المخادع
ظل طوال عمره يخدع كل من حوله ، بدءا من أسرته ، ثم جيرانه وأقاربه حتى أصدقائه وزملاء الدراسة والعمل . والعجيب أنه كان يتقن بالفطرة وسائل الخداع بحيث كانت تجوز بكل سهولة على من يريد. ومما ساعده على ذلك : وجه بريء الملامح ، وقامة ممشوقة ، بالإضافة إلى حديث عذب ساحر ، كان يأسر من يستمع إليه ، ويود لو يستمر فيه ولا يسكت .
فى صباه ، لم يهتم بإتقان أى لعبة مثل أصحابه أو منافسيه حتى يحقق الفوز وإنما كان كل همه أن يستخدم ما يقدر عليه من أساليب الخداع التى يصل بها إلى الفوز دون مجهود . وكان يحدث ذلك فى لعبة الكرة الشراب ، كما فى لعب الكوتشينة . والمهم أن أحدا من الصبية الآخرين لم يكن يكتشف أبدا حقيقة ألاعيبه .
حتى عندما كبر قليلا ، وأحب إحدى فتيات الحى الجميلات ، نصب لها فخا لكى تحبه ، فقد كلف أحد أصدقائه بالتعرض لها ومعاكستها وهى عائدة من المدرسة على نحو سخيف ، ثم توجه هو بأقصى سرعته وقوته وانهال على هذا المعاكس المكلف ضربا وركلا ، حتى تدخلت الفتاة ومنعته من الاستمرار .. وبدأت بينهما علاقة حب لم تنته إلا عندما تزوجت ، ورحلت من الحى .
وفى الجامعة ، اشتهر بين زملائه بإتقان عمل (البرشام) الذى يستخدمه الطلاب الملاعين فى الغش أثناء أداء الامتحانات . ومن الغريب أن معظم هؤلاء كان يتم اكتشافهم ، ويلغى امتحانهم أو يتقرر فصلهم ، باستثنائه هو . فلم يستطع أحد من المراقبين أن يضبطه متلبسا ، وذلك بسبب إتقانه استخدام البرشامة فى الوقت المناسب تماما ، وسرعة إخفائها عند أى حركة فى اتجاهه من المراقب .
بعد التخرج من الجامعة ، عمل فى عدة وظائف . وكان يترك كل وظيفة رغم مرتبها المجزى ليذهب إلى أخرى . وعنما سأله أحد زملائه القدامى :
ـــ لماذا لا تستقر فى وظيفة واحدة ، حتى تتمكن من بناء مستقبلك ؟
ـــ إن مستقبلى أكبر من كل هذه الوظائف .
ـــ وما هى الوظيفة التى تتمناها ؟
ـــ هى التى توفر لى شراء سيارة فاخرة ، وامتلاك فيللا بحمام سباحة ،
والزواج من فتاة ثرية جدا .
وقد حدثنى زميله هذا متعجبا بأن كل ما تمناه قد تحقق له : السيارة ، والفيللا ، والزوجة الثرية ، التى أصبح لديه منه طفلتان رائعتان . ثم وقعت الكارثة التى تشبه الزلزال . . جرد مفاجئ لخزينة المؤسسة التى يشرف عليها واكتشاف غياب مبالغ طائلة منها . أجرى التحقيق ، وثبتت بالدلائل إدانته . تم القبض عليه ، وراحت الأجهزة الرقابية تراجع كل الأماكن الى سبق له العمل بها ، فاكتشفت أنه كان المسئول المباشر عن سرقتها . جمدت أمواله فى البنوك ، كما صودرت السيارة والفيللا ، وأودع السجن ليقضى عقوبة مدتها خمسة عشر عاما . وجاء فى حيثيات الحكم الذى أصدره القاضى : " لقد هل هذا المتهم تماما الحقيقة التى تقول : إنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس ، طوال الوقت " .
|