص ، والحفاظ ما أمكن على معناه ، وإيجاد المصطلحات المناسبة له - كان يحدث أحيانا أخطاء ، كما وقع مثلاً فى نسبة كتاب عن الفلسفة الأفلاطونية المحدثة "وهى نزعة روحية شرقية متأثرة بالفلسفة اليونانية" ، إلى أرسطو "وهو صاحب فلسفة عقلية ، طبيعية كما نعلم" ، وقد تسبب هذا الخطأ فى توجيه جانب من الفلسفة الإسلامية ، لزمن طويل ، وجهة خاصة ، وأنتج لها مشكلات تتعلق بالتوفيق بين ما جاء فى الكتاب المشار إليه ، وبين ما هو موجود بالفعل لدى أرسطو فى سائر مؤلفاته الحقيقية([14]).. حتى جاء ابن رشد ( ت 556هـ ) فأصلح هذا الخطأ ، عندما قام بشرح وتلخيص مؤلفات أرسطو على أساس علمى موثق([15]).


أما المظهر الثانى للقصور ، فقد حدث فى مجال الأدب ، وذلك عندما أغفلت أو استبعدت ترجمة المسرحيات والملاحم الإغريقية ، والتى كان من الممكن أن تؤدى إلى تطعيم الأدب العربى - الذى ظل حتى بداية القرن العشرين محافظا على شكليْه التقليديين من الشعر والنثر - ومن المعروف أننا أخذنا المسرح من أوربا ، التى أخذته بدورها من الإغريق ، فماذا كنا نتخيل لو أننا ترجمنا المسرح الإغريقى فى ذلك العصر ، وقدّم لأدبائنا فزودهم بوسيلة تعبير أخرى ، غنية ومركبة ، يحاولون فيها ، فيخطئون وينجحون ، على مدى عشرة قرون !


لقد قيل عن السبب فى عدم ترجمة المسرحيات الإغريقية أنها كانت تمتلئ بالإشارة إلى تعدد الآلهة ، وتصارعها فيما بينها ، ونزولها للمشاركة فى الصراعات الإنسانية ، وهذا يتعارض تماما مع أصول الدين الإسلامى الذى نادى بالتوحيد والتنزيه ، وقد يكون ذلك صحيحا إلى حد كبير ، لكننا من جانب آخر، نرى أن المسلمين قد ترجموا الفلسفة الإغريقية ، وأعجبوا كثيرا بأرسطو، الذى تخلو فلسفته من فكرة الألوهية ، لذلك فإننا نميل إلى أن الإحجام عن ترجمة الأدب المسرحى الإغريقى كان نوعا من مراعاة الشعور الدينى للمسلمين، وخاصة من جانب اليهود والمسيحيين الذين كان يتكون منهم معظم المترجمين .


على أننا لا نستبعد أيضا جانبا من القصور فى فهم الشعر المسرحى، ساعد عليه غياب"عملية الإخراج " التى تعين على فهم هذا الشعر ، وفى تصورنا أن المترجم العربى وجد نفسه أمام نص ، بارد أو معقد ، ملئ بالحوار ، ومطعم بالأناشيد الجماعية " أغانى الجوقة " .. لكنه بعيد عن خشبة المسرح التى تعطى لهذا الحوار حرارته وحيويته ، فما كان منه إلا أنه استبعد مثل هذا النص ، وذلك بالإضافة طبعا إلى أنه كان يتطلب مشاركة النساء فى التمثيل على نحو علنى أمام الجمهور ، وهو الأمر الذى لم يكن مقبولا فى المجتمع الإسلامى .


وعلى الرغم من مظاهر القصور تلك التى أشرنا إليها ، فإن حركة الترجمة إلى العربية فى العصر العباسى الأول ، قامت بدور هام فى دفع الحركة العلمية والثقافية خطوات إلى الأمام ، ولا يكاد يوجد باحث واحد ينكر أهمية هذا الدور ، وتأثيره الضخم فى حركة التأليف التى أعقبت أو واكبت حركة الترجمة ، ويكفى مثالا على ذلك أن نتتبع تأثير منطق أرسطو، بعد أن تمت ترجمته إلى اللغة العربية ، فى معظم المؤلفات التى دونها المسلمون ، سواء فى مجال العلوم اللغوية والدينية ، أو فى العلوم الحكمية والتجريبية .


والنقطة التى نود أن نؤكد عليها فى هذا المقام أن المسلمين بعد أن تم لهم فتح بلاد الحضارات القديمة " وخاصة بلاد فارس والروم " أسرعوا باقتباس ما لديها من عناصر ثقافية وحضارية وجدوها مناسبة لهم ، وتمكنوا من مزجها بسرعة فى حضارتهم الصاعدة ، دون أن يثيروا مشكلات زائفة حول مشروعية هذا الاقتباس ، ويلفت النظر أنها كانت تجرى بموافقة أعلى سلطة فى الدولة ، وبتشجيع الأمراء ، وكبار الأثرياء .. وإذا كان قد ظهر للترجمة معارضون فى ذلك الوقت ، فإن هؤلاء المعارضين لم يطالبوا بإيقاف حركة الترجمة ، وإنما كان مطلبهم الأساسى - وهم حماة التراث العربى الإسلامى - ألا يطغى الوافد على الأصيل ، وأن يوضع كل منهما فى مكانه الصحيح([16]).


لقد ظلت الحركة الفكرية فى أوربا خامدة ، طيلة العصور الوسطى، حتى استيقظت أخيرا على النهضة الإسلامية التى ازدهرت فى الأندلس ، وهنا أسرعت دول أوربا بـ :


1- إرسال أبنائها إلى التعلم فى الجامعات الإسلامية فى قرطبة وغرناطة وإشبيلية .


2- إنشاء الجامعات المماثلة فى إيطاليا وانجلترا وفرنسا .


3- القيام بحركة ترجمة واسعة ، من العربية أولا ، ثم بعد ذلك من اليونانية.


فكيف كانوا يترجمون من اللغة العربية ؟ - كانت عملية الترجمة تجرى بحضور :


أ- شخص أسبانى " يهودى فى الغالب " يعرف العربية ويتكلم لغة أسبانية محلية .


ب- شخص أوربى على معرفة بتلك اللهجة المحلية


جـ- شخص ثالث يجيد اللاتينية .


وتتم الترجمة بأن ينطق الشخص الأول الكلمة العربية ثم يقوم بتحويلها شفوياً إلى اللهجة الأسبانية ، وهنا يتلقاها الشخص الثانى ليحولها إلى اللاتينية الدارجة ، وأخيرا يقوم الثالث بتسجيلها ، بعد أن يحولها هو الآخر - حسب القواعد اللغوية - إلى اللاتينية المكتوبة .. ([17]).

ويمكننا أن نقف على مظاهر القصور فى هذه الطريقة فيما يلى :


1- الحرفية فى ترجمة النص جملة جملة ، أو كلمة كلمة ، وما يؤدى إليه من فقدان الترابط العام بين أجزاء النص .


2- الشفوية ، بمعنى أن العبارة تتحول مرتين على لسان شخصين مختلفين ، ومع تلافى المخاطر التى قد تذهب تمامًا بالمعنى ، فإنها تفقده الكثير من الظلال المحيطة به .


3- عدم المباشرة ، فالمترجم الفعلى هنا ، وهو الشخص الثالث لا يعرف العربية


ومن هنا جاءت معظم الأسماء العربية مشوهة فى اللغات العربية، كما فهم فيلسوف عربى كابن رشد على نحو خاص جدا . ومع ذلك ، فقد أدى هذا الفهم إلى إشعال الشرارة فى العقل الأوربى ، الذى بدأ يثور على سلطة الكنيسة حينئذ ، ويعود إلى الفكر اليونانى القديم ، بعد أن شاهد روعته عن طريق اللغة العربية ، لكى ينقله مرة أخرى ، بكثير من الدقة إلى اللغة اللاتينية ومنها انتشر إلى سائر اللغات الأوربية المعروفة حاليا .


إن مشروع استفادة أوربا من العالم العربى والإسلامى فى مجال الترجمة لم يظهر تماما فى كل أبعاده . ونحن نعتقد أنه على الباحثين الغربيين تقع فى المقام الأول مسئولية بيان دوافع هذا المشروع ، وآثاره المباشرة على الحضارة الأوربية الحديثة . ويوم يفعلون ذلك ، فإنهم يكونون قد أسهموا - علميا وإنسانيا - فى إزالة جانب كبير من سوء التفاهم القائم حتى الآن بين الشرق والغرب ، أو بصورة أدق ، بين أوربا والعالم الإسلامى .


لقد كان تأثير الحضارة الإسلامية عن طريق أسبانيا الإسلامية"الأندلس" أقوى بكثير منه عن طريق الشرق ، خلال الحروب الصليبية ، التى استمرت قرابة قرنين كاملين . ونحن نذهب إلى أن زيادة هذا التأثير إنما ترجع فى المقام الأول إلى الترجمة ، فهى الأسلوب الطبيعى لنقل الأفكار ، وبعث النهضة الثقافية، أما الاتصال الذى تمّ بين الأوربيين والمسلمين خلال فترة الحملات الصليبية فإنه لم يثمر نفس الثمرة ، لأن أهل أوربا لم يبذلوا من جانبهم أى محاولة جادة للتعرف على ثقافة المسلمين ، وانحصر كل ما عادوا به - بعد حوالى مائتى عام من الإقامة ببلاد الإسلام - فى بعض العادات الحربية ، وخيالات ألف ليلة وليلة !


وفى الوقت التى بدأت فيه أوربا تستيقظ على ثمار النهضة الإسلامية فى الأندلس ، كان العالم الإسلامى - وخاصة بعد سقوط بغداد على أيدى التتار - يدخل مرحلة طويلة من الركود العلمى والثقافى. ومن المعروف أن فترة حكم المماليك والعثمانيين قد عزلت العالم الإسلامى عن الشعوب الأخرى ، وانعدم الاتصال أو كاد ، فتوقفت الترجمة . أما التأليف ، أو بعبارة أدق : التصنيف ، فقد تراوح بين اختصار المؤلفات القديمة ، أو شرحها فى مطولات ، أو نظمها شعرا تعليميا لا حياة فيه([18]).


وفى العصر الحديث ، كانت لحملة بونابرت على مصر والشام (1798 - 1801 م) أثار بعيدة المدى ، ليس على هذين البلدين وحدهما ، وإنما على أجزاء العالم العربى والإسلامى كله ، فقد كانت هذه الحملة طليعة الاستعمار الحديث ، والصدمة التى أوقفت المسلمين على ما آل إليه حالهم . ومن حسن الحظ أن تلك الصدمة لم تفقد المسلمين وعيهم ، بل على العكس أعادت إليهم هذا الوعى بصورة حادة، فأسرعوا بمقاومة المستعمر الأجنبى ، فى نفس الوقت الذى أدركوا فيه أنه لابد عليهم أن يستفيدوا من خبرته لتعويض تخلفهم الطويل . . وكان أهم ما حدث فى المجال الثقافى أمرين سارا معا ، وربما بنسب متفاوتة :


الأول : تمثل فى العودة إلى التراث القديم بإعادة طبعه ، وتحقيقه ، ونشره ، وساعد على ذلك وجود المطبعة التى تركها نابليون فى مصر .


الثانى : القيام بحركة ترجمة فورية ، قادها فى مصر رفاعة الطهطاوى ، بالإضافة إلى نخبة من كبار المثقفين فى لبنان .


وهنا لابد أن نعترف بأن التحدى ، بالنسبة إلى العرب بالذات ، كان صعبا : فعندما قام العرب بحركة الترجمة الأولى فى العصر العباسى كانوا هم الفاتحين ، والحكام ، وذوى السلطان فى البلاد . أما فى حركة الترجمة الثانية ، فى العصر الحديث ، فقد كانوا هم الخاضعين والتابعين والمحكومين ، وما يمكن أن يستتبع ذلك كله من ضغط نفسى ومادى يقيّد حركتهم ، ويعوقهم أحيانا عن حرية الاختيار، بل ويفرض عليهم فى أحيان أخرى بعض الاتجاهات المعينة.


وإذا كانت الترجمة قد بدأت فى مصر ولبنان ، فإن اتجاه كل منهما فى هذا المجال كان مختلفا ، أما فى مصر ، فكانت الترجمة نتيجة للبعثات العلمية التى أرسلها محمد على إلى أوربا ، وخاصة فرنسا . وكان الغرض الأساسى منها عسكريا . وأما فى لبنان ، فنتيجة إنشاء االجامعة الأمريكية ومدرسة القديس جوزيف ببيروت ، وتعدد الإرساليات المسيحية للتبشير ، وكان الدافع وراءها دينيا وسياسيا .


والملاحظ أن الترجمة فى لبنان قد غلب عليها الطابع الأدبى والفلسفى ، فى حين غلب الطابع العلمى على بداية حركة الترجمة فى مصر. وإذا تساءلنا عن السبب فى ذلك ، وجدنا أن الترجمة فى مصر كانت موجهة من الدولة ، أو من محمد على مباشرة ، ومن هنا كانت خاضعة للاحتياجات العملية ، بينما كانت الترجمة فى لبنان متروكة لهوى الأفراد ، وكانوا متابينين فى ميولهم وثقافتهم .. ومع ذلك ، فقد عادت مصر تأخذ باتجاه لبنان ، فغلب عدد المؤلفات المترجمة فى الأدب على المؤلفات العلمية ( تشير إحصائية أجريت سنة 1973 إلى أن ما ترجم فى الآداب 1860 كتابا ، بينما بلغ فى العلوم 473 كتابا فقط )([19]).


وهنا يمكن أن نضع أيدينا على واحد من أهم مظاهر القصور فى الترجمة فى العصر الحديث ، وهو التركيز على جانب الدراسات الإنسانية أكثر من جانب العلوم التجريبية والبحتة ، مع أن الجانبين ، كما هو معروف ، لا ينفصلان ، ولا يمكن لأى حضارة أن تزدهر دون الاعتماد عليهما معا .


وفى هذا الصدد لابد من التعرض لدعوى تثار من وقت لآخر ، دون أن يحسم فيها برأى ، يتم الاتفاق عليه ، على الرغم من أهميتها الحيوية فى مجال نهضتنا الحالية : يرى أصحاب الدراسات التجريبية والرياضية أن الترجمة إلى العربية فى مجال تخصصاتهم غير مجدية ، لأن الطبيب بعد أن يتعلم الإنجليزية مثلاً يمكنه الرجوع بسهولة إلى المراجع المكتوية فى تلك اللغة ، دون الحاجة إلى استخدام اللغة العربية ، وكذلك الحال بالنسبة إلى المهندس ، وعالم الطبيعة ، والكيميائى ، وعالم الرياضيات.. الخ ، وهذه نظرة صحيحة ، لكنها تدور فى فلك ضيق ، إذ أنها رغم فائدتها العملية القصيرة المدى تنكر على المقدرة العربية أن تؤتى ثمارها على المدى الطويل ، بل وتبقى على تبعيتها المستمرة للغات الأخرى، وهذا ما يتنافى مع طبيعة شعب استطاع فى الماضى أن يستوعب" علوم الآوائل " وأن يقيم منها بناء خاصا به ، يحمل طابعه ويتمشى مع واقعه .


ولا يمكن لمعترض أن يقول : هذا رد متعصب ، فى عصر يتميز بالعالمية وتحطيم الحواجز بين الدول ، وخاصة فى مجال العلم والثقافة ، لأن الدعوة القوية إلى الترجمة - التى ندعو إليها بكل قوة - هى فى حد ذاتها ضد التعصب ، وهى إلى جانب ذلك تفتح باب الأخذ والعطاء ، باعتباره الباب الطبيعى إلى التقدم . والمطلوب إذن هو قدر من الجهد المخلص ، المنظم ، الذى يسعى إلى استيعاب التقدم الحالى لدى الشعوب الأخرى ، والتعبير عنه باللغة العربية . ومع أن هذا ليس بالأمر السهل ، فإن التجارب التى تمت حتى الآن تؤكد أنه ليس من قبيل المستحيل ( يقوم السوريون منذ فترة بتدريس الطب باللغة العربية ، وهو عمل يستحق التقدير والمحاكاة من باقى كليات الطب فى العالم العربى ، كما استطاعت الصحافة العربية أن تستوعب بلغتها البسيطة والمركزة أحيانا ، كل الأحداث العالمية ، وخاصة السياسية والاقتصادية والفنية ) .


وفى لقاءات متعددة مع بعض الإخوة فى الشمال الإفريقى وخاصة من تونس والجزائر ، سمعت بنفسى عدم الرغبة فى ترجمة الثقافة الفرنسية إلى اللغة العربية وقال لى بعضهم : ما الحاجة بنا إلى ترجمة فيكتور هوجو مثلاً ، وأنا أستطيع أن أقرأه بالفرنسية ، بل وأفهمه أفضل من فهمى لترجمة عربية له!


والواقع أن المشكلة لا تنحصر فى فائدة عملية ، مؤقتة وشخصية ، أى مقصورة على فرد واحد ، أو حتى على جيل بأكمله ، وإنما المشكلة خاصة بأجيال كثيرة قادمة ، وبمستقبل الأمة العربية كلها ، وبإحياء حضارتها الإسلامية التى أثبتت ذات يوم أنها قادرة على الأخذ والعطاء ، ومن ثم على التقدم والازدهار .

 


ثالثا : أهم مظاهر القصور فى الترجمة الحديثة :


لاشك فى أن الترجمة إلى اللغة العربية فى العصر الحديث ( والتى بدأها رفاعة الطهطاوى وتلاميذه الذين ترجموا حوالى ألف كتاب ) قد قامت بدور هام فى إطلاع العالم العربى والإسلامى على منجزات العلم الأوربية ، وتعريفه بكبار أدبائه ومفكريه ، ومن الملاحظ أن حركة الترجمة بدأت قوية ومنظمة ، ( وخاصة فى عهد محمد على ) ، ولكنها ما لبثت أن ضعفت وتشتت نتيجة إهمال الدولة لها ، وتركها فى معظم الأحيان لهوى الأفراد ممن يحسنون ، وممن لا يحسنون .. وسرعان ما تعرضت لعدد من أوجه القصور ومظاهره التى نجملها فى النقاط التالية :


1- عدم ذكر عنوان الكتاب المترجم بلغته الأجنبية ، وكذلك اسم مؤلفه .


2- تغيير عنوان الكتاب فى اللغة العربية رغبة فى جذب الانتباه، أو جريا وراء الصدى الصحفى .


3- عدم ذكر سنة تأليف الكتاب ، ومكان طبعه ، وعلى أىّ الطبعات اعتمد المترجم .


4- عدم ذكر اللغة المنقول منها الكتاب ، والاكتفاء أحيانا بعبارة " نقله إلى العربية أو تعريب فلان.."


5- عدم التقديم بمقدمة توضيحية ، تلخص مضمون الكتاب ، وتشير إلى الصعوبات ، وتبين قيمة الكتاب فى مجاله .


6- عدم التعريف بالأماكن ، والأعلام ، والأحداث التى تحتاج إلى تعريف .


7- عدم الإشارة فى الهوامش لما قد يقابله المترجم من غموض أو صعوبة فى كلمة أو جملة لا يوجد لها مقابل مناسب فى اللغة العربية .


8- عدم وضع أسماء الأعلام والأماكن بلغتها الأجنبية بجوار ما "يقترحه" المترجم لنطقها باللغة العربية .


9- عدم وضع الفهارس التوضيحية فى آخر الكتاب وأحيانا ما يهمل المترجم العربى فهارس الكتب الأجنبية ذاتها .


10- عدم ترجمة الطبعة الأخيرة من الكتاب الأجنبى مع ما نعرفه من سرعة تغير وتطور الأفكار لدى المؤلفين الأجانب فى العصر الحاضر .


11- عدم متابعة المترجمات بفهارس دورية فى كل بلد عربى ، وتبادل هذه الفهارس حتى نتجنب ترجمة الكتاب الواحد أكثر من مرة ( مع الإعتراف بأن تعدد التراجم فى مجال الأدب أمر مستحب ، وينبغى تشجيعه، نظرا لتعدد إيحاءات النص لدى المترجمين المختلفين) .


تلك هى - فى رأينا - أهم مظاهر القصور التى صحبت حركة الترجمة إلى العربية فى العصر الحديث ، ونحن نلفت الأنظار إليها لأن الكثير منها ، إن لم يكن كلها ، ما زال مستمرا حتى الآن .


لكن نقدنا لحركة الترجمة لن يكون إيجابيا إذا اقتصر فقط على تلمس مظاهر القصور ، لذلك سوف نقدم اقتراحا ، فى مجال إصلاح تلك الحركة ، يتكون من عدة نقاط ، يمكن أن تكون موضع مناقشة وتعديل . ولمزيد من الوضوح ، سوف نضع هذا الاقتراح فى هيئة إجابات على الأسئلة الخامسة التالية بالترتيب المنطقى الآتى :


1- من يختار الترجمة ؟


2- ما الذى نعطيه الأولوية فى الترجمة ؟


3- من الذى يقوم بالترجمة ؟


4- كيف تتم الترجمة ؟


5- ماذا بعد الترجمة ؟


1- من الذى يختار الترجمة ؟


يفرض هذا السؤال نفسه من واقع ما نراه فى الترجمة ، حتى الآن ، حيث أنها تعتمد فى أغلب الأحيان على هوى الأفراد ، وأمزجتهم الخاصة ، فقليل جدا من هؤلاء المترجمين هم الذين يدركون حاجة الفكر العربى الحقيقية إلى تطعيمه بفكر ما أجنبى .. قليل هم الذين يعرفون مواضع الضعف فى ثقافتنا ومواطن القوة فى ثقافة الآخرين .


أما المشروعات الجماعية التى تتولاها الدولة ، أو المؤسسات الثقافية فهى غالبا ما تكون جيدة ، لأنها تتبع خطة معينة ، وتحاول تحقيق هدف محدد ، ولابد من التنويه فى هذا الصدد بمشروعات مثل " الألف كتاب" فى مصر، وسلسلة المسرحيات العالمية التى تبنته وزارة الثقافة المصرية لفترة ثم خمد ، وسلسلة الروايات العالمية التى قدمتها دار الهلال ، ولكنها مع الأسف كانت تتم على نحو مختصر ، لا هو بالاقتباس ، ولا هو بالترجمة ، وفى الكويت هناك المشروع المستمر الخاص بترجمة المسرحيات العالمية ، وكذلك المجلة المتخصصة فى نشر أحدث المقالات العلمية والأدبية ..


لذلك تمس الحاجة إلى ضرورة إنشاء مجلس قومى للترجمة على مستوى العالم العربى كله ، يمكن أن يتكون فى إطار جامعة الدول العربية ، أو تحت إشرافها، ويكون أعضاؤه من شتى التخصصات فى الجامعات ، بالإضافة إلى الشخصيات الأدبية والعلمية والعسكرية والسياسية والصحفية ، وتكون مهمة هذا المجلس وضع سياسة متكاملة تحدد الأولويات ، والمجالات الأكثر حيوية فى ميدان الترجمة .


ومن المستحيل بالطبع أن يبدأ هذا المجلس من فراغ ، فلابد أن يكون بين يديه إحصائيات شاملة عما تم ترجمته حتى الآن ، بعد تصنيفه وتقييمه .


ويمكن فى هذا المجال ، بل هو من اللازم ، أن يكلف كل مبعوث من البلاد العربية إلى البلاد الأجنبية المتقدمة ، باختيار خمسة أو عشرة كتب أساسية فى مجال تخصصه ، على أن يقوم هو بترجمة واحد منها على الأقل .




2- ما الذى نعطيه الأولوية فى الترجمة ؟

 

قد تبدو الإجابة على هذا السؤال الهام من عمل المجلس المشار إليه، ولكننا نسارع فنقترح عليه :


- ترجمة دوائر المعارف العالمية ، العامة والمتخصصة ، فإن ذلك سوف يوفر ترجمة الكثير من المؤلفات السابقة عليها ، أو المعاصرة لها ، والتى اندمجت فيها([20]).


ولابد أن نعلن هنا أسفنا الشديد للتعثر -غير المبرر على الإطلاق- فى استكمال ترجمة " دائرة المعارف الإسلامية " حتى الآن إلى اللغة العربية، واقتصارها على جهد فرد واحد كان يقوم بها مشكورًا فى أسوأ الظروف([21]).


- مع الإعتراف الكامل بضرورة التكامل فى ترجمة الآداب والعلوم، إلا أن نهضتنا الحالية يلزمها التركيز على جانب العلوم والتكنولوجيا ، ولابد أن يفهم دعاة إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى العالم العربى أن رغبتهم لن تتحقق أبدا، ولن تؤتى ثمارها الحقيقية دون أن نعدّ لها العقلية التى تتقبلها، وهذا يستدعى أن نقدم الخلفية التاريخية التى تطورت فيها العلوم والتكنولوجيا ، مصحوبة بالمنهج العلمى الحديث ، الذى حل محل المناهج التقليدية القديمة . وهذا موضوع حيوى نرجو أن تتاح لنا فرصة معالجته فى بحث قريب .

 

3- من الذي يترجم؟


لاحظ مندوب العراق فى الأمم المتحدة أن الوقت الذى تستغرقه الترجمة الشفوية إلى العربية يستغرق ضعف الوقت الذى تستغرقه الترجمة إلى سائر اللغات الأخرى([22]) ، وهذه الظاهرة الخطيرة تشير إلى ضعف المترجم العربى حتى على هذا المستوى العالمى .


ويذكر الأستاذ إبراهيم زكى خورشيد من بين العقبات الخاصة التى تقف فى سبيل الترجمة " ندرة عدد المترجمين المجيدين الآن حتى أصبحوا لا يجاوزون أصابع اليد الواحدة "([23]).


والواقع أننا إذا ألقينا نظرة عامة على الترجمة المكتوبة اصطدمنا بالكثير مما يؤسف له : فالمترجم قد يجيد اللغة الأجنبية ولا يجيد العربية ، أو قد يجيد العربية ولا يجيد الأجنبية ، وأحياناً ما نراه لا يجيد الاثنين معا ، وهنا الكارثة !


ولذلك ينبغى إعداد المترجم إعدادا لغويا ، وتزويده بثقافة واسعة . ومن الطبيعى أن هذا داخل فى الارتفاع بمستوى تعليم اللغة العربية" وإعداد القواميس العربية الجيدة والمفيدة . (مما يؤسف له أن أفضل قاموس عربى حتى الآن هو القاموس الذى وضعه فير الألمانى ، وترجم إلى الإنجليزية( .


ثم يأتى الاهتمام بتعليم اللغات الأجنبية ، والتوسع فى إرسال الطلاب المتفوقين فيها إلى البلاد الأجنبية ذاتها ليعيشوا بين أهلها فترة من الوقت وهذا ملاحظ فى أوروبا على نحو ممتاز ، وخاصة فيما يتم من تعاون متبادل بين الطلاب فى انجلترا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا .


ولكى نعين المترجم على أداء مهمته الصعبة ، لابد أن نضع بين يديه القواميس متعددة اللغات ، bI - LangueS على أن تكون مسايرة للتطور السريع فيما يتعلق بصياغة وتطوير المصطلحات والتعبيرات الفنية اللازمة .


وأخيرا لابد أن تكون مكافأة الترجمة مجزية ، ونحن مع الأستاذ خورشيد فى دعوته إلى أن ترتفع قيمة الترجمة ، ولكننا نذهب إلى أن ترتبط مكافأة ترجمة كل كتاب بمدى قيمته ، والحاجة إليه ، بدلاً من حسابها بالملاليم والقروش !


4- كيف نترجم ؟


الترجمة أمانة ، وهى فى رأينا تتمثل فى :


1) المحافظة على المعنى "وهذا يستبعد أساسا الترجمة الحرفية التى تخلّ بالمعنى ، وقد تكون أحيانا معقدة ".


2) المحافظة على ظلال المعنى "وهذا يتطلب ضرورة نقل المجازات والكنايات وعبارات التعحب .. الخ ".


3) المحافظة على تقسيم الجمل ، ونظام الفقرات ، وعلامات الترقيم حتى نعيد للغة العربية نفسها دقتها ، ونجنبها خطورة الاستطراد ".


ولابد أن تتميز الترجمة بخاصيتين أساسيتين وهما : الدقة ، والوضوح .


وينبغى أن ننبه هنا إلى أن المترجم العربى كثيرا ما يخدع بقرب معنى تعبير أجنبى من تعبير عربى شائع فيسرع بتسجيله ، دون أن يتنبه جيدا إلى ما قد يكون بينهما من فرق دقيق ، والذى نقترحه فى هذا الصدد أن يتجنب التعبير العربى غير المساوى ، ويبحث عن "تركيبة لغوية" أخرى تكون أكثر أداء للمعنى الأجنبى.


وفى أحيان أخرى ، قد تتعذر ترجمة كلمة أو عبارة .. ومن تجربتى الخاصة فى مقارنة بعض الترجمات العربية على أصولها الفرنسية بالذات ، لاحظت أن المترجم يتخطاها ، دون أية اشارة .. ولو فى الهامش


إنه لا عيب أبدا من وضع الكلمة أو العبارة الأجنبية كما هى فى موضعها ، والإشارة إلى صعوبتها ، مصحوبة بالاقتراح العربى الذى يراه المترجم ملائما لها .


5- ماذا بعد الترجمة ؟


وهنا يبرز العديد من المشروعات التى يؤدى التكامل بينها إلى إحداث نهضة كبرى فى مجال الترجمة بصفة خاصة ، وفى ميدان الحياة الثقافية بصفة عامة، ومن بينها :


- انشاء سلاسل أو مجاميع collections متخصصة فى شتى فروع المعرفة الإنسانية ، كما هو الحال فى أوربا ، بحيث تحتوى مجموعة الطب مثلا على كل ما يمكن أن يتم ترجمته فى هذا المجال مع ضرورة تخصيص قسم من كل كتاب لبيان ما ترجم فى السلسلة .


- إنشاء مجلات متخصصة لنشر المقالات والأبحاث المترجمة عن اللغات الأجنبية ، والتى لا يبلغ حجمها كتابا كاملا "ومجلة الثقافة العالمية التى تصدر فى الكويت مثال جيد على ذلك " .


- متابعة جميع الترجمات بفهارس دورية ، موحدة المصدر ، توزع فى كافة أنحاء الوطن العربى ، حتى نتلافى توزيع الجهود فى ترجمة الكتاب الواحد .


- ضرورة متابعة الترجمة بحركة نقدية ، تقوم بتصنيف ماترجم ، وتقويمه ، وبيان مواطن الجودة فيه ، ومواضع القصور ، وتضع الاقتراحات الإيجابية التى تساعد المترجم نفسه على التجويد المستمر ، كما تبين لغيره الطريق الصحيح .


- تشجيع الترجمة بعمل المسابقات المتعددة والمتنوعة لأحسن كتاب يترجم فى مجاله ، وإنشاء الجوائز التشجيعية والتقديرية لمن بذلوا جهودا متميزة فى هذا المجال "ولا ينبغى أن يقتصر ذلك على مصر وحدها ، بل ينبغى أن تكون هذه الحوافز على مستوى العالم العربى كله" .


الترجمة والاقتباس:


وينبغى ألا نغفل عملية الاقتباس ، وهى عبارة عن نقل جوهر العمل الأدبى أو مضمونه - دون التقيد بحرفيته - من لغته الأصلية إلى لغة أخرى ، وفى رأينا أن الاقتباس يقف فى مرحلة وسط بين الترجمة والتأليف أو الإبداع ، ومن المعروف أن كل شعوب العالم تقتبس الأعمال الأدبية ، وخاصة المسرحية ، وبذلك لا تحرم أبناءها من مشاهدة جوهر العمل الأدبى "الأجنبى" فى بيئة قومية خالصة .


ومع ذلك ، فمن الأفضل ألا يحول اقتباس النص الأدبى دون ترجمته ، لأن الترجمة فى هذه الحالة سوف تفتح بابا واسعا للمقارنة بين المقتبس والمترجم ، ويمكن للمهتمين بالأدب المقارن أن يجدوا فى ذلك مادة خصبة للدراسة ، واستخلاص نتائج تساعد على تكوين جيل أدبى قادر على التأليف الخالص .


وفى ختام هذا الفصل يمكننا أن نقرر أن الترجمة مسئولية قومية ينبغى أن يجرى التخطيط الجيد لها ، وأن يتم تفيذها بكفاءة عالية ، من أجل تحقيق أهدافها الأساسية ، وفى مقدمتها : دفع حركة التأليف والإبداع إلى الأمام، وتنشيط الحركة الثقافية ، وتزويد الباحثين العلميين بأحدث ما ينتجه زملاؤهم فى بقية أنحاء العالم وتعريف أبناء العالم العربى والإسلامى بتجارب الشعوب الأخرى حتى يمكنهم أن يقارنوا به تجربتهم ، ويستفيدوا منها كلما أمكن ، وأخيرا فإن الترجمة كانت وستظل دائماً هى أهم وسيلة للتعارف بين الشعوب ، وهو الهدف الذى أشار إليه القرآن الكريم فى قوله تعالى ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) [ سورة الحجرات، آية 13]


إضافة :


وإذا كان العالم العربى محتاجاً اليوم إلى ترجمة العلم والتكنولوجيا ، فإنه فى المقابل من ذلك قادر على أن يقدم للعالم الكثير من إنتاجه الدينى والثقافى . وليس يعنى هذا أن يقوم هو بترجمة إنتاجه إلى اللغات الأخرى (فإن أصحابها يتوجسون دائما ممن يترجم لهم !) وإنما عليه أن يعرّف به ، وأن يدلّ المترجمين الغربيين عليه ، وأن يتم تشجيعهم على ذلك بالجوائز والمكافأت ، وأن يُغرى دور النشر الغربية للمساعدة فى هذا العمل ، فإنه بذلك يكون قد أسهم بدور فعال فى الحضارة المعاصرة ، وبطريق غير مباشر ، يكون قد حسّن من صورته التى تتعرض فى كل يوم للكثير من ضروب التشويه ، وعرض على العالم حقيقته التى تهاجم من كل جانـب .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


هوامش الفصل الثانى :




([i][1]) انظر : فن الترجمة للأستاذ صفاء خلوصى - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986.

([ii][2]) نشير هنا إلى كتابين : الأول بعنوان "فن الترجمة" للأستاذ محمد عبد الغنى حسن - الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 ، والثانى صغير الحجم نسبيا ولكنه جيد بعنوان "الترجمة ومشكلاتها" للأستاذ إبراهيم زكى خورشيد - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1985 .

([iii][3]) انظر : القسم الخاص بالترجمة ، المنشور بندوة مجلة الكاتب الجزائرية ، مايو 1973 .

([iv][4]) أشار القرآن الكريم إلى ذلك فى قوله تعالى { لإيلاف قريش ، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف } [سورة قريش الآية 1 ، 2] . وقد ذكر المفسرون أن رحلة الشتاء كانت إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام .

([v][5]) انظر : أحمد أمين ، فجر الإسلام ص16 وما بعدها .

([vi][6]) انظر حياة الصحابة للكاندهلوى جـ3 ص 195 تحت عنوان "تعلم الرجل لسان الأعداء وغيرهم للضرورة الدينية ".

([vii][7]) يشكك الأستاذ أحمد أمين فى معرفة زيد بن ثابت العبرية، "فجر الإسلام ص175" اعتمادًا على قصر المدة التى تعلمها فيها ، ولكن صغر سنه من ناحية ، وكونه من أهل المدينة المعاشرين لليهود من ناحية أخرى يساعدان على ذلك.

([viii][8]) يروى الجاحظ فى البيان والتبيين أن خالد بن يزيد "كان أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء" ، ولكن ابن النديم فى الفهرست "ص340" يقول عن اصطفن الحكيم إنه "نقل لخالد بن يزيد بن معاوية كتب الصنعة وغيرها"

([ix][9]) انظر : أخبار الحكماء للقفطى "ص123" حيث جــاء فى ترجمة ماسرجويه الطبيب البصــرى اليهودى أنه كان "عالما بالطب ، وتولى لعمر بن عبد العزيز ترجمة كتاب أهرن القس فى الطب ، وهو كناش فاضل من أهم الكنانيش القديمة .

([x][10]) القفطى : أخبار الحكماء ص 286 وم بعدها .

([xi][11]) انظر : إبراهيم زكى خورشيد ، الترجمة ومشكلاتها ص4،6 .

([xii][12]) انظر الفهرست لابن النديم - المقالة السابعة ، وأخبار الحكماء للقفطى ص248 "ترجمة يوحنا البطريق"

([xiii][13])Madkour, L’ organon d’ Aristote dans le monde arabe, Vrin, Paris 1962

([xiv][14]) انظر : د. عبد الرحمن بدوى ، التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية ، وكذلك : الأفلاطونية المحدثة عند العرب .

([xv][15]) انظر : هنرى كوربان ، تاريخ الفلسفة فى الإسلام " الترجمة العربية " ص 358 وما بعدها ، دار عويدات، بيروت 1966 .

([xvi][16]) انظر : مناظرة السيرافى ومتى بن يونس فى الإمتاع والمؤانسة 1/133، بتحقيق أحمد أمين وأحمد الزين.

([xvii][17]) Gilson, La Philosophie au moyen age, tome 2 p . 344 payot , is 1964.

([xviii][18]) حول الأشكال المتنوعة للتأليف عند العرب ، انظر رسالة الدكتوراه التى قدمها الباحث الجاد د. كمال عرفات إلى جامعة القاهرة " أغسطس 1987" بعنــوان : الاتصـال القرآئى وعلاقتـه بالإنتاج الفكرى .

([xix][19]) إحصائية منشورة بندوة الترجمة التى عقدتها مجلة الكاتب الجزائرية ، مايو 1973 .

([xx][20]) قامت الصين مؤخرًا " 1988 " بشراء حق ترجمة " دائرة المعارف البريطانية " وهى من أجود دوائر المعارف العالمية ، لترجمتها إلى اللغة الصينية .

([xxi][21]) نشير هنا إلى المترجم الكبير الأستاذ إبراهيم زكى خورشيد .

([xxii][22]) انظر : القسم الخاص بالترجمة الوارد فى ندوة " مجلة الكاتب الجزائرية " مايو 1973 "

([xxiii][23]) انظر : ابراهيم زكى خورشيد : الترجمة ومشكلاتها ، ص 155.

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 25 أكتوبر 2019 13:54