عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
مربع المكان صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الأربعاء, 19 أغسطس 2015 21:41

مربع المكان

مقال فلسفى (2)

للدكتور حامد طاهر


حتى لو كان لصديقى عمرو الشاوى فيللا فى الساحل الشمالى ، إلى جانب فيللته فى الرحاب ، وشقة العائلة التى آلت إليه بالميراث فى حى المنيل ، وهو يفضل أن يقضى أجازته مرة فى لندن ، ومرة فى تركيا ــ فإن (المكان) الذى يحيط به لا يخرج أبدا عن أربع جهات هى : الشمال والجنوب والشرق والغرب. ومعنى هذا بكل بساطة أن صاحبنا يتحرك فى مربع ، قد يضيق أو يتسع ، لكنه محدود المسافة والأبعاد ، ومهما حاول الخروج منه أو التمرد عليه لن يتمكن أبدا من تحقيق محاولته . والدليل على ذلك أنه لا يستطيع أن يذهب إلى أى مكان مما سبق ذكره إلا بعدعقد النية والعزم ، ثم اتخاذ إجراءات السفر ، ومنها توضيب الحقيبة ، وتجهيز البسبور ، إذا كان السفر للخارج ، والتأكد من صلاحية الفيزا كارد ، وملء خزان السيارة بالوقود ، وإعلام المقربين من الأقارب والأصدقاء بوجهته حتى يتمكنوا من التواصل معه . وهكذا لا يستطيع الأستاذ عمرو أن يخرج خارج الإطار الذى يتحرك فيه ، ولا أن يتخلص من الخيوط التى تشده إليه .


وفى القرآن الكريم وصية هامة للإنسان ، حيث يقول الله تعالى له ( إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) [ سورة الإسراء ، آية37 ] ، وهذا معناه أنه مهما طاف وتجول فى أنحاء الأرض لن يستطيع أن يستوعبها كلها ، وذلك بسبب محدودية قدراته من ناحية ، ونظرا لاتساع خلق الله وملكوته من الناحية الأخرى .


لكن ماذا نعمل أمام طموح الإنسان الى يبدو أنه لا حدود لآفاقه ، أو الذى لا يقبل أن يكون له حدود( ألم يأكل أبونا آدم من الشجرة الوحيدة التى نهاه الله عنها، بينما كانت كل أشجار الجنة متاحة له !) ومنذ قديم الأزمان ، والإنسان يسعى للخروج من حدود المكان الذى يوجد فيه ، إما بالهجرة على قدميه ، أو باختراع وسائل انتقال متعددة ، بدءا من السفينة والقطار ، حتى الطائرة والصاروخ ، فماذا حدث ؟ لقد وجد الإنسان نفسه ينتقل من مكان إلى مكان آخر ، حتى لو كان خارج الغلاف الجوى للكرة الأرضية التى خلقها الله ليعيش ويموت عليها ، ثم يبعث يوم القيامة منها .


وقد حاول الصوفية المسلمون شيئا من ذلك ، حين جعلوا من بين كراماتهم: تواجد (الشخص ــ الولى) نفسه فى مكانين مختلفين فى وقت واحد ! ومن ذلك مثلا رؤية الناس له فى قريته بالأندلس ، ومشاهدة الحجيج له يطوف حول الكعبة فى مكة . وهذا يعنى أنه من خلال الكرامة التى أعطيت له استطاع أن يعبر آلاف الكيلومترات ، دون استخدام أى وسيلة مواصلات . وسواء صدقت هذه الكرامة أم لم تصدقها ، فإنها تعبر عن شوق أو رغبة إنسانية لتجاوز المسافات ، والتغلب على معوقات المكان .


ولعل أبرز صورة تنمحى فيها المسافات ، وتسقط أسوار المكان هى التى تكون فى الحلم الذى يراه الإنسان أثناء النوم . وذلك حين ينتقل الشخص من مكان إلى مكان بعيد جدا فى طرفة عين ، أو حين يلتقى بأشخاص يعيشون فى طرف الكرة الأرضية ، دون أن ينتقل إليهم ، أو يأتوا هم إليه . وهكذا يقوم الخيال أثناء النوم بما لا يقدر على الإتيان به كل من الجسد أو العقل فى حال اليقظة : وهو الانفلات من جدران الجهات الأربع للمكان التى تحصر الإنسان فى موضعه .


لقد سبق أن كتبت مقالا مختصرا عن (مثلث الزمن ) : الماضى والحاضر والمستقبل . وهذا المقال عن (مربع المكان ) هو الذى يكمل المقال الأول ، لأنهما معا ( المثلث والمربع ) يشكلان الإطار الذى يتحرك فيه الإنسان ، ولا يستطيع الفكاك منه ، سواء أدرك ذلك أم لم يدركه .


ــــــــــــــــــــــــــــــــ

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الأربعاء, 19 أغسطس 2015 21:42