عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
بمناسبة واجب عزاء صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 27 يوليو 2015 22:16

بمناسبة واجب عزاء

 


كان على أن أذهب لتعزيته فى وفاة ابنه نتيجة حادث سيارة ، انقلبت به وهو عائد من زيارة أعمامه فى القرية . كان الحادث مروعا ، والآدهى أن المصيبة جلل . فالولد هو الوحيد على ثلاث بنات ، وكان والده يأمل أن يكون هو سند الأسرة من بعده . وسبحان الله ! كان شابا مضىء الوجه ، ممشوق القوام متفوقا فى دراسته بكلية الهندسة ، وعلى مستوى رفيع من الأدب والأخلاق .


كان يجلس معنا عندما نزور والده مؤدبا ، مصغيا ، ساعيا فى راحتنا بأى شكل . فهو الذى يقدم لنا الشاى ، ويصبه ، ويسأل كلا منا عن عدد قطع السكر التى يضعها فى كوبه ، وىبادر بسؤال أحدنا : هل أنت مرتاح ياعمى فى مقعدك ، ام أحضر لك مسندا ؟


كان الأب محطما بالكامل . ولا أدرى كيف هى حالة الأم ؟ وأخواته البنات ؟ لقد كان بالنسبة إليهن الواجهة التى تقدمهن للمجتمع ، والظهر الذى يستندن إليه على المدى الطويل . ثم لمن تؤول إدارة الثروة التى أنفق الأب عمره الطويل فى جمعها ؟


لا شك أبدا فى أن الموت حق ، لكن الفراق هو قاصمة الظهر ، وخاصة للآباء والأمهات حين يفقدون أبناءهم ، وهم على بعد خطوات قليلة من القبر . إن النهار يظلم ، والشمس تختفى ، ولا يبقى سوى الليل الشديد السواد ، ودقات ساعة الحائط التى تعزف لحنا جنائزيا لا يتوقف ..


فى ليلة العزاء ، ينشغل أهل المتوفى باستقبال الأحباب والأصحاب والمعارف من قريب وحتى من بعيد . وكلهم يحتضن أو يشد على اليد قائلا : ( البقاء لله ) ، وتكون الإجابة : (شكر الله سعيكم ) . أما حين يقول أحدهم للوالد : ( إن شاء الله تكون آخر الأحزان ) فإنه ينظر إليه بانكسار ، وكأنما يقول ( كيف هى آخر الأحزان ؟ إنها عندى أكبر الأحزان ) !


وعندما ينصرف آخر المعزين ، وتتم محاسبة المقرئين وصاحب الفراشة ومقدمى القهوة والمياه ، يكون الإرهاق قد بلغ بأهل المتوفى مداه ، ويودون لو يسرعون بالعودة إلى المنزل لكى يريحوا أجسادهم المنهكة ، ويخلوا لأنفسهم لكى يعيشوا لحظة حزن مركزة مع فقيدهم الغالى .


وهنا يأتى النوم . . فينتزعهم من هموم الحياة . وقد قيل بحق إن النوم موت قصير لا يلبث الإنسان أن يستيقظ منه ، بينما الموت نوم طويل لا ينتهى إلا مع لحظة البعث يوم القيامة . وفى هذا النوم القصير ، قد تلوح بعض الأحلام المزعجة ، كما قد تهجم بعض الكوابيس الثقيلة . المهم أن الجسم يستريح قليلا دون أن تختفى من الحلق غصة لا تستطيع كل أنهار العالم إزالة مرارتها .


فى الأيام التالية للوفاة ، يمنح الله لأهل الميت قدرا من النسيان ، وهو ينساب رويدا رويدا مثل زخات المطر الى تتوالى على صخرة فتجعلها نظيفة وملساء . وأخيرا يعلو صوت القضاء والقدر ، فيعيد صاحب المصيبة إلى حقيقة أن أما حدث له إنما هو حلقة واحدة فى سلسلة طويلة من الأحداث المقررة سلفا ،وأنها تشمل كل الكائنات الى خلقها الله ، وحدد لكل منها بداية ونهاية لا تتخلفان . وعندئذ يبدأ فى الإصغاء إلى آيات القرآن الكريم ، وقد يقبل على قراءته وكلما تذكر فقيده قرأ الفاتحة على روحه ، وأخرج بعض الصدقات من أجله . .


وهكذا تمضى الحياة ، ممزوجة بالموت . وهما معا من خلق الله .


ــــــــــــــــــــــــــ

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الاثنين, 27 يوليو 2015 22:17