عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الحب وتجاربه صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 27 يوليو 2015 22:21

الحب وتجاربه

 


من قال إن كل شىء فى هذه الدنيا يبقى على حاله ؟ إن التغير هو سمة الحياة ، وهو الذى يتحكم فى كل علاقاتنا مع من نحب أو نصادق .


كانت هذه الحقيقة هى التى خرج بها السيد نبيل بعد الأربعين سنة التى قضى معظمها فى تجارب الحب الجميلة والمريرة فى نفس الوقت . وفى كل مرة ، كان يقف لينظر كيف يندفع الحب فى الهواء مثل الألعاب النارية ، ويلمع ويتلألأ ، ثم ما يلبث أن يخبو وينطفئ ، وتتناثر شراراته على الأرض !


كم مرة أحب السيد نبيل ؟ ثلاث مرات . وفى كل منها كان يعتقد أنه قد دخل قلعة حصينة ، لا يمكن لأى عاصفة أن تهزها . ومع ذلك كانت جدران القلعة تتداعى ، إما بفعل زلزال عنيف ، أو بمغادرة الحبيبة له ، أو هروبه هو منها .


كان حبه الأول عذريا ، يمتلئ بالأحلام ، ويصدح بالأغانى ، ويرسم على ستائر الشفق جنته الموعودة مع حبيبة القلب . وقد استمر هذا الحب طوال ست سنوات ، أى خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية . فى كل صباح كان يوصلها إلى المدرسة . وفى الأجازة ، ينتظرها على ناصية الشارع حتى تطل عليه من الشرفة بابتسامتها العذبة ، فتمنحه روح السعادة التى يعيش عليها بقية اليوم . لكنها عندما حصلت على الثانوية ، والتحقت بالجامعة تغيرت الأحوال . فقد قلت المقابلات ، ولم تعد تظهر فى الشرفة . وراح يسمع بعض الهمسات من أصدقائه عن تقدم خطيب لها . ولم يمض وقت طويل حتى أقيم العرس ، وسافرت مع زوجها إلى مكان عمله بالإسكندرية .


التحق السيد نبيل بالجامعة ، وهو جريح القلب ، ممزق الفؤاد . وقد ظل يقاوم من أجل النسيان مهملا دراسته وملبسه ، حتى التقى بحبيبته الثانية : أكثر جمالا وإشراقا ، وأرجح عقلا ، وأقدر على فهم الحياة . كانت هى التى تدبر اللقاءات بينهما ، وتحدثه بكل صراحة عن المستقبل الذى سوف يجمعهما أما الشقة فهى محجوزة لها من أبيها ، وكذلك الوظيفة . وما عليه إذن إلا أن يقدم شبكة بسيطة ويتم الزواج السعيد . وهكذا مضت سنوات الدراسة فى الجامعة ممزوجة بالحب . وكان الزملاء ينظرون إليهما بالكثير من الغيرة ، وبعضهم يقول : إنهما يشكلان معا ثنائيا مناسبا تماما ومنسجما .


وفجأة وقع الزلزال الذى أسقط جدران القلعة . ظهر خطيب ذو مركز مرموق بوزارة الخارجية ، وطلبها من أهلها للزواج ، على أن يتم بسرعة وقد اضطرت كما قالت له للموافقة ، كما اضطر هو أن يتحلى بأخلاق الفروسية ويتمنى لها حياة سعيدة !


رسب السيد نبيل فى نفس العام الجامعى فأعاده ، وبعد أن تخرج بصعوبة تم تعيينه فى قرية مغمورة بالصعيد . وهناك راح يجتر أحزانه ، ويعانى مما يحيط به من الفقر والجهل ، بالإضافة إلى لدغات البعوض ، ونقيق الضفادع الذى لا يهدأ طوال الليل . وقد ظل لعدة شهور منطويا على نفسه ، ولا يكاد يتحدث مع أحد إلا فى العمل ، وذات يوم ، فوجئ بسيدة صغيرة السن تطرق بابه وتقدم له صينية عليها بعض اطباق الطعام ومغطاة بفوطة زرقاء . حاول أن يرفضها ، فأصرت وقالت له : أنا جارتك فى البيت الملاصق . كان الطعام لذيذا جدا فالتهمه بشهية ، لكنه راح يفكر فى رد جميلها أو على الأقل شكرها ، لكن كيف يحدث ذلك فى جو القرية الذى لا يقبل ابدا أى لقاء بين رجل وامرأة ؟!


ومع ذلك فقد ظل يفكر فيها ، ثم فى ذات ليلة بدون قمر ، قرر أن يجازف ويطرق بابها . فوجئ بها هى التى تفتح الباب وترحب به . دخل مسرعا . وجد منزلا مرتبا بنظام ولا يشبه أبدا بيوت الريف . أحضرت له الشاى وراحا يتحدثان. هى رغم صغر سنها أرملة . توفى زوجها فى حادث ثأر بعد العرس بشهر واحد .أهل زوجها يلحون عليها فى الزواج من أخيه لكنها لا تحبه . هكذا قالتها بلا حرج تنوى أن تكمل تعليمها فى الجامعة ، وترجو منه أن يساعدها فى اختيار الكلية الأسهل . كانت تتحدث بصدق بالغ وصراحة كاملة ، وكانت جميلة جدا وناضجة .


عاد إلى بيته الكئيب فلم يجده كذلك . ظل طوال الليل يفكر فيها ، ويؤكد لنفسه أنها مناسبة له تماما. لم يعد يتألم من لدغات البعوض، ولا يزعجه نقيق الضفادع . هى إذن المرأة التى ستحول حياته من حزن إلى فرح ، وكآبته ويأسه إلى سعادة . غدا يطلب منها الزواج ، ويبحث معها إجراءاته .


فى اليوم التالى ، وأثناء فترة العمل ، زاره شخصان من كبار رجال القرية ، وطلبا منه أن ينفردا به لمدة خمس دقائق . خمس دقائق فقط . قال الأصغر سنا : بلغنا أنك تنوى الزواج من الآرملة جارتك ، ولا تقل لنا كيف ؟ فنحن لا يخفى علينا دبيب النملة فى القرية . اسمع يا أستاذ .. الموضوع مغلق ، لأنه مرتبط بقضايا ثأر لم تنته بعد . وأضاف الأكبر : ولولا أننل نقدر يابنى خدماتك للبلد ، لما جئنا إليك وحذرناك . أجاب السيد نبيل بانفعال : يعنى هذا تهديد ! قال الأصغر : اعتبره كما تشاء ، وانصرفا .


المسألة إذن جد . بل هى أخطر . فى نفس اليوم ، قدم طلبا للنقل إلى قرية أخرى بمحافظة أبعد . استجابت الإدارة لطلبه على الفور . وفى القطار ، جلس بجوار الشباك يتأمل خضرة الحقول وامتدادها ، وتساءل : لماذا لا تكون نفوس البشر بهذا الامتداد ؟ كما حاول أن يسترجع تجارب الحب التى مر بها ، وكيف أنها لم تكن أكثر من ألعاب نارية ، ترتفع وتبرق وتتلألأ ، ثم ترتمى أخيرا على الأرض !


ـــــــــــــــــــــــ

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الاثنين, 27 يوليو 2015 22:25