عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
اللغة العربية وتواصل الحضارات صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الأربعاء, 23 ديسمبر 2015 18:43

اللغة العربية وتواصل الحضارات


أ.د. حامد طاهر

 

[ نص المحاضرة التي ألقاها أ. د.حامد طاهر

بمناسبة احتفالية كلية دار العلوم باليوم

العالمي للغة العربية بدعوة من مركز التدريب

اللغوي 14 ديسمبر 2015 ]

 


تمهيد :


فى اليوم العالمى للغة العربية، يطيب لى بحق أن أشارك فى هذه الجلسة الاحتفالية التى يقيمها مركز التدريب اللغوى بكلية دار العلوم، وهى الكلية التى حملت مسئولية تعليم اللغة العربية وآدابها لآلاف الخريجين من مصر والبلاد العربية والإسلامية على مدى 140 عامًا، وكان نجاحها فى هذا الصدد موضع تقدير وإعجاب لدى نخبة من كبار العلماء والأدباء الذين عرفوا فضلها، ومن أشهرهم الإمام محمد عبده، والشيخ مصطفى عبد الرازق، وأمير الشعراء أحمد شوقى، وعلى الجارم، والعقاد، وكان لطه حسين منها موقفان، حمل عليها فى الأول، ثم عاد فاعترف بفضلها فى الثانى، ويكفى أن نذكر له أنه هو الذى دعا إلى ضم دار العلوم لتصبح احدى كليات جامعة القاهرة سنة 1946 .


وفى هذا اليوم أيضًا ، لابد أن نذكر بالفضل والعرفان منشئ دار العلوم المهندس الكبير على مبارك، والذى أقامها فى البداية على غرار الكوليج دى فرانس فى باريس، وهى المؤسسة الثقافية والعلمية رفيعة المستوى التى كان وما يزال يحاضر فيها كبار أساتذة جامعة السوربون بعد احالتهم للمعاش، ويحضر محاضراتهم النخبة المثقفة من الفرنسيين الراغبين فى المعرفة من شتى التخصصات الإنسانية. كان هذا سنة 1871، ثم ما لبث أن حولها علي مبارك إلى مدرسة عليا فى العام التالى مباشرة، بحيث تكون نظامية، يختار لها مجموعة من أنجب طلاب الأزهر، ويحاضر فيها بعض شيوخه الكبار فى النحو والبلاغة والتفسير، إلى جانب مجموعة من العلماء الأجانب الذين كانوا يحاضرون فى علوم النبات ، والسكك الحديدية ، والفلك والطبيعة ..


وقد ظل هذا الطابع الموسوعى هو السمة الغالبة على دار العلوم وانعكس على ثقافة طلابها وخريجها، وهو الأمر الذى جعلهم يتصدرون، بكل كفاءة ، كل المناصب التعليمية والإدارية التى أنيطت بهم. ونظرة على حال التعليم المصرى فى الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين تؤكد أن خريجى دار العلوم هم الذين نهضوا نهضة حقيقة بمستوى اللغة العربية وآدابها، وكان منهم المدرسون المتميزون، والموجهون الأكفاء، وها هو أحمد شوقى يسجل طرفًا من ذلك فى قصيدته الرائعة عن دار العلوم حين يقول :


 

أنت كالشمس رفرفا، والسماكين رواقا ، وكالمجرة صحنا

لو تسترت كنت كالكعبة الغّراء ذيلا من الجلال ورِدْنا

إن تكن للثواب والبر دارًا

أنت للحق والمراشد مغنى

قد بلغت الكمال فى نصف قرن

كيف إن تمت الملاوة قرنا

 

***

 

ياعكاظا حوى الشباب فضاحا

فرشيين فى المجامع لسنا

بثهم فى كنانة الله نورًا

من ظلام على البصائر أخنى

علموا بالبيان، لا غرباءً

فيه يوما ، ولا أعاجمَ لُكْنا

فتية محسنون ، لم يخلفوا العلم رجاء ، ولا المعلم ظنا

صدعوا ظلمة على الريف حلت

وأضاءوا الصعيد سهلا وحَزْنا

مَنْ قضى منهمُ تفرق فكرًا

فى نهى النشئ أو تقسم ذهنا

* * *

نادِ دار العلوم : إن شئت ياعائشُ ، أو شئت نادها يا سكينا

قٍل لها يا ابنة المبارك إيه

قد جرى كاسمه أمورك يمنا

 

ثم يحث أبناء دار العلوم قائلا :

 

النبوغَ النبوغ حتى تنصّوا

رايه العلم كالهلال وأسنى

نحن فى صورة الممالك، ما لم يصبح العلم والمعلم منّا

لا تنادوا الحصون والسْْفن ، وادعوا العلم ينشئْ لكم حصونا وسفنا

إن ركب الحضارة اخترق الأرض، وشق السماء ريحا ومزنا

 

ويختمها أخيرًا بقوله :

 

قد أَنى أن نقول (نحن) ، ولا نسمع أبناءنا يقولون : (كنا)

 

أما الإمام محمد عبده الذى كان حريصا حتى فى فترة مرضة الأخير على حضور امتحانات دار العلوم فهو الذى قال عنها كلمته الشهيرة :

(إن اللغة العربية تموت فى كل مكان،وتحيا فى دار العلوم)


اللغة العربية وخصوصيتها


يكاد عمر اللغة العربية يصل إلى ألفى عام. فهى اذن من أقدم لغات العالم. وقد انقرضت معظم اللغات التى عاصرتها، أو حتى جاءت بعدها، أما هى فقد ظلت باقية ، وحية ، يتواصل بها حوالى ثلاثمائة مليون نسمة هم سكان البلاد العربية، ويقبل على تعلمها العديد من غير الناطقين بها. وبالطبع يرجع السر فى بقائها، أو بالأحرى خلودها إلى نزول القرآن الكريم بها، وحفظها للسنة النبوية، ثم احتضانها لموسوعة ضخمة من التراث العربى والإسلامى الذى لا يكاد يدانيه تراث أى أمة من أمم العالم.


وليس القرآن الكريم فقط هو مفجر الحركة العلمية والعقلية لدى المسلمين، والمحرك الأساسى لقيام حضارة الإسلام، وانتشارها فى ربوع العالم القديم، واستمرار معالمها حتى اليوم ، بل إنه أيضًا هو الذى حافظ - وما يزال – على صمود اللغة العربية ، رغم ما مر بها من كوارث وأهوال.


فبفضل القرآن الكريم ، وحرص المسلمين على حفظه وتحفيظه لأبنائهم، ظلت اللغة العربية مكتوبة ومسموعة ومفهومة لكل العرب، وبالنسبة للمسلمين من غير العرب، فإنهم يحرصون على حفظ بعض آياته ليؤدوا بها صلواتهم اليومية . وأذكر أننى عندما زرت باكستان من عدة سنوات، وجدت لديهم قناة تليفزيونية تظل طوال اليوم تبث تلاوة القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد .


وهكذا يمكن القول بكل ثقة إن القرآن الكريم عندما أنزله الله تعالى باللغة العربية قد ضمن لها البقاء والاستمرار؛ ومما يطمئن نفوس العرب والمسلمين فى هذا الصدد قوله تعالى : ) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( (سورة الحجر : آية 9) .


ثانيًا : احتضان اللغة العربية لموسوعة السيرة والسنة النبوية، والتى تعتبر هى المصدر الثانى للإسلام.


ومن المعروف أن سيرة الرسول  وسنّتَه الشريفة يمثلان التطبيق العملى لمبادئ القرآن الكريم، وتعاليمه النظرية. وحين سئلت السيدة عائشة ، رضى الله عنها، عن خلُق الرسول  قالت : كان خلقه القرآن.


وباعتبار الرسول  هو الأسوة الحسنة لجميع المسلمين، فقد جرى الاهتمام الشديد بجميع أقواله، وأفعاله، وتقريراته. وقد تخصص فى هذا العمل الجليل عدد كبير من علماء المسلمين، الذين أضافوا للمعرفة الإنسانية علميْن مهميْن هما : علم مصطلح الحديث، وعلم نقد الرواة .


ومن الجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن عددًا لا بأس به من علماء الهنود المسلمين قد اهتموا اهتمامًا خاصًا بالسنة النبوية، فساهموا أسهامًا حضاريًا فى جمعها، وتبويبها، وطبع العديد من مصادرها الأساسية.


ثالثًا : التراث العربى الذى يتناول علوم اللغة والبلاغة ودواوين الشعر العربى، وكتب الفقه، والفلسفة، والتاريخ.. بالإضافة طبعا إلى العلوم التجريبية كالطب والفلك والنبات، والميكانيكا، والكيمياء .. الخ. وهذا التراث المدون باللغة العربية من الضخامة بحيث لا يدانية تراث أى أمة من الأمم الأخرى. ولعل العارفين بأماكن مخطوطات هذا التراث يدركون جيدا مدى حجمها فى مكتبات العالم المختلفة، وحسبنا أن نشير هنا إلى أن ما طبع أو حقق من هذه المخطوطات لا يكاد يبلغ عُش الموجود منها.


ومما يثير الأسى أن المستشرقين، والباحثين الأجانب يمكنهم الاطلاع بسهولة على تلك المخطوطات أكثر مما يتاح للباحثين العرب والمسلمين. وتلك مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، وتقع مسئوليتها على الجامعات ومراكز البحوث العربية التى ينبغى أن تطالب مكتبات العالم الموجود بها التراث العربى والإسلامى بتصوير تلك المخطوطات للإفادة منها ، إن لم يتيسر الحصول عليها .


ولا يفوتنى الإشارة هنا إلى أن مكتبات تركيا وحدها تحتوى على كمية كبيرة جدا من المخطوطات العربية، والتى يصعب على الباحثين العرب الوصول إليها، أو حتى تصويرها، مع صعوبة استفادة الأتراك بصورة مباشرة منها.


اللغة العربية بين لغات العالم


ذهب بعض الباحثين العرب والمسلمين إلى محاولة تفضيل اللغة العربية – من حيث كونها لغة – على سائر اللغات الأخرى. وقد تعرض ابن حزم الأندلسى (ت 456هـ) لهذه المسألة ، وأكثر أن اللغة العربية كغيرها من اللغات ليست سوى أداه للتواصل بين أبنائها. أما أفضليتها فقد جاءت من خارجها، حين نزل بها القرآن الكريم. وبالتالى فإن اللغة العربية التى تعتبر لغة قديمة (مثل السنسكرينية فى الهند، والبهلويه فى بلاد فارس، والإغريقية لدى اليونان .. ) قد استمرت لغة حية، بينما ضعفت تلك اللغات حتى انتهى بها الأمر إلى الاختفاء تحدث أو حلت محلها لغة أخرى أكثر تطورا، أو لغة جديدة تماما.


والسؤال الآن : هل توجد فى اللغة العربية عوامل ذاتية هى التى حافظت وما تزال على استمرارها حية على ألسنة أبنائها، وأقلام كتابها وأدبائها؟


وللإجابة عن هذا السؤال كتب العقاد عن عبقرية اللغة العربية ووصفها بأنها لغة شاعرة معتمدًا على كثرة مفرداتها ومترادفاتها، واستخدامها للزمن فى أفعالها ، وكذلك إلى بلاغة تراكيبها وجمال جرْسها كما خصص لها د0 عثمان أمين فصلاً هامًا فى كتابه عن الجونية، تحدث فيه عن بعض خصائص اللغة العربية والتى اعتبرها مزايا خاصة بها، ومنها : المثالية الأصيلة، والحضور الجواني ، وصدارة المعنى، والإعراب والإبانة، ورسم الظلال والألوان ، والحرص على الإيجاز والتركيز مع دقة التعبير، والدعوة إلى الحركة والاتجاه إلى القوة، والوعى والفهم قبل النطق والسمع (ص183) .


وفى المقابل من ذلك، ذهب رفاعة الطهطاوى فى كتابة الشهير (تخليص الابريز فى تلخيص باريز) إلى أن تعلم اللغة الفرنسية أسهل من تعلم العربية. وهى ملاحظة مهمة، لا تنتقص من قيمة اللغة العربية بقدر ما تشير إلى عدم قيام المتخصصين فيها بدورهم الأساسى فى محاولة تبسيط مناهج تعليمها، والعمل المتواصل على الإفادة من منجزات التطور اللغوى فى كل لغات العالم المعاصر.


وإذا كان لى من تعقيب سريع على مجموعة المزايا التى ذكرها بعض الكتاب للغة العربية، فإننى استطيع أن أقرر هنا – وقد درست كلا من اللغة الروسية واللغة الفرنسية – أن هذه المزايا موجودة فى هاتين اللغتين. فالمفردات كثيرة، والتراكيب دقيقة، وموسيقية، والإعراب موجود فى اللغة الروسية التى يوجد بها (14) حالة اعراب فى مقابل الحالات الأربع الموجودة باللغة العربية. وبالتالى فإن المطلوب هنا هو التوجه لخدمة اللغة العربية، والنهوض بها من خلال منظومة ، سبق أن اقترحها، وتنحصر فى إيجاد خمس أدوات ضرورية ما زالت غائبة حتى الآن، وهى :


1-وضع قاموس عصرى للغة العربية.

2-وضع قاموس للأفعال، واسنادها للضمائر.

3-وضع قاموس للأدوات واستخداماتها المختلفة.

4-تأليف كتاب مبسط لقواعد اللغة العربية.

5-وضع كتاب للنصوص الأدبية والعلمية يساعد المتعلمين على تطبيق القواعد واستخراجها.


اللغة والعربية على ألسنة أبنائها


ما زالت اللغة العربية – كما سبق القول – لغة حية، يتواصل بها ما يقرب من ثلاثمائة مليون شخص فى البلاد العربية، وعدد كبير ممن هم خارج المنطقة العربية. وقد جاء الاعتراف بها ضمن اللغات الست الرسمية فى محاقل الأمم المتحدة فى ديسمبر 1973 تتويجا لمكانتها التى تستحقها بين لغات العالم المعاصر، أما مراكز البحوث فى سائر الجامعات الكبرى فإنها تهتم بها، من خلال الاطلاع وتحليل كل ما يصدر بها فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية .


والملاحظ منذ قديم الزمان، أن اللغة العربية الفصحى لم تكن هى اللغة المتحدث بها فى الحياة الجارية للعرب، بل إن اللهجات التى تختص كل منها ببلد معين قد قامت إلى جانب اللغة العربية. وقد نبهنا الجاحظ (ت 255هـ) إلى أن النكتة الملقاة باللهجة العامية إذا قام أحدهم بتحويلها إلى اللغة العربية الفصحى باخت، وفقدت طعمها وتأثيرها. ولدينا فى التراث العربى بعض الأمثلة على العلماء الذين كانوا يصرون على الحديث بالفصحى فى الأسواق، فكان يتم الاستهزاء بهم ، والسخرية منهم !


لكن مشكلة اللهجات العامية فى العالم العربى تتمثل أولاً فى أنها غير قابله للكتابة أو التدوين. وكل المحاولات التى تمت فى هذا الصدد باءت بالفشل. ثانيا : أن لهجة بلد معين لا تفهم بسهولة فى باقى البلاد الأخرى، مما يجعلها دائمًا محلية الطابع، أما اللغة العربية الفصحى، وخاصة عندما تخلو من الإغراب والمعاظلة ، فإنها تكون مفهومة من سائر الأفراد فى الوطن العربى، والذين يعيشون فى خارجه أيضًا . والنموذج لذلك واضح من نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون .


ولا شك أن وسائل الإعلام الحديثة (الصحاقة والاذاعة والتليفزيون) قد ساهمت بقدر كبير فى نشر اللغة الفصحى، وإشاعتها، واستقاء الأخبار والمعلومات منها بأيسر الطرق. وهنا لابد أن نحيى بعض القنوات الفضائية التى تحرص على تقديم اللغة العربية الفصحى للمشاهدين صافية من الألفاظ الصعبة، صحيحة من جهة الإعراب، قادرة على تناول كل الموضوعات دون تعثر.


أما فى مجال التعليم فما زال الوضع مأساويا. حيث يقضى التلميذ العربى اثنتى عشرة سنة فى تعلم قواعد النحو والصرف، ثم يخرج بعدها غير قادر على إنشاء جملة مستقيمة، وخالية من اللحن. فما السبب فى ذلك؟ وكيف نصلح الأوضاع؟ وبأى الوسائل؟ - هذه الأسئلة هى التى تستحق منا أن نتوقف أمامها لنبحث عن إجابات مناسبة لها. لكن المهم فى تلك الإجابات ألا تكون ذات طابع نظرى أو تنظيرى فقط، بل لابد أن تكون قابلة للتنفيذ، وأن تجرى تجربتها أولاً بصورة جزئية، فإذا ثبتت صحتها، تم إقرارها وأصبحت صالحة للتعميم.


اللغة العربية والتواصل الحضارى


يبين تاريخ اللغة العربية أنها مرت بفترات قوة ازدهار، كما عانت من فترات ضعف وجمود. وإذا ألقينا نظرة سريعة على القرون الخمسة الأولى من الهجرة ، وجدنا اللغة العربية تشهد نهضة وشيوعا، كما أن المؤلفات التى وضعت بها تتميز بالكثير من الأصالة والإبداع. والملاحظ على اللغة العربية فى تلك الفترة أنها لم تتقوقع على نفسها، أو تنعزل عن غيرها من اللغات الأخرى، كما أنها لم تُقص أو تستبعد مَنْ لم يكونوا يتحدثون بها بصورة صحيحة. وحسبنا فى هذا الصدد أن نلقى نظرة أخرى على مؤلفات الجاحظ (ت 255هـ) الذى عاش فى منتصف الفترة التى نتحدث عنها لنشاهد مدى انفتاحه على ثقافات الأمم الأخرى، سواء كانت الهندية، أو الفارسية، أو اليونانية ، كما أن طبقات المجتمع بكل فئاته الغنية والفقيرة كانت موضع اهتمامه. وسوف يأتى من بعده إخوان الصفا (القرن الرابع الهجرى) لكى يوردوا فى رسائلهم التى شاعت بين الناس أقوالاً من التوراة ، والإنجيل ، وفلسفة اليونان، وحكمة الهنود، وديانات الفرس، إلى جانب آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية.


ومن الواضح أن هذا يدل على أن ازدهار اللغة العربية مرتبط إلى حد كبير بانفتاح أهلها على ثقافات الأمم الأخرى، والاستمداد الواعى لما فيها من عناصر جيدة تضيفها إلى مقوماتها الذاتية. لأن اللغة كما هو معروف ليست مجرد حروف وألفاظ وتراكيب وإنما هى صورة حقيقية للفكر البشرى. وبالتالى فإنها ترتفع بارتفاعه، وتهبط بانحداره. وسوف تتجلى هذه الحقيقة فى الفترة التى أعقبت القرون الخمسة الأولى من الهجرى، حينما انعزل المسلمون بفعل عوامل سياسية واجتماعية فتوقفت عندهم حركة الفكر التى كانت غاية فى النشاط، وتجمد مع هذا التوقف تطور اللغة، التى انكفأت على نفسها، وراحت تجتر ذاتها فى أساليب التزويق البلاغى ، والسجع البارد المحجوج، ومنظومات العلوم التى عقدتها ولم تقدم للمتعلمين بها أى فائدة إيجابية.


لكن عندما بدأ اتصال العرب بأوربا فى مطلع العصر الحديث، عادت اللغة العربية تستعيد مكانتها، وخاصة بعد حركة الترجمة التى قام بها رفاعة الطهطاوى وتلاميذه، حيث قاموا بترجمة ما يزيد على ألف كتاب فى مختلف العلوم التى كانت قد اندثرت فى العالم العربى.


إن هذين المثالين يضعان أمامنا حقيقة ناصعة، وهى أن اللغة العربية تحيا فى زمن التواصل الحضارى مع شعوب العالم، وتنكمش حين تفقد هذا التواصل.


ولليائسين من نهضة اللغة العربية أقول : إنها فى زمن وجود العرب والمسلمين فى الأندلس كانت هى المكنز الذى استمدت منه أوربا علمها وثقافتها. وقد قام يهود الأندلس، الذين عاشوا بكل حرية تحت حكم المسلمين، بدور هام فى نقل روائع التراث العربى والإسلامى إلى اللغة اللاتينية التى كانت منتشرة حينئذ فى كل الدول الأوربية، ومن خلال هذه الترجمات لم يقف الأوربيون فقط على التراث العربى والإسلامى، بل عرفوا أيضا التراث اليونانى الذى حافظ عليه العرب، وصانوه من الضياع.


نحو مستقبل اللغة العربية


نحن نعيش الأن فى عصر العولمة، الذى أسقط كل الحواجز الثقافية بين شعوب العالم. وفى هذا العصر الذى أصبح التواصل فيه هو السمة الغالبة، فإن اللغة العربية أمامها آفاق واسعة للتطور والانتشار. أما التطور فهو من مسئولية الباحثين المتخصصين فيها، وفى مقدمتهم أبناء دار العلوم سواء من كبار الأساتذة أو الشباب الصاعد. وأما الانتشار فإنه يأتى من استخدام شبكة الإنترنت التى أصبح سكان العالم كلهم يتواصلون من خلالها، وهى تحتاج فقط إلى الإلمام بتقنياتها، والإفادة من إمكانياتها.


وإذا كان لى من حديث شخصى – وأنا أقوله كارها – فقد أنشأت على هذه الشبكة موقعا أدبيا وثقافيا وإسلاميا سنة 2004 ، وتم تطويره فى عام 2010 ، وبلغ عدد زواره حتى الآن (815) ألف من كل أنحاء العالم ، ويسعدنى أن أخبركم فقط عن إحدى مفرداته، وهى الخاصة ببحث نشرته بعنوان (الحكمة فى شعر المتنبى) قد بلغ عدد زواره وحده حتى الآن (16) ألف زائر. قولوا لى – بالله عليكم – هل يطمع كاتب أو باحث أن يقرأ عمله مثل هذا العدد إذا كان مطبوعا على الورق ؟!

وفى ختام كلمتى ، أدعو الله تعالى أن يوفق العرب لنشر لغتهم ، والعمل المتواصل على تأصيل مكانتها ، وتربية الأبناء والبنات على حفظ بعض آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول الكريم، فهذه من اللبنات الأساسية فى تدعيم البناء، وزيادة تماسكه.


والله ولى التوفيـق ،،،

 

التعليقات (1)Add Comment
0
...
أرسلت بواسطة یعقوب یوسف د., نوفمبر 18, 2016
سلمت يمناك يا دكتور , بارك الله في جهودك ونفع بك الأمتين العربية والاسلامية

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الأحد, 27 ديسمبر 2015 18:41