عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
بحثا عن الزمن المفقود صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 27 يوليو 2015 22:46

بحثا عن الزمن المفقود


قصيدة نثر

للدكتور حامد طاهر


ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى أصحو فيه من النوم

فأجد الصبح قد تنفس

والليل ضم ستائره ، ورحل

وبعض البلابل تملأ الفضاء بصفيرها

والندى يترك قطراته على أوراق الزهور

وبائع الألبان يطرق الأبواب

فتفتح له فتيات الحى

على جفونهن بقايا النعاس

وبأيديهن الأوانى الفارغة

وهن يقلن له بصوت رقيق :

ــ صباح الخير ىا عم مفتاح

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى كنا نتجمع فيه عند جرس الفسحة

ونقسم أنفسنا إلى فريقين

ثم نبدأ المنافسة فى أى لعبة

حتى لو كانت الجرى والاختباء

وعندما نتعب من اللعب ،

ويبلغ بنا الإرهاق مداه

نتوجه إلى مقصف المدرسة

ونشترى بعض المثلجات

لنطفئ بها حرارة أجسامنا

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى أحب فيه فتاة ، وتحبنى

ونتبادل النظرات من بعد

هى فى شرفتها

وأنا واقف على الناصية

وحين يظهر إلى جوارها أحد والديها

أتظاهر بالنظر إلى السماء ..

أما هى فتظل حاضرة فى قلبى

حتى بعد أن تغادر الشرفة !

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى أرتاد فيه الجامعة

محملا بالآمال الكبرى

والطموحات التى لا حدود لها

أقبل على مناجم المعرفة ، فيعذبنى امتلاكها

وأهجرها فى أحيان أخرى ،

فيعذبنى أيضا هجرها

حتى تظهر زميلة ، ذكية جدا

تدرك سر عذابى ، فتأخذ بيدى

وتظل تشجعنى ..

حتى أصل إلى أبعد مدى ممكن !

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى أحصل فيه على الوظيفة التى تناسبنى

وهى متعددة الدرجات

مثل السلم الذى يصعد إلى معبد بوذى

فى مرتفعات التبت

وكلما صعدت درجة

امتدت تحت قدمى عشرات الدرجات

لكننى كنت أشعر بسعادة بالغة

حين أنظر خلفى ..

فأجدنى قد قطعت شوطا هائلا

وتغلبت على عقبات لم تكن أبدا فى الحسبان .

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى يمتلئ بالأقارب الطيبين

ويكون مركزه : أبى وأمى

ونلتقى كلنا حول مائدة الطعام

ثم نتناول الفاكهة

ونختم بالشاى

وبعد جلسة طويلة وحميمة

نودعهم عند الباب ، قائلين :

ــ إلى لقاء قريب !

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى أجلس فيه مع أصدقائى

أصدقاء الصدق والصفاء

نتحدث عن كل ما يهمنا ،

وكذلك ما لا يهمنا

دون أن نخفى شيئا

فنحن على ثقة من أن ما نقوله

لا يتسرب خارج دائرتنا

ولا يمكن لأحد أن يستغله ضدنا

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى يطرق بابى فى منتصف الليل أحد الأصدقاء

لكى يخبرنى أن صديقا لنا

قد تعرض لحادث ، وهو الآن بالمستشفى

وعلى الفور ، نذهب إليه

ونظل هناك حتى يطلع الصبح

ويقول لنا أحد الأطباء :

ــ لا داعى للقلق .. سيكون بخير .

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

حين كنا نتجمع حول الراديو

ونتابع خلال شهر رمضان مسلسل "ألف ليلة"

وفى شهر آخر مسلسل "الظاهر بيبرس"

وفى الصباح ، نستمع لحديث دينى سمح

من الدكتور دراز ، أو الشيخ شلتوت

ومع المساء ..

نروح عن القلب بسماع أم كلثوم ،

وعبد الحليم حافظ .

***

ما زالت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى كان فيه أجمل مكان بالقاهرة

هو "وسط البلد"

وكان هو مكان نزهتنا المفضل :

الميادين فسيحة

والشوارع نظيفة

والمحلات تعرض بضائعها بدون تكديس

والمقاهى تستقبل روادها بكل ترحاب

والسينما المكيفة تنقذنا من شدة الحر !

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى لا تحتوى فيه نشرة الأخبار

على أى حادث إرهابى

أوشخص يفجر نفسه فى سوق

أو شاب ينتحر بأعلى عمود نور

أو مجموعة مهاجرين غير شرعيين

ينقلب بهم المركب فى وسط البحر !

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى كانت فيه أصوات قارئى القرآن ..

مصرية خالصة .

محمد رفعت ، وشعيشع ، والبنا ، والمنشاوى

ثم الرائع مصطفى إسماعيل

وأخيرا الصوت الذى هبط إلينا من السماء

عبد الباسط عبد الصمد !

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى لم نسمع فيه قط

عبارة "الفتنة الطائفية"

لأن المسلمين والأقباط

استمروا لمئات السنين

متعايشين ومتداخلين وممتزجين ..

والله يجازى من فرقهم

وما زال يسعى لتفريقهم !

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى كان لدينا فيه من الأعياد الدينية :

عيد الفطر وعيد الأضحى

وكنا فى مصر ، وبدون شغب أو تعقيدات

نحتفل بيوم شم النسيم

ورأس السنة الميلادية

ورأس السنة الهجرية

وعيد الجلاء ، وأمثاله من الأعياد الوطنية ..

ولم يكن أحد من كبار العلماء حينئذ

يحرمها علينا ،

أو يكفر من يحتفل بها !!

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى كنت أقرأ ، بل أعيش فيه ، مع

دواوين شوقى وحافظ وإيليا أبو ماضى ..

وروايات السباعى وإحسان ونجيب محفوظ ..

ورائعة هيمنجواى (العجوز والبحر)

ومطولة تولستوي (الحرب والسلام)

ومبكية فيكتور هيجو (البؤساء)

وقصص تشيكوف القصيرة والساخرة

كل هذه وأمثالها كثير

كانت هى مصدر سلواى وسعادتى معا

فى غياب التلفزيون

لكن حين ظهر هذا الملعون

انتزعنى منها كلها !!

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

حين يفاجئنى النوم بحلم

أرى فيه أمى وأبى وزوجتى

ونظل نتحدث فى موضوعات كثيرة

ونناقش أراء غاية فى الدقة

لكننى حين أصحو

لا أجدنى أتذكر شيئا منها

فقط الوجوه ، والصوت ، ونظرات الحنان

وهذا بالضبط ما أفتقده فى حياتى الحاضرة !

***

ما زلت أبحث عن ذلك الزمن المفقود

الذى حلمت فيىه ذات ليلة

برؤية الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه .

كنت فتى صغيرا فى حوالى العاشرة

أدرس صباحا فى مدرسة الجمالية

وأحفظ القرآن عصرا فى مسجد المستعلى بالله

وحين أهل علينا

قام أبى وأمى فرحبا به ، وقبلا يده

وعندما هم بالجلوس عل طرف براندة

فى البيت الريفى الذى كنا فيه

أسرعت بوضع منديلى ليجلس عليه ،

ولكى آخذه بعد ذلك وأمسح به وجهى

عشت طويلا أحتفظ لنفسى بهذا الحلم النادر

وأنا فى انتظار متلهف

لكى أراه مرة أخرى ..

*** *** ***

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الاثنين, 27 يوليو 2015 22:46