عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الفصل الاول صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 26 ديسمبر 2016 23:19

الفصل الأول



(أ) إحياء التراث

يعنى مصطلح (إحياء التراث) وجود تركة ثقافية راكدة ، أو غير مستغلة ، وأن الأمر يتطلب استثمارها وبعث النشاط فيها من جديد . وقد ارتبط مفهوم إحياء التراث العربى والإسلامى بتاريخ النهضة الحديثة التى تزامن مع بداية القرن التاسع عشر فلم يكن قبل هذا التاريخ يطلق على كتب المؤلفين العرب والمسلمين : "تراثا"([1]) ، وإنما كانت تتم الإشارة إليها على أساس تقسيم : (متقدمين ، ومتأخرين ) والمقصود بالمتقدمين : علماء القرون الخمسة الأولى من تاريخ الإسلام ، وهم الذين يتميز إنتاجهم – بالإضافة إلى أسبقيتهم الزمنية- بقدر كبير من الجدة والابتكار ، والجرأة العلمية فى تناول المشكلات ، ومحاولة إيجاد الحلول الأصيلة لها .


 

أما المتأخرون ، فهم الذين جاءوا بعد القرن الخامس الهجرى ، ليقوموا بعملية التصنيف والشرح والتعليق والاختصار .. الخ ، ولا نكاد نعثر إلا نادرا على لمحة إبداع أو مبادرة جديدة ([2]).


 

ولا شك أن ظهور المطبعة سواء فى الغرب أو الشرق ، ثم فى البلاد العربية ، يفصل بين عصرين متمايزين: العصر القديم الذى كان يتم فيه نشر الكتب فى صورة مخطوطات منسوخة باليد ، ومتداولة بالتالى فى نطاق محدود ، لا يتجاوز العشرات . أما العصر الحديث فهو الذى انتشرت فيه طباعة الكتب ، وبأعداد كبيرة ، ( يبلغ الآلاف، وأحيانا الملايين ).


 

وسوف يكون من الطبيعى أن يبدأ المستشرقون فى الغرب – بعد أن انتشرت المطابع ابتداء من سنة 1500 م([3]) وراحت تنشر العديد من المؤلفات العربية على أساس المنهج الذى تم اتباعه فى نشر المؤلفات اللاتينية والإغريقية القديمة . وهذا المنهج يقوم على جمع أكبر عدد ممكن من نسخ الكتاب المخطوطة ، والمقابلة بينها، وتسجيل فروقها ، ثم التقديم لها ببيان وثاقة الكتاب إلى مؤلفه ، وعرض سيرة حياته ، ومؤلفاته،وعصره، والانتهاء بوضع عدد من الفهارس الكاشفة التى تسهل الانتفاع السريع من المادة العلمية فى الكتاب . وهذا العمل هو الذى يطلق عليه باللغات الأجنبية "النشر العلمى ، أو النقدى " edition Critique بالفرنسية و Critical edition بالإنجليزية ، ويقابله مصطلح "التحقيق " فى اللغة العربية .


 

والواقع أن تحقيق التراث بهذا المفهوم قد بدأ أولاً فى تركيا ، التى ظهرت بها المطبعة العربية أولا ، ثم فى كل من لبنان ، وسوريا ، ولكن البداية الحقيقية كانت فى مصر ، وابتداء من عشرينيات القرن التاسع عشر ، وبالتوازى مع حركة البعثات إلى الغرب .. فقد عاد المبعوثون المصريون بعد أن شاهدوا نهضة الغرب العلمية ، والحضارية ، ولديهم شعور قوى بضرورة النهضة عن طريقين :


الأول : إحياء التراث العربى – الإسلامى ،


والثانى : ترجمة المعارف الحديثة إلى اللغة العربية .

 

 

وكانت المطبعة العربية التى تركها نابليون فى مصر ، هى النواة التى تم بها طبع عدد كبير من روائع التراث العربى والإسلامى . ويكفى أن نشير هنا إلى أن الفترة التى تنتهى بعام (1295 ه – 1878م) قد أخرجت مطبعة بولاق وحدها ما يزيد على نصف مليون نسخة ، ويلاحظ هنا أننا نتحدث عن نسخ مؤلفات قد يصل عدد أجزاء الواحد منها إلى عشرين جزءا ، وأحيانا ما كان يتم طبع كتاب واحد وعلى هوامشه كتاب (آخر) أو أكثر من كتاب ([4]).


 

وفى البداية كان همّ الناشرين هو إخراج الكتاب من حالته المخطوطة القديمة إلى الحالة المطبوعة الحديثة . ومع مرور الوقت ، بدأ المنهج الغربى فى نشر الكتب يسود ، وساعد على ذلك تزايد الصلات العلمية مع الغرب ، عن طريق البعثات من ناحية ، وعن طريق الجامعات المصرية العربية الحديثة من ناحية أخرى . . ولم نكد ندخل إلى القرن العشرين ، حتى أصبح لدينا عدد من كبار المحققين للكتب العربية القديمة بأسلوب علمى دقيق ، يضارع ، بل يفوق أحيانا ما قام به المستشرقون فى هذا المجال ([5]).


 

وقد تطورت عملية تحقيق الكتب فى مصر والبلاد العربية تطورا واضحا خلال النصف الأول من القرن العشرين ، وأصبحت تمثل فنا قائما بذاته ، يمكن أن يكرّس له عالم واحد حياته كلها ، بل إن الأمر قد تطور إلى تخصص عالم واحد فى مجال واحد من كتب التراث ، فأصبح لدينا محققون فى الأدب ، أو اللغة ، أو الشريعة أو تاريخ العلوم ...الخ.


 

وداخل مجال التحقيق ظهرت اتجاهات أو أساليب متنوعة . فبعض المحققين العرب يتبع الأسلوب الغربى – تماما- فى تحرى الدقة الكاملة ، عندما يسجل فروق النسخ ، فنجده يهتم بالإشارة إلى الحرف المنقوط أو المعجم بدون نقط . ولأن المستشرقين لم يكونوا على دراية كاملة وعميقة باتساع أساليب اللغة العربية ، فقد كانوا حريصين على تسجيل أدق الفروق حتى لا يتهموا بعدم الأمانة . أما إخواننا العرب فقد تابعوا هذا الأسلوب إلى حد قد يثير الغيظ أحيانا ، فمثلا نجدهم يسجلون الفرق فى النسخ بين (صلوات الله وسلامه عليه) أو (صلى الله عليه وسلـم) وأحيانا يسجلون كلمة (تعالى) مشيرين إلى ورودها هكذا بدون نقط على أنها فرق بين النسخ يستحق التسجيل ([6]).


 

وتنوعت أيضا مناهج المحققين العرب ، فبعضهم يكتفى بتقديم النص للقارئ دون تدخل منه ، وبعضهم يزوده بكل ما أمكنه من ثقافته الخاصة، مثقلا إياه بالهوامش والتعليقات . وكما التزم البعض بوضع هامش لفروق النسخ والتعليقات الخفيفة ، تفنن البعض الآخر فى وضع ثلاثة هوامش أسفل النص الأصلى أحدها لفروق النسخ اللفظية، والإملائية ، والثانى لتخريج الآيات ، والأحاديث ، والنقول لأصحابها ، والثالث لمزيد من البيان عن طريق المقارنات .


 

وقد ظهر فى الآونة الأخيرة نوعان من تسجيل فروق النسخ : الأول واضح فى دلالته إلى الكلمة الزائدة، أو الناقصة ، أو المختلفة بلفظة صريحة فى ذلك. والنوع الآخر ([7]) يستخدم رمزا جبريا يشير إلى الفرق بين النسخ بالعلامة ] وللزيادة بالعلامة < > وللنقصان بالعلامة [ ] . . وهكذا .

 

 

وقد استطاعت المطابع الأميرية أن تساير هذه المناهج والأساليب ، وتفننت فى ذلك إلى حد كبير . ومع أن الكتب المطبوعة فى المطبعة الأميرية ما زالت تحتل مكان الصدارة ، وتحتوى على قيمة تاريخية ، وفنية كبيرة، فإن مؤسسة مثل دار المعارف فى مصر قد أحرزت هى الأخرى تقدما ملحوظا فى هذا المجال ، وإن كانت تأتى فى مرتبة تالية .


 

وخلال الستينيات ، كان قد بدأ فى القاهرة لون جديد ، يمكن أن نطلق عليه (نقد التحقيق) أى متابعة الكتب المحققة بعملية فحص نقدى ، وتقويم علمى لها ، إلا أن هذا اللون ما لبث مع الأسف أن توقف سريعا ، نظرا لما أحدثه من غضب فى أوساط المحققين ، الذين يسوؤهم دائما أن يتعرض أحد لعملهم بأى نقد أو تجريح([8]).


 

وما تزال بعض المجلات العربية تفرد فى جزء محدود منها مساحة للإشارة إلى ما تم تحقيقه من كتب التراث ، ولكنها تخلو فى الغالب من أصول النقد العلمى الصحيح ، وتكاد تقتصر على التنويه ، أو الإشارة (فقط) بالذى قام بالعمل.

 

 

ولكن الأمر الذى يستحق التنويه هو ما تم فى داخل دور الكتب المصرية ، والعربية من عملية فهرسة تفصيلية لما يوجد بها من مخطوطات . وقد ساعدت هذه الفهرسة الكثير من الباحثين على التعرف السريع على محتويات هذه المكتبات ، والتنبه لأهمية ما يستحق التحقيق منها .

 

وكان إنشاء معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ، فرصة جيدة لدفع هذه العملية (عملية تحقيق التراث) فى العالم العربى بصورة واسعة . وقد استطاع المعهد أن يجمع بعض المخطوطات فى هيئة "ميكروفيلم" من دور الكتب العربية ، والتركية ، ووضع لها فهرسا تفصيليا جيدا ، مازال يفيد بعض الباحثين .

 

ومن أهم ما ينبغى أن نشير إليه فى مجال تحقيق التراث ، أن أعلام الحضارة العربية والإسلامية ، قد تم طبع أعداد كبيرة من مؤلفاتهم ، خلال الفترة الماضية . صحيح أننا لم نحصل – حتى الآن – على ()مجموعة المؤلفات الكاملة ) لأحد أعلامنا السابقين ، ولكننا أصبحنا على معرفة بأهم أعماله ، أو بعضها على الأقل ، ولا شك أن ما لم نحصل عليه بعد قد يرجع إما إلى ضياعه بالفعل ، أو إلى وجوده فى مكان لم نصل إليه حتى الآن .

 

وهنا لابد من الإشارة إلى التقصير الواضح فى عدم الاستفادة من المعاهدات الثقافية مع الدول التى تمتلك رصيدا هائلا من مخطوطاتنا العربية والإسلامية ، وفى مقدمتها : أسبانيا ، وإنجلترا ، وفرنسا ، وهولندا ، والاتحاد السوفيتى سابقا ([9])، وتركيا ، وألمانيا .. وليس المطلوب من هذه الدول إلا أن تزودنا بصور "ميكروفيلم" من المخطوطات الموجودة لديها ، لكننا من ناحية أخرى مطالبون بإنشاء مؤسسة عربية ذات فروع إقليمية ، تنهض لجمع هذه المصوّرات ، وتقدم التعريف المناسب لها ، وتزود الباحثين بما يريدونه منها . ولا شك أن التطور الهائل الذى لحق بعمليات التصوير والتكبير يساعد على تسهيل هذه المهمة ، التى لا ينقصها إلا الرغبة الصادقة ، والإرادة ، وجودة التخطيط والتنفيذ .

 

وهنا نصل إلى من يقوم بالعمل فى الوقت الحاضر . من المعروف أن الجيل العظيم من المحققين العرب الكبار ، قد اختفى من حياتنا بعد أن ترك أثرا لا يمحى . ومن المعروف أيضا أن هذا الجيل لم يترك من التلاميذ عددا كافيا ، من ناحية ، ولا كفاءات مدربة تدريبا جيدا من ناحية أخرى : ولذلك فإننا بحاجة ماسة إلى تدريب جيل جديد من المحققين ، وتزويدهم بالمعرفة الأساسية فى هذا المجال ، وبالدربة والمران على أبجديات هذا العمل الشاق ، ابتداء من تمييز الخطوط المشرقية والمغربية ، ودراسة أنواع المخطوطات لمعرفة الأصيل من الزائف فيها ، وتحديد زمان كتابتها، والوقوف على أساليب المؤلفين العرب والمسلمين فى الكتابة ، والإملاء ، والإجازة ، والإقراء ، والتحديث ، والإخبار ، والإنباء .. الخ ، وأفضل المناهج للمقابلة بين النسخ المختلفة ، وكيفية تخريج الآيات ، والأحاديث ، وتخريج النقول ، والأشعار ، وبيان الأماكن ، والترجمة للأعلام ، وتحديد المصطلحات الفنية ، وكيفية عمل الفهارس المتنوعة ، وبالجملة : إتقان تقديم النص القديم للقارئ المعاصر بحيث يسهل عليه الاستفادة منه .

 

إننى أطالب هنا بجعل هذا المجال تخصصا قائما بذاته ، ينبغى أداؤه فى إطار الجامعات العربية ، بحيث توضع له المناهج الدراسية اللازمة ، ويقوم على تدريسه والتدريب عليه ، عدد من كبار الأساتذة فى هذا الفن ، وتخصيص درجة جامعية كاملة له . بل وفتح الطريق أمام النابهين من الطلاب ، للحصول فيه على درجتى الماجستير والدكتوراه ؛ وبهذا يتكون لنا – مع مرور الوقت – جيل نحن فى أشد الحاجة إليه لاستمرار إحياء التراث العربى ، الذى يمكن القول – باطمئنان – إن أكثره لم ينشر بعد ، بل إن ما نشر منه لا يتعدى 1: 10 ([10]).

 

وعلى الرغم من أهمية هذا المجال ، أو المحور الأساسى الذى تقوم عليه نهضتنا الحاضرة – فإن القائمين على أمر الجوائز العربية يكادون يهملونه تماما ويقصرون هذه الجوائز على (التأليف) ، وأحيانا يضيفون إليه (الترجمة) . وهذان محوران هامان كذلك ، ولكن (تحقيق التراث) هو الآخر لا يقل عنهما أهمية ، إن لم يكن – فى الحقيقة - هو الأساس الذى يدور المحوران الآخران حوله .

 

وكما يحتاج تحقيق التراث إلى مطابع متخصصة ، فإنه يتطلب أيضا ناشرين متخصصين . وإننى أتطلع إلى اليوم الذى يتخصص ناشر مصرى أو عربى فى نشر التراث اللغوى والأدبى ، وناشر فى التراث الفقهى والأصولى ، وناشر فى التراث الفكرى والفلسفى ، وناشر فى التراث العلمى ، وناشر فى علوم القرآن والسنة .. الخ ([11]).

 

ومن المعروف أن هذا التخصص على مستوى الناشرين سوف يدفع عملية التحقيق خطوات إلى الأمام كما أنه سوف يضع الركائز الأساسية لهذا العمل ، بحيث يصبح الناشر المتخصص مرجعا فى مجاله ، يتوافد عليه الباحثون والقراء من كل أنحاء العالم للاستفادة منه ، وإفادته فى نفس الوقت .

 

تبسيط التراث :

 

إن التراث العربى والإسلامى كتب ، فى معظمه ، للكبار ، بل يمكن القول إنه كتب للمتخصصين منهم . والمطلوب فى الوقت الحاضر أن نقوم بعملية تبسيطه ، لكل المستويات الثقافية ، ابتداء من الصغار ، ومرورا بمتوسطى الثقافة ، وانتهاء بالمتخصصين .

 

وهكذا تصبح الحاجة ماسة إلى تقديم التراث العربى فى ثلاثة أشكال متدرجة .. تبدأ بالطبع من الشكل المتخصص الذى يحافظ بكل أمانة على النص القديم ، مع ضرورة التعريف به ، ووضع الفهارس التحليلية له .

 

أما المستوى الثانى ، فيمكن أن يتخلص من الجوانب التفصيلية ، ويكتفى بتقديم النص فى صورة مبسطة ، مصحوبة بالشرح والتفسير ، ومشفوعة بالعناوين الفرعية ، الذى تشد انتباه القارئ ، وتساعده على الاستفادة منه ، ولا مانع من استبعاد جزء أو أجزاء من النص ، قد لا تكون الحاجة إليها ضرورية .

 

والخلاصة أننا نتدخل فى هذا المستوى بالصورة التى نقرب بها النص التراثى القديم إلى القارئ العادى ، مع تنبيهه دائما إلى أن هذا الشكل ليس إلا صورة معدلة ومبسطة للنص الأصلى ([12]).

 

وأما المستوى الثالث الخاص بالصغار ، فهو ما ينبغى أن نقوم فيه بعملية إعادة صياغة كاملة للنصوص القديمة مع الحفاظ - بالطبع – على جوهرها ، وروحها .. وهنا لابد من القيام قبل ذلك بعملية اختيار دقيقة ، وهادفة لما يمكن أن يقدم للنشئ من عناصر تراثية ، تساعده على الاتصال بماضيه الثقافى والحضارى .

 

إن ما أدعو إليه هنا ليس جديدا تماما فمثله قد تم – وما زال يتم- فى الغرب بالنسبة للتراث الإغريقى والأعمال الأدبية والفكرية القديمة . وقد تمت لدينا بعض المحاولات المماثلة بالنسبة لأعمال من مثل (ألف ليلة وليلة) و (كليلة ودمنة) ، ولكن الأمر يتطلب اتساعا فى الرؤية وشمولا فى الاختيار ([13]).

 

بهذا العمل الهام ، يمكن أن نسهم فى إشاعة التراث العربى والإسلامى ، وترويجه بين أكبر عدد من الناس ؛ لأن مجرد طبع المخطوطات القديمة ، وإخراجها فى مجلدات حديثة ، وأنيقة ، دون إيصالها مباشرة إلى عقول الناس ، يظل عملا مغلقا ، وعقيما ، ولا يخرج عما أطلق عليه مصطلح (تكديس التراث) ، وهنا نصل إلى مرحلة هامة من مراحل إحياء التراث ، وهى : قراءة التراث .

قراءة التراث (منهج مقترح) :

 

لا أقصد بقراءة التراث إمرار العين عليه ، أو تلاوته بصوت مسموع أو مهموس، وإنما المقصود إعادة إنتاجه ؛ وذلك عن طريق تحليل مكوناته ، وفحص عناصره ، فى ضوء ما وصل إليه تقدم العلوم ، والمعارف فى عصرنا الحاضر .

 

إن التراث ليس إلا أثرا فكريا تاريخيا يكمل الآثار المادية التى وصلت إلينا متمثلة فى المساجد ، والمداس والأسلحة ، والملابس .. الخ ، وكما أن بعض هذه الآثار قد تهدم فينبغى علينا ترميمه ، وكما أن بعضها مازال متماسكا ومحتفظا بفائدته وجماله ، فينبغى ألا نحجم عن الإفادة منه .

 

إن كل ما فى التركة لا يستحق التوزيع . ومن هنا فلا ضير على الإطلاق من تجاوز ما نجده فى التراث من معرفة ثبت نقيضها ، أو معلومات تحقق لدينا خطؤها .. ولا يعنى هذا المطالبة ، بإلغائها ، وإنما يحسن الإبقاء عليها فى وضعها التاريخى كتعبير عن واقع محلى ، أو فترة زمنية معينة دون محاولة بعثها ، أو شغل الأذهان بإثارتها من جديد ([14]).

 

ولكن التراث الإسلامى يحتوى على الكثير، النافع والمفيد . وهنا لابد من التركيز عليه ، وبيان قيمته التاريخية والإنسانية ، مع محاولة وصْله بما سبقه من فكر مشابه أو مناقض ، وما تم إنجازه بعد ذلك مما يرتبط به .

 

وسوف أقدم فيما يلى منهجا محددا لقراءة التراث العربى ، يصلح أن يطبق على نصوصه المختلفة ، ويعبر فى نفس الوقت عما أقصده بإعادة إنتاج هذه النصوص من خلال القراءة المعاصرة .

 

يتم تطبيق المنهج على أربع مستويات هى : المستوى التعبيرى والمستوى التاريخى ، والمستوى النفسى والاجتماعى ، والمستوى المنطقى والفلسفى :


1- المستوى التعبيرى:

 

ويشمل التحليل اللغوى للنص، ويبدأ هذه التحليل من الوقوف على دلالة الألفاظ والعبارات ، وعلاقة المفردات فى الجمل ، ونظام الجمل داخل الفقرات ، وبيان السياق الخاص والعام للنص ، مع الكشف عما يحتوى عليه من خصائص الدقة ، والوضوح ، وجمال التعبير ، وحسن الأداء ..

 

ومن حسن الحظ أن لدينا هنا مجموعة علوم لغوية ، وبلاغية قديمة تساعدنا على إجراء هذا التحليل كما أن النقد الأدبى الحديث بإمكانه أن يزودنا بأداة صالحة لتقييم النصوص القديمة ، وإلقاء الضوء على بعض الجوانب التى لا تصل إليها علوم اللغة والبلاغة القديمة وحدها .


2- المستوى التاريخى:

 

وهنا لابد من تحديد المكانة التاريخية لصاحب النص ، ثم للنص فى إنتاج المؤلف ، وبيان مدى أهميته فى بيئته التى تم إنتاجه فيها ، وكذلك تأثيره فى عصره عن طريق رصد ردود الأفعال التى أحدثها حينئذ ، ثم تتبع قدرة النص على الاستمرار بعد ذلك ، عن طريق الشروح والحواشى ، والتعليقات ، والأرجوزات ، وكذلك عن طريق الهجوم على النص ، ومعارضته ، وتفنيد أفكاره.


3- المستوى النفسى والاجتماعى:

 

وفى هذا المستوى يجرى الكشف عما يوجد فى النص من عوامل سيكولوجية ، قد تبدو من خلال حديث المؤلف عن نفسه ، أو عن معاصريه ، وكذلك بيان الاتجاهات الاجتماعية التى كان يرمى المؤلف إلى تأييدها أو رفضها .

 

ولا شك أن هذا المستوى يعتمد على إلمام كاف بعلمى النفس والاجتماع الحديثين ، وكلاهما يتضمن الكثير من المفاتيح التى يمكن التعامل بها مع النصوص القديمة والاقتراب الحميم منها بعد طرح الرهبة التى تفصلنا عنها ، أو الشعور بالنقص الذى يشعرنا بغضاضة نحوها .


4- المستوى المنطقى والفلسفى :


وهنا يتم بيان الهيكل البنائى للنص ، والكشف عن تسلسل أفكاره ، وقيمة براهينه ونتائجه . ثم الانتقال من ذلك إلى تحديد قيمة النص من الناحية الفكرية فى عصره ، ومدى اسهامه فى التصور الإنسانى الشامل .

 

وهكذا نرى أن هذا المنهج المركب والمتدرج لقراءة النصوص التراثية القديمة يمكنه أن يساعد على إعادة إنتاج هذه النصوص فى صورة جديدة ، ومعاصرة ، ومن الواضح أنه سوف يستخرج منها رؤى وأشكالا غير تقليدية ، بل إنه سوف يسهم فى تحديثها ونقلها إلى دائرة العصر الحاضر .

 

الهدف من إحياء التراث : يظل تحقيق المخطوطات ، ثم قراءتها بهذا المنهج المقترح عملاً تجريديا خالصاً لا يؤثر فى الواقع ، ولا يتفاعل معه إلا إذا تمت الاستفادة المنشودة منه ، وذلك عن طريق استخلاص ما فيه من تجارب وحقائق ومناهج أو أساليب وتطبيقها فى حياة الناس الحاضرة . وقد نفاجأ فى هذه المرحلة بقلة العائد . ولا ينبغى أن يحبطنا ذلك ، فإن الأهم هو إيجاد الصلة بين الماضى والحاضر ، وتوجيه الأذهان إلى طرق ومناهج من التفكير لدى الأسلاف وإيجاد نوع من المرجعية الثقافية يمكن أن يعتمد عليها الجيل الحالى عندما يفاجأ بمن يهاجمه ، أو ينتقص من ماضيه الحضارى .

 

والخلاصة أن إحياء التراث مهمة قومية ، لا تقتصر على أفراد أو جهات منفصلة ، وإنما ينبغى أن تقوم بها الأمة كلها ، وأن تشرف الدولة عليها إشرافا مباشرا. وهىعلى غير الشائع – تتكون من مراحل :

1- جمع التراث وتصنيفه .

2- تحقيقه تحقيقا علميا أمينا ، ونشره فى صورة تليق به .

3- تبسيطه فى مستويات ثلاثة : للمتخصصين ، والقراء بعامة ، والأطفال .

4- قراءته تبعا للمنهج الذى اقترحناه ، بقصد الإفادة مما أمكن من عناصره .


(ب) تراثنا المخطوط وكيف نستفيد منه ؟

لابد أن نحدد أولا ما ما هو المقصود بـ "التراث" ؟ ومن الممكن أن نتفق على أنه يعنى التركة التى خلفها لنا الأجداد ، متمثلة فى أربعة مجالات رئيسية هى :

أ- الآثار المادية كالمساجد والقلاع والقصوروالمداس والأسبلة ..

ب- المؤلفات العلمية والأدبية .

جـ- العادات والتقاليد الاجتماعية .

د- الرصيد النفسى المحّل بالكثير من القيم والمبادئ التى تتحكم فى نظرتنا إلى الناس والأشياء .

لكننا سوف نقصر حديثنا هنا على التراث العلمى والأدبى الوارد إلينا مكتوبا باللغة العربية فى هيئة مخطوطات .

 

ولكى نحدد هذا المجال على نحو أدق فلابد من قصره على كل ما سوى القرآن الكريم والسنة النبوية ، باعتبار الأول هو الكتاب المنزل من السماء ، والثانية هى بيان الرسول ، صلى الله عليه وسلـم ، له . وكلاهما داخل فى دائرة الوحى الأعلى من مستوى البشر .

 

أما ما جاء من خارج هذه الدائرة فهو نتاج بشرى خالص ، يتراوح أحيانا بين الدقة والغموض ، ويتفاوت فى أحيان أخرى بين الصواب والخطأ ، وهو يعبّر فى كل عصر وجيل عن وجهات نظر مرتبطة بجو ثقافى معين ، وبيئة اجتماعية خاصة .

 

والتراث الإسلامى يبدأ من كل ما أنتجه المسلمون فى عصر الخلفاء الراشدين ، وخلال العهد الأموى ، والعباسى ثم العثمانى مضافا إليه ماخلفته فترة الازدهار الأندلسية ، والدولة الفاطمية ودويلات الانفصال التى تعاقبت على جسد الدولة – الأم : كالطولونية، والإخشيدية والطاهرية والحمدانية والبويهية ...الخ.

 

والملاحظ أن هذا التراث العلمى والأدبى لم يطبع ، كما لم يحقق منه إلا الجزء الأقل فى حين أن مخطوطاته مازالت ترقد لدينا ، كما فى معظم مكتبات العالم ، بعد أن تم نزْحها خلال فترة طويلة من رقاد العقل العربى ، وعدم معرفته بقيمة ما تركه الأسلاف.

 

لذلك فإننا عندما نتحدث عن التراث العربى الإسلامى ، علينا أن نتحلى بالكثير من الحذر والحيطة – وأيضا التواضع – فى إصدار الأحكام العامة ، نظرا لأن ما لدينا من الوثائق لا يكفى أبدا لتزويد أى حكم عام بالمصداقية اللازمة . وبالتالى فإننا من الممكن أن نقول باطمئنان إن كل ما صدر من أحكام عن هذا التراث لا يخرج عن دائرة الأحكام النسبية ، أو الفروض التى لا ترقى إلى مرتبة القانون الذى يصلح للتطبيق على كل الحالات.

 

من هذه المقدمات الضرورية ، يمكن الانتقال إلى الموضوع الرئيسى ، وهو كيفية الاستفادة من التراث . ولكى تخرج الإجابة بصورة منطقية من مقدماتها الطبيعية، لابد من إلقاء نظرة تحليلية على هذا التراث .

التراث العربى – الإسلامى يمكن تصنيفه عموما فى ثلاث دوائر كبيرى ، هى : الدائرة اللغوية ، والدائرة الدينية والتاريخية ، والدائرة العلمية .


أ- الدائرة اللغوية والأدبية:


تشمل كل ما يتعلق بالجانب التعبيرى بدءا من المستوى المعجمى والدلالى ، ومرورا بمستوى الصحة اللغوية (علم الصرف وعلم النحو) وانتهاء بالمستوى البلاغى ، وما ينتج عن ذلك من جوانب أدبية خالصة (تشمل الشعر والنثر) أو نقدية تحتوى على مقاييس الحسن والقبح فى كل منهما .


ب- الدائرة الدينية والتاريخية :


وتحتوى على كل ما يتعلق بدراسات القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما نتج عن بحثهما من علوم ومعارف وتضم علم القراءات ، والتفسير ، وعلوم الحديث ، وعلم الفقه ، وعلم أصول الفقه ، وعلم أصول الدين (أو الكلام) وما يتبعه من آداب البحث والمناظرة . ويرتبط بهذه الدائرة علما التصوف والأخلاق ، ولا تكتمل إلا بالتاريخ الذى يمثل الخلفية التى تفسر معظم الظواهر التى نشأت وتطورت داخل هذه العلوم والمعارف.


جـ- الدائرة العلمية :


وتحتوى على مجموعة العلوم الرياضية والتجريبية التى استوردها أسلافنا من الحضارات السابقة وأسهموا بنصيب وافر فى الحفاظ عليها وتطوير الكثير من عناصرها ، ومن ذلك علم الطب ، والصيدلة ، والنبات ، والحيوان ، والفلك ، والملاحة ، والطبيعة ، والكيمياء ، ثم الرياضيات من حساب وجبر وهندسة ، وما ينتج عنها من تطبيقات فيما أطلقوا عليه علم الحيل (الميكانيكا) والموسيقى.

 

تلك هى الدوائر الثلاث التى يمكن أن ينتظم فيها التراث العربى – الإسلامى . ومن الواضح أن وضعها بهذا الشكل سوف يتقدم بنا خطوة إلى الأمام من أجل الوصول إلى إجابة سؤالنا : كيف نستفيد من التراث ؟

 

وفى البداية يمكن ملاحظة أن بعض علوم التراث تعتبر نتاجا عربيا وإسلاميا خالصا ، بينما يعتبر بعضها الآخر نتاجا وافدا من الأمم والحضارات الأخرى . ومن المعروف أن أى مجتمع لا يخترع علما ، أو يلجأ إلى استيراد علم إلا عندما تكون لديه حاجة ملحة لذلك . وهذا يثبت أن المجتمعات الإسلامية السابقة قد واجهت مشكلاتها بمجموعة هذه العلوم ، كما أنه يفسر فى نفس الوقت مدى ازدهار بعض العلوم أو أغلبيتها بالنسبة إلى بعض العلوم الأخرى .

 

فمثلا نجد أن الإنتاج الأدبى يفوق إلى حد كبير الإنتاج العلمى ، كما أن كلا من علم الفقه وعلم الكلام والتصوف أغزر مادة من علوم النبات والفلك والكيمياء. إن زيادة حجم المؤلفات فى مجال معين لا شك أنه يعكس اهتماما خاصا من المجتمع ، وهذا يؤدى عادة إلى رواجها وازدياد نشاط المؤلفين فيها .

 

إن نفس الشئ يحدث اليوم فى حياتنا المعاصرة . وإذا كنا قد توقفنا عن اختراع علوم جديدة ، نتيجة لعوامل كثيرة لا يصعب تحديدها ، فإننا نقوم باستيراد ما تم إنتاجه فى العالم من علوم . وحاجتنا هى التى تحدد مدى الإقبال على هذه العلوم ، وبالتالى مدى رواجها وانتشارها (لاحظ الاهتمام الحالى بعلوم الاتصال ، والإعلام ، والحاسب الآلى ) .

 

لكننا فى نفس الوقت مازلنا نحتفظ ببعض علوم التراث بنفس درجة أهميتها وانتشارها ، ومن ذلك مثلا علم اللغة والأدب والفقه والكلام . وهذا هو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح : استمرارية التراث .

 

وهذا يعنى أننا لابد أن نسير فى خطين متوازيين هما : الاستيراد والاستمرارية . والاستيراد يعنى متابعة ما يستجد فى العالم من علوم ، تساعدنا على حل مشكلاتنا الجديدة ، أما الاستمرارية فتعنى المحافظة على علومنا التراثية مادامت تلبى حاجة حقيقية فى حياتنا المعاصرة .

 

وهنا لابد من بعض التفصيل . فإننا نحتاج إلى الاشتغال بعلم من العلوم لأن لدينا مجموعة من المشكلات التى يهدف هذا العلم إلى حلها . وذلك هو المقياس الذى ينبغى أن يحدد استيراد أو استمرارية أى علم من العلوم ، سواء اكن هذا العلم من علوم التراث ، أو من العلوم الوافدة .

 

وإذا سلمنا بهذا المقياس ، أصبح من السهل علينا استعراض علوم التراث واحدا واحدا لمعرفة مدى ما نحتاج إليه . وقبل هذه المواجهة الضرورية لابد من التنبيه إلى أن الاستغناء عن علم من علوم التراث لا يعنى اهماله تماما أو إقصاءه خارج منظومتنا التراثية ، وإنما المقصود من ذلك هو حفظه فى صورته التاريخية كأثر لنشاط ذهنى يستحق أن يكون موضوعاً لعلم خاص يطلق على اسم تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين .

 

وسوف أقتصر هنا على بعض الأمثلة التى أرجو أن تكون ذات دلالة كافية على ما أقصد الوصول إليه . وأبدأ بمثال من علم النحو الذى وضعه العرب لحفظ اللسان من الخطأ فى التعبير . إن هذا العلم المتكامل الذى بذل فيه أجدادنا جهدا رائعا يتمثل فى تحليل الجملة العربية إلى أبسط مكوناتها ، وفى دراسة كل مكوّن منها على حدة ، ثم فى اتصال بعضها ببعض ، وإصدار الأحكام التى تضبط هذه الفروع المتناثرة مع تعليل كل حكم بحيث تصبح له حكمة .. إنه بناء عقلى فى غاية الدقة والاكتمال .

 

لكننا إذا تفحصنا جيدا التراث النحوى وجدناه يشتمل على مجموعة محددة جدا من قواعد اللغة ، وحشدا هائلا ً من فلسفة هذه القواعد ، ووجهات النظر المختفة بل المتضاربة حولها . ومن المدهش حقا أن يكون لكل صاحب رأى حجته القوية ، بل الأكثر ادهاشا أن تتساوى هذه الحجج ، فى بعض الأحيان ، بحيث يصعب على الباحثين الميل إلى واحدة منهما دون الأخرى ( انظر مثلا موضوع اسم الفاعل وتردد الباحثين فيه بين اعتباره اسما أو فعلا، وكذلك موضوع المصدر والفعل : أيهما أصل الآخر ؟ ).

 

وهكذا فإن التراث النحوى يشتمل على جانب كبير من تاريخه ، وفلسفته ، وصراع المدارس حوله . ونحن الآن – على ما أحسب – فى غنى عن كل ذلك ، والذى نحتاج إليه فقط هو معرفة مجموعة القواعد الأساسية وكيفية تطبيقاتها على اللغة ، حتى تستقيم عبارتنا المكتوبة والمقروءة ، ونتمكن فى نفس الوقت من نطق اللغة العربية نطقا صحيحا يؤدى إلى فهمها فهما صحيحا .

 

هذا هو مفهوم الاستمرارية ، أى استخراج ما يفيدنا من كل علم من علوم التراث فى حياتنا المعاصرة ، مع الاحتفاظ بأجزائه الأخرى للدرْس التاريخى ، الذى يمكن أن يتخصص فيه عدد محدود من الباحثين المتعمقين ، وهؤلاء قد نلجأ إليهم أحيانا لاستيضاح مسألة غامضة ، أو معرفة تعليل حكم ما .

 

ومثال ثان من دائرة العلوم الدينية وهو علم القراءات ، الذى يعد علماً أساسيا يعلمنا كيفية الأداء الصحيح للقرآن الكريم ، مطابقا لما كان ينطقه به الرسول (صلى الله عليه وسلم) . لقد وصلتنا سبع قراءات أو عشر . وكل قراءة منسوبة إلى أحد الصحابة، رضى الله عنهم ، وموصوفة وصفا صوتيا دقيقا ، لا نعثر على مثيل له فى تاريخ أى كتاب سماوى آخر . وبالطبع هناك خلافات فيما بينها من حيث الوقف والوصل ، والترقيق والتفخيم ، والإمالة والإطالة .. الخ . وإذا كان التقدم التكنولوجى فى عصرنا الحاضر قد وضع بين أيدينا إمكانية التسجيلات الصوتية الواسعة الانتشار ، فمن الممكن أن نقوم بتسجيل كل قراءة من القراءات السبع أو العشر تبعا لوصفها الوارد فى كتب القراءات ، ونشرها بين الناس على هذا النحو ، مع التقديم لها بنبذة عن القيمة التوثيقية لكل منها .

 

إننا هنا أمام وسيلة أخرى للإفادة من أحد العلوم الدينية عن طريق استخدام التكنولوجيا الحديثة ، دون أن نهمل كم المؤلفات التى وضعت فى هذا المجال . وبهذا الشكل نكون قد وضعنا نتائج العلم موضع التطبيق العملى . ولا شك أن هذا كان هو الهدف الأساسى منه ، ولكنه غاب فى زحام كتب الشرح والخلاف التى كثرت فيه وفى مجال علوم الحديث . لدينا علم الجرح والتعديل ، الذى يرصد أحوال الرواة بهدف الكشف عن صحة الأحاديث أو ضعفها ، ونحن نواجه فى هذا الصدد بمؤلفات ضخمة ومتعددة ، وبآلاف الأسماء التى تستعصى على الحصر ، وتشتت بالتالى جهود الباحثين أنفسهم . ولكن الكمبيوتر وإمكانياته الهائلة يمكنه أن يستوعب هذه الأسماء بسهولة ، وأن يساعدنا على تصنيفها ، وسرعة استحضارها موفّرا بذلك أداة للتعرف عليها، وبالتالى يسهل علينا معرفة حكم الحديث من حال رواته .

 

أما علم مصطلح الحديث ، فمن الممكن أن نستفيد فى تطويره من أحدث نظريات علم اللغة الحديث ، والتى أصبحت تطبق بنجاح على الأعمال الأدبية وتأتى بنتائج طيبة. ومن ذلك أسلوب "البصمة اللغوية" الذى يقوم على أن لكل إنسان بصمة خاصة فى التعبير ، يمكن تجميعها من استخداماته المتنوعة للغة ، ومن لوازمه التى يكررها ، وألفاظه التى يحرص على استخدامها ، وعباراته التى يكثر من تردادها . ولا شك أن دراسة لغوية فاحصة للأحاديث النبوية يمكن أن تقدم لنا (بصمة لغوية) خاصة، تساعدنا فى التعرف على الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الموضوعة ، وذلك بالطبع إلى جانب ما وضعه أسلافنا فى علم مصطلح الحديث من مقاييس . وبهذا الأسلوب يمكننا أن نحرك السكون فى علوم من التراث ، لم تعد تحظى بأى قدر من التطوير ، مما أدى إلى اهمالها ، مع أن الحاجة إليها شديدة ، وستظل كذلك ، لأنها تتعلق – فى حالتنا تلك – بالمصدر الثانى للإسلام ، وهو السنة النبوية .

 

ولا يسعنى أن أترك دائرة العلوم الدينية دون أن أتوقف قليلا عند علم أصول الدين ، أو ما أطلق عليه اسم علم الكلام . إن النشأة الأولى لهذا العلم تبين أن من أهم أهدافه : الدفاع عن عقيدة الإسلام بالأدلة العقلية التى استخدم مثلها الخصوم ، ثم ما لبث أن انقلب الخلاف فى هذا العلم بين طوائف المسلمين أنفسهم . وهنا مؤلفات كثيرة جدا تفوق الحصر . وينبغى ألا تحجبنا كثرتها الساحقة عما يمكننا أن نستفيده منها وهو جلاء العقيدة الإسلامية البسيطة بأسلوب عقلى يقنع غير المسلمين ، كما يؤكدها فى نفوس المسلمين أنفسهم . وكلا الأمرين يظل هدفا مطلوبا على مر العصور . ولعلنا اليوم فى أمس الحاجة إلى هذا العمل ، ولكننا لم نعد بحاجة إلى استحضار ذلك الصراع التاريخى القديم بين الفرق الإسلامية ، وهو ما ينبغى أن يظل تاريخا ، أو بعبارة أدق : محفوظا فى مكانه المناسب من التاريخ .

 

إن هذا يقودنى إلى إبراز فكرة لعلها اتضحت الآن وهى أنه فى داخل كل علم تراثى ينبغى التمييز بين جانبه التاريخى ، وبين ما يمكن أن نستفيده منه بصورة عملية فى الوقت الحاضر . ولا شك أن هذا التمييز لا يتم إلا على أساس معرفة عميقة بطبيعة كل علم ، وظروف نشأته وتطوره ، وأبرز أعماله وأعلامه . ولا شك أن القادرين على مثل هذا العمل قلة نادرة . وهم يعملون فرادى ومتناثرين . وفى الوقت الذى تجمع فيه جهودهم يصبح من السهل إنجاز هذه المهمة .

 

انتقل إلى دائرة التراث العلمى ، وقد اتضح الآن مقياس التمييز بين تاريخ العلم، وبين أغراضه العملية . وهنا تصبح المهمة أكثر سهولة . فالطب العربى فى جانبه التاريخى إنجاز إنسانى رائع ، ولكنه فى الوقت الراهن لا يمثل إلا مرحلة الطفولة أو المراهقة فى عمر الطب المديد . وهنا يدخل هذا الجانب فيما يمكن أن نطلق عليه : تاريخ العلوم عند العرب أو المسلمين ، بعد أن نوسع مفهوم هذا التاريخى ، ونحدد الغرض الجديد منه .

 

نفس الأمر ينطبق على علوم كالفلك والنبات والحيوان والكيمياء .. ولا غضاضة على الإطلاق من أن يتناولها تاريخ العلوم كإنجازات قام بها أسلافنا فى فترات زمنية معينة ، وكانت تمثل فى وقتها قمة التطور العلمى فى العالم . وإذا كان يوجد الآن فى جامعات الغرب فرع يدرس على استحياء باسم " تاريخ العلوم عند العرب " فإنه مقصور على الدائرة العلمية وحدها . أما الذى أطرحه هنا فهو أن يتسع هذا التاريخ ليشمل من داخل الدائرتين اللغوية والدينية بعض جوانب العلوم الموجودة بهما . وبذلك يتسع مجاله من ناحية ، ويتأكد من ناحية أخرى مدى إسهام العلماء المسلمين فى الحركة العلمية والفكرية ، باعتبارهم يمثلون حلقة وسطى بين العلم القديم فى عصر الإغريق وبين عصر النهضة فى أوربا .

 

الميدان إذن مفتوح لعمل كبير . لكن لابد من التخطيط لإنجازه على مراحل . وإذا كنا غير قادرين فى المرحلة الحالية على تحقيق المخطوطات العربية بالكامل فما علينا إلا أن نحاول الاستفادة مما تم تحقيقه . لأنه من غير المعقول أن نظل فى انتظار تحقيق التراث العربى – الإسلامى بكامله دون أن نبدأ فى الاستفادة مما ظهر منه حتى الآن . والبداية هنا تتمثل فى تحديد الغرض من كل علم ، وإعادة تقييمه فى ضوء احتياجاتنا الحالية ، وبذلك يدخل هذا الجانب الحى من التراث فى نسيج حياتنا الثقافية ، ويمكن أن يطبق بسهولة فى حياتنا العملية .


1- أليس من المؤسف أن نظل حتى اليوم بدون كتاب مبسط وفعال ومعتمد يمكن الاستعانة به فى تعلم اللغة العربية وتعليمها لأبنائنا ولغيرنا ، فى نفس الوقت الذى بذل فيه أسلافنا جهودا تفوق الوصف فى خدمة اللغة العربية ؟

2- أليس من المؤسف أن نظل حتى اليوم بدون معجم معاصر للغة العربية ، يكون سهل التناول ، وجامعا لكل ما يحتاجه الإنسان العربى على كافة مستوياته الثقافية ، كما هو الحال فى المعاجم الإنجليزية والفرنسية والألمانية ، وحتى الصينية ، وذلك فى الوقت الذى يعد فيه أسلافنا هم رواد صناعة المعاجم اللغوية فى العالم كله ؟

3- أليس من المؤسف أن نظل حتى اليوم بدون كتاب فى مجلد واحد يضم تاريخ الإسلام والمسلمين : نشأة وتطوراً وازدهارا ، ثم ضعفا ومحاولة للنهوض من جديد ؟

4- أليس من المؤسف أن نظل حتى اليوم بدون موسوعة فقهية مبسطة ومتكاملة ، تجيب كل مسلم عما يعنّ له من أسئلة ، وتقدم عرضا شاملا لمختلف المذاهب والآراء التى قيلت حول مسألة معينة ؟

5- وأخيراً .. أليس من المؤسف أن نظل حتى اليوم بدون دائرة معارف إسلامية ، صحيحة وموثقة ، يستطيع أن يطمئن لها القارئ الذى يرغب فى استجلاء أى جزئية من جزئيات الحضارة الإسلامية بدلا من الاعتماد على دائرة المعارف الإسلامية التى وضعها الغرب ، وأعاد صياغتها حتى الآن مرتين ؟

 

إننى لا أذكر هذه الأمثلة الخمسة إلا لكى ألفت الأنظار إلى غياب الأغراض الحقيقية عنا فيما يتعلق بقضية إحياء التراث . ذلك أن العناصر الأساسية التى تتطلبها هذه الحاجات الغائبة موجودة فى قلب التراث العربى والإسلامى ، ولا تحتاج منا إلا لمسة بسيطة لإعادة تصنيفها ، وجعلها فى متناول الناس . ومن أبرز النماذج فى هذا الصدد ما يتعلق بعلم أصول الفقه ، وهو كما يقال بحق : منطق الشريعة الإسلامية . إن الغرض الأساسى من هذا العلم هو تدريب الفقيه على الاجتهاد ، وتمكينه منه . فإذا لاحظنا أن معظم المؤلفات الرئيسية فى هذا العلم قد طبعت أو حققت ، أدركنا أننا قد "كدسناها" دون أن نستفيد منها على النحو المنشود .

 

وهنا أصل إلى نقطة هامة ، وهو ما أصبح يطلق عليه "نقد التراث" . وفى البداية لابد من التحفظ على من يتهم التراث بالرجعية والتخلف ، والخلو من الفائدة ، وفى نفس الوقت : عدم الموافقة مع من يعتبره كله مليئا بالفوائد . فكلا الموقفين تطرف : موقف الذين يصفون التراث بالجمود ، ومن ثم يهملونه ، وموقف الذين يضفون عليه القداسة ، ويرفضون كل ما سواه .

 

إن التراث محصلة عمل إنسانى خالص ، ومعنى هذا أنه قابل دائماً للصواب والخطأ . أما مسألة إضفاء العصمة عليه فهى مسألة سيكولوجية ، ترجع إلى أن كل ما هو بعيد عنا فهو كامل ومتسام . ومما ساعد على ذلك أن الأجيال السابقة قد كرّست تلك القداسة بمجموعة من العوامل ، من أهمها إضافة ألقاب فخمة على العلماء من أمثال (شيخ الإسلام ، حجة الإسلام ، الشيخ الأكبر وكذلك المعلم الثانى ، والشيخ الرئيس .. الخ) . ومن العجيب أن تكريس هذه العصمة يتعارض مع ما ورد إلينا فى قلب التراث نفسه ، من أمثال الأثر القائل " رأيى صواب يحتمل الخطأ ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب " ، " لا تعرف الحق بالرجال ، ولكن اعرف الحق تعرف أهله " ، وقول الإمام مالك " كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك ، إلا صاحب هذا القبر " أى الرسول ، صلى الله عليه وسلم .

 

لكن نقد التراث لا يعنى بأية حال التجرؤ على أعلامه ، أو الاستهانة بإنجازاته ، وإنما تناول كل رأى بالفحص والتحليل ، ومحاولة الإلمام بالظروف الاجتماعية والثقافية التى أحاطت به ، مع الاستعانة بكل ما أتاحه التقدم العلمى فى الوقت الحاضر من وسائل السبْر، وأدوات المقارنة للوقوف على مدى ما فى الآراء من جوانب الضعف والقوة ، وما تحتوى عليه من قدرة على الإنتاج والاستمرار . وطالما أن الهدف هو الرغبة فى الاستفادة من التراث ، فلن يكن هناك رفض بدون مبرر أو استبعاد بدون سبب .

 

وعلى أنصار التراث ، ألا يخشوا عليه من مثل هذه الحركة النقدية مهما كانت صارمة ، فإن هذا هو السبيل الوحيد لجعل التراث ينطق بما فى داخله . وقد أثبتت التجربة أن نشر المخطوطات بصورة حديثة ، وتجليدها تجليدا فاخرا ، ووضعها فى المكتبات العامة والخاصة لا يخرج عما أسميته " تكديس التراث " وهذا معناه أننا عندما نقوم بنقل التراث من حالته المخطوطة إلى المطبوعة فإن هذا لن يبعث فيها ولا فينا الحياة ، وإنما على العكس تماما ، نحن الذين ننفخ فيه الحياة ، عن طريق قراءته وتحليله ، ونقده ، لمعرفة ما فيه من جواهر أو حصى .

 

إن كل ما فى التركة لا يستحق التوزيع ، وهناك الكثير مما أنتجه أسلافنا فى العصور السابقة لا ينبغى التوقف عنده كثيرا . إما لأن الزمن قد تجاوزه ، وإما لأنه هو نفسه غير قادر على مواصلة الإنتاج ، ومن ذلك مثلا : علوم السحر ، والتنجيم ، والفراسة ، والعيافة ، والسيمياء ، وأسرار الحروف . ومع ذلك فإن أمثال هذه العلوم والمعارف ينبغى أن تدرس ، ويحتفظ بها كعلامة على نشاط ثقافى ، كان يلبى حاجات اجتماعية ، فى فترات تاريخية معينة ، ولا مانع من البحث عن أسباب نشأتها وتطورها ، ومعرفة العوامل التى أدت إلى ظهورها واختفائها .

 

وهكذا فإن كل نص تراثى يتم تحقيقه ينبغى أن نقوم على الفور بطرح سؤالنا الأساسى أمامه ، وهو : ما الذى نستفيده منه فى حياتنا الثقافية والاجتماعية المعاصرة ؟ فإذا وجدنا فيه نفعا أخذناه ، وإذا لم نجد أحلناه إلى المختصين بتاريخ العلوم عند العرب لكى يصنفوه فى بابه .

 

والنتيجة أن التراث بهذا المفهوم يصبح وسيلة فى أيدينا ، وليس غاية . بمعنى أننا نحن الذين نستخدمه ، ونطوّعه بل ونوجهه أيضا لخدمة أهدافنا القريبة والبعيدة . وإذا كان قد مضى على الوعى بأهمية التراث حتى الآن ما يقرب من قرن ونصف فإن الأوان قد آن لتحويل هذا الوعى إلى إرادة وإلى خطط وإجراءات . وأنا أقترح أن نبدأ ببعض التجارب الأولية فى بعض المجالات القريبة من حاجتنا واهتماماتنا ، وليكن مثلا فى مجال النحو العربى ، والفقه الإسلامى .

 

هذا هو تصورى لكيفية الاستفادة من التراث ، على نحو عملى ينفعنا فى حياتنا المعاصرة ، ودون الدخول فى متاهات أو نظريات معقدة تجعل من التراث " لغزا " تتسلى بحله ، أو " ضريحا " نظل ندور حوله دون أن نصل إلى غاية محددة . وهنا سؤالان يحسمان القضية ؟

الأول : هل من المتصور مثلا أن نظل جالسين فى انتظار تحقيق كامل التراث العربى حتى نبدأ فى الاستفادة منه ؟

والثانى : هل من المتصور أن نظل نطبع التراث، بمعنى أن نخرجه من الحالة المخطوطة إلى المطبوعة، ثم نقوم بعد ذلك بتكديسه على أرفف المكتبات دون أن نستخرج ما فيه بالفعل من فائدة حقيقية .










هوامش الفصل الأول :

([i][1]) فى الثقافة العربية القديمة ، أطلق المسلمون على العلوم والثقافة التى نقلوها من الخارج اسم "علوم الأوائل" وكان يقصد بها الطب والحكمة والرياضيات والفلك ..الخ.

([ii][2]) من ذلك على سبيل المثال : نقد ابن مضاء (ت) لنظرية العامل عند النحاة ، ونقد ابن تيمية (ت 728 هـ) لمنطق أرسطو ، ومجموعة ابتكارات ابن خلدون (ت 808هـ) فى مقدمته .

([iii][3]) اخترع جوتنبرج الألمانى الطباعة بالحروف المتحركة سنة 1454، وانتشرت مع ظهور الصحف والمجلات ابتداء من سنة 1500 فى أوربا كلها . أما فى الشرق فكانت الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية أسبق مدن الشرق إلى الطباعة .

([iv][4]) انظر مدخل إلى نشر التراث العربى للدكتور : محمود الطناحى ص 33 وما بعدها.

([v][5]) نشير هنا على سبيل المثال – إلى ما حققه كل من محمود شاكر ، والسيد صقر ، وسليمان دنيا ، وعبدالسلام هارون ، وإبراهيم الأبيارى ، وأحمد أمين ، وانظر عنهم ، وأمثالهم كتاب : مدخل إلى نشر التراث العربى للدكتور محمود الطناحى .

([vi][6]) انظر فى قواعد وطرق التحقيق : أصول نقد النصوص ونشر الكتب لبرجشتراسر، تحقيق النصوص ونشرها لعبد السلام هارون ، قواعد تحقيق النصوص للدكتور صلاح الدين المنجد بمجلة معهد المخطوطات العربية 1955 المجلد الأول – جـ2 .

([vii][7]) هذه هى الطريقة الدولية التى تم الاعتراف بها فى تحقيق الكتب الأوربية ، وقد حاول البعض نقلها إلى العالم العربى ، ولكنها لم تحظ بالانتشار حتى الآن . ومن أمثلة ذلك ما تم فى كتاب "الفتوحات المكية" الذى يقوم بتحقيق أجزائه د. عثمان يحيى ، كما أننى طبقت هذه الطريقة فى كتاب "روح القدس" لابن عربى بناء على توجيهات أستاذى المرحوم محمود قاسم . وكانت من أهم معوقات طبعة على مدى ثلاثين عاما.

([viii][8]) حاول الكاتب الكبير يحيى حقى تنفيذ ذلك أثناء رئاسته لمجلة "المجلة" وكلف أستاذى السيد أحمد صقر بهذا العمل ، الذى نهض به على نحو رائع ، ولكن عمله أغضب المحقق كثيرا ، وأخاف الآخرين العاملين فى مجال التحقيق ، فأغلق باب "نقد التحقيق" من يومها .

([ix][9]) كان الاتحاد السوفيتى يمنع العرب من الاطلاع والاستفادة من تراثهم الموجود بكثرة فى البلاد الخاضعة له، والآن تحررت الجمهوريات الإسلامية ، وأصبح من الضرورى التعاون معها فى هذا المجال بعد زوال العقبة الرئيسية.

([x][10]) أرجو أن يتنبه لذلك القائمون على أمر الجامعات المصرية والعربية ، فهذا الميدان لا يقل أهمية عن كليات السياحة والفنادق التى راحت تنتشر انتشارا واسعا فى الوقت الحاضر .

([xi][11]) مع الأسف ، تسود عملية النشر فى العالم العربى روح الكسب المادى فقط ولا ينظر العاملون فى هذا الميدان إلا إلى الكسب من الكاتب والقارئ على السواء . وهم بذلك يفسدون مجالا من أهم مجالات بث وتنظيم الثقافة العربية والإسلامية . وقد تدخلت الحكومات العربية للإنقاذ ولكن القائمين على ذلك وقعوا فى نفس الخطأ والخطيئة .

([xii][12]) يحدث ذلك فى الغرب بصورة جيدة ، ولدى من أعمال كبار المفكرين والفلاسفة نماذج للمستويات الثلاثة. وأوضح مثال لذلك ما قام به الفرنسيون بالنسبة لكتاب "مقال فى المنهج" لديكارت .

([xiii][13]) انظر فى هذا الصدد كتابنا بعنوان "الخطاب الأخلاقى فى الحضارة الإسلامية : نمائج تحليلية " حيث قمنا فيه بجمع نماذج أخلاقية من الفلاسفة ، والفقهاء، والأدباء ، والوعاظ ، بعد أن كان يقتصر الاختيار فقط عن الفلاسفة أو الوعاظ .

([xiv][14]) انظر موضوع : المشكلات الحقيقية والزائفة فى الفلسفة الإسلامية فى كتابنا : الفلسفة الإسلامية : مدخل وقضايا – دار الثقافة العربية - 1991.

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 25 أكتوبر 2019 13:44