عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الدين والعلم والفلسفة صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
السبت, 14 نوفمبر 2015 21:02

الدين والعلم والفلسفة

أ.د. حامد طاهر


تتفق جميع الأديان تقريباً عل نقطة جوهرية ، هى إشباع حاجة الإنسان الفطرية إلى التعلق بقوة كبرى أو عليا بحيث يتجه إليها فى عبادته ، ويستعين بها فى معاناته ، ويأمل منها أن تنصفه فى المظالم التى تقع عليه فى هذه الدنيا، وأن تكافئه على ما يفعله من خير فى حياة أخرى خالدة .


لكن الأديان تعود فتختلف فى التفاصيل والتشريعات والمناهج (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) . هذا بالنسبة إلى الأديان السماوية ، وأهمها : اليهودية والمسيحية والإسلام . أما الأديان الوضعية التى كانت فى بدايتها أفكاراً أخلاقية أو فلسفية ثم تحولت على أيدى أتباعها إلى ديانات مثل البوذية ، والكونفشيوسية ، والزرادشتية ، فهى تختلف فيما بينها اختلافات كبيرة ، سواء فى أصولها أو فى تفصيلاتها . ومع ذلك فإن المؤمنين يها يعتقدون تمام الاعتقاد فى صحتها ، ولا يقبلون أن يناقشهم أحد فى مدى صدقها أو معقوليتها .


والخلاصة هنا أن الإنسان – منذ أقدم الأزمان وحتى اليوم – لا تكتمل حياته إلا بدين يؤمن به ، ويتبع تعاليمه ، ويؤدى طقوسه ، وتبقى قلة قليلة جداً هى التى لا تؤمن بالدين ، وهم الملحدون ، الذين يكابرون ويعاندون ويتطاولون ولكن الكثير منهم ما يلبث أن يعود – فى حالات الانكسار والمرض والشيخوخة والاقتراب من الموت – إلى عقله ، ويستشعر ضعفه وحاجته إلى الدين ، فيؤمن على استحياء ، ويسعى لتصحيح ما مضى من أخطائه .


الدين هو الذى يرسخ علاقة الإنسان بالخالق ، وينظم تعاملاته مع الناس من حوله ، ويدفعه للعمل الصالح دون انتظار جزاء عاجل ، كما أنه هو الذى يصحب الإنسان فى رحلة الأمل من أجل تعمير الأرض سواء للجيل الذى ينتمى إليه ، أو للأجيال الآتية من بعده . وهكذا فإننا لا نكاد نجد حضارة قامت وازدهرت على ظهر الأرض دون أن تكون معتمدة على دين ، يدفعها للعمل ، والإبداع ، وتحقيق الروائع .


أما العلم فله مع الإنسان قصة طويلة جداً ، وهى لا تخلو من طرافة ، وعندما نتأمل نشأته الأولى نجده قد ولد من مواجهة العقبات ومحاولات الإنسان التغلب عليها . وقد تعددت هذه المحاولات كثيراً ، وفشل معظمها ، حتى توصل الإنسان بإعماله عقله من ناحية ، وبالتوصل إلى الطريقة الصحيحة من ناحية أخرى – إلى التغلب على العقبات وحل المشكلات .


تخيل معى إنساناً يمشى فى طريق ، ثم يفاجأ بوجود صخرة ضخمة تعترضه، فماذا يفعل ؟ يدفعها بقدميه فلا تنزاح . وبيديه فلا تنزاح ، وبكل جسمه فلا تنزاح . ثم يحاول أن يفتتها فلا يقدر ، وقد يستعين بآخرين فلا يستطيعون . . وأخيراً يقترح أحدهم استخدام رافعة من الحديد تستند إلى حجر ثم يحركون الرافعة فتتحرك الصخرة إلى المكان الذى يريدون . وبالطبع سيفرح الجميع ، لكنهم سيبدأون بعد ذلك فى إزاحة أى صخرة مماثلة بهذا الأسلوب البسيط ، لكنه هو الأسلوب الصحيح . . وهكذا نشأ العلم ، الذى هو فى جوهره : منهج صحيح للتعامل مع الأشياء وإنجاز أكبر الأعمال .


ومن مزايا العلم أنه تراكمى . أى أن كل حقيقة تثبت فيه يمكنها أن تمهد لحقائق أخرى تتناسل منها . ويكفى أن نشير إلى أن العلم قد تقدم فى عشر السنوات الأخيرة من القرن العشرين بما لم يحدث مثله على مدى ألفى عام سابقة . وهكذا إذا امسكنا بخيط من العلم تمكنا من الإمساك بعد ذلك بباقى خيوطه . والملاحظ أنه لا حدود لإمكانيات العلم ، النابع من العقل ، الذى وهبه الله تعالى للإنسان ، وكرمه به على سائر مخلوقاته .


وقد يسأل سائل : هل يوجد تعارض بين العلم والدين ؟ هنا تتدخل الفلسفة لتجيب على هذا السؤال ، وتحسم القول فيه .


وعموما فإن الفلسفة نابعة ببساطة من التأمل العميق فى الكون والحياة بصفة عامة ، وليست بصفة جزئية كما فى العلم . وهل هى ضرورية لكل الناس ؟ كلا ، فهى ضرورية فقط لبعض الأفراد الذين وهبهم الله تلك المقدرة على التعمق فى المسائل الكبرى ، والتحولات الفكرية والاقتصادية التى تؤثر على حياة المجتمعات .


فى الماضى نشأ صراع بين الفلسفة والدين . وكانت الغلبة بطبيعة الحال للدين الذى استطاع أن يجيب على أسئلة الفلسفة الشهيرة (من أين أتيت ؟ لماذا أنا موجود ؟ إلى أين المصير ؟ ) ثم بدأ التصالح عن طريق استخدام علماء الدين للفلسفة كى يقنعوا بها غير المتدينين . وأخيراً حسم ابن رشد المسألة ، وأعلن عن تصالح الفلسفة والدين فى كتابه الرائع (فصل المقال ، فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) .


وفى العصر الحديث ، نشأ صراع آخر بين الفلسفة والعلم ، لكنهما ما لبثا أن تصالحا على مناطق نفوذ محددة . فالعلم له مجالاته المتخصصة التى لا تقبل التفكير الفلسفى المعتمد على العقل وحده ، وإنما تقوم على نتائج التجارب المعملية التى تستعين بالأجهزة المتطورة والدقيقة فى الرصد والقياس والتحليل . والفلسفة تتعمق فى المنطق الحديث ومناهج البحث ، ويمكنها أن تقول رأيها فى مسيرة العلم الذى قد يستخدم أحياناً فى الهدم والتدمير !


أما مجال الفلسفة الفسيح فقد أصبح هو تحسين أحوال الإنسان فى سائر المجتمعات ، وفى أهمية الحفاظ على البيئة التى لا تقتصر الحياة فيها على الإنسان وحده ، وإنما أيضاً على النباتات والحيوانات . . وليست المذاهب السياسية كالديمقراطية والفاشية أو الاقتصادية كالرأسمالية والاشتراكية سوى أفكار فلسفية ، كان هدفها تنظيم وتحسين أحوال البشر ، ومازالت التجارب تجرى فى تعديلها حتى اليوم . .


وأخيراً يمكن أن يقول أى إنسان : ان لى فلسفة فى الحياة . والمقصود أن له أسلوباً فى معالجة الأمور ، وحل المشكلات الخاصة به ، وهذا الأسلوب يكون نتيجة ثقافته وتجاربه التى استخلص منها بعض المبادئ والأفكار التى توجه حياته ، وتتحكم فى تصرفاته .

 


 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث السبت, 14 نوفمبر 2015 21:06