عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
التسامح فى الإسلام صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الخميس, 02 يونيو 2016 17:14

 

التسامح فى الإسلام


أ .د . حامد طاهر (

 

التسامح فى اللغة :

لدينا فى اللغة العربية ثلاثة أفعال مستمدة من مادة (س م ح ) وهى كالتالى:

 

الأول : (سمح) ومثاله (سمح فلان لجاره بتعلية جدار فى مسكنه)

وأيضاً (سمح فلان لجاره فى الحقل بمرور قناة فى حقله)

وهذا معناه : تنازل الشخص عن بعض حقه لشخص آخر دون مقابل ، وبنفس رضية .

والمصدر من الفعل (سمح)  هو: (سماح)  .

 

والفعل الثانى (سامح)  ، ومن أمثلته :

(سامح فلان فلاناً على ما اقترفه ضده من ضرر أو أذى)

ومعناه ترك المقاضاة ، والمطالبة بحقه ، ولم يأخذ العوض منه ورضى بالمبدأ  القرآنى (عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف) [المائدة:95]

والمصدر من الفعل (سامح) هو: (مسامحة)

 

أما الفعل الثالث فهو (تسامح)

وهو فعل متعد دائما بأداة ، ومثاله (تسامح فلان مع فلان على نسبة كذا أقل من أرباح أعمالهما) وكذلك (تسامحت دولة مع دولة أخرى بمرور طائراتها فى مجالها الجوى) والمصدر من الفعل (تسامح) هو : (التسامح) .

 

وتقتضى لفظة (التسامح) فى اللغة العربية وجود طرفين:


- أحدهما هو الذى يصدر منه فعل التسامح (فهو بمثابة الفاعل)  .

- والثانى هو الذى يقع عليه التسامح (فهو بمثابة المفعول) .


ونحن هنا بصدد الحديث عن (التسامح) أى المصدر المأخوذ من الفعل الأخير . وهو مصطلح أخلاقى أصيل فى علم الأخلاق Tolerence . وهو مبدأ إنسانى عام يفترض وجوده فى العلاقات الإنسانية والدولية ، كما أنه موجود ومدعو إليه فى كل الأديان الوضعية (كالبوذية والكونفوشيوسية والزرادشتية) ، والأديان المنزلة ، وخاصة (المسيحية والإسلام) . لكننا هنا سوف نركز على التسامح فى الإسلام .

 

معانى التسامح الخمسة :

بعد كثير من التأمل والتحليل ، تبين لنا أن التسامح له عدة معانٍ ، يمكن حصرها فى المعانى الخمسة التالية:

1- التسامح بمعنى تنازل شخص عن حقه لشخص آخر .

2- العفو عن المسىء مع المقدرة على إنزال العقاب به .

3- قبول الآخر ، المختلف فى العرق والعقيدة والمذهب السياسى .

4- معاملة العدو بالحسنى توقعا لتحوله إلى صديق .

5- احترام حقوق الأقليات فى إطار الأغلبية داخل المجتمع .

 

ومما يلاحظ أن هذه المعانى الخمسة مرتبطة بمشاعر إنسانية أخرى تمتزج بها ، وتتفاعل معها . ومن ذلك إحساس الإنسان بقوته وشخصيته دون كبْر أو استعلاء ، وصدور الإنسان عن شعور عميق بالمساواة بين جميع البشر ، واقتناع الإنسان بأن لكل فرد الحق الكامل فى التعبير عن رأيه ، أو اتخاذ موقف خاص به حتى ولو كان مخالفاً ، وفى النهاية شعور الإنسان بأهمية التعايش السلمى بين جميع البشر ، وقيام العلاقات بينهم على أساس التواد والتراحم بدلاً من البغضاء والعدوان .


التسامح فى مقابل التشدد والانتقام (الثأر) :

لكى يزداد مفهوم  التسامح وضوحاً وتحديداً ، يمكن مقارنته بما يقابله من الأخلاق المضادة له ، وأهمها التشدد والانتقام الذى يتضمن الثأر الشخصى الذى يتم بعيداً عن عدالة القانون .

 

أما التشدد فله عدة عوامل ، من أهمها : أنه قد يكون طبعاً لدى بعض البشر . وقد يكون اكتسابه نتيجة لظروف محيطة بالإنسان. وهذا يعنى التمسك بالرأى إلى حد التصلب ، وعدم إعطاء الآخرين أى فرصة لعرض أو تأكيد وجهة نظرهم . ومن المعروف أن الحقيقة أى حقيقة ، يمكن النظر إليها من زوايا متعددة . وهذا لا يعنى التشكيك فى ثبات الحقيقة ، وإنما فى طرق الوصول إليها ، كما يحدث فى الرياضيات عندما نقوم بإثبات نظرية بطرق برهنة مختلفة ، ولكنها توصلنا فى النهاية إلى صدق النظرية أو حتى خطئها .

 

وعلى مدى التاريخ البشرى كان هناك متشددون لا يحيدون عن آرائهم حتى لو ظهر للعيان أنها خاطئة . ومن هؤلاء الكفار والمشركون من الذين رفضوا دعوات رسل الله الذين حاولوا جاهدين إثبات وجود الله وقدرته واستحقاقه وحده بالعبادة . لكنهم ظلوا على موقفهم الرافض ، والمتصلب ، متبعين فى ذلك آباءهم وأجدادهم ، أى أن التشدد هنا نابع من التقليد الأعمى ، والمحاكاة غير المتبصرة .

 

وهذا بالتحديد ما حدث من مشركى مكة ضد ما جاء به الرسول محمـد ، صلى الله عليه وسلـم ، فقد اعتمدوا فى رفضهم لدعوة التوحيد التى جاءهم بها – على تقاليدهم وتمسكهم بما ورثوه من الآباء ، بالإضافة طبعاً إلى ما وجدوه فى الدين الجديد من دعوة إنسانية للمساواة بين جميع البشر ، فى حين أنهم كانوا يمثلون طبقة محملة بامتيازات عديدة وكان يخشى زعماؤها على مركزهم الاجتماعى ، وثروتهم الطائلة .

 

وهكذا يظهر لنا عامل ثان للتشدد ، وهو الحرص الشديد على المكتسبات المادية ، وعدم الإصغاء لصوت العقل الذى يدعو إلى تدبر الأمور ، واختيار الأرشد من بينها .

 

وهناك عامل ثالث للتشدد يصدر عن نفسية غير سوية . فبعض الناس نجدهم يميلون للتشدد حتى يخالفوا غيرهم ، وبالتالى يتميزوا عنهم ، ويشاع أنهم غير متساهلين أو متنازلين . وهذا أمر ينافى الفطرة الإنسانية الصحيحة . فالإنسان كائن اجتماعى ، لابد عليه أن يعيش وسط الناس ، يفيدهم ويستفيد منهم ، يستمع إليهم ويستمعون إليه . يقدم لهم حيناً رأيه ، وينزل على آرائهم أحيانا . .

 

أما الانتقام فإنه ينبع من الحرص على رد الإساءة بمثلها بل ربما زاد عليها. وقد يحدث هذا على مستوى الشخص الواحد أو على مستوى العائلة كلها أو حتى القبيلة . ومشكلة الانتقام أنه ينحصر فى قانون خاص أو شخصى ، ويتم تنفيذه بهذا الشكل ، دون أن يلتزم صاحبه بالقانون الإلهى الذى شرع القصاص ، ولا بالقانون الوضعى الذى حدد لكل جريمة عقوبتها ، سواء كانت سجنا أو غرامة .

 

ان الانتقام يبدأ من الغضب الشديد ، ولا تنطفئ جذوته إلا بأخذ الثأر . وبين الغضب الشديد وأخذ الثأر مساحة لا يستمع فيها الشخص إلى أى نصيحة بالمسامحة أو التسامح ، الذى يمكن أن ينتهى بقبول الدية ، أو أخذ العوض . لكن صاحب الثأر يظل مصراً على تنفيذ جريمته ، وأقول جريمته لأنه قد لا يقتل القاتل نفسه ، بل يمكنه أن يقتل أخاه أو ابنه ، ممن لا ذنب لهم فى ارتكاب الجريمة الأولى !

 

وقد كان العرب فى الجاهلية يفعلون ذلك على أنه قانون سارٍ فى حياتهم . ومن أقوالهم فى هذا الصدد (القتل أنفى للقتل) أى أن قتل القاتل أو أحد أقاربه يمنع القتل من الاستمرار ، وكما سبق أن أشرت : أنها دائرة جهنمية قد لا تنتهى حلقاتها أبداً . فكلما قتل شخص مميز تداعت قبيلته لقتل شخص مماثل له فى القبيلة الأخرى . والسبب الأساسى هنا هو ترك هذا العمل للأفراد يقومون بتنفيذه ، كل حسب ما يراه ، وبالوسيلة التى تمكنه من الانتقام ، لكى لا يلومه باقى أفراد قبيلته بالخنوع والتخاذل .


لكن الإسلام جاء فأعلن مبدأه الشهير (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة:179] والقصاص هنا يعنى أن تقدر كل جريمة بقدرها ، سواء كانت القتل بإزهاق الروح ، أو بقطع أو إتلاف عضو من أعضاء  الجسد . .

 

والحكمة هنا أن الدولة هى المنوطة بهذا العمل الدقيق وليس الأفراد . وهى عندما تقوم بذلك تحقق مبدأين فى نفس الوقت : العدالة من ناحية ، والإشهار من ناحية أخرى . ومع ذلك فقد دعا الإسلام إلى تسامح أهل القتيل بقبول الدية ، أو حتى بالتنازل ، وبذلك يتم إغلاق القضية ، وتتوقف دائرة العنف التى يسببها الثأر الشخصى ، حتى تستمر الحياة التى هى أغلى ما وهبه الله للإنسان .

 

التسامح لدى الغرب :

يتردد مفهوم التسامح فى الثقافة الغربية بين محاولة قبول الآخر والسماح بالاختلاف معه  ، وتركه يعيش كما يريد ، لكى يجعلنا نعيش كما نريد (مثل أسبانى) .وبين النظر إلى التسامح باعتباره عدم عدالة (مثل إنجليزى قديم)  .أو بشرط أن نتسامح فقط مع غير المتسامحين (مثل فرنسى) .

 

ويرى الأديب الألمانى جوته أن التسامح ليس سوى حالة مؤقتة أو انتقالية يجب أن تؤدى  ما بعدها  ، وهذا معناه أن التسامح يعنى الاستعداد للهجوم!

 

أما الفيلسوف الكبير شوبنهور فيذهب إلى أن التسامح الذى نلاحظه ونمتدحه عند عظماء الناس ليس دائماً إلا نتيجة للاحتقار العميق الذى يكنونه فى نفوسهم . فعندما يدخل عقل كبير فى عمق الاحتقار يتوقف عن الاعتقاد بأن الناس متساوون أو متشابهون ، وحينئذ يتطلب منهم ما يتطلبه من أمثالهم !

 

وفى الماضى ، ظهر عدم التسامح فى مجال الدين (الاضطهاد الدينى) . وفى هذه الحالة انتشر اضطهاد الأقليات الدينية بصورة لا إنسانية ، كما فعلت ايزابيللا الكاثوليكية مع طائفة اليهود فى أسبانيا (نهاية القرن 15) وكما حدث للبروتستانت فى أوربا فى عهد شارل الرابع عشر (القرن 16) .

 

أما فى العصر الحديث ، فقد انتقل الاضطهاد إلى المجال السياسى (الاضطهاد السياسى) وهنا ظهر عدم التسامح مع أتباع المعارضة السياسية ، واتضح هذا جليا فى مجالس النواب ، ثم امتد إلى اضطهادهم بالتوقيف ، والسجن ، والنفى .

 

إن التسامح فى جوهره مبدأ أخلاقى ، يقوم على مبدأ إنسانى آخر يتمثل فى الإيمان بالمساواة بين جميع البشر دون استثناء . والمساواة تعنى أن يكون لكل شخص (أو طائفة) الحق فى ممارسة تفكيرها وعقائدها وتصرفاتها بالطريقة التى تناسبها . وهنا يبرز التعدد والتنوع الذى هو من أهم سمات البشر . فكما اختلف الناس فى أجسامهم وألوانهم يختلفون فى أفكارهم وعقائدهم واتجاهاتهم . ولا شك أن كلاً من التعدد والتنوع هو الذى يقيم الحضارات ، ويحافظ على استمرارها ، وذلك على عكس التعصب لعرق أو دين أو مذهب سياسى، بحيث ينتج عنه إقصاء كل المخالفين والإطاحة بهم . والسؤال الأهم الذى لا توجد له إجابة واحدة : متى خلت الدنيا من اختلافات البشر ، ولم يبق بها سوى جنس واحد ، أو شعب واحد ، أو أصحاب دين أو مذهب سياسى واحد ؟!

 

التسامح إذن يعنى قبول الآخر ، مادام لا يعتدى على حريتى أو عقيدتى . ومادام يتعايش معى بسلام ، فإذا بدرت منه عداوة أو اعتداء وجب وقفه عند حده ، والأفضل أن يتم العفو عنه (أى التسامح معه) حتى تتحول عداوته إلى صداقة (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم) [فصلت:34]

 

ان الأمثلة على التسامح بين الدول والشعوب كثيرة ، وهى تثير الدهشة بالفعل . وفيها تحولت أشد العداوات إلى صداقة ، وحل محل سفك الدماء تعاون من أجل البناء والازدهار . ويكفى أن نسترجع تاريخ الحروب الطويلة بين فرنسا وبريطانيا ، التى امتدت مئات السنين ، وانتهت أخيراً ببناء نفق تحت بحر المانش يربط البلدين ويزاوج بين الشعبين. وذات يوم احتلت ألمانيا فرنسا احتلالاً بغيضاً ، وهما الآن من أقرب الأصدقاء أحدهما للآخر . وقبل ذلك هجمت بريطانيا وأسبانيا وفرنسا على أراضى أمريكا الجديدة ، وأنشأت بها مستعمرات مكينة، ثم ما لبثت ـــ بالحروب تارة ، وبالصلح تارة أخرى ـــ أن عادت أدراجها ، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هى الراعية الرسمية لحمايتها ، وتحقيق النصر لها فى الحرب العالمية  الثانية  .

 

كل هذه الأمثلة حدثت فى الغرب ، لكنها أصبحت جزءاً من التاريخ الذى يتذكره الناس هناك بشئ من المرارة ولكنهم ما يلبثون أن يمارسوا حياتهم الجديدة ، التى قامت على التعاون والتسامح . وليس إنشاء الاتحاد الأوربى بين (26) دولة حتى الآن مختلفة الجنس واللغة والتاريخ والثقافة وحتى العملة . . إلا نموذجاً لتنازل الأقوياء عن بعض قوتهم لاحتواء الضعفاء ، وإقبال الأغنياء منهم على الفقراء بروح  الأخوة والتضامن .

 

وهكذا فإن التسامح فى الغرب مهما طال أمد غيابه وتعرض لانتقادات بعض كبار المفكرين لا يلبث أن يعود بين البشر ، لأنه يستجيب لنداء فطرى فى أعماقهم ، وهو نداء التعاون ، وتبادل المصالح والمنافع ، والشعور بالمساواة الفطرية التى خلق الله الناس عليها ، وأوصاهم بأن (يتعارفوا) بدلاً من أن يبتعد كل منهم عن الآخر ، والبعد يؤدى دائماً إلى العداوة ، والاستعداء.

 

التسامح فى القرآن الكريم :

المتأمل فى آيات القرآن الكريم التى وردت فى مجال التسامح – وهى كلها جاءت بلفظ العفو - يجد أولاً أولا أن من أحد أسماء الله الحسنى : (العفو) أى كثير العفو [سورة الحج ، آية 60 ، المائدة ، آية 2 ، النساء ، آيات 43 ، 99 ، 149] .

 

وثانياً هناك ثلاثون آية ذكرت فيها مادة العفو ، بمعنى المسامحة عن السيئات، وخاصة عندما تقع فى الماضى ، أو فى المرة الأولى . والعفو هنا من الله تعالى:

- (عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ ) [المائدة:95]

- ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ) [التوبة:43]

- ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) [البقرة:52]

- ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ) [النساء:153]

 

وهناك آيات أخرى تؤكد أن الله تعالى (يعفو عن كثير) ، انطلاقا من قوله تعالى أنه هو(الغفور ، الرحيم الحليم) .

 

- (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [المائدة:15]

- (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِير) [الشورى:34]

- (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير) [الشورى:30]

 

أما دعوة القرآن الكريم للرسول ، صلى الله عليـه وسلـم، وبالتالى لسائر المسلمين بالعفو والمسامحة ، فإنها تتأكد من خلال الآيات الكثيرة الآتية:

 

- (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40]

- (أَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) [البقرة:237]

- (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء:149]

- (إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) [البقرة:237]

- (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ) [النور:22]

- (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ) [آل عمران:159]

- (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) [المائدة:13]

- (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ ) [البقرة:109]

- (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:178]

- (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين) [الأعراف:199]

- (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) [آل عمران:134]

 

ومما سبق ، يمكن أن نستخلص أن العفو والمسامحة يمكنهما أن يتغلبا على العداء والمعاندة فى كل سلوك المسلم ، والقرآن يؤكد بصفة خاصة على المجال الاجتماعى فى مسائل الزواج والطلاق ، وكذلك على مجال القصاص ، بالنسبة لولى الدم الذى يعطيه مطلق الحرية فى استيفاء حقه كاملاً فى القصاص أو العفو والتسامح . . وهو يضع فى هذا الصدد مبدأ إسلامياً رائعاً يقول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم) [فصلت:34] .

 

التسامح فى السيرة النبوية :

 

إن  الحديث النظرى عن التسامح يمكن أن يطول فى المؤلفات الأخلاقية ، لكن الأهم منه هو متابعة المواقف العملية للإنسان التى تتجلى فيه فضيلة التسامح من خلال أقواله وأفعاله التى عاينها المحيطون به ، ونقلوها بكل دقة وأمانة للأجيال اللاحقة.

 

القرآن الكريم يؤكد  عظمة أخلاق الرسول ، صلى الله عليه صلى وسلم، فى قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم) [القلم:4]، ويقول هو عن نفسه "أدبنى ربى فأحسن تأديبى" وتشهد زوجته الأولى ، السيدة خديجة بأنه – حتى من قبل البعثة : كان يصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويكسب المعدم ، ويقرى الضيف ، ويعين على نوائب الحق " أخرجه الدرامى .

 

لكننا هنا سوف نقتصر على جانب واحد من جوانب عظمة أخلاق الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، ونحن بذلك كمن لا ينظر إلا إلى وجه واحد من الوجود المتعددة للماسة ، والتى يبرق كل وجه منها بما لا نهاية له من الأضواء . يقول الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، عن نفسه " إنما أنا رحمة مهداة " ويكاد هذا الوصف المختصر ، والملىء بالمعانى يلخص حياة خاتم الرسل تلخيصا كاملاً . أما أنه (رحمة) فلأنه أخرج أمة بأكملها من ضلال الشرك والوثنية إلى عبادة الله الواحد ، الخالق الرازق ، الذى بيده ملكوت السماوات والأرض ، وأما أنه (رحمة مهداة) فلأنه هدية الله تعالى إلى البشر جميعاً حتى تقوم الساعة ، جاءهم بالدين الوسط الذى هو أصح الأديان ، وأكمل التشريعات ، وأنه ، صلى الله عليـه وسلم ، قد قدم من نفسه نموذجاً حياً للإنسان الكامل الذى تظل سيرته مصدر إلهام لكل أتباعه ، وللبشرية كلها .

 

عندما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين) [الأعراف:199] ، سأل الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، جبريل ، عليه السلام  عن معنى ذلك ، فقال له: حتى أسأل العليم – أى الله سبحانه وتعالى – ثم ذهب وأتاه ، فقال له : "يا محمـد ، إن الله يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطى من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك" – تفسير القرطبى ج7 ، ص 345 .

 

والثابت فى سيرة الرسول، صلى الله عليـه وسلم ، أنه كان حليما مع كل من أساءوا إليه ، صفوحاً عن زلاتهم . وكان هذا الحلم وذاك الصفح من أهم الأسباب المؤثرة فى نفوسهم ، الأمر الذى كان يدفعهم إلى اعتناق الإسلام ، والإتيان إليه معتذرين إلى حد أن أحدهم (صفوان بن أمية) قال: جئت إلى الرسول وهو أبغض الناس إلى قلبى ، وخرجت من عنده وهو أحب خلق الله إلى قلبى ! ( الشفا فى أخبار المصطفى )

( 2/ 99) .

 

ولا شك أن الحلم عندما يمتزج مع الحكمة يخرج منهما مزيج إنسانى فريد سوف نجده متمثلاً فى حياة الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، فى موقفين أحدهما سياسى ، والآخر عسكرى :

 

أما الموقف السياسى فيوجد فى صلح الحديبية الذى أبرمه الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، مع مشركى مكة بعد ست سنوات من الهجرة ، وكان ذاهبا فى ألف وأربعمائة مسلم يتقدمهم الهدى لأداء فريضة الحج فمنعهم المشركون ، خوفا من إمكانية احتلال هذا العدد الكبير لمكة إذا دخلوها حجاجا ! وعلى الرغم من استياء كثير من المسلمين من هذا الرفض المتعنت ، فقد قبل الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، أن يعقد مع المشركين اتفاقية أو صلحاً كان فيه بعض الظلم على المسلمين ، والتنازل من جانبهم ، فى مقابل التصالح مع مشركى مكة ، ولكنه أتاح للإسلام بعد ذلك أن ينتشر وتتمهد أركانه فى شبه الجزيرة العربية ، وأن يعود المسلمون بعد عامين اثنين فى عشرة آلاف رجل ليفتحوا مكة . . فتحاً مبيناً .

 

هذا وإن دراسة تحليلية لموقف الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، أثناء تلك  المفاوضات المضنية التى جرت مع مشركى مكة ، واستفزازهم المتواصل للمسلمين ، بالإضافة إلى عدم رضا هؤلاء الآخرين عن العودة دون أداء فريضة الحج ـــ تبين مدى التسامح الذى أظهره الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، فى قبول رغبة الأعداء المؤقتة، وبعد نظره الحكيم الذى كان خيرا وبركة على الإسلام والمسلمين.

 

أما تسامحه فى الموقف العسكرى الشهير ، فهو الذى حدث أثناء فتح مكة ، حين دخلها منتصراً بكل معنى الانتصار ، فهدم الأوثان التى كانت حول الكعبة ، وأمّن أهل مكة جميعاً ، ماداموا ملتزمين بعدم مقاومة المسلمين ، ثم وقف فيهم خطيبا ، وطرح عليهم السؤال التالى:

 

- ماذا تظنون أنى فاعل بكم ؟

- خيراً . . أخ كريم ، وابن أخٍ كريم

- إذن ، اذهبوا فأنتم الطلقاء .

 

وكانت النتيجة أن راح أهل مكة – الذين طالما آذوا الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، وأتباعه المؤمنين ، وأخرجوهم من ديارهم ، وصادروا أموالهم – يدخلون فى دين الله أفواجاً ، حتى أن كبار رجال الشرك تحولوا إلى الإسلام ، وكان الكثير منهم يفاجأ بصفح الرسول الكريم عن تاريخهم الأسود معه . .

 

إن هذا الموقف الفريد لا يكاد يوجد مثيل له فى كل المعارك التى اقتحمت فيها جيوش منتصرة المدن التى قاومتها ، وحاربتها ، وألحقت الأذى بها . وهو يدل دلالة ناصعة على مدى ما تمتع به الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، من تسامح ، ظهر فى عفوه العام مع المقدرة على محاسبة الأعداء وأخذ الثأر منهم .

هذا ومن الثابت فى سيرة الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، أن تسامحه لم يكن مؤقتاً أو عارضاً ، بل كان سمة عامة تتجلى فى كل تصرفاته :

· قسم رسول الله ، صلى الله عليـه وسلم ، قسمة بين المسلمين ، فقال رجل:

- هذه قسمة ما أريد بها وجه الله

وذكر ذلك للنبى ، صلى الله عليـه وسلم ، فاحمر وجهه ، وقال:

- رحم الله أخى موسى ، قد أوذى بأكثر من ذلك فصبر !

· وحين أسلم بحير بن زهير ، غضب منه أخوه الشاعر كعب بن زهير وكتب إليه يلومه ، فأخبر بجير الرسول بذلك ، فقال الرسول ، صلى الله عليـه وسلم: من لقى منكم كعب بن زهير فليقتله . فكتب بجير إلى كعب يخبره أن الرسول قد أهدر دمه ، فصرْ إليه ، فإنه يقبل من جاءه تائبا ، ولا يطالبه بما فعله قبل الإسلام . فلما بلغت الرسالة كعباً ، أسرع إلى إحدى القبائل لتحميه فرفضت ، فضاقت عليه الأرض ، فجاء المدينة ، وقابل فى المسجد على بن أبى طالب فقال له: هذا رسول الله ، فقم إليه ، واستأذنه . فسمع كلامه ، وقام إليه حتى جلس بين يديه فوضع يده فى يده قائلاً:

- يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء يستأذنك تائباً مسلماً ، فهل أنت قابل منه ذلك إن أنا جئتك به ؟

قال: نعم .

قال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير .

فقال رسول الله: الذى يقول ما يقول ؟!

وعندئذ قام إليه رجل من الأنصار يريد قتله ، فمنعه الرسول قائلاً:

دعه عنك ، فإنه جاء تائباً نازعاً .

ثم أخذ كعب فى إنشاد قصيدته (بانت سعاد) التى يقول فيها:

إن الرسول لسيف يستضاء به        وصارم من سيوف الله مسلول

فألقى الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، بردته الشريفة عليه ، وعفا عنه .

·

وأتت يهودية رسول الله ، صلى الله عليـه وسلم ، بشاة مسمومة  ليأكل منها ، فجىء بها إليه ، صلى الله عليـه وسلم ، فسألها عن ذلك ، فقالت: أردت قتلك ! فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك . قال الصحابة من حوله : أفلا نقتلها ؟ قال : لا .


· وعن أبى ذر قال: أتى رسول الله ، صلى الله عليـه وسلم ، برجل قد شرب ، فقال رسول الله ، صلى الله عليـه وسلم : اضربوه . فمنا الضارب بيده ، ومنا الضارب بنعله ، ومنا الضارب بثوبه . فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله ! فقال رسول الله، صلى الله عليـه وسلم : لا تقولوا هكذا ، ولا تعينوا الشيطان عليه ،  ولكن قولوا : رحمك الله !


· وفى إحدى الغزوات ، كان رسول الله ، صلى الله عليـه وسلم ، وحده تحت شجرة وفوجئ بغوْرث بن الحارث ، وبيده السيف مصلتاً على رأسه ، فقال للرسول:

ـــ  من يمنعك منى ؟

فقال: الله

فسقط السيف من يده ، فأخذه الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، وقال:

- من يمنعك منى ؟

قال: كن خير آخذ .

فتركه وعفا عنه ، فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس .

 

التسامح بين العلماء (الفقهاء) :

 

من أبرز المجالات التى تجلى فيها التسامح بين علماء المسلمين : مجال الفقه. ومعروف أن هذا العلم الجليل يقوم على بيان الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليـه وسلم ، ثم على استنباط الأحكام الأخرى بقدر طاقة كل فقيه . وقد كان أئمة الفقه الإسلامى الذين اشتهر منهم أربعة هم (أبوحنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل) نماذج هادية فى حسن الخلق ، وسعة الصدر ، وعدم التعصب لآرائهم ، أو المغالاة فى فتاواهم ، كما كانت آراء بعضهم فى بعض تعبر عن احترام كامل وتقدير عميق .


· ذكر القاضى عياض فى (المدارك) أن الليث بن سعد لقى الإمام مالكاً فى المدينة ، فقال له:

- إنى أراك تمسح العرق عن جبينك .

قال عرقت مع أبى حنيفة . إنه لفقيه يامصرى

قال الليث: ثم لقيت أبا حنيفة ، وقلت له :

- ما أحسن قول هذا الرجل (يشير إلى مالك) فيك !

فقال أبوحنيفة: ما رأيت أسرع منه بجواب صادق ، ونقد تام.

 

ونقول إن هذا يحدث مع إمامين ، لكل منهما مذهب فقهى يكاد يختلف اختلافاً كبيرا"ً عن الآخر .

 

ويقول الشافعى: مالك بن أنس معلمى ، وعنه أخذت العلم ، وإذا ذكر العلماء فمالك النجم ، وما أحد آمن على من مالك بن أنس

 

وكان يقول: إذا جاءك الحديث من مالك فشد به يديك . كان مالك بن أنس إذا شك فى الحديث طرحه كله .

· وسئل أحمد بن حنبل عن رجل يريد أن يحفظ حديث رجل واحد بعينه ، فقيل له:

- حديث من ترى له؟

قال: يحفظ حديث مالك .

ويلاحظ أن ابن حنبل يجيب بذلك ـــ وهو من هو فى معرفته بالحديث ، وتأليفه لكتاب (المسند) ؟ !

· وكان شعبة بن الحجاج (الملقب بأمير المؤمنين فى الحديث) ، وأبو حنيفة من أهل الرأى والقياس . ورغم تباين منهج كل منهما فى الفقه ، فقد كان شعبة كثير التقدير لأبى حنيفة ، تجمع بينهما مودة ومراسلة ، وكان يوثق أبا حنيفة ، ويطلب إليه أن يحدّث . ولما بلغه نبأ وفاته قال: لقد ذهب معه فقه أهل الكوفة . . تفضل الله علينا وعليه برحمته !

· وكان ابن عيينه – وهو شيخ جليل- إذا جاءه أحد يسأله عن شئ من التفسير والفتيا ، يلتفت إلى الشافعى ، ويقول: سلوا هذا . .

· ومن أجمل الآراء التى أبداها عالم فى زميل له ما ورد عن عبدالله ، ابن الإمام أحمد بن حنبل: سألت أبى: أى رجل كان الشافعى ، فإنى أسمعك تكثر الدعاء له ؟ فقال: يا بنى ، كان الشافعى – رحمه الله – كالشمس للدنيا وكالعافية للناس . فانظر هل لهذين من خلف أو عوض ؟!

· ومن طريف ما يذكر فى هذا الصدد ، ما رواه صالح  (ابن الإمام أحمد بن حنبل) قال:

لقينى يحى بن معين فقال:

- أما يستحى أبوك مما يفعل ؟!

فقلت: وما يفعل ؟

قال: رأيته مع الشافعى ، والشافعى راكب ، وهو راجل آخذ بذمام دابته !

فقلت لأبى ذلك . فقال:

- إن لقيته فقل: يقول لك أبى:

إذا أردت أن تتفقه فتعال وخذ بركابه من الجانب الآخر!

· وإذا كان ابن حنبل قد تتلمذ على الشافعى ، فإن الشافعى نفسه يقدر قيمة تلميذه ، وكان إذا حدث عن ابن حنبل لا يسميه باسمه (تعظيماً له) ، بل يقول:

- حدثنا الثقة من أصحابنا ، أو أنبأنا الثقة ، أو أخبرنا الثقة .

 

ولا شك أن آراء هؤلاء العلماء بعضهم فى بعض ، لا تعبر فقط عن كثير من التوقير والاحترام لأشخاصهم أو آرائهم بل إنها تعبر أيضاً عن روح متسامحة لا تتعصب لمذاهبهم الخاصة بهم ، وفى ذلك الكثير من انفتاح الذهن والعقل على كل من يتميز فى مجال ، دون الوقوف منه موقف العداوة والبغضاء .

 

التسامح على مستوى الفرد :

كل إنسان يحتوى على قوة غضبية تدفعه إما إلى العدوان على الآخرين ، وإما إلى رد العدوان بمثله أو بأعنف منه . وهذه القوة هى التى تخرج الإنسان عن توازنه وتماسكه وعقلانيته وتدفعه دفعاً إلى استخدام العنف كوسيلة يحمى بها نفسه ، ويحافظ على مكتسباته التى يسميها فى العادة حقوقاً .

 

وقد تعرضت أنا شخصياً إلى هذا الموقف ، حين وجه إلىّ أحدهم اتهاما باطلاً ، لكنه يسىء لسمعتى فى مجال العمل . ويومها أحسست بالدم يغلى فى عروقى ، وشعر رأسى ينتفض ، ولا أتمالك السيطرة على هدوئى أو اتزانى ، ثم وجدتنى اندفع إليه بكل قوتى وأمسك بخناقه ، وأدفعه دفعاً إلى جدار حتى أنه لم يستطع أن يتخلص منى ، ولم أكتف بذلك بل رحت أضغط على رقبته ، وهو لا يكاد يتنفس ، ولولا أن عددا من المحيطين بنا أسرعوا بتخليصه لكان قد قضى عليه ، وأصبحت أنا فى عداد القاتلين !

 

ثم بعد مرور فترة من الوقت ، وجدتنى أعود لطبيعتى الهادئة ، وأستعيد ما حصل فأستنكره . وكان مما أراحنى كثيراً أنه عاد برفقة بعض أصحابنا ، واعتذر لى . وعلى الفور قبلت اعتذاره ، وأنا أحس بأنه قدم لى خدمة جليلة إذْ جعلنى أسامحه ، بينما كان المفترض أن أقدم له اعتذارى عن عنفى الشديد فى رد إساءته .

 

إننى أذكر هذا الموقف عنى حتى لا أضطر للرجوع إلى أمثلة من المؤلفات الأخرى ، وأرجو أن نستخلص منه أن القوة الغضبية عندما تستثارفى إنسان لا يكاد يوقفها شئ، بل أنها قد توقع صاحبها فى مصائب شتى .

 

لكن من رحمة الله بالإنسان أنه وضع فيه إلى جانب هذه القوة الغضبية الشرسة قوة العقل الهادئ ، الذى يتثقف بالمعرفة ، وينضج بالتجارب ، وهو الذى يمكنه أن يمسك اندفاع القوة الغضبية ، ويلقى على نيرانها المشتعلة بعض الماء ليطفئها ويحولها إلى رماد خامد . ومن المعروف أن كل عقل  لا يستطيع أن يفعل ذلك ، وإلا لعاشت الإنسانية على غرار الملائكة بدون خلاف أو نزاع ، بل المقصود هو العقل الذى يمكنه أن يوازن بين الأمور ، وأن يبصر عواقبها البعيدة ، وليس نتائجها الحالية أو القريبة .

 

وإلى جانب العقل توجد الطيبة ، أى الميل السلمى لمعالجة أعتى الأمور ، ولهذا فإن كلا من العقل والطيبة ، التى يسميها الكثير من الناس: إنسانية ، هو الذى يقوم بلجم القوة الغضبية وترويضها ، وجعلها تتسامح مع الناس ، والأشياء . وهذا هو ما ييسر سبل الحياة ، ويجعلها تمضى رخاء بدون منغصات .

 

ولنتصور معاً إنساناً يعيش فى أسرته ، ويدقق فى كل فعل أو كلمة من أحد أفرادها ، ويحاسب عليها – وكأنه معلم يصحح أوراق التلاميذ ، فماذا عسانا نتخيل موقف أفراد الأسرة منه ، مهما كان حبهم له ، أو صلة القربى التى تربطهم به . إن مثل هذا لا يطاق ، بل إنه بمرور الوقت سوف يجدهم ينقلبون عليه ، ويحاسبونه كما كان يحاسبهم ، وعندئذ سوف يكون العقاب من جنس العمل .

 

إن التعايش مع الناس فى دائرة معينة ، سواء كانت أسرة ، أو مجال عمل ، أو صداقة ، أو علاقات عامة مع غرباء – يتطلب قدراً كبيراً من حسن الخلق ، الذى يقوم على التسامح والتساهل وعدم مقابلة الإساءة دائماً بالإساءة ، وكما يعلمنا المبدأ القرآنى العظيم (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم) [فصلت:34] فإن مقابلة المسئ بالإحسان ، والعدو بقدر من الصداقة مما له أكبر الأثر فى مزيد من تحسين علاقات الإنسان بالآخرين . وعندما تتحسن العلاقات بين الناس يسود الأمن والأمان ، ويتم تبادل المنافع والمصالح بدلاً من أعمال التخريب والدمار .

 

التسامح إذن مفتاح خير كثير لكل فرد فى المجتمع ، فهو الذى يشعره بالأمان ، ويفتح له باب العلاقات الطيبة مع الجميع ، ويقلل من خصومه أو أعدائه ، بل إنه يحولهم تماماً إلى أصدقاء حميميين . والتسامح هو الذى يترك لأبنائه من بعده سيرة حسنة تساعدهم على مواصلة طريقهم فى جو اجتماعى تسوده المحبة والوئام .

 

التسامح فى العلاقات الدولية :

ليس أفضل هنا من الرجوع إلى البحث القيم الذى تركه لنا الدكتور محمـد عبدالله دراز – رحمه الله رحمة واسعة لقاء من أنتج وأفاد – بعنوان (مبادئ القانون الدولى العام فى الإسلام) ، والذى يصدره بتصحيح خطأ شائع بين علماء الغرب ومن يتابعهم حتى الآن – وهو أن فكرة القانون الدولى العام فكرة حديثة ، ابتدعتها أوربا مؤخراً .

 

ويرى الدكتور دراز أن هذا يمكن أن يصح على كل من اليهودية والمسيحية اللتين تخلوان من هذه الفكرة نتيجة عدم وجودهما فى علاقات دولية مباشرة ، وكذلك الحال بالنسبة للعصور اليونانية ، والرومانية القديمة ، التى لم تكن فيها تلك الدولة المسيطرة بحاجة  إلى قانون دولى يضبط أفعالها ، لأنها كانت تتصرف على مقتضى طبيعتها الشرسة والعدوانية دون أى اعتبار للشعوب الأخرى ، حيث كانت تراها أقل قيمة، وأدنى مكانة . وقد استمر الحال على ذلك فى أوربا الحديثة التى افتقدت هى الأخرى (فكرة المساواة بين الشعوب) التى هى أساس القانون الدولى العام ، حتى تعرضت لأكبر حربين عالميتين الأولى (1914- 1919) والثانية (1939- 1945) فاضطرت إلى الاعتراف بضرورة وضع قانون عصبة الأمم المتحدة أولاً: ثم مبادئ الأمم المتحدة ثانياً لكى تحمى نفسها أساساً ، وتساعد الشعوب الأخرى على حياة السلام الذى ينعكس عليها بدون شك .

 

يقول دراز: أما إذا أردنا أن نظفر بتشريع دولى عام ، يصطبغ بالصبغة العالمية ، فعلينا أن نصعد بذاكرتنا إلى عصر رسول الإسلام ، صلى الله عليه وسلـم .

 

ومن الثابت تاريخياً أن عشر السنوات التى قضاها الرسول ، صلى الله عليه وسلـم ، فى المدينة كانت مليئة بمناوشات الحرب ، ومعاهدات السلم وعقد التحالفات مع المحيطين بالمسلمين والمتربصين بالإسلام . ولم يكن الرسول ، صلى الله عليه وسلـم ، القائد والحاكم حينئذ لجماعة المسلمين، يصدر فى ذلك كله إلا انطلاقا من تطبيقه لمبادئ القرآن الكريم ، واستلهاما لروحه العظيم .

 

وهكذا يمكن القول بأن كل ما اتخذ فى تلك الفترة من قرارات ، أو تم من إجراءات إنما يعبر عن رسالة الإسلام .

 

وفى هذه الجزء من البحث سوف نتوقف قليلاً عند بعض المبادئ التى حكمت سلوك المسلمين فى حالتى الحرب والسلم، محاولين استخلاص روح التسامح من كل منهما .

 

أما فى حالة الحرب ، فإن الإسلام يقر الحرب المشروعة ، وهى التى تتمثل فى استعمال حق الدفاع عن النفس ، أو  عن شعب مسلم أو حليف عاجز عن الدفاع عن نفسه . . والآيات هنا صريحة للغاية:

- (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير) (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج:39 ،40]

- (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين) [البقرة:190]

- (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم) (  . . . فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِين) [البقرة:192 ، 193]

- (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا) [النساء:90]

- (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) [النساء:75]

- (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) [النساء:75]

 

وفى كل الأحوال ، لا يدخل المسلمون فى حرب إلا إذا كان عدوهم قد تجهز بالفعل لها ، وأن يكون فى حالة هجوم ، أو تأهب للهجوم . أما المظاهر غير الودية والتلاسن بالألفاظ والبيانات فلا ينبغى أن تنشب حرب بسببها .

 

يقول الله تعالى:

- (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]  .

 

وقد ضرب لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلـم ، خلال مفاوضاته مع قريش التى انتهت بصلح الحديبية نموذجاً رائعاً على أن الصلح المجحف للمسلمين خير لهم من الانتصار الدموى . لقد كان فى إمكان المسلمين حينها أن يفتحوا مكة بالقوة ، وهم بالفعل على أبوابها، ولكن المفاوضات انتهت إلى صلح يقوم على بعض الشروط التى تنال من حقوق المسلمين وتعطى فى المقابل مزايا أكثر للمشركين ، ومع ذلك ، فقد وافق الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، إيثاراً لتحقيق السلام، ونبذ الحرب . وأجاب السائلين فى هذا الصدد " والله لا تدعونى قريش إلى خطة يسألوننى فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها" .

 

وعلى الرغم من عداوة قريش المتأصلة للرسول ، صلى الله عليه وسلـم ، وللمسلمين ، فقد حدث أن ثمامة من بنى حنيفة أقسم بعد أن أسلم على منع تموين أهل مكة بالحبوب التى تنتجها بلاده (اليمامة) . وعندئذ وجهت قريش رسالة للرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، تقول فيها: "إنك تأمر بصلة الرحم ولكنك قطعت أرحامنا فقتلت الآباء، وجوعت الأبناء" ، فبعث الرسول ، صلى الله عليـه وسلم ، على الفور إلى ثمامة يأمره برفع الحظر ، وأن يدع أهل مكة يحصلون على مواردهم من القمح .

 

ولسنا بحاجة إلى الإطالة فى قواعد الحرب ، التى تتسم بالإنسانية فى الإسلام ، ومنها النهى عن التحريق ، وحظر وسائل الانتقام الوحشية ، وعدم السلب والنهب والقتل غدراً ، والتمثيل بجثث القتلى ، ومعاملة الأسرى معاملة كريمة لا تمتهن إنسانيتهم . ومما يحسب للإسلام أن التسلح أمر ضرورى ، ولكنه ليس للقيام بالاعتداء على الآخرين ، وإنما لرد من تسول له نفسه الاعتداء على المسلمين . فهو للردع وليس أبداً لبسط النفوذ والسيطرة (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال:60] .

 

وإذا دارت الحرب ، وأحس العدو بقرب هزيمته ، فإنه قد يطلب الدخول فى السلام ، وحينئذ يأتى الأمر بضرورة وقف الحرب وقبول السلام (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) [الأنفال:61] . وتتجلى قمة الحرب بعد انتصار المسلمين فى مبدأ العفو العام عن المهزومين ، مع القدرة الكاملة لإنزال العقاب العادل بهم . هذا ما تجلى بصورة لا تكاد يكون لها مثيل فى فتح مكة حين دار الحوار مع أعتى المشركين الذين ظلوا يؤذون المسلمين طوال ثلاث عشرة سنة :

- يا أهل مكة ، ما تظنون أنى فاعلك بكم ؟

- خيراً . . أخ كريم ، وبن أخ كريم .

- اذهبوا فأنتم الطلقاء !

 

فإذا انتقلنا من جانب الحرب ، إلى جانب السلم السياسى وفيه يتبدى سلوك الرسول، صلى الله عليـه وسلم ، فى معاملة مبعوثى أعدائه ، وحاملى رسائلهم وممثليهم السياسيين ، مع إعطائهم حق الحصانة الاجتماعية بحيث يتحركون ويغادرون متى شاءوا ، وكذلك حين استقباله لهم ، وتفاوضه معهم ، وعقد الاتفاقيات التى تكون غالباً فى صالح أقوامهم . ومن ذلك ضمان عدم الاعتداء من الجانبين ، وعقد التحالف الذى يقوم على المناصرة ، وصد أى عدوان على أحد الطرفين. وفى عهده لنصارى نجران بند يضمن حرية عقيدتهم وعبادتهم ، وسلامة معابدهم ، وعدم المساس بمساكن كهنتهم ، فى مقابل مدّ المسلمين ببعض الأسلحة عند نشوب حرب ضدهم ، مع ضرورة استرجاعها فور انتهاء الحرب . وأخيراً تتجلى المعاهدات السياسية التى عقدها الرسول، صلى الله عليـه وسلم ، مع أعدائه مبدأ الوفاء بالعهود  وأن يلتزم طرفا العقد بالمحافظة بكل دقة على تنفيذ شروط الميثاق بنصها وروحها . وقد أثبت التاريخ أنه ، صلى الله عليـه وسلم ، لم يتنصل من اتفاقية ، ولم يكن البادئ أبداً بخرق معاهدة . وذلك لأن العهد الذى يقطعه المسلم على نفسه لا يلتزم به مع الناس فقط ، بل أمام الله تعالى قبل كل شئ . يقول الله تعالى (أَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولا) [الإسراء:34].

 

إن مبادئ القانون الدولى العام تبعاً لهذا التصور الإسلامى تدحض بما لا يدع مجالاً للشك فكرة مؤرخى هذا القانون الذين يذهبون إلى أنه نبْت الحضارة الغربية الحديثة ، فى القرن العشرين ، كما أنه يؤكد بكل جلاء ووضوح مدى ما قدمه الإسلام من خلال القرآن الكريم ، وتطبيقات رسول الله ، صلى الله عليـه وسلم ، من توجيهات عليا ، يمكن أن يستضئ بها البشر جميعا فى تعاملاتهم مع بعضهم البعض ، سواء على المستوى الفردى ، أو الدولى . ولا شك أن روح التسامح التى وجدناها سائدة فى كل هذه التوجيهات تؤكد ما يتميز به هذا الدين الخاتم إلى أن تقوم الساعة ، ويرث الله تعالى الأرض ومن عليها .


قائمة بأهم المصادر والمراجع :

- الآجرى ،

أخلاق العلماء – القاهرة 1981 .

- أحمد زكى (د.)

الحرية (كتاب العربى رقم 21 ، الكويت 1984)

- الابراشى (د. محمـد  عطية)

عظمة الرسول

مكتبة الأسرة (بدون تاريخ)

- حامد طاهر (د.)

الفكر الأخلاقى فى الإسلام (نهضة مصر 2006 ،

(بين الماضى والحاضر )

- الحوفى (د. أحمد)

سماحة الإسلام – القاهرة 1972

- دراز (د. محمـد عبدالله)

- دستور الأخلاق فى القرآن

ترجمة د. عبدالصبور شاهين ، مؤسسة الرسالة 1973

- مبادئ القانون الدولى العام فى الإسلام

بحث أعيد نشره فى دراسات عربية وإسلامية جـ 54


- أبوزهرة (الشيخ محمـد)

- أبوحنيفة ، دار الفكر العربى

- مالك ، دار الفكر العربى

- الشافعى ، دار الفكر العربى

- ابن حنبل دار الفكر العربى

- طه العلوانى (د.)

أدب الاختلاف فى الإسلام

المعهد  العالمى للفكر الإسلامى (2) 1981

- العقاد (عباس محمود)

- عبقرية محمـد

- عبقرية الصديق

- عبقرية عمر

- عبقرية عثمان

- عبقرية على

- عبدالعزيز كامل (د.)

الإسلام والعروبة فى عالم متغير

كتاب العربى رقم 22- لكويت 1989

- القاضى عياض

الشفا ، بتعريف حقوق المصطفى (فى جزئين)

مطبعة الحلبى 1950


- الكاندهلوى

حياة الصحابة (3 أجزاء)

دار التراث – القاهرة (بدون تاريخ)

- الماوردى

أدب الدنيا والدين

المطبعة الأميرية بالقاهرة 1938

- محمـد  عبده

الإسلام دين العلم والمدنية

كتاب مينا الياس . القاهرة 1987

- محمـد سليمان (الشيخ)

من أخلاق العلماء (القاهرة بدون تاريخ)

- محمـد أسد

الإسلام على مفترق الطرق (مترجم)

ترجمة عمر فروح ، دار العلم للملايين 1984

- هوفمان (د. مراد)

الإسلام كبديل

ترجمة د. غريب محمـد – الكويت 1993

- هيكل (د. محمـد حسين)

حياة محمـد . مطبعة دار الكتب 1354 هـ.

- Colesanti : Jules,

La Morale Supérieure

Paris 1940

- Gurvitch, G

Morale théorique et

Science des Mœurs

Paris 1948

 



أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم ، ونائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق.

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 06 سبتمبر 2019 14:18